(٢٤٤) فهم ماضي الحركة المهدوية شرط لفهم مستقبلها
فهم ماضي الحركة المهدوية شرط لفهم مستقبلها
الشيخ حسين عبد الرضا الأسدي
لقد بات واضحاً اليوم أن من العلوم المهمة التي تساعد في فهم العلوم الأخرى هو علم (تاريخ العلم)، بمعنى أن من الأمور التي تساعد على الفهم الكامل لأي علم من العلوم، هو النظر في تاريخ نشوء ذلك العلم والمراحل التي مر بها.
وقل مثل ذلك في السنن التاريخية، فحتى نفهم قضية معاشة لابد أن نرجع إلى تاريخها وكيفية نشوئها.
وهكذا لو أردنا أن نفهم مستقبل أية أُمة، فما علينا إلّا أن ننظر في تاريخها، لنستشرف منه مستقبلها القريب أو البعيد، ولذلك تنبأ الكثيرون بانهيار الاتحاد السوفيتي عندما نظروا في تاريخ وأسلوب بنائه.
إن هذا الأمر يقال في أي علم أو سنة أو أُمة لها تاريخ ولها ماض، ولا يقال في شيء حديث الولادة ولا نسب له.
والقضية المهدوية تخضع لهذا الأمر، فهي باعتبارها قضية إنسانية - أي من زاوية كونها قضية إنسانية - فهي قضية إلهية، دينية، إنسانية...، وإن لها جذوراً تمتد إلى أعماق التاريخ. وبالتالي فحتى نفهم حاضرها - ومستقبلها المتوقع - فهماً جيداً فلابد من الاطلاع على ذلك التاريخ العريق لها.
ولهذه اللابدية مؤشرات روائية عديدة، فمثلاً نجد الكثير من الروايات الشريفة قد ربطت قضية غيبة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) بغيبة الأنبياء (عليهم السلام) السابقين، تلك الغيبة التي كانت مستقبلية بالنسبة لزمن صدور تلك الروايات، والحاضرة اليوم بين أيدينا، لتؤكد ارتباط الغيبة المهدوية بغيبة الأنبياء السابقين، أي تؤكد ارتباط الماضي بالمستقبل وبالعكس.
ففي كمال الدين وتمام النعمة ص٤٨٠-٤٨١ عن حنان بن سدير، عن أبيه، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: «أن للقائم (عليه السلام) منا غيبة يطول أمدها»، فقلت له يا بن رسول الله ولِمَ ذلك؟ قال (عليه السلام): «لأن الله (عزَّ وجلَّ) أبى إلّا أن تجري فيه سنن الأنبياء (عليهم السلام) في غيباتهم، وأنه لابد له - يا سدير - من استيفاء مدد غيباتهم، قال الله تعالى: ﴿لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ﴾ أي سنن من كان قبلكم».
ومثلاً عندما يتكلم الإمام الصادق (عليه السلام) عن علامات الظهور، تراه يربط فهم مستقبل الحركة المهدوية بالاطلاع على تلك العلامات قبل حصولها.
ففي غيبة النعماني - ص٢٧٣-٢٧٤ عن هشام بن سالم، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «هما صيحتان: صيحة في أول الليل، وصيحة في آخر الليلة الثانية». قال: فقلت: كيف ذلك؟ قال: فقال: «واحدة من السماء، وواحدة من إبليس». فقلت: وكيف تعرف هذه من هذه؟ فقال: «يعرفها من كان سمع بها قبل أن تكون».
وعن عبد الرحمن بن مسلمة الجريري، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إن الناس يوبخوننا ويقولون: من أين يعرف المحق من المبطل إذا كانتا؟ فقال (عليه السلام): «ما تردون عليهم»؟ فقلت: فما نرد عليهم شيئاً؟ قال: فقال (عليه السلام): «قولوا لهم: يصدق بها إذا كانت من كان مؤمناً يؤمن بها قبل أن تكون»، قال: «إن الله (عزَّ وجلَّ) يقول: ﴿أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾». وعلى هذا المنوال يمكننا التعرف على حقيقة الدعاوى المهدوية المعاصرة، بمراجعة بسيطة لتاريخها.
فيا ترى، كم هي نسبة اطلاعنا على تاريخ القضية المهدوية؟!
ويا ترى، لو قسنا نسبة اهتمامنا بها إلى نسبة اهتمامنا باختصاصنا الذي نمارسه ونكسب منه عيشنا، فكم ستكون النسبة - لو كانت هناك نسبة أصلاً-؟!
إنها دعوة للتفكير الموضوعي المعمق - وليس السطحي المنمق - في أهم قضية يعيشها المؤمن اليوم، ومحاولة لفهم حاضرنا وربطه بالأسباب التي أوصلت الحالة الاجتماعية العامة إلى ما وصلت إليه اليوم، واستشراف النتائج المتوقعة من تلك الحالة، ليعرف الواحد منا ما سيكون موقفه لو أعلن الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) دعوته!