(٢١٤) الخلاص في الفكر الغربي
الخلاص في الفكر الغربي
البروفيسور صالح عظيمة
كُتبت أبحاث ودراسات كثيرة حول الخلاص في الفكر الإنساني، وهذه الدراسات منشورة، في فرنسا وفي أمريكا وباقي الدول الأوروبية والغربية، فكيف يتعاطى الغرب مع فكرة الخلاص، وما هي أوجه الشبه بين هذه الفكرة وبين العقيدة المهدوية في الإسلام، وما هو نشاط الجاليات المسلمة في الغرب لتكريس هذه الفكرة.
هذه الفكرة فكرة قديمة، جديدة مستمرة خالدة، فكل أمة لها مهديها، الذي تنتظر الخلاص على يديه، فكل أمة تفكر بخلاصها، كل بقعة من بقاع الأرض تطمئن إلى أن الوعد الموعود قادم لا محالة، لا أقول السبب في ذلك وإنما الأسباب كثيرة، منها أن الإنسان يئس من الإنسان، ويئس من المادة، وأنه كلما نظر إلى المادة ليستعين بها أخلفته الوعد، فلم تبق هنالك إلا رحمة الله، ورحمة الله ليس بالشيء المجرد، هي ظهور بشري، كما النبوة، النبوة هي فكرة هي ظاهرة ولكن هناك من يمثلها، فلنقف عند حدود فكرة الخلاص في الغرب، حيث ذكرها (نوستراداموس)، الذي اطلع على وريقات لا نعلم أين اطلع عليها، ولربما في المكتبة الاسبانية أو أخذها مترجمة من اللاتينية، لأن اللاتينية ترجمت الفكر العربي كله من الأندلس، ولا ندري إذا كان اطلع على أشياء مخصوصة جداً وليست له، لكن الغرب أظهرها وكأنها له، وأظهره وكأنّه عبقري.
وفيما يتعلق بالإمام المهدي (عجّل الله فرجه) أنه انتبه إليها وذكرها، لان نوستراداموس قد اطلع على الفكر الإسلامي واطلع على التوراة لأنه كان يهودياً، ليس ترجيحاً وإنما ذلك أمر مؤكد.
وهناك مثلاً (برناندشو) الذي قال وأكد في القول (إن الإسلام هو الذي ينبسط على الكون كله وهو الذي يأخذ الحكم في العالم كله)، هذه كلمة مشهورة له، وهي تترجم الآية الكريمة ﴿أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ﴾، وفي هذه الآية هي دلالة واضحة على الخلاص وعلى ظهور المخلّص.
وبعد برناندشو في انجلترا كان هناك الشاعر الفرنسي الكبير (رامبو)، الذي كره المسيحية، وسافر إلى اليمن، لقد هاجر في غابات افريقيا وأبتعد كثيراً حتى وصل إلى اليمن، وهو يبحث عن سر الهي، إن رامبو وهو يعالج سكرات الموت قالت له اخته أآتيك بالراهب؟ قال: ابتعدي عني أنت والراهب وهو يقول الله أكبر الله أكبر أشهد ان لا إله إلا الله، فمات مسلماً ومن الذين آمنوا بفكرة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، كما جاء في صحيفة (الأمم الافريقية).
وبعده جاء صديقنا العلامة (روجيه كارودي) وهو أعجوبة، فقد كان أول أمره شيوعياً، بل من أبرز القياديين في الحزب الشيوعي ونائباً في البرلمان الفرنسي، وقد قال لي إن حكاية المهدي (عليه السلام) هي قضية طبيعية، وقضية إنسانية ولا أرى فيها غرابة، وإنها أقرب ما تكون حقيقة وواقعة، والبشر بطبعهم يأملون دائماً ويلتجئون عندما يرون الهرج والمرج يأملون بوجود إنسان ينهي لهم هذه المعاناة، ويقدم لهم حلاً مقبولاً معقولاً ميسوراً ييسر لهم الأمور، وفي الوسط الألماني كان العبقري الكبير الشاعر (غوته)، والذي له ديوان الشرق المعروف، وله ترجمات لآيات قرآنية وضع الآيات القرآنية في أشعاره بطريقة عجيبة وله إيمان بالإمام المهدي (عجّل الله فرجه) وبالمخلّص.
إن أوجه التشابه في هذه القضية موجودة، لكن الينابيع تختلف، بين ينابيع معصومة وبين ينابيع غير معصومة، وهي واضحة في القرآن الكريم وفي الأحاديث أيضاً عند الطائفتين الكريمتين السنّة والشيعة، وفي قول الأئمة (عليهم السلام)، وقد ورد هذا الكلام عند الشيخ منصور علي في كتاب (التاج على الأصول في أحاديث الرسول) في خمس أجزاء، وفيها باب مخصص أو كتاب المهدي وكتاب فتن الساعة وما إليها، وهذه الأحاديث موجودة ومشهورة وغنية عن الذكر والتعريف.
وإما عند الشيعة فهي كثيرة وأكثرها صحيح، ومن ذلك قول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام): (اللهم لا تخلو الأرض من قائم لله بالحجة)، وقول علي بن أبي طالب (عليه السلام) ليس بالأمر السهل، وليس بالأمر اليسير. فعندما يقول (عليه السلام) كلاماً، فالأرض لا تخلو من حجة، عند السنّة والشيعة حكاية الأبدال، الأبدال هذه قضية يتوارثون حكم الأرض، والحقيقة أن (اللهم لا تخلو الأرض من قائم لله)، قضية معروفة جداً وفيما يتعلق بالغرب فإن عندهم في التوراة وفي الإنجيل، ولكننا لا نقول أنها معصومة، بل أنها محرفة، وقد ذكر القرآن الكريم هذا التحريف، هذا أمر نحن نقر به ونقول به والقرآن لا ينطق عن هوى.
إن التشابه الموجود بين الكتب السماوية هو ظهور هذا المخلّص وله صفات، له زمن، كيف تكون الأرض، و لكن ما هي العلامات، فعند المسيحيين ينزل المسيح (عليه السلام) إلى الأرض، أما عند المسلمين الشيعة فيقولون بأنه عند ظهور الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) يظهر السيد المسيح (عليه السلام) ويصلي وراءه، السنّة أيضاً يقولون ذلك، التشابه والخواص المشتركة موجودة.