البحوث والمقالات

(١٧٦) الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) في الفكر البشري

الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) في الفكر البشري

علي الدنيناوي

أصبح المصلح العالمي حلم الإنسانية الحية الضمير، والتي تأمل تحقق العدل على الأرض، ولكن وجهات النظر عن هذا المنقذ تختلف من عقيدة إلى أخرى، فكل يتوجه إليه ضمن عقيدته، ويعتقد به ناصراً لدينه، وبعض الناس يودون خروجه الشريف لتحقيق الرفاهية للمجتمع، بغض النظر عن الدين الذي يدافع عنه هذا المنتظر، ونحن المسلمون لنا رأينا الحق في شخصية هذا الرجل العظيم.
وهنا نسلط الضوء على وجهة نظر بعض العقائد في الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) وكيف ننظر للإصلاح العالمي، وكالتالي:
1- الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) في نظر الاستكبار العالمي:
لاشك في وضوح الجرائم التي مارسها الاستكبار العالمي ضد الإنسانية بوجه عام، وضد الأمة الإسلامية بوجه خاص، والخطط والأساليب التي وضعتها دول الاستكبار العالمي للفتك بالشعوب وتمزيقه، من خلال القضاء على الروابط الاجتماعية الأصيلة بين الأمم والقوميات، وتدمير القيم الأخلاقية، ونشر عوامل التفسخ الخلقي، وأبعاد المجتمع الإنساني عن كل ما يربطه بالفطرة الإلهية أكثر من أن تحصى أو تعد قال الله تعالى: ﴿وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقًا

وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): كل مولود يولد على الفطرة حتى يكون أبواه يهودانه وينصرانه.
ولا يخفى إن قوى الاستكبار تفننت باستخدام هذه الأساليب الشيطانية ضد المجتمع المسلم، فقد حققت أول انتصار لها في تقسيم الأمة الإسلامية إلى أقاليم ودويلات ضعيفة، بعد أن شرعت في خلق عوامل عديدة للاختلاف والعداء بين هذه الشعوب المقسمة تحت مصطلح (الاستقلال) ومن خلال هذه الاختلافات والتقسيمات سعت لجر الشعوب إلى معارك طاحنة.
فقد ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: لن تفنى أمتي حتى يظهر فيهم التمايز، والتمايل، والمعامع، فقيل: يا نبي الله ما التمايز؟ قال (صلى الله عليه وآله وسلم): عصبية يحدثها الناس بعدي في الإسلام، فقيل: فما التمايل؟ قال (صلى الله عليه وآله وسلم): يميل القبيل على القبيل فيستحل حرمته، قيل: فما المعامع؟ قال (صلى الله عليه وآله وسلم): مسير الأمصار بعضها إلى بعض، تختلف أعناقها في الحرب.
إن هدف القوى الكبرى وعملائها في البلدان الإسلامية يتمثل في بث الفرقة بين المسلمين الذين آخى الله بينهم، وسمى المؤمنين منهم بالإخوة، وفصلهم عن بعض تحت مسميات الشعب التركي، والشعب الكردي، الشعب العربي، الشعب الفارسي، بل وإيجاد العداوة بينهم، وهذا الأمر على الضد مما أراده الإسلام والقرآن الكريم تماماً.
ولم يكفها ذلك، بل جندت كل وسائل الإعلام والدعاية لتشويه صورة الإسلام والمسلمين لدى شعوبها الغافلة، المنكبة على اللهو والفساد، وأصبح مصطلح (الإرهاب) يكفي لمحاربة أية شخصية إسلامية تسعى للمطالبة بحق بسيط من حقوق الشعب المضطهد.
ولا شبهة! فإنها تخصصت في نهب ثروات المجتمع المسلم من خلال نظرية القطب الواحد، ونظرية العولمة، واحتكار العقل الإنساني، وحرمان الشعوب المسلمة من التقدم العلمي، والمعرفة، والصناعة.
لقد اعتاد قادة هذه القوى وساستهم على أن يتعاملوا بجدية لدفع الضرر المحتمل، واعترفت توقعاتهم السياسية بـ(أن الإسلام قوة سياسية واجتماعية قادرة على توحيد الجماهير)، ومن جانب آخر، اطلعوا على مؤلفات المسلمين في خروج الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، وبالتالي فعليهم أن يستعدوا لهذا الخطر المحدق بهم. قال الله تعالى: ﴿وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ﴾.
2- الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) في النظرية الصليبية واليهودية:
تذهب بعض العقائد الصليبية واليهودية إلى أن المصلح العالمي هو السيد المسيح (عليه السلام)، أو النبي داود (عليه السلام)، على اختلاف النظريتين، وفي نفس الوقت يسلم هؤلاء بخروج الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، إلا إنهم يعتقدون -كما نعتقد نحن كذلك- إن هذا القائد العظيم هو رجل مسلم، هدفه نشر دين الإسلام، والقضاء على المسيحية واليهودية، والنحل الأخرى، وتحطيم إمبراطورياتهم الظالمة وكنائسهم وبيعهم، ويعتقدون أيضاً انه (عجّل الله فرجه) يخرج في ارض آسيا العربية، قبل نزول السيد المسيح (عليه السلام)، أو رجوع النبي داود (عليه السلام)، ويكون مقر قيادته في بابل العراق.
وقد استلهمت هذه النظرية من بعض الكتب اليهودية والمسيحية القديمة، ومن تنبؤات الرجل اليهودي -أو المسيحي على بعض الأقوال- نوستر أداموس، الذي أشار بصراحة إلى ظهور هذا الشخص العظيم، حيث قال: في المنطقة العربية الغنية، سوف يولد شخص قوي في شريعة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه سوف يربك اسباني، ويقهر غرناطة، إضافة إلى الشعب الليغوري بواسطة البحر.
وتبنّى هذه العقيدة بعض أصحاب القرار في الدول العظمى، وبالتالي فقد اتفقت هذه العقيدة مع آراء الساسة في أن المنطقة -آسيا العربية- قادرة على أن تهيئ قائدا عظيما يوحد الدول الإسلامية ويشكل خطراً فادحاً على منافعهم.
3- الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) في الفكر الإسلامي:
يعتقد المسلمون بأن المصلح العالمي والمهدي (عجّل الله فرجه) مفهومان لشخصية واحدة وهو الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) الذي وعدهم به الله سبحانه وتعالى على لسان رسوله الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمة (عليهم السلام)، وقد اتفقت بذلك جميع المذاهب والفرق الإسلامية، وهذا الشخص المسلم الذي يخرج في المنطقة الآسيوية، والذي يكون مقره الكوفة -بابل القديمة- سوف ينشر راية الإسلام، ويحطم جميع الإمبراطوريات الظالمة في العالم، ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلم، وفي زمانه ينزل السيد المسيح (عليه السلام)، ويعاونه ويساعده في ذلك.
4- العامل المشترك وتحديد المنطقة الجغرافية:
العامل المشترك بين هذه النظريات، ومن خلال القراءة السريعة له،نخرج بنتيجة هي: إن الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) رجل مسلم، يخرج في أرض العرب الآسيوية، وبعض الدول المجاورة له، ويقيم دولة إسلامية عليه، ويجمع كل الدول تحت لوائه في راية واحدة، ولا يكون همه إلا نشر الإسلام، واظهاره على كل الأديان، وتهديم كل ما توصل إليه الاستكبار العالمي من الحضارة الفاسدة.

البحوث والمقالات : ٢٠١٣/٠٦/٠٣ : ٣.٩ K : ٠
: علي الدنيناوي
التعليقات:
لا توجد تعليقات.