(١٩٦) المحددات الشرعية لمعرفة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)
المحددات الشرعية لمعرفة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)
السيد محمد الشوكي
قال مولانا الإمام المهدي (عجّل الله فرجه): (أما تعلمون أن الأرض لا تخلو من حجةٍ إما ظاهراً وإما مغموراً أو لم يعلموا انتظام أئمتهم بعد نبيهم (صلى الله عليه وآله وسلم) واحداً بعد واحد إلى أن أفضى الأمر بأمر الله (عزَّ وجل) إلى الماضي (يعني أباه الحسن العسكري (عليه السلام)) فقام مقام آبائه (عليهم السلام) يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم.
كان نوراً ساطعاً وقمراً زاهراً اختار الله (عزَّ وجل) له ما عنده فمضى على منهاج أبيه (عليه السلام)، على عهد عهده ووصية أوصى بها إلى وصي ستره الله بأمره إلى غاية، وأخفى مكانه بمشيئته، للقضاء السابق والقدر النافذ، وفينا موضعه ولنا فضله ولو قد أذن الله (عزَّ وجل) فيما قد منعه وأزال عنه ما قد جرى به من حكمه لأراهم الحق ظاهراً بأحسن حلية وأبين دلالة وأوضح علامة ولأبان عن نفسه وقام بحجته ولكن أقدار الله (عزَّ وجل) لا تغالب وإرادته لا تُرد وتوفيقه لا يُسبق.
هذه العبارات هي مقطع من رسالة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) التي رواها الشيخ الصدوق (قدس سره) في كتاب كمال الدين وقد بعثها الإمام (عجّل الله فرجه) رداً على رسالة بعثها إليه سفيراه في الغيبة الصغرى عثمان بن سعيد ومحمد بن عثمان (رحمهما الله) وموضوعهما يرتبط بنشاطات بعض الذين أنكروا إمامته بعد استشهاد والده الإمام العسكري (عليه السلام).
فان مولانا الحجة المهدي (عجّل الله فرجه) يشير في هذا المقطع من رسالته الساطعة التي يستند إليها الإيمان الصادق بإمامته في غيبته (عجّل الله فرجه).
فالأحاديث الشريفة قد صدرت من آبائه، وقبل ولادته مخبرة المؤمنين عن استمرار الإمامة في آل محمد (عليهم السلام) وعبر اثني عشر إماماً آخرهم تقع له الغيبة.
كما أن الواقع التاريخي قد صدق هذه الأحاديث الشريفة فلم تنقطع سيرة الإمامة في العترة المحمدية رغم كل الأوضاع المضادة وأثبتت تصدي الإمامين الجواد والهادي (عليهما السلام) لمهام الإمامة وهما في سن دون العاشرة؛ أثبتت أن أمر هذه الإمامة هو من الله (عزَّ وجل) وبيده والله غالب على أمره وكذلك الحال بشأن غيبته (عجّل الله فرجه) وستر أمره وإخفاء مكانه، فكلها خاضعة لحكمة الله في تدبير شؤون عباده وهدايتهم إلى الحق وإبلائهم بما يوصلهم إلى معارج الكمال.
ويشتمل التذكير بهذه الحقيقة، على عدة وصايا للمؤمنين، منها أن يرسخوا في قلوبهم روح السكينة والطمأنينة بفرج الله ونصره مهما بلغت شدة جهود الأعداء ضد الإمامة الحقة، ومهما اشتدت الفتن والنشاطات المضادة.
وفي المقطع المتقدم ينبه إمام العصر (عجّل الله فرجه) أيضاً إلى أن أمد غيبته محدد في علم الله بغايةٍ معينة تشتمل على توفيق رباني خاص، حيث قال (عليه السلام): (وصي ستره الله بأمره إلى غاية وأخفى مكانه بمشيئته للقضاء السابق والقدر النافذ، وفينا موضعه ولنا فضله ولو قد أذن الله (عزَّ وجل) فيما قد منعه وأزال عنه ما قد جرى به من حكمه لأراهم الحق ظاهراً بأحسن حلية وأبين دلالة وأوضح علامة ولأبان عن نفسه وقام بحجته ولكن أقدار الله لا تغالب وإرادته لا ترد وتوفيقه لا يسبق).
إذن فالله على كل شيء قدير ولا يصعب عليه أن يظهر وليه بأوضح دلالة، ولكنه علم أن صلاح عباده هو في أن يروا بهذا الابتلاء لكي يتحقق في قلوبهم الإيمان الصادق بالغيب من هنا تتضح الوصية المهدوية الثانية في هذا المقطع وهي أن يسعى المؤمنون إلى أن يجعلوا صعوبات عصر الغيبة عاملاً لتقوية إيمانهم بإمامهم (عجّل الله فرجه) ولا يسمحوا لهذه الصعوبات بأضعاف هذا الإيمان.
وبذلك يبلغوا المراتب السامية التي بشر بها النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) الثابتين على التمسك بولاية سليله الإمام المهدي في عصر غيبته (عجّل الله فرجه).
إن هذه المحددات أو هذه الأسيجة التي سيج فيها الأئمة (عليهم السلام) هذا المنصب الشريف منصب الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) تلعب دورين فإنها:
أولاً: تشخص المصداق الحقيقي للإمام المهدي (عجّل الله فرجه).
وثانياً: تنفي المصاديق الزائفة فهي قرائن على الإثبات وقرائن على النفي، تلعب هذين الدورين في آن واحد، وهذه المحددات كثيرة جداً وسوف نلخصها ولن ندخل في بيان الروايات والنصوص الشريفة الدالة عليها:
المحدد الأول: التحديد النسبي: ويمكن أن نلمسه ونلمحه في الروايات الشريفة وقد أكد على ذلك أهل البيت (عليهم السلام) كما روى المفضل عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) قال: (على إننا نصفنا ودللنا عليه ونسبناه وسميناه وكنيناه [أي الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)] لأن لا يقول الناس ما عرفنا اسمه ولا كناه ولا نسبه)، فأهل البيت (عليهم السلام) حددوا نسبه الشريف وهذا من أهم المحددات، فهو أولاً رجل عربي وهذا أمر قطعي في الروايات الشريفة في كتب الفريقين، وبالتالي فلا تقبل دعوة مدعي المهدوية إذا كان أعجمياً فارسياً أو هندياً أو أوربياً أو أفريقياً أو غير ذلك، فالإمام المهدي (عجّل الله فرجه) رجل قرشي أيضاً، فلا يقبل دعوة المهدوية من رجل أزدي أو خزاعي أو ثقفي أو تميمي أو قيسي أو غير ذلك، وهو رجل هاشمي، فلا يقبل دعوة المزومي أو الزهري أو الأموي أو التيمي أو العدوي أو الجمحي أو غير ذلك، وهو رجل من بني عبد المطلب فلا يقبل من ينتسب إلى غير عبد المطلب وإن كان من بني هاشم كما أيضاً ورد في الروايات الشريفة، ولما كان ولد عبد المطلب كثيرين جاءت الروايات لتحدد انه من ولد أبي طالب، ولما كان ولد أبي طالب (عليهم السلام) أربعة، جاءت الروايات لتحدد انه علوي من ولد علي (عليه السلام)، ولما كان ولد علي (عليه السلام) كثيرون.
فقد جاءت الروايات لتحدد أنه من ولد فاطمة (عليها السلام)، ولما كان لفاطمة (عليها السلام) ولدان هما الحسن والحسين (عليهما السلام) جاءت الروايات لتؤكد انه من ولد الحسين (عليه السلام) فلا تقبل دعاوى الحسنيين في هذا الاتجاه، ثم تستمر السلسلة إلى أن تصل إلى الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) الذي اتفق الشيعة الإمامية أن الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) من صلبه ووافقهم في ذلك الكثير من علماء السنة، إذن هذا المحدد النسبي وهو محدد مهم يثبت لنا المصداق الحقيقي للإمام المهدي (عجّل الله فرجه) إذا انطبقت عليه هذه السلسلة النسبية المباركة وينفي لنا هذا العنوان من لا تنطبق عليه هذه السلسلة، فالكثير منهم ينتمون إلى عشائر وطوائف خارج هذه الدائرة هذا المحدد.
المحدد الثاني: التحديد الشخصي: وهو التحديد الثاني من خلال الصفات الشخصية التي وردت في الروايات الشريفة والتي تذكر لنا تفاصيل جسده وصورته، فعن طريق السنة مثلاً روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: (لا تقوم الساعة حتى يملك رجل من أهل بيتي أجلى أقنى يملأ الأرض عدلاً كما ملأت قبله ظلماً)، فهو أجلى الجبين يعني الشعر منحصر عن جسده ويخف على جانبيه وأقنى يعني طويل الأنف مع دقة أرنبته وتحديدات في وسطه، كذلك ورد عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): إن المهدي رجل من ولدي وجهه كالقمر الدري، وقد روى الشيخ الصدوق (قدس سره) ذلك في كمال الدين عن أمير المؤمنين (عليه السلام): أنه أبيض اللون مشرب بحمرة مبرح البطن عريض الفخذين عظيم مشاش المنكبين في ظهره شامتين شامة على لون جلده وشامة على شبه شامة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، كذلك الإمام الصادق (عليه السلام): إن الشامة تحت كتفه الأيسر على شكل ورقة الآس، يقول الإمام الباقر (عليه السلام): في وصف ذك المشرب حمرة الغائر العينين المشرف الحاجبين العريض ما بين المنكبين برأسه حزاز وبوجهه اثر، وغير ذلك من الصفات التي وردت في الإمام المهدي (عجّل الله فرجه).
فمن يدعي المهدوية أيضاً نطبق عليه هذا التحديد وهذه الصفات.