(٢٢١) صوت الحق ينادي يا لثارات الحسين (عليه السلام)
صوت الحق ينادي يا لثارات الحسين (عليه السلام)
السيد هادي عيسى الحكيم
أجمع السلف والخلف من هذه الأُمة على اختلاف مذاهبها ومشاربها على حقيقة المهدي (عجّل الله فرجه) الموعود الذي سيخرج في آخر الزمان، لكنهم اختلفوا في تشخيصه وهل أنه مولود أم أنه سيولد؟ والذي عليه الإمامية كافة أن المهدي (عجّل الله فرجه) إنما هو الإمام محمد بن الحسن العسكري (عليه السلام)، وأنه ولد في النصف من شعبان سنة خمس وخمسين أو ست وخمسين ومئتين للهجرة، وأُمّه أُم وَلَد يقال لها نرجس أو مليكة أو صقيل، وكان عمره عند وفاة أبيه العسكري (عليه السلام) خمس سنوات، آتاه الله فيها الحكمة وفصل الخطاب كما آتاها يحيى (عليه السلام) صبياً، وقد اعترف وأقرّ بذلك الباحثون وأصحاب الاختصاص كابن حجر الهيثمي في الفصل الثالث، الباب ١١ من صواعقه (وقد جعل الله ذلك الغلام إماماً في حال الطفولة الظاهرة كما جعل عيسى بن مريم (عليه السلام) في المهد نبياً).
وقد سبق النص عليه في ملة الإسلام من نبي الهدى جده محمد المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم من أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) ونص عليه الأئمة المعصومون (عليهم السلام) كلهم واحداً بعد واحد حتى أبوه الحسن العسكري (عليه السلام) الذي نص عليه أمام جمع من ثقاته وخاصة شيعته، وكان القول بغيبته ثابتاً قبل وجوده الشريف، وكان السلف من الشيعة في عهود الإمامين الباقرين الصادقين، والكاظمين الرضاءين، والجوادين التقيين النقيين، والعسكريين (عليهم السلام) يعلمون أن المهدي (عجّل الله فرجه) إنما هو الوصي التاسع من ذرية الإمام الحسين (عليه السلام)، وأنه سيغيب غيبة طويلة يمتحن الله بها عباده المؤمنين، شافههم بهذا كله أئمتهم الطاهرون نقلاً عن جدهم المصطفى سيد المرسلين (صلى الله عليه وآله وسلم)، ونصوص الأئمة (عليهم السلام) في ذلك متواترة أفردها علماؤنا في مؤلفات خاصة وأوردوها في كتب الحديث.
ومن سبر أحوال السلف من الإمامية وتتبَّع شؤونهم يعلم بأنهم كانوا ينتظرونه ويعلمون أنه هو المهدي (عجّل الله فرجه) من أهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فلما ولد المهدي (عجّل الله فرجه) وجدوا ضالّتهم، وقرَّت به أعينهم، وكانوا في الاعتقاد به على يقين تام، وكانوا يعلمون عن طريق أئمتهم. أن له غيبتين، قصيرة وطويلة، ولهم على ذلك نصوص متواترة عن أئمة العترة الطاهرة (عليهم السلام).
إنَّ توخّي النصح بحكمة بالغة أيام غيبته الصغرى التي لم تنقطع فيها توقيعاته ورسائله عن شيعته عن طريق سفرائه الأربعة، والتي امتدت نحواً من سبعين سنة، إذ كان خلالها يشد على قلوب شيعته ويثبّتهم على الاعتقاد به، ويدحض أباطيل المدعين للسفارة له زوراً وبهتاناً، ويخبرهم بأنه سينقطع عنهم وسيغيب غيبة تامة طويلة لا يعلم أمدها إلّا الله تعالى، وستكون المصيبة عليهم عظيمة، وتحدّث إلى شيعته قبل غيبته التامة عن طريق سفرائه الهداة أهل الورع والزهد والعلم والنصح لله ولكتابه وللنبي وأهل بيته (عليهم السلام)، وقد جرت هذه العقيدة في نفوس الشيعة الإمامية مجرى الروح في أجسادهم ومجرى الدم في عروقهم، ثم شاء الله لوليه حينئذٍ الغيبة الكبرى فانقطعت السفارة بينه وبين شيعته بوفاة آخر سفرائه الشيخ علي بن محمد السمري (رحمه الله)، وكانت الشيعة الإمامية وما تزال تنتظر فيها اليوم المبارك لظهوره الشريف.
وقد ورد في الروايات أن الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) عندما يبدأ حركته لتحرير العالم من الظلم والجور ويفك أسره من القيود والأغلال، يطلق نداءات خمسة، ففي الموائد: (إذا ظهر القائم (عليه السلام) قام بين الركن والمقام وينادي بنداءات خمسة: الأولى: ألا يا أهل العالم أنا الإمام القائم [وهي لتعريف العالم بنفسه]، والثاني: ألا يا أهل العالم أنا الصمصام المنتقم [وهي إشارة إلى القوة الربانية التي تساعده في إنجاز مهمته]، والثالث والرابع والخامس تتعلق بأخذه بثأر جده الحسين (عليه السلام)، تقول الرواية: في الثالث يقول: «ألا يا أهل العالم إن جدي الحسين قتلوه عطشاناً»، والرابع يقول: «ألا يا أهل العالم إن جدي الحسين (عليه السلام) طرحوه عرياناً»، والخامس يقول: «ألا يا أهل العالم أن جدي الحسين سحقوه عدواناً».
هذه النداءات تشكل عنواناً كبيراً لحركته من الأخذ بثأر جده الحسين (عليه السلام) الذي هو ولي دمه ووريثه وذلك باجتثاث كل الظالمين والطغاة، ويرفع شعاره المعروف (يا لثارات الحسين).
ومسألة مطالبته بثأر جده الحسين (عليه السلام) وثارات أجداده المظلومين قضية أشار إليها جده المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) وآباؤه الأطهار (عليهم السلام) من أن المهدي (عجّل الله فرجه) هو الذي يأخذ لهم بحقهم، فقد ورد أنه في الخطبة التي خطبها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في حجة الوداع قال الرسول الخاتم (صلى الله عليه وآله وسلم): «معاشر الناس النور من الله (عزَّ وجلَّ) فيَّ مسلوك، ثم في علي (عليه السلام) ثم في النسل منه إلى القائم المهدي (عليه السلام) الذي يأخذ بحق الله وحق هو لنا».
ويؤكد هذه الحقيقة مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام)، فقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: «زاد الفرات على عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) فركب (عليه السلام) هو وابناه الحسن والحسين (عليهم السلام) فمر بثقيف فقالوا: قد جاء علي يرد الماء، فقال علي (عليه السلام): أما والله لأقتلنّ أنا وابناي هذان وليبعثن الله رجلاً من ولدي في آخر الزمان يطالب بدمائنا».
هذه الحقيقة تؤكد مطالبة الإمام بثأر جده الحسين (عليه السلام)، فإن الروايات عن حركته في عصر الظهور تؤكد أنه (عليه السلام) يأتي إلى العراق ويزور قبر جدّه الحسين (عليه السلام) وينادي (يا لثارات الحسين) حيث إن له ثارات كثيرة لأنه لا يمثل فترة زمنية معينة وإنما يمثل كل حركة التاريخ، أي منذ خلق الله سبحانه وتعالى آدم (عليه السلام) وقال للملائكة: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً﴾ حيث كان الهدف في مسيرة هذه الخليفة أن يأتي اليوم الموعود الذي تمتلئ في الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، ولكنه (عجّل الله فرجه) عندما يرفع الشعار يرفعه بعنوان (يا لثارات الحسين) أي أن الشعار الذي يختص بجده الحسين (عليه السلام) يمثل كل هذه الأحداث والآلام والتضحيات، فهو شعار يرمز لكل هذا التراث على مر العصور، وإلى هذه الحركة وتلك الدولة أشار إمامنا الصادق (عليه السلام) حيث قال:«لكل أناس دولة يرقبونها * * * ودولتنا في آخر الدهر تظهر»
وقد ورد في الأخبار (أن الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) يوجد عنده في البيت الذي يسكن فيه قميص جده الحسين (عليه السلام) معلق فوق رأسه وهو يراه، فإذا حان وقت ظهوره يراه وقد صار دماً عبيطاً).
إنّ هذا الالتصاق الشديد والمباشرة الدائمة والمعايشة الطويلة لثأر جده الحسين (عليه السلام) جعله لا ينفصل عنه أبداً ويستحضر قميص جده الذي قتلوه عطشاناً، ولذلك فإنه (عجّل الله فرجه) يبدأ حركته بهذه النداءات التي أوردناها (يا لثارات الحسين) والتي تطلب ثأر جده الحسين (عليه السلام) ليكون عنواناً لحركته وشعاراً بارزاً لنهضته.