البحوث والمقالات

(٢١٠) التعرّف على منزلة الإمام صاحب العصر والزمان (عجّل الله فرجه)

التعرّف على منزلة الإمام صاحب العصر والزمان (عجّل الله فرجه)

السيد مرتضى المجتهدي السيستاني

إنّ واحدة من الطرق المهمة في زيادة المعرفة والتعرّف على المقام الشامخ والرفيع للإمام بقية الله الأعظم (عجّل الله فرجه)، هو معرفة دور وجوده المبارك في عالم الوجود ونظام الخلق.
فإذا علمنا أنّ ذلك الإمام العظيم هو محور وقطب الوجود، وأنه (عجّل الله فرجه) هو خليفة الله على أرضه وسمائه، وأنّه نقطة ارتكاز جميع عالم الوجود، والحاكم على جميع الكواكب والسحاب، وسلطانه يشمل حتى الملائكة التي تحمل عرش الله سبحانه وتعالى، فإذا عرفنا كل ذلك، فإنّ المنزلة والمقام العظيم للإمام صاحب العصر والزمان (عجّل الله فرجه) ستسمو وتكبر في أعيننا وتزداد علاقتنا ومحبتنا له، وحينئذٍ سندرك كيف أننا كنا بالفعل غافلين عن الإمام (عجّل الله فرجه) وعن ساحته القدسية، مع أنه حيّ ويعيش بين ظهرانينا!
إنّ الأئمة الأطهار (عليهم السلام) الذين هم خلفاء الله في عالم الخلقة والوجود ومن خلال أحاديثهم وكلماتهم - ولأجل بيان العظمة والمكان والمقام الرفيع للإمام (عجّل الله فرجه)، ولفت أنظار الناس إلى وجوده المبارك - فقد كانوا يعظّمونه بشكل رائع.
فعلى سبيل المثال يقول الإمام الباقر (عليه السلام): «يكون هذا الأمر في أصغرنا سنّاً، وأجملنا ذكراً، ويورثه الله علماً، ولا يكله إلى نفسه».
لا شك فإنّ ذكر جميع الأئمة الأطهار (عليهم السلام) هو جميل وحسن، ولكن لماذا يكون ذكر الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) له خصوصية أكثر جماليةً من بقية الأئمة الأطهار (عليهم السلام)؟
وفي صدد الإجابة نقول: إنّ جميع المساعي والجهود المضنية والتضحيات التي قام بها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمة الأطهار (عليهم السلام)، وكذلك حصيلة ونتائج كل المواقف البطولية وما قدّمه أولئك الأئمة (عليهم السلام) من غالٍ ونفيس، ستؤتي ثمارها على يديه المباركتين. وستظهر بواسطته (عجّل الله فرجه) ثمرة رسالة الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمة من أوصيائه (عليهم السلام) في أوساط الأُمة.
إذن؛ فإن ذكر ظهوره الميمون هو ذكر لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وبقية الأئمة الأطهار (عليهم السلام)، وأن الشخص الذي يذكر الإمام (عجّل الله فرجه) ويذكر عصر حكومته المباركة، فإنه يذكر جميع الجهود والمساعي الكبيرة التي قام بها الأئمة الأطهار (عليهم السلام)؛ لذلك فإنّ ذكره (عجّل الله فرجه) يعني ذكر جميع الأئمة المعصومين (عليهم السلام).
نعم؛ إنّ الجمال الجميل لذلك الإمام العظيم (عجّل الله فرجه)، هو ذكر جميل وحميد لجميع الأئمة المعصومين (عليهم السلام).
التعرّف على عصر الظهور المشرق:
يجب أن نتعلّم أنّنا وكما كنّا غافلين عن ذكر الإمام بقية الله الأعظم (عجّل الله فرجه)، كذلك فإنّنا نحمل قصوراً تّجاه معرفة أوضاع وأحوال عصر الخلاص.
وعلينا أنْ نعلن أيضاً أنّ التعرّف على عصر الظهور المشرق ومعرفة خصائصه العجيبة والفريدة، يزيد قيمة وأهميّة الدين لدى العارفين والمطّلعين على عصر الظهور، وكذلك يزيد هذا من قوّة اعتقاد أتباع مذهب أهل البيت (عليهم السلام) ومناصريهم.
ولهذا فإنّ معرفة الناس وإحاطتهم بالعصر المبارك، والذي تبسط فيه الحكومة الإلهية نفوذها على جميع أرجاء المعمورة، معناه معرفتهم بالثقافة القيّمة لأهل الوحي والرسالة (عليهم السلام) وعلومهم المتعالية.
معرفة عصر الظهور، هي معرفة نسبية:
هنا علينا الالتفات إلى نقطة هامّة، وهي: أنّ عصر الظهور المجيد سيكون عظيماً بحيث نبقى عاجزين عن تجسيده ورسم ملامحه بالشكل اللائق والمناسب، وأنّ ما أوردناه من عصر الظهور العظيم يعتبر قطرة من بحر.
إنّ الشخص الذي وُلد وعاش في زمن الغيبة، ولم يشاهد عظمة عصر الظهور، ولم يتذوّق حلاوته، يكون بكل تأكيد عاجزاً عن تجسيده بالكيفية التي يتحقق بها.
وعلى هذا الأساس، وكما أنّ معرفتنا بالمقام الشامخ للإمام صاحب العصر والزمان (عجّل الله فرجه) هي معرفة نسبية، فمن الطبيعي أنْ تكون معرفتنا بعجائب وأحداث عصر الظهور نسبية أيضاً.
نعم؛ فإنّنا إلى اليوم الذي لم نعش في عصر الظهور ولم نرَ أحداثه ووقائعه على حقيقتها، لا يمكننا وصفه بشكل مناسب وكامل، وليس بإمكاننا بيان كيفيته، ولكن مع كل هذه الأحوال نتطرق إلى شرح بعض النقاط المهمة التي وردت من خلال أحاديث أهل البيت (عليهم السلام)، كي نضفي على قلوبنا نوعاً من البهجة والسرور، حينما نذكر ذلك العصر السعيد.
وكما أشرنا آنفاً، أنه لا يمكن لنا وضع النقاط على الحروف بشكل دقيق، ومعرفة عصر الظهور - كما ينبغي أنْ يكون -، وذلك باعتبار أن الشخص الذي يعيش في غياهب سجن الغيبة، ولم يتذوق طعم وحلاوة يوم الظهور، كيف له النظر بعين لم يرفع عنها الغطاء إلى إشعاعاته وأنواره البهيجة؟ ولعمري من أين له توصيف هذه الحالة وبيانها إلى الآخرين؟
ومن المؤكد أننا إذا لم نتخلّص من سجن الغيبة، وندرك عصر الظهور، فمن المستحيل درك ولمس عظمة ذلك اليوم الذي تعم وتنتشر فيه رايات العدل والمعرفة والعدالة والقوة على كل بقاع العالم. ولا يمكن لأحد بأية حال من الأحوال تلمس حلاوة ولذّة العصر المذكور ما لم يراه ويعيش في كنفه.
نعم؛ فإنّ مستقبل العالم سيؤول ويتحوّل إلى دنيا مشرقة ونيّرة؛ بحيث تكون أعيننا عاجزة عن رؤيته، وفكرنا قاصراً عن إدراكه، ومع هذا يجب علينا التفكير باستمرار بكّل وجودنا في وصول ذلك اليوم المتألّق، وباعتبار أنّ كلّ إنسان طاهر المولد ويحمل نمطاً من أنماط التفكير السليم، هو في غاية الشوق في انتظاره، ولنا في ذلك النهج أُسوة، لأنَّ حالة وعملية الانتظار لا تحمل معها أفضل العقائد والأفكار الصحيحة فحسب؛ وإنّما هي أفضل أنواع الجهاد والأعمال وأكملها.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «أفضل جهاد أُمّتي انتظار الفرج».
ويقول الإمام الجواد (عليه السلام): «أفضل أعمال شيعتنا، انتظار الفرج».
فهذه هي القيمة الحقيقية ليوم الخلاص من وجهة نظر أهل البيت (عليهم السلام).

البحوث والمقالات : ٢٠١٣/٠٦/٠٤ : ٣.٨ K : ٠
: السيد مرتضى المجتهدي السيستاني
التعليقات:
لا توجد تعليقات.