(٢٠٩) الغيبة الصغرى للإمام (عجّل الله فرجه) وسفراؤه الممجدون
الغيبة الصغرى للإمام (عجّل الله فرجه) وسفراؤه الممجدون
عبد الله علي الحسين
كان من لطف الله تعالى على الإمام المهدي المنتظر (عجّل الله فرجه) أن حجبه عن عيون الظالمين من بني العباس الذين جهدوا على تصفيته جسدياً، فقد خرج من بينهم وهم لا يشعرون، كما حجب جده رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن أبصار القرشيين الذين اجتمعوا لقتله.
فقد بدأت الغيبة الصغرى عند وفاة الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) سنة (260 هـ)، ففي هذا الوقت احتجب الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) عن أعين الناس بداره الواقعة بسامراء والتي فيها مرقد جده وأبيه (عليهما السلام)، إلا أنه كان يلتقي بخيار المؤمنين والصالحين.
وأقام الإمام المنتظر (عجّل الله فرجه) كوكبة من خيار العلماء والصالحين سفراء له، كانوا واسطة بينه وبين شيعته وكانت مهمتهم حمل المسائل الشرعية إلى الإمام (عجّل الله فرجه) وجوابه عنها.
أما الوكلاء فهم:
1) عثمان بن سعيد (قدس سره):
وهو أول وكلاء الإمام (عجّل الله فرجه)، كان ثقة زكياً أميناً وقد قام بدور ايجابي ومتميز في خدمة الأئمة (عليهم السلام) في أيام الطاغية المتوكل، الذي فرض الحصار الاقتصادي على الإمام الهادي (عليه السلام)، فمنع من إيصال الحقوق الشرعية إليه، وكانت تصل على يد عثمان بن سعيد بعد أن يجعلها في زقاق السمن ويبعثها إلى الإمام الهادي (عليه السلام)، ومن بعده إلى ولده الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)، وكان عثمان (قدس سره) همزة وصل بين الإمام (عجّل الله فرجه) وشيعته، وقد تولى عنه النيابة المطلقة والوكالة العامة، فكان يحمل إليه حقوقهم ورسائلهم، حتى انتقل إلى حضيرة القدس ودفن في مقره الأخير في بغداد بجانب الرصافة، وله قبر مشيد يزوره المؤمنون.
وابّن الإمام المنتظر (عجّل الله فرجه) الفقيد العظيم بكلمة بعثها إلى نجله العالم المقدس محمد بن عثمان (قدس سره)، جاء فيها: (إنا لله وإنا إليه راجعون، تسليما لأمره ورضا بقضائه، عاش أبوك سعيداً ومات حميداً، فزجه الله وألحقه بأوليائه ومواليه فلم يزل مجتهداً في أمرهم ساعياً إلى ما يقربه الله (عزَّ وجل) إليهم، نضّر الله وجهه وأقال عثرته، أجزل الله لك الثواب وأحسن لك العزاء، ورزيت ورزينا وأوحشك فراقه وأوحشنا، فسره الله مع منقلبه، وكان من سعادته أن رزقه الله ولداً مثلك، يخلفه من بعده، ويقوم مقامه بأمره، ويترحم عليه وأقول الحمد لله فإن الأنفس طيبة بمكانك وما جعله الله (عزَّ وجل) فيك وعندك، وقواك وعضدك ووفقك وكان لك ولياً وحافظاً وراعياً..).
وقد حكت هذه الكلمات مدى حزن الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) على نائبه الذي كان من عناصر الإيمان، كما أعرب الإمام (عجّل الله فرجه) عن ثقته البالغة بولده محمد الذي توفرت فيه صفات الكمال.
2) محمد بن عثمان (قدس سره):
تشرف بالنيابة عن الإمام المنتظر (عجّل الله فرجه)، فكان من ثقاة الشيعة ومن علمائهم المبرزين وكان كأبيه موضع ثقة الجميع وكانت رسائل الشيعة وحقوقهم تصل إليهم وهو بدوره يوصلها إلى الإمام (عجّل الله فرجه) ويحمل إليهم أجوبتها بتوقيعه.
وقد كتب الإمام (عجّل الله فرجه) في حقه إلى محمد بن إبراهيم الأهوازي ما نصه: (لم يزل -أي محمد- ثقتنا حياة الأب رضي الله عنه وأرضاه ونضر وجهه، يجري عندنا مجراه، ويسد مسده، وعن أمرنا يأمر الابن وبه يعمل، تولاه الله)... .
حتى انتقل إلى حضيرة القدس في آخر جمادي الأولى سنة (305هـ).
3) حسين بن روح (قدس سره):
هو النائب الثالث للإمام المنتظر (عجّل الله فرجه) وكان على جانب كبير من التقوى والصلاح ووفور العلم والعقل وقد تولى شرف النيابة عن الإمام (عجّل الله فرجه) بعد محمد بن عثمان، وهو الذي أرشد إليه، فقد قال لوجوه الشيعة لما سألوه عن الشخص الذي يخلفه: (هذا أبو القاسم الحسين بن روح بن أبي بحر النوبختي القائم مقامي والسفير بينكم وبين صاحب الأمر (عليه السلام) والوكيل له والثقة الأمين، فارجعوا إليه في أموركم وعولوا عليه في مهماتكم، وبذلك أمرت وقد بلغت).
وقد جرت بينه وبين معاند للحق مناظرة رائعة تغلب فيها الحسين على خصمه فأعجب بها محمد بن إبراهيم بن إسحاق، فقال له، هل هذا من عندك أو أخذته من أئمة الهدى؟ فأجابه الحسين بن روح: (يا محمد بن إبراهيم، لئن أخر من إلى الأرض فتخطفني الطير أو تهوي بي الريح في مكان سحيق، أحب إلي من أن أقول في دين الله برأيي ومن عند نفسي، بل ذلك من الأصل ومسموع من الحجة (صلوات الله وسلامه عليه)..).
بقي سفيراً عن الإمام (عجّل الله فرجه) إحدى أو اثنتين وعشرين سنة، وكان المرجع للشيعة والواسطة الأمين بينهم وبين الإمام (عجّل الله فرجه).
ومرض أياماً حتى أدركته المنية وانتقل إلى جوار الله تعالى سنة (336هـ) وقد جهز وشيع بتشييع حافل ودفن في مقره الأخير الواقع في بغداد في (سوق الشورجة) التي هي مركز تجاري في بغداد.
4) علي بن محمد السمري (قدس سره):
وتقلد النيابة العامة عن الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) بنص منه، وهو آخر وكلاء الإمام (عجّل الله فرجه) وقد أدى النيابة بصدق وإخلاص، بقول الرواة: إنه قبل وفاته أخرج إلى الشيعة رسالة موقعة من قبل الإمام المنتظر (عجّل الله فرجه) جاء فيها بعد البسملة (يا علي بن محمد السمري، أعظم الله أجر إخوانك فيك، فإنك ميت ما بينك وبين الموت ستة أيام، فاجمع أمرك ولا توص إلى أحد فيقوم مقامك بعد وفاتك، فقد وقعت الغيبة التامة، فلا ظهور إلا بأمر الله تعالى ذكره، وذلك بعد طول الأمد وقسوة القلوب وامتلاء الأرض جوراً، وسيأتي على شيعتي من يدعي المشاهدة فهو كذاب مفتر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم).
مرض السمري وبقي في مرضه أياماً، وقد دخل عليه بعض الشيعة فقالوا له: من وصيك من بعدك؟ فأجابهم: لله أمر هو بالغه.
حتى انتقل إلى جوار الله تعالى سنة (329هـ) في النصف من شهر شعبان.
وبعد موت السفير الرابع بدأت الغيبة الكبرى للإمام المنتظر (عجّل الله فرجه) وأقام الفقهاء العظام من شيعته ولاة ونواباً عنه، وأمر شيعته بالرجوع إليهم والتحاكم عندهم، فقد جاء (وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا، فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله..)
وتقلد الفقهاء العظام النيابة عن الإمام المنتظر (عجّل الله فرجه)، واليهم ترجع الشيعة فيما يفتون به من أحكام، ومن الجدير بالذكر أن الإمام المنتظر (عجّل الله فرجه) كانت له عدة التقاءات مع عيون العلماء والمتقين.