(٣٣٥) الموروث العقائدي في إثبات العقيدة المهدوية
الموروث العقائدي في إثبات العقيدة المهدوية
السيد هادي عيسى الحكيم
إنّ ظهور رجل من أهل بيت الرسالة المحمدية في آخر الزمان لإقامة حكومة الله العادلة العالمية في مستقبل الحياة البشرية (بعد أنْ تُملأ الأرض ظلماً وجوراً) لهو من مسلَّمات العقائد الإسلامية التي اتَّفق عليها جمهور المسلمين، ونقلوا في هذا المجال أحاديث بلغت حد التواتر، وعلى هذا الأساس فإنّ وجود مثل هذا المصلح العالمي - أي الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) - في مستقبل البشرية أمر مقطوع به، ولا نقاش فيه من الناحية العلمية الحديثية الإسلامية، بحيث لا يمكن الشك أو التشكيك فيه.
وتعدّ قضية الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) للكثير من الناس مشكلة قائمة على الرغم من كونها عقيدة إسلامية آمنت بها جميع مذاهب المسلمين اعتماداً على جملة أحاديث نبوية شريفة متواترة موجبة للعلم ومتفق على صحتها. وقد التقى الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) مع الأئمة الآخرين (عليهم السلام) بخصائص مشتركة وهي الإمامة، العصمة، والنص على الولاية، وأنّ الشيعة الإمامية يؤكدون بهذا الخصوص على ثلاث حقائق هي أنّ الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) من عترة الرسول الكريم (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وأنّه من وُلد فاطمة الزهراء (عليها السلام) ومن وُلد الإمام الحسين (عليه السلام) بالاعتماد على صحة الأحاديث المتواترة.
وبهذا يتم التأكيد على قضية الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) وأنها أصل من أصول الدين ودعامة من دعامات الإسلام، وذلك ضمن عقيدة المسلمين بالإمامة.
أمّا علة غيبة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) فهي من الأسرار الإلهية التي لا نستطيع الوقوف على حقيقتها، كما أنها ليست بالأمر الجديد في تاريخ البشرية ولا في تفاصيل حياة الأنبياء والرسل، بل إنّ لهذه الغيبة نظائر في حياة أولياء الله السابقين في تاريخ الأُمم السابقة، فقد غاب النبي موسى الكليم (عليه السلام) عن أُمّته أربعين يوماً وقضى كلُ هذه المدة في الميقات.
وغاب السيد المسيح (عليه السلام) بمشيئة الله عن أنظار أُمّته، فلم يقدر أعداؤه على قتله، كذلك غاب النبي يونس (عليه السلام) عن قومه مدة من الزمان.
إذن ليست غيبة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) عن أنظار الناس بدعاً من الأمر، كما لا يصح أنْ تقع هذه الغيبة - مهما طالت - ذريعة الإنكار.
حيث إنّ آخر حُجّة من حجج الله وآخر إمام من أئمة أهل البيت (عليهم السلام) قد أراد الله تعالى أنْ يُحقق على يديه الأُمنية الكبرى وهي بسط العدل والقسط ورفع راية التوحيد على كل ربوع الأرض، وهذه الأُمنية الكبرى وهذا الهدف العظيم لا يمكن أنْ يتحقق إلّا بعد مرور مدة من الزمان، وبعد تكامل العقل البشري وتهيؤ الإنسان روحياً ونفسياً لذلك، حتى يستقبل العالم باستعداد تام وفاعل وبشوق ورغبة موكب الإمام والمصلح العالمي (عجّل الله فرجه)، موكب دولة العدل والحرية والسلام.