البحوث والمقالات

(٣٠٩) الإسراع في تقبل الأفكار عائق في طريق الحق

الإسراع في تقبل الأفكار عائق في طريق الحق

حسين الماجدي

من دون عقيدة لا يمكن للإنسان أن يعيش حياته، إذ العقيدة جزء لا يتجزأ من وجوده وحياته، ولذلك تجده يقاتل ويموت من اجل عقيدته...
والبشرية في خط وجودها تباينت عقائدها بين الوضعية والسماوية، والسماوية تعددت بتعدد الرسالات رغم اتحادها في الأصول العامة، وليس هذا محل خلاف... وكل ديانة تدعو الناس إلى إتباعها، وهي تعد الناس بان السعادة لا وجود لها إلا عندها، هكذا شاءت الديانات إن تدعو الناس إليها...
والناس قد اختلفت قناعاتهم في تلك الديانات، فبينا تجد شخصا لا يعبد إلا الله تعالى، تجد آخر يعبد بقرة، أو يقدس فأراً، أو يركع لوثن.
والإسلام قد تعرض لموجة من الفتن سببت تكثر المذاهب والفرق، رغم أن النجاة تكمن في مذهب واحد.
أمام هذا التعدد يقف الإنسان على مفترق طرق، ليختار أحدها ويسير على منهجه، وهذا يمثل أحد معاقد الابتلاء والاختبار في الحياة الدنيا، وهنا لابد أن يُعمل الفرد فكره ويتأمل، حتى يصل إلى قناعة تامة بالنجاة إذا ما اتبع مذهباً ما، وليس في هذا ضير. إنما الضير يكمن في أن عملية الاختيار تواجه الكثير من العوائق التي تعمي الناس عن اختيار الحق، ومن أكبر تلك العوائق هو الإسراع في تقبل الأفكار، حيث أن كثيراً من الناس يميلون إلى الراحة والدعة الفكرية والبدنية، ويحبون أن تنفتح أمامهم الطرق من دون جهد يبذل، ومن ثم فإنهم يتخلصون من عناء البحث وتجشم الاستدلال بقبول أية فكرة تطرح إذا كانت منمقة ومرتشة ومؤطرة بإطار جميل.
وهذا ما رأيناه في الكثير من الذين اتبعوا أدعياء المهدوية أو اليمانية، فإن عددا لا بأس به منهم لم يكونوا أميين، وإنما كانوا من أصحاب الشهادات الأكاديمية، وكانوا على قدر معتد به من التفهم والتعلم، ولكنهم كانوا من ذلك الصنف الذي يحب أن يطعم ويسقى من دون أن يحرك يداً، أنهم اتبعوا تلك الحركات المنحرفة من دون روية، ورأوا فيها خلاصهم من عذاب عصر الغيبة.
وبنوا مدن أحلامهم على ظنونهم، ولو أنهم اعملوا فكرهم قليلاً لعرفوا الحق، ولو أنهم بذلوا جهدا قليلاً لتركوا الباطل، وألا فأي عقل أو عاقل يقبل أن يتبع مدع من دون دليل، أو يقبل أن يترك ما أجمعت عليه الطائفة بعلمائها وأفذاذها وأساطينها لكلام صعلوك لا يحسن أن يفهم كلام المعصوم!
حقا أنها من الفتن التي حذرت منها الروايات الشريفة، والتي وصفتها بعضها بأن الرجل يمسي كافراً ويصبح مؤمناً ويصبح مؤمناً ويمسي كافراً.
إنها حالة من عدم الثبات على المبدأ، وحالة من التعجل والإسراع في تقبل الأفكار فكرة بعد فكرة، من دون روية، أنها سلسلة من القرارات الخاطئة تودي بعقل الإنسان وتحجره عن التفكير، والعاقبة تكون الندم، وربما ندم في وقت لا ينفع فيه الندم.
إنها دعوة إلى اتخاذ التعقل في اختيار الأفكار مبدأً يبني المؤمن عليه حياته... وإلى اعتماد المناهج الصحيحة والثابتة والموافقة للعقل والأدلة اليقينية من مصادر الدين الثابتة صراطاً يسير عليه العبد، حتى يطمئن قلبه ويمشي بقدم راسخة في طريق كثرت فيه المزالق.

البحوث والمقالات : ٢٠١٣/٠٦/٠٥ : ٣.٧ K : ٠
: حسين الماجدي
التعليقات:
لا توجد تعليقات.