(١٨٧) دور تعاليم الانتظار في يقظة الشعوب وصحوتها
دور تعاليم الانتظار في يقظة الشعوب و صحوتها
مياسة مهدي
ظل مفهوم الانتظار حالة نفسية صاحبت الإنسان طوال حياته الاجتماعية والفكرية والعقائدية، فنهاية المصير تجربة نفسية لهذا الشعور الذي مارسته الإنسانية على مر الزمن، وهو من أوسع التجارب النفسية وأكثرها عموما بين أفراد الإنسان، وحينما يدعم الدين هذا الشعور النفسي العام، ويؤكد أن الأرض في نهاية المطاف ستمتلئ قسطاً وعدلاً بعد ما ملئت ظلماً وجور، يعطي لذلك الشعور قيمته الموضوعية، ويحوله إلى إيمان حاسم لمستقبل المسيرة الإنسانية، وهذا الإيمان ليس مجرد مصدر للسلوة والعزاء فحسب، بل هو مصدر عطاء وقوة، فهو مصدر عطاء لأن الإيمان بالإمام المهدي (عجّل الله فرجه) إيمان برفض الظلم والجور حتى وهو يسود الدنيا كله، وهو مصدر قوة ودفع لا تنضب، لأنه بصيص نور يقاوم اليأس في نفس الإنسان ويحافظ على الأمل المشتعل في صدره مهما ادلهمت الخطوب،وتعملق الظلم، لان اليوم الموعود يثبت أن بإمكان العدل أن يواجه عالماً مليئاً بالظلم والجور، فيزعزع ما فيه من أركان الظلم ويقيم بناءه من جديد. وأن الظلم مهما تجبر وامتد في أرجاء العالم وسيطر على مقدراته فهو حالة غير طبيعية، ولا بد أن ينهزم تلك الهزيمة الكبرى المحتومة للظلم وهو في قمة مجده تضع الأمل كبيراً أمام كل فرد مظلوم، وكل أمة مظلومة في القدرة على إعادة تغيير الميزان وإعادة البناء.
وإذا كانت فكرة الانتظار أقدم من الإسلام وأوسع منه فان معالمها التفصيلية التي حددها الإسلام، جاءت أكثر إشباعاً لكل الطموحات التي أنشدت إلى هذه الفكرة منذ فجر التاريخ الديني، وأغنى عطاء وأقوى إثارة لأحاسيس المظلومين والمعذبين، الذين اكتووا ألماً على مر التاريخ، وذلك لأن الإسلام حوّل هذه الفكرة من غيب إلى واقع ومن مستقبل إلى حاضر، ومن التطلع إلى منقذ تتمخض عنه الدنيا في المستقبل البعيد المجهول، إلى الإيمان بوجود المنقذ فعل، وتطلعه مع المتطلعين إلى اليوم الموعود، واكتمال كل الظروف التي تسمح له بممارسة دوره العظيم.
فلم يعد الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) فكرة ننتظر ولادته، أو نبوءة نتطلع إلى مصداقه، بل واقعاً قائماً ننتظر فاعليته وإنسانا معينا يعيش بيننا بدمه ولحمه، نراه ويران، ويعيش مع آمالنا وآلامنا ويشاركنا أحزاننا وأفراحنا ويشهد كل ما تزخر به الساحة على وجه الأرض من عذاب المعذبين وبؤس البائسين وظلم الظالمين، ويكتوي بكل ذلك من قريب أو بعيد، وينتظر بلهفة اللحظة التي يتاح له فيها أن يمد يده إلى كل مظلوم، وكل محروم، وكل بائس، ويقطع دابر الظالمين.
وقد قدر لهذا القائد المنتظر أن لا يعلن عن نفسه ولا يكشف للآخرين تفاصيل حياته على الرغم من أنه يعيش معهم انتظاراً للحظة الموعودة، ومن الواضح أن التفكير بهذه المعالم الإسلامية تقرب الهوة الغيبية بين المظلومين كل المظلومين، والمنقذ المنتظر (عجّل الله فرجه)، وتجعل الجسر بينهم وبينه في شعورهم النفسي قصيراً مهما طال الانتظار.