(٣٣٦) الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) ومفهوم الانتظار
الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) ومفهوم الانتظار
الشيخ كاظم جعفر المصباح
المستفاد من النصوص المتعلقة بالقضية المهدوية أن الانتظار المثاب عليه هو الانتظار المقترن بالإيمان والطاعة، والورع ومحاسن الأخلاق، وأنّ الطاعة التي يمارسها المكلّف في دولة الباطل مع الخوف والاضطراب يكون أجرها أضعافاً مضاعفة على العبادة التي ينجزها في دولة الحق مع الإمام الظاهر من أهل البيت (عليهم السلام)، وأن الصبر على الأذى مع أداء الفرائض تجعل المنتظِر أفضل من أصحاب القائم (عجّل الله فرجه)، والذي يموت على هذا الحال يكون أفضل من كثير من شهداء بدر، والحي منهم يكون كالمتشحّط بدمه في سبيل الله. وهذا النمط من المنتظرين يبجّلهم الإمام علي (عليه السلام) ويشتاق لرؤيتهم، ويخبرنا عن رفيع منزلتهم، وأن الله سيجمعهم وإياه في جنّات عدن ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم.
إن ذلك الانتظار للقائم المنتظر (عجّل الله فرجه) هو الانتظار الإيجابي.
وقد اعتمدت نظرية الانتظار الإيجابي على ركائز مهمة تهدف برمّتها إلى تطبيق الإسلام المحمدي الأصيل أصولاً وفروعاً، وأداء الفرائض، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والجهاد دفاعاً عن الإسلام، والسعي إلى إيجاد دولة إسلامية في زمن الغيبة، وبناء المجتمع الإسلامي بناءً عقائدياً سليماً، وإعداده لنصر القائم (عجّل الله فرجه) إعداداً معنوياً ومادياً، وتمهيد الأرضية الصالحة لظهوره (عجّل الله فرجه) وإنشاء دولته العالمية العادلة.
فنظرية الانتظار الإيجابي بناءً على ما تقدم تغاير نظرية الانتظار السلبي مغايرة تامة؛ لأنّ الثانية تدعو إلى شل النشاط الإسلامي، وتجميد الطاقات البشرية، وتعطيل الأحكام، والتنصّل من الوظائف الشرعية والإنسانية، وغض النظر عن مظاهر الظلم والفساد الاجتماعي، وإيقاف المسيرة في منتصف الطريق على أمل ظهور القائم (عجّل الله فرجه) لينتشلها من الوحل المغمورة فيه، ويقود ما تبقّى من حطامها نحو الأمن والسلام. وفي هذه الحالة بدلاً من أن يكون المنتظرون أعواناً وأنصاراً للقائد يؤازرونه على إنجاز مهامّه الرسالية، يكونون عبئاً ثقيلاً عليه، يعيقون حركة سيره باتجاه الأهداف المنشودة.
بينما الأولى تدعو إلى مواصلة المسيرة باتجاه الأهداف المرسومة، وعدم التوقف في أثناء الطريق رغم ما يعترض المسيرة من موانع وعراقيل، لأنّ الوقوف والمراوحة في أثناء الطريق يجهض القوى ويعرّض المسيرة إلى موانع وعراقيل وأخطار عظيمة لا تقوى بعدها على السير خطوة واحدة إلى الأمام.
واتَّخذ المؤمنون النظرية - من السر والتقيّة - أسلوباً للنشاط الإسلامي في تلك الظروف العصيبة الحالكة بناءً على توصيات الأئمة الأطهار (عليهم السلام)، من أجل الحفاظ على سلامة الحركة والحركيين في آن واحد، والتقليل من نسبة الخسائر والتضحيات، واستطاع هؤلاء بفضل دعم وتوجيهات الأئمة الأطهار (عليهم السلام) أن يفجّروا ثورات كثيرة سجلّها لهم التاريخ في أنصع صفحاته، وينشئوا دولاً عديدة في شتى أنحاء الوطن الإسلامي على مدى التاريخ، صحيح أن معظم تلك الثورات قد فشلت ولم تنجز أهدافها كاملة، وأنّها تسببت في قتل عشرات الآلاف من أفراد الطائفة الشيعية إلّا أنّها ما كانت تخلو من فوائد جمة.
فهي من جهة قلّمت أظافر الخلفاء الأمويين والعباسيين والحكومات الرجعية، وحجّمت نفوذهم، وقلّصت الكثير من جرائمهم ومآثمهم، لأنها أشعرتهم بأنْ قراراتهم الإجرامية التعسفية سوف لن تمر بسهولة وبدون عقاب. ومن جهة أخرى رسخت جذور التشيع وقواعده في أعماق وجدان المجتمع المسلم، ورفعت المستوى القتالي للأُمة الإسلامية، وصعّدت من معنوياتها وروحيتها الجهادية، وزرعت الأمل والثقة بنفسها، ومكنتها من مواجهة أعتى الطواغيت بقوة واقتدار وشجاعة فائقة.