البحوث والمقالات

(٣٢٨) الخطوة الأولى: الانتصار على الذات

الخطوة الأولى: الانتصار على الذات

الشيخ حسين عبد الرضا الأسدي

عندما نطالع أخبار الأُمم التي فشلت، تبرز لنا ظاهرة مشتركة بين جميع تلك الأُمم، وهي أن سبب ذلك الفشل لم يكن هو الظروف الخارجية فقط، وإنما كان السبب الأهم فيها هو النخر الداخلي الذي تعيشه الأُمة، مما يؤدي إلى تصدع أركانها، فتتاح للعدو الخارجي حينئذٍ أكثر من فرصة للقضاء عليها.
ففي معركة أُحُد مثلاً، استغرب بعض الصحابة من هزيمتهم رغم أنهم جند الله تعالى، فجاء القرآن الكريم ليبين لهم السبب المهم في تلك الخسارة فأخبرهم قائلاً ﴿قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ﴾.
وهذا يعني فيما يعنيه أن الانتصار على الآخر أكثر ما يحتاج إليه هو الانتصار الداخلي، وهو ما تؤكده أدبيات ديننا، قال تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ﴾، ولذلك اعتبر النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) جهاد النفس أكبر من جهاد العدو ومقارعة السيوف.
واليوم، نعيش الغيبة الكبرى، ونأمل ظهور الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) ليقودنا نحو الانتصار على كل قوى الظلم والتعسف والجور، وربما نسي الكثير منا أن ذلك الانتصار يتوقف - فيما يتوقف عليه - على أن ننتصر على ذواتنا ببنائها بناءً رصيناً لا يدع فرصة لتأثير الطابور الخامس وغيره فيها.
إننا في معترك الحياة نعيش حالة من صراع داخلي وآخر خارجي، وما لم ننتصر في الأول فلربما يستحيل الانتصار في الثاني.
إن المنتظِر اليوم يعيش حالة من الصراع الداخلي مثّلته الروايات الشريفة بمن يقبض على جمرة، أو بمن يخرط شوك القتاد، وأصعب ما في هذا الصراع هو أن الفرد مضطر إلى الإمساك بتلك الجمرة وعلى أن يتحمل أذى شوك القتاد وهو يخرطه.
في حالة كهذه، من الخطأ أن ينشغل هذا الفرد بصراع غير هذا الصراع، لأنه مادام لم ينتصر من الداخل فلا مجال لديه لنصر آخر.
وهذا يعني أن علينا أن نلتفت إلى المفردات التالية:
أولاً: على المنتظر أن يلتزم التقوى في زمن كثرت فيه فرص الحرام، وتنوعت فيه أساليب التعليب والترويج والتصدير له، ففي (كمال الدين وتمام النعمة) - للشيخ الصدوق - ص٣٤٣ قال أبو عبد الله (عليه السلام): «إن لصاحب هذا الأمر غيبة، فليتقِ الله عبد وليتمسك بدينه».
ثانياً: على المذنب أن يعجّل بالتوبة فيما لو صدر منه خطأ - فإن التوبة نوع من الانتصار على الذات - ولا يدع الأمر على عواهنه حتى يفاجئه الموت، ولات حين متاب، أو يباغت بالظهور وقد لا يوفق للتوبة آنذاك.
ثالثاً: على المؤمن إذا ما ساءت الظروف الخارجية أن لا يستسلم لها، وعليه أن يقف وقفة رجل يكون فيها أصلب من الجبال، ولا يقع فريسة للعوز أو الفقر أو الحاجة، وذلك يكون لو كان المؤمن قد بنى ذاته قبلاً وحصَّنها من أسباب السقوط.
رابعاً: علينا - نحن أهل زمان الغيبة الكبرى - أن نعمل جاهدين على بناء أنفسنا ذاتياً، ثم نوسّع من رقعة عملنا لنحاول بناء الغير، وفق التسلسل الإسلامي المعروف ﴿قوا أنفسكم﴾ أولاً، ثم ﴿أهليكم﴾ ثانياً، وثالثاً «لئن يهدي الله بك رجلاً خير لك مما طلعت عليه الشمس وغربت».
وذلك يتطلب منا جهداً موزّعاً على توسيع معرفتنا المهدوية وتدعيمها، وعلى معرفة الأساليب المناسبة لبناء الذات والغير، والتي ربما تكون بأسلوب النقد الذاتي أو النقد البنّاء، أو بعرض الأعمال على القرآن وما شابه.
خامساً: ومنه نفهم أن الهزيمة الداخلية لأكثر الأفراد هي السبب المهم وراء تأخر الظهور أو الحرمان من اللقاء المباشر بالإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، وهو ما صرَّح به الإمام (عجّل الله فرجه) نفسه في رسالته إلى الشيخ المفيد (قدس سره) حينما قال له: «ولو أن أشياعنا وفقهم الله لطاعته، على اجتماع من القلوب في الوفاء بالعهد عليهم، لما تأخر عنهم اليُمن بلقائنا، ولتعجَّلت لهم السعادة بمشاهدتنا، على حق المعرفة وصدقها منهم بنا، فما يحبسنا عنهم إلّا ما يتصل بنا مما نكرهه ولا نؤثره منهم، والله المستعان، وهو حسبنا ونعم الوكيل».

البحوث والمقالات : ٢٠١٣/٠٦/٣٠ : ٤.٠ K : ٠
: الشيخ حسين عبد الرضا الأسدي
التعليقات:
لا توجد تعليقات.