(٢٧٩) النيابة عن الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)
النيابة عن الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)
الشيخ علي الدهنين
إن للإمام المهدي (عجّل الله فرجه) غيبتين: صغرى و كبرى, وقد بدأت الغيبة الصغرى بعد شهادة الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) عام (260هـ), وامتدت تسعاً وستين سنة وأشهراً, وتولى فيها أمر النيابة الخاصة السفراء الأربعة الموثوقون المأمونون على الدين والدنيا, وهم: عثمان بن سعيد العمري, وولده محمد بن عثمان, والحسين بن روح النوبختي, وعلي بن محمد السمري.
وتنقسم النيابة عن الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) إلى قسمين: خاصة وعامة, ولكل منهما خصائصه ومميزاته, ولا بأس بانْ نذكر بعضها:
خصائص النيابة الخاصة:
1- إنّ النائب الخاص يعيّنه الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) بنصّ منه عليه, إذ يخرج التوقيع من الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) باسم النائب, ونوابه (عجّل الله فرجه) - كما نعرف - أربعة هم عثمان بن سعيد العمري, ثم ولده محمد, ثم الحسين بن روح النوبختي, ثم علي بن محمد السمري والذي بموته انقطعت النيابة الخاصة بالتوقيع الصادر عن الإمام (عجّل الله فرجه): بسم الله الرحمن الرحيم يا علي بن محمد السمري أعظم الله أجر إخوانك فيك فإنك ميت ما بينك وبين ستة أيام فاجمع أمرك ولا توصِ إلى أحد فيقوم مقامك بعد وفاتك، فقد وقعت الغيبة التامة، فلا ظهور إلا بإذن الله تعالى ذكره وذلك بعد طول الأمد وقسوة القلوب وامتلاء الأرض جوراً، وسيأتي شيعتي من يدعي المشاهدة، ألا فمن ادعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذاب مفتر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
فمن قال بأن نائباً خاصاً للحجة بن الحسن (عجّل الله فرجه) بعد السفير الرابع فهو ضال مضل لا يجوز أتباعه, وقد ينزعج البعض من هذا القول ولكنه الحق, والمهم هو أنْ يرضى الله تعالى عن الإنسان.
إذن فالنيابة الخاصة انقطعت بعد وفاة السمري وأي شخص يقول: أنا نائب خاص للإمام واتصلت به (عجّل الله فرجه)، نقول عنه هذا كاذب فاجر ضال مضل, ولو اتّبعه البعض فليس علينا هدايتهم, بل علينا أنْ نأمر بالمعروف و ننهى عن المنكر.
2- إنّ النائب الخاص يلتقي بالإمام المهدي (عجّل الله فرجه) ويعرفه, فعن عبد الله بن جعفر الحميري, قال: قلت لمحمد بن عثمان العمري (رحمه الله): انّي أسألك سؤال إبراهيم (عليه السلام) ربه (جل جلاله) حين قال له: ﴿رَبِّ أَرِني كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَوَ لَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبي﴾ [البقرة: 260], فأخبرني عن صاحب هذا الأمر هل رأيته؟ قال (عليه السلام): نعم وله رقبة مثل ذي - وأشار بيده إلى عنقه -.
وعن عبد الله بن جعفر الحميري أيضاً, قال: سألت محمد بن عثمان العمري (رحمه الله), فقلت له: أرأيت صاحب هذا الأمر؟ فقال: نعم, وآخر عهدي به عند بيت الله الحرام وهو (عليه السلام) يقول: اللهم أنجز لي ما وعدتني.
3- إنّ من يرد على النائب الخاص فقد ردّ على الإمام (عجّل الله فرجه)، فعن أبي علي بن همام, قال: كان احمد بن هلال من أصحاب أبي محمد (عليه السلام), فاجتمعت الشيعة على وكالة محمد بن عثمان (رحمه الله) بنص الحسن (عليه السلام) في حياته, ولما مضى الحسن (عليه السلام) قالت الشيعة الجماعة له: ألا تقبل أمر أبي جعفر محمد بن عثمان وترجع إليه وقد نصّ عليه الإمام المفترض الطاعة؟ فقال لهم: لم اسمعه ينص عليه بالوكالة, وليس أنكر أباه (يعني عثمان بن سعيد) فأما أن أقطع أنّ أبا جعفر وكيل صاحب الزمان، فلا أجسر عليه, فقالوا: قد سمعه غيرك, فقال: انتم وما سمعتم, ووقف على أبي جعفر فلعنوه وتبرؤوا منه. ثم ظهر التوقيع على يد أبي القاسم بن روح بلعنه و البراءة منه في جملة من لعن.
خصائص النيابة العامة:
وأمّا النيابة العامة فهي المنصب الذي يحتله اليوم فقهاؤنا ومراجعنا العظام, والإمام العسكري (عليه السلام) يعطي أوصاف من يتسلّم هذا المنصب بقوله: (فأمّا من كان من الفقهاء صائنا لنفسه, حافظا لدينه), وقد أرجع الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) الناس في غيبته الكبرى إلى الفقهاء بقوله: (وأمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنّهم حجتي عليكم وأنا حجة الله عليهم), فعلينا جميعاً أنْ نتعرّف على الصفات التي شخّصها لنا الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) وقال بأنها لابدّ أنْ تتوفر في المرجع الديني, وبإمكاننا مراجعة أهل الخبرة في ذلك ما دامت الصفات متوفرة في المرجع الديني نتبعه, وإذا انتفت نتركه, لأننا اتبعناه لتوفر الصفات فيه.
وقال الإمام الصادق (عليه السلام) في مورد الاختلاف بين الفقهاء: (خذ بقول أعدلهما عندك وأوثقهما في نفسك).
وفي مقبولة عمر بن حنظلة, قال (عليه السلام): (ينظر إلى افقههما و اعلمهما بأحاديثنا وأورعهما، فينفذ حكمه ولا يلتفت إلى الآخر), وإن كان هناك خلاف في دلالتها على المطلوب حيث خصها بعضهم بالقضاء و بعضهم عممها لمورد التقليد كسماحة السيد السيستاني (دام ظله), فتكون بمعنى: خذ بقول الأعلم المنصوص عليه, والأعلم هو المجتهد الجامع للشرائط, ويعرف أعلميته أهل الخبرة, ولا ينبغي أنْ يتساهل في تشخيص مرجع التقليد، فأئمة أهل البيت (عليهم السلام) في قضية النيابة العامة لم يعينوا الأسماء - كما في النيابة الخاصة - ولكن عيّنوا الأوصاف, ولهذا تعتبر الحوزة العلمية بما تحمل من خبرة ضماناً للمذهب, فنظام المرجعية الذي أسسه أئمتنا (عليهم السلام) نظام عظيم وعجيب, بل يرى البعض بأنّه من معاجز الأئمة (عليهم السلام).