البحوث والمقالات

(٢٠٤) أنهار من البشر تمهِّد لظهور المنتظر (عجّل الله فرجه)

أنهار من البشر تمهِّد لظهور المنتظر (عجّل الله فرجه)

الشيخ حميد عبد الجليل الوائلي

تعتبر المسيرات الجماهيرية - إذا نظرنا إليها ضمن النظرة الحالية - أنها أحد أهم المحاور في تحديد السياسات للمجتمع بل قد تتعدى إلى أن تتدخل في تغيير النظم والدول.
فلو عكسنا ما تمثله المسيرات الجماهيرية التي تنطلق من أُسس عقائدية لكان الأولى أن نقول إنه لو كانت القابلية على التغيير في المسيرات الجماهيرية الاعتيادية بنسبة تقارب (٦٠%) فإنها في المسيرات العقائدية لابدّ أن ترتفع إلى نسبة أعلى بكثير، ومنشأ هذه اللابدية أن تلك المسيرات الجماهيرية كانت منطلقاتها المطالبة بتلبية حاجات آنية كتوفير معيشة أفضل أو مسكن أو نوع من الحرية تتناسب وطموح الشخص الذي خرج في هذه المسيرات، أمّا المسيرات الجماهيرية العقائدية فإنها تنطلق من منطلقات تخترق هذا الوجود لترتبط عبر القدوة الذي تتخذه الجماهير إلى وجود أرحب وأوسع، لأن العقيدة لا يحصرها الوجود الدنيوي بل هي تنفذ إلى الوجودات المتعددة التي يعيشها الإنسان، وتتحصل ثمراتها له في المراحل التي سينتقل إليها بعد حياته الدنيوية، ومن هذا المنطلق يكون الدافع أقوى والعزيمة أعلى وبمرتبة يضعف معها إمكانية النيل من المسيرة أو تفكيكها وإضعافها.
ومن هنا، لو أننا أخذنا على عاتقنا في مسيرة الأربعين لزيارة الإمام الحسين (عليه السلام) بأن نفهّم الجمهور أن لمسيركم هذا علاقة مباشرة بظهور الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) وهذه العلاقة يمكن استكشافها من جوانب متعددة.
فعلى سبيل المثال لا الحصر، أن الذهاب إلى الإمام الحسين (عليه السلام) مع استحضار كون هذا الذهاب بقصد القربة إلى الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، ويعني ذلك أن هذا الفرد بذهابه إلى الإمام الحسين (عليه السلام) يكون قد ذهب إلى الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، فإنه صاحب ثأره وولي دمه، وأن الأمر كما في حياتنا الاجتماعية، فعندما نريد أن نعزّي بفقد عزيز فإننا نذهب إلى وريثه وولي دمه، وهذا الذهاب منا تكريم للميت وللحي معاً، ولا يمكن أن يحسب تكريماً للميت فقط أو تكريماً للحي فقط، بل هو تكريم لهما معاً، وهذا ينطبق تماماً على مسيرة الأربعين المليونية التي نشهدها في كل سنة مرة وبأعداد لم يسبق للتأريخ أن سجل كثرة كهذه التي هي عليه الآن.
وهذه المسيرة كما تمثل عقد بيعة وولاء للإمام الحسين (عليه السلام) فهي تمثل عقدة بيعة وولاء للإمام المهدي (عجّل الله فرجه).
ومن جانب آخر فإن هذه المسيرة الملحمية تقدم لنا إمكانات روحية عالية على مستوى سحق الأنانية في تقديم الخدمة للآخرين وإن كان صاحب هذه الخدمة ذا منزلة اجتماعية كبيرة أو سياسية أو دينية، فإننا نشهد على نطاق واسع أن أصحاب هذه الخدمة يتذللون ويتصاغرون أمام المشاة من أجل أن يقدموا لهم خدمة كغسل بعض ملابسهم أو تقديم الطعام لهم أو توفير وسيلة راحة لهم، فإن هذا التجرّد من الأنانية، والذوبان الروحي في المعارف الأخلاقية في تحصيل الكمالات يصعب تحصيله في أرقى الجامعات الإنسانية والمعاهد الأخلاقية حتى لو خُصص لذلك زمن طويل وتوفرت الإمكانات المادية الهائلة، بينما بالإمكان أن يحصله الإنسان في مسيرته إلى الأربعين، وهذا يجعل الإنسان متهيئاً أكثر لقضية الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، فكلما كان الإنسان ذا خلق رفيع وأخلاق سامية فإنّه سيكون أقرب إلى الإمام، ومن بين الأشخاص المعدودين الذين يتشرفون بنصرته ويحسبون على جماعته، وما إلى ذلك من العناصر التي يمكن أن نستشفّها ونقف عليها من خلال هذه المسيرة الأربعينية وكيف أنها ترتبط بالإمام المهدي (عجّل الله فرجه) وبعقيدته.
إن المشاة في هذه المسيرة المليونية المباركة هم بلا شك عناصر تقرب من ظهوره (عجّل الله فرجه) وتمهد لدولته، فهذه الأنهر من البشر التي تصب في بحيرة كربلاء الولاء لو سلط عليها الإعلام كما يسلط على القضايا السياسية فإنها كفيلة بأن تغير مجتمعات ودولاً، وهذا من الأهداف الأخرى التي يجب أن نرعاها في هذه المسيرة.

البحوث والمقالات : ٢٠١٣/٠٦/٠٤ : ٣.٨ K : ٠
: الشيخ حميد عبد الجليل الوائلي
التعليقات:
لا توجد تعليقات.