البحوث والمقالات

(١٨٢) المبادرة الفردية من سمات المنتظر (عجّل الله فرجه)

المبادرة الفردية من سمات المنتظر (عجّل الله فرجه)

حسين الماجدي

يبدأ الإنسان حياته بالاعتماد كلياً على الآخر. في طعامه وشرابه وجميع شؤون حياته، ثم يبدأ بالاستقلال شيئاً فشيئاً إلى أن يصير هو مؤثراً في غيره. وهذه حالة طبيعية يمر بها الجميع.
ولكن الحالة غير الطبيعية، هي أن تجد شخصاً يعيش خارج العصر، ويعيش حياته منتظراً من الآخر أن يعمل له، ويرعى شؤونه، وكأنه يعيش حالة الطفولة الأولى، إنه لا يبادر، ولكنه ينتظر من الآخر أن يبادر. أما هو فواقف على التل، فاغراً فاه، ينتظر من يلقمه ويسقيه، هذا على المستوى الفردي، وهكذا على المستوى الاجتماعي، إنه يرفع شعار (ليبدأ غيري).
إن انساناً مثل هذا، لو طرحت له قضية الانتظار للإمام المهدي (عجّل الله فرجه) فإنه سيرفع نفس ذلك الشعار، ليتمثل الانتظار عنده بحالة سكون وسبات يحبس فيها أنفاسه منتظراً التغيير من الآخر.
ولكن الإسلام لا يقبل بهذا. فقد دعا إلى أن يكون الفرد - أي فرد - مبادراً للعمل على المستوى الفردي والاجتماعي، ولذا فإن الله تعالى أمر مريم أن تهز جذع النخلة، وأمر العبد أن يبدأ هو بالتقرب إلى الله تعالى ولو بشبر، ليتقرب الله تعالى إليه ذراعاً. وجعل من صفات المؤمن المبادرة بالسلام. أما المنافق فيقول (لا أسلّم حتى ُيسلّم عليّ). وجعل أجر البادئ بالسلام أعظم.
والخلاصة: الإسلام يجعل الانطلاق من الداخل ﴿حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ﴾ فيتمحور التغير داخلياً ليؤثر على الواقع كله.
والانتظار بمعناه الصحيح يعتمد هذا المعنى، فحتى تكون منتظراً حقيقياً عليك أن تبدأ وتبادر. ولا تنتظر من غيرك أن يبدأ هو. وهذا له مؤشرات عديدة في الروايات منها:
- أكدت الروايات على ضرورة تفعيل مبدأ الدعوة لمعرفة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) وقضية الإمامة عموماً.
- فقد جاء في بحار الأنوار: ج71 - ص86 عن سليمان بن خالد قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إن لي أهل بيت وهم يسمعون مني أفأدعوهم إلى هذا الأمر؟ فقال: نعم إن الله (عزّ وجل) يقول في كتابه ﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْليكُمْ ناراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ﴾.
- المبادرة بتعليم جهّال الشيعة وضعفائهم وتقوية ايمانهم.
جاء في بحار الأنوار: ج2- ص6: قال علي بن محمد (عليهما السلام): لولا من يبقى بعد غيبة قائمنا (عليه السلام) من العلماء الداعين إليه، والدالين عليه والذابين عن دينه بحجج الله، والمنقذين لضعفاء عباد الله من شباك إبليس ومردته ومن فخاخ النواصب لما بقي أحد إلا ارتد عن دين الله ولكنهم الذين يمسكون أزمة قلوب ضعفاء الشيعة، كما يمسك صاحب السفينة سكانها أولئك هم الأفضلون عند الله (عزَّ وجل).
وجاء في الكافي: ج1 - ص33 عن معاوية بن عمار قال: (قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): رجل راوية لحديثكم يبث ذلك في الناس ويشدده في قلوبهم وقلوب شيعتكم ولعل عابداً من شيعتكم ليست له هذه الرواية أيهما أفضل؟ قال: الراوية لحديثنا يشد به قلوب شيعتنا أفضل من ألف عابد).
- المبادرة للإمام (عجّل الله فرجه) إذا ظهر ولو حبواً على الثلج.
ففي كمال الدين: ص326 عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر (عليهما السلام) قال: (قال لي: يا أبا الجارود إذا دارت الفلك، وقال الناس: مات القائم أو هلك، بأي واد سلك، وقال الطالب: أنى يكون ذلك وقد بليت عظامه فعند ذلك فأرجوه، فإذا سمعتم به فأتوه ولو حبواً على الثلج).

البحوث والمقالات : ٢٠١٣/٠٦/٠٣ : ٣.٥ K : ٠
: حسين الماجدي
التعليقات:
لا توجد تعليقات.