البحوث والمقالات

(٢٨٧) لكي ينجح القائد

لكي ينجح القائد

الشيخ حسين عبد الرضا الأسدي

كثيرة هي المواصفات التي تذكر للقائد الناجح، كالكفاءة والخبرة والشجاعة وغيرها من المواصفات، إلّا أنّ هناك صفة مهمة جداً إذا ما توفرت فإنّ من شأنها أن تزرع الثقة في نفوس المجتمع، بل من شأنها أن تنمي هذه الثقة إلى الحد الذي يكون الأفراد مستعدين للتضحية بكل ما لديهم من غال ونفيس من أجل قائدهم ودولتهم، وتلك الصفة هي صفة الإنصاف. والإنصاف ينطبق على مفردات عديدة تشمل:
- تواضع القائد بحيث يتمثل بأقل الرعية على حد قول أمير المؤمنين (عليه السلام): «أَأقنع من نفسي بأن يقال أمير المؤمنين ولا أشاركهم في مكاره الدهر، أو أكون أسوة لهم في جشوبة العيش؟».
- وكذلك معاملة الخاصة معاملة العامة أو أشد، حتى يطمئن العامة من سطوة الخاصة.
- وكذلك ضمان شمولية تطبيق القوانين والأحكام على جميع أفراد الشعب من دون محاباة، فإنّ ذلك يضمن حقوق الأفراد ويجعلهم يمتلكون الجرأة على قول الحق والعمل به، ويشعرهم بالتفاؤل بأن دولتهم تسير في الطريق الصحيح، ويحسسهم بالكرامة في نفوسهم، وبالتالي سوف يعيشون في مركز الحياة لا في هامشها، وهي منية كل إنسان في هذه الحياة.
والواقع يشهد أنّ عصر الغيبة الذي نعيشه لم يوجد فيه من يمتلك تلك الصفة بالنحو المطلوب، فالمحاباة والمحسوبية وعدم انطباق القانون بشكلٍ متساوٍ على الأفراد هي السمات الظاهرة لقادة اليوم، ولم نشهد قائداً يمتلك تلك الصفة ويجعلها منهجاً لحكمه بكل شجاعة، إلّا إذا أدركنا قائم آل محمد (عجّل الله فرجه).
فإن من يدركه سيرى إنصافاً لا مثيل له كما حكت لنا ذلك الروايات الشريفة، فالقائد في نفسه لا يلبس إلّا الغليظ ولا يأكل إلّا الجشب، إنّه لا يميز بين قريب وبعيد، فهو أبعد ما يكون عن القومية، حتى أنه سيقدم قوماً من قريش ويقطع رؤوسهم لاستحقاقهم ذلك وهو من قريش.
إنّه لا يحابي ولا يجامل المخطئ ولو كان من خاصة خاصته، فبينا الرجل على رأسه قائم حتى يأمر به فتضرب عنقه.
إنه سيوجه اهتمامه إلى تربية المجتمع وتكميل عقولهم وإلى ترفيه المجتمع، كل المجتمع، وزيادة سيولته المالية إلى الحد الذي ينعدم فيه الفقر في جميع أرجاء العالم.
وأمّا أتباعه وخواصّه فإنّهم لا يكونون كذلك ولا يقبلهم تحت لوائه، حتى يأخذ عليهم العهد بالتزام أمور هي غاية في الدقة وأنهم:
- لا يفعلون محرماً أبداً ولا يأتون بفاحشة.
- لا يضربون أحداً إلّا بحق.
- لا يكنزون ذهباً ولا فضة ولا برّاً ولا شعيراً.
- يتوسدون التراب لا الحرير والديباج.
- يأمرون بالمعروف ويعملون به وينهون عن المنكر ويبتعدون عنه.
- من خشية ربهم مشفقون، فهم قيام بالليل كالرهبان، وإن كانوا شجعاناً في النهار كالليوث يتمنون أن يُقتلوا في سبيل الله.
ولهذا وذاك سيكون هؤلاء الأتباع محبوبين من الجميع (فليس من شيء إلّا وهو مطيع لهم حتى سباع الأرض وسباع الطير، يُطلَب رضاهم في كل شيء حتى تفخر الأرض على الأرض وتقول: مرَّ بي اليوم رجل من أصحاب القائم) كما جاء في بحار الأنوار ج٥٢ ص٣٢٧.
إنّها صفات لو وجد عشر معشارها في قادة اليوم وأتباعهم فلربما اختلف وجه الدنيا، ولربما ندرت الحروب وانعدمت الأمراض، ولربما عشنا حياة لا يتمنّى المرء معها الموت، ولكن الحال أن الكثير من الناس اليوم يعيش في حال وصفها رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «ليأتين على الناس زمان... يمر أحدكم بقبر أخيه فيتمعك عليه كما تتمعك الدابة في مراعيها، ويقول: يا ليتني مكانه، ما به شوق إلى الله، ولا عمل صالح قدّمه إلّا لما ينزل به من البلاء».

البحوث والمقالات : ٢٠١٣/٠٦/٠٥ : ٣.٧ K : ٠
: الشيخ حسين عبد الرضا الأسدي
التعليقات:
لا توجد تعليقات.