البحوث والمقالات

(٢٣٢) الإمامة المبكرة

الإمامة المبكرة

الشيخ جعفر الهادي

ظاهرة الإمامة المبكرة، وتسلم مقاليد الإمامة والتكليف بها وهو في سن مبكرة جداً، فهل لها سوابق تاريخية بين الأنبياء والرسل والأولياء الصالحين؟
حيث نجد أن الإمام بعد أن يعيش خمس سنوات في ظل والده الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) وثم يتوفى شهيداً, يتسلّم الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) زمام الأمور، وكل المؤرخين تقريباً الذين أرخوا للإمام الحسن العسكري (عليه السلام) الذي كان يسمى بالخالص أيضاً قالوا إن ليس له إلا ولد واحد وهو محمد وقالوا إن هذا البعض هو الإمام المهدي (عجّل الله فرجه).
أي إنه (عجّل الله فرجه) تولى الإمامة وعمره خمس سنوات، كذلك الإمام الجواد (عليه السلام) وهو ابن الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام)، هو تاسع أئمة أهل البيت (عليهم السلام) تسلّم زمام الإمامة أما في السابعة أو التاسعة كما هو في التاريخ، ولعل الإرادة الإلهية شاءت أن تعطي مثالاً لما سيحدث مستقبلاً حتى لا يصعب على المسلمين وعلى الشيعة بصورة خاصة هضم هذه المسألة وهي كيف يتسلم الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) الإمامة وهو في السادسة من عمره أو في الخامسة.
الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) كان في الحقيقة على أبواب عهد جديد هو عهد غياب الإمام المعصوم عن الناس والذي لم يكن في البداية غياباً مطلقاً، بل كان غياباً نصفياً إن صح التعبير أو شبه غياب. بمعنى أن والده كان يتحفظ عليه، والآن هو يعيش في غيبة مستمرة.
لقد كان أبوه (عليه السلام) متحفظاً عليه ثم منذ تسلمه الإمامة بدأت الغيبة الصغرى. فماذا كان الإمام (عجّل الله فرجه) يفعل، أولاً كان يجيب على الأسئلة التي تعطى إليه لكن عبر نواب، ما كان الناس يستطيعون أن يكافئوا الإمام ويقابلوه لأنه كان المفروض أن يحافظ عليه حتى لا يقتل، وحتى لا يقضى عليه وليستطيع أن يعيش إلى اليوم الموعود، كان أيضاً يعطي بعض التوجيهات للشيعة ويهيئهم للعهد اللاحق وهو عهد الغيبة الكبرى.
كان أحياناً في بعض رسائله التي تسمى بالتوقيعات لأنه كان يوقع تحتها، يكذّب من يدعي أشياء باطلة، فمثلاً حين سئل إن هناك من يدعي إنكم آلهة أو إنصاف آلهة فقد شدد الإمام (عجّل الله فرجه) النكير على هذا الكلام وقال: نحن بشر ونحن أئمة لسنا آلهة ولسنا أرباباً وهذا كلام من يؤذينا وهو كلام يسيء إلينا، فقارع وقاوم الغلو الذي كان عند البعض من الجهلة.
إذن كان لدى الإمام (عجّل الله فرجه) علم غزير، والسؤال هنا، من أين أتى هذا العلم، عند صبي في هذه السن، ويحفظ القرآن مثلاً، من أين كل هذا العلم الذي يتمتع به الإمام، وانه ولاشك كان يعرف الشريعة بتمامها وكمالها، فمن أين جاءه كل هذا، هل استطاع والده (عليه السلام) مثلاً خلال هذه السنوات القليلة أن يعلمه كل هذا أم إن هناك شيئاً وراء الطبيعة؟
إن هذا الأمر له سابقة في الأنبياء مثلاً، قال تعالى في سورة مريم: ﴿يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآَتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا﴾ نعم لقد كان يحيى (عليه السلام) نبياً وهو أبن تسع سنوات، أما عيسى المسيح (عليه السلام) فقضيته أعجب. لأنه ولد نبياً وتحدث في المهد صبياً.
إن الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) فهو ليس نبياً لكن فيه شبه من سنن الأنبياء، ولا تنسى أن هؤلاء رجال يرتبطون بمهمة سماوية بمهمة ربانية، والله تعالى هو الذي يزودهم بالعلم والحكمة والفهم ولهذا فان السؤال كان يطرح على الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) ويطرح أيضاً على الأنبياء (عليهم السلام).
وشيء مهم هنا يجب أن نعرفه هو إن الإمامة هي امتداد للنبوة، لأنه حتى من العلماء غير الشيعة قالوا إن الإمامة رئاسة عامة للدين والدنيا، وهي خلافة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فمن يخلف النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لابد أن يحمل صفات النبي وخصوصياته.

البحوث والمقالات : ٢٠١٣/٠٦/٠٤ : ٣.٥ K : ٠
: الشيخ جعفر الهادي
التعليقات:
لا توجد تعليقات.