(٢٦١) الحياة في عصر الظهور (الحالة الاقتصادية)
الحياة في عصر الظهور (الحالة الاقتصادية)
السيد فاضل الجابري
يواجه العالم اليوم أزمة اقتصادية طاحنة، وإن هذا العالم كله ينظر إلى هذه الأزمة الاقتصادية بعين الجد، لأن هذا يعني إنّها أذا استفحلت فسوف ينهار النظام الاقتصادي العالمي بأكمله، كما انهار النظام الاشتراكي أو الشيوعي سابقاً، وكما يواجه النظام الرأسمالي اليوم نفس الأزمة، ولذلك فان بعض الدول ترى النظام الاقتصادي العالمي في حاجة إلى عدالة؟ أي وضع قواعد عادلة له، وهناك دعوات لضرورة الوصول إلى قواعد جديدة وقوانين جديدة لإرساء نظام اقتصادي عالمي جديد، وهذا في الواقع يجعلنا نستشرف مستقبل الاقتصاد العالمي، فنحن معنيون به لأننا نعيش في هذا العالم وذلك على ضوء ما عندنا نحن المسلمين من اقتصاد إسلامي ندّعي أنه الأكمل والأفضل، فكيف يكون ذلك وهل أن إمامنا حقاً سيجعل المسلمين آنذاك في منأى عن الأزمات الاقتصادية الخانقة ذلك في عصر المعصوم (عليه السلام) وفي عصر الظهور، عصر الإمام المهدي (عجّل الله فرجه).
إن الاقتصاد كما لا يخفى هو عصب الحياة، وله مدخلية في كل جوانب الحياة، وبالتالي فان تركيز البشرية عموماً من بدايتها إلى يومنا هذا على مسائل الاقتصاد، لذلك نجد التطرف في جعل الجانب الاقتصادي والعامل الاقتصادي هو العامل الأول والأساس في مشكلة الإنسانية، والبشرية.
وهذا كله بسبب البعد عن الدين، وإن الباحثين والمحققين يقولون هذا الكلام حتى في الغرب ويعترفون بأن الدين هو عصب الحياة، فبغير الدين لا تقوم للحياة قائمة سليمة وصحيحة، ويبقى العالم أمام أزمات متكررة.
والمشكلة هي في البناء الاقتصادي، فإنه مبني على أساس إيديولوجي، وهو ليس فقط عبارة عن معاملات يقوم بها الإنسان كالشراء والبيع، فكيف يكون هذا الإقتصاد في دولة الدين، دولة الإسلام، دولة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه).
إن الإمام (عجّل الله فرجه) حينما يقوم بحل هذه المشكلة، فلا يحلها حلاً عادياً، بل إنه يعيد بناء النظام الاقتصادي العالمي، ولذلك عندنا كثير من الروايات بأنه (عجّل الله فرجه) يأخذ الكنوز من أصحاب الكنوز التي لا ينفقونها في سبيل الله، أي الأموال الربوية فيرجعها إلى أصحابها، أي يرجع إلى كل ذي حق حقه، وكل شيء غير مباح شرعاً وكل شيء لم يكن بالوضع الطبيعي.
فالإمام (عجّل الله فرجه) سوف يعيد توازن الأمور حتى في مسألة البنوك، البنك الربوي، الربا الاستهلاكي وهو غير الربا الاستثماري كما يقال، ويعطي حرية بمقدار معين للإنتاج والاستثمار، فالإمام (عجّل الله فرجه) سوف يطبق الفقه الإسلامي في هذا الجانب.
هناك جملة من الأمور التي سوف تكون في دولة الإمام (عجّل الله فرجه)، فبعض الأمور متعلقة بالآثار التكوينية للعدل في زمانه، لأن العدل له أثر، والقرآن الكريم يبين ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾، إذن التقوى والإيمان لها مدخلية في الآثار الوضعية ونزول الخيرات من السماء وإخراج البركات من الأرض أيضاً، وبالتالي فإن الإمام (عجّل الله فرجه) سوف يستفيد من هذه أيضاً لتطوير الحياة الاقتصادية التي سوف تنعكس على كل مظاهر الحياة الاجتماعية والفكرية والثقافية والدينية وغيرها.
والإمام (عجّل الله فرجه) سوف يستفيد من مخازن الماء وبالتالي سوف يستثمرها، وكذلك سوف يشق الأنهار، وعلى سبيل المثال يشق نهراً أو نهرين من كربلاء إلى النجف، كذلك نجد أن هناك رواية عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يرويها أبو سعيد الخدري أنه: (يخرج في آخر أمتي المهدي (عليه السلام) يسقيه الله الغيث).
وفي هذا السياق تأتي مشكلة الزراعة المبنية على أساس الماء، والزراعة هي الأمن الاقتصادي، الأمن الغذائي.
روى المجلسي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: (لو قد قام قائمنا لأنزلت السماء قطرها ولأخرجت الأرض نباتها... حتى تمشي المرأة بين العراق إلى الشام لا تضع قدمها إلا على نبات...). وهذا يعني أنه سيصبح هناك غطاء نباتي وزراعة في كل مكان، وهذه الصحارى الموجودة الآن سوف تصبح وقد غطاها النبات وتستثمر للغذاء.
كذلك الثروة الحيوانية التي تشكل أيضاً مصدر غذاء للإنسان، فالإمام (عجّل الله فرجه) سوف يعالجها باعتبارها مشكلة ويحقق الاكتفاء الذاتي منها لذلك يقول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): (يخرج المهدي (عليه السلام) في أمتي يبعثه الله عياناً للناس تتنعم الأمة وتعيش الماشية وتخرج الأرض نباتها...) وغير ذلك من الروايات العديدة، إذن الإمام (عجّل الله فرجه) سوف يعالج قضية المال، وقضية المياه، قضية الغذاء سواء كانت في جانبها النباتي أو الحيواني وهذا يشمل الماشية.
الجانب الثاني هو أن الإمام (عجّل الله فرجه) سوف يستثمر ويستفيد من التقنيات العلمية لتحقيق الرفاه الاقتصادي، ولذلك عندنا روايات تقول بأن الإمام (عجّل الله فرجه) سوف يعطي أو سوف يضيف إلى العلم الموجود عند الناس (25) حرفاً من العلم، وفي جميع الاتجاهات، ومن بين هذه الاتجاهات الاتجاهات التقنية وآلات الإنتاج.
لكن لابد أن تتبلور الآيات القرآنية والروايات الواردة عن النبي وأهل البيت (عليهم السلام) بشكل نظرية وبشكل نظام اقتصادي له تفاصيل وله تشعبات يمكن أن تعالج جميع النواحي، ولكننا لابد أن نرجع إلى القرآن، ونحن لا نستطيع أن نستثمر ليس لدينا أدوات الإنتاج التي من خلالها نستطيع أن نستخرج هذه الكنوز، القرآن يحتاج إلى من يقوم باستخراج مفاهيمه، والإمام المهدي (عجّل الله فرجه) هو القرآن الناطق هو الذي يعتمد ويستند ويستخرج هذه الأفكار وهذه الأنظمة وهذه الآراء وهذه النظريات من القرآن الكريم لماذا، لأنه يملك هذه الآليات.
باعتقادنا أن الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) أو المعصوم هو الوحيد القادر على تنفيذ ذلك، لأنه عدل القرآن.
جعلنا الله من أنصار الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) ومن أبناء دولته دولة القرآن أنه سميع مجيب.