(٣٤٣) الأوضاع قبيل الظهور / التدهور الديني
الأوضاع قبيل الظهور/ التدهور الديني
الشيخ مجيد الصائغ
يشهد العالم بأسره قبيل ظهور الإمام (عجّل الله فرجه) الكثير من التغيّرات الملموسة والملفتة للانتباه وعلى جميع الأصعدة, وكلّها تشكّل مؤشّرات على قرب ظهوره المبارك.
إنّ تلك الأوضاع التي تبدأ بالتدهور شيئاً فشيئاً لتزداد الأمور سوءاً وتعقيداً أكثر فأكثر يكون لها أعظم الأثر في شد الناس نحو المنقذ ولفت انتباه البشرية إلى أنّه لابدّ من يوم الخلاص، اليوم الذي تملأ فيه الأرض قسطاً وعدلاً بعد ما ملئت ظلماً وجورا, حينما تضيق السبل ويقف العلم الحديث بكل إمكاناته وما وصل إليه من التطور والرُقي, حينما يقف عاجزاً أمام حل مشاكل الناس ويعجز عن تسيير الحياة بعجلتها المسرعة على الاتجاه الصحيح، حينها لابد أنْ يبحث الجميع عن الحل.
وهنا تبرز فكرة المنقذ في أذهان الجميع, تلك الفكرة التي أجمع العالم بدياناته واتجاهاته العقائدية كافّة على الإيمان بها, وإنْ اختلفوا في التفاصيل إلا أنّ أصل الفكرة واحد وهو أنّ العالم بحاجة إلى منقذ وأنّه آت لا محالة.
ولعل ما نعيشه اليوم - ولا نريد أنْ نوقّت - إذ الوقت علمه عند الله - ولكن من باب الأمل والترجّي وانتظار الفرج - هو بوادر ومقدمات ظهوره المبارك، وهذا ما سنستفيده من روايات أهل البيت (عليهم السلام) التي نرى في انطباقها على هذا الزمن مجالاً واسعاً مع بقاء الأمر في دائرة الاحتمال لا الجزم والقطع.
إنّ الوضع الديني للناس في آخر الزمان يصل إلى أقصى درجات التردّي والانهيار, فلا تجد إلا أجساداً خاوية خالية من الإيمان والالتزام، ومبانٍ إلا أنّها بعيدة كل البعد عن الهدف من المساجد في الإسلام فلا يبقى من الإسلام إلا اسمه ومن القرآن إلا رسمه, بل يصبح الدين سلعةً تباع وتشترى، وهنا عناوين ثلاثة هي:
1- الفقهاء ما قبل الظهور:
من الواضح جداً أنّ الدور الذي يلعبه الفقهاء في المجتمع كبير جداً, وتقع على عـاتقهم مسؤولية كبيرة، فالمفروض أنّهم حماة الدين وحفظة كتاب الله (عزّ وجل)، وهم القادة إلى الرشاد والهداة إلى سبيل النجاة، لكن عندما يتجه الفقيه اتجاهاً آخر وينحو منحى متلوياً، فهنا المفسدة أعظم وأكبر، مما يترتب على غيره، ولو اتجه نفس الاتجاه، لاقتداء الناس بهم، ولتأثيرهم القوي بالمجتمع, وقد ورد التعبير عن فقهاء آخر الزمان.
فقد روي عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: سيأتي زمان... فقهاء ذلك الزمان شر الفقهاء تحت السماء منهم خرجت الفتنة واليهم تعود.
ويتجه عندنا أنّ المراد بهم وعّاظ السلاطين المنصوبين من قبلهم أو من يظهر يثوب المستقبل البعيد عن البلاط إلا أنّ من ورائه أيادٍ خفيه تحركه وتملي عليه المواقف والفتاوى التي تكون مصلحة الإسلام أبعد ما تكون منها, أولئك الذين يلبسون الحق بالباطل ويكتمون الحق وهم يعلمون، وممن يجحدون بآيات الله وهم بها موقنون في قرارة أنفسهم، وكم شاهدنا من مجازر وقتل على الهوية وتهجير وانتهاك للحرمات واغتصاب وفجور ونحوها من أقبح وأشد المحرمات إلّا أنّها ترتكب باسم الدين وبفتاوى صريحة وواضحة وعلنية تصدر من هنا وهناك من فقهاء صدق فيهم قول الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم): أنّهم شر الفقهاء وأنّهم سبب الفتنه والانحرافات فإنّا لله وأنا إليه راجعون وسيعلم الذين ظلموا أي منقلبٍ ينقلبون.
2- المسلمون في عصر ما قبل الظهور:
كما يتنامى الخط الإسلامي المحمدي الأصيل متمثلاً بالقلّه القليلة من أتباع الحق الذين يشكّلون القواعد الشعبية المؤهلة لظهور الإمام (عجّل الله فرجه) فيما بينهم ونـصرته والنهوض معه، كـذلك في الوقت ذاته يتنامى الخط المنحرف، وهو الأكثرية الساحقة، وهم مسلمون بالاسم فقط، ومن يتصفّح بلاد المسلمين اليوم من شرق الأرض إلى غربها ومن شمالها إلى جنوبها يجد ذلك وواضحاً جلياً وعلى جميع المستويات، وهذه الظاهرة في تنام، وستزداد سوءاً يوماً بعد يوم, وقد بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً.
وقد قال النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم): سيأتي زمان على أمتي لا يبقى من القرآن إلا رسمه ولا يبقى من الإسلام إلا اسمه يسمّون به وهم أبعد الناس.
وعن الإمام الباقر (عليه السلام): سيأتي على الناس زمان لا يعرفون الله وهو التوحيد حتى يكون خروج الدجال.
3- كثرة المساجد وقلّة الدين:
المساجد مصدر الإشعاع الفكري والثقافي في الإسلام، ولذا كان وما زال التركيز من أعداء الإسلام الخارجين والداخلين على إفراغها من محتواها وتحويلها إلى أماكن أثريّة وتأريخية للقديمة منها، وتحفاً معمارية للحديثة منها، ونتيجة لابتعاد الناس عن الدين جرّاء السياسات المتلاحقة للحكومات المتلبسة بثوب الإسلام فقد ابتعد الناس عن المساجد إلا القلة منهم، ونحت المساجد منحى آخر في المهام والوظائف الملقاة على عاتقهــا، وتحول الأمر الهام من التركيز على دورها في المجتمع إلى التركيز على جماليتها والإبداع الفني فيها، وقد ذكر رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) ذلك بقوله: سيأتي زمان على أُمتي مساجدهم عامرة وهي خراب من الهدى.
وإذا فقدت المساجد دورها وأفرغت من محتواها الحقيقي, قلّ الدين والديّانون، فهي كالمصباح المنير في البيت متى أنطفـأ نوره ساد الظلام ولا تكاد تبصر طريقك إلا باللمس أو التخبط.
لذا فإنّ من أوضح صور آخر الزمان هو الظلام الدامس في القلوب وخروج الناس عن دينهم، بل يصبح الدين سلعة رخيصة يباع بأزهد الأثمان لمصالح دنيوية.
وقد ورد عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم): ويل للعرب من شر قد أقترب, فتن كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمناً عند الصباح ويمسي كافراً يبيع قوم دينهم بعرض من الدنيا قليل المتمسّك يومئذٍ كالقابض على الجمر. أو قال: على الشوك.
وروي أنه دخل الحسين بن علي (عليه السلام) على أبيه علي بن طالب (عليه السلام) وعنده جلساؤه فقال: هذا سيّدكم - سمّاه رسول الله سيّداً - وليخرجنّ رجلاً من صلبه شبهي شبهه في الخُلق والخَلق يملئ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً. وقبل له: متى ذلك يا أمير المؤمنين؟ فقال (عليه السلام): هيهات إذا خرجتم عن دينكم كما تخرج المرأة عن وركيها لبعلها.
إنّ كل تلك السلبيات إنّما تحققت بفعل عوامل متعددة سببها القطيعة بين الإيمان الفعلي الراسخ في الأعماق والذي عمل الوحي الإلهي ممثلاً بالكتاب الكريم والسنة الشريفة ترسيخه في نفوس الناس وبين واقع حياة الناس حيث تنكبوا الصراط المستقيم وأتبعوا أهواءهم وأنانيتهم حتى أصبح الدين لعق على ألسنتهم بل حتى العبادات عندما يؤدونها, يؤدونها مراسيم فاقدة لمحتواها الفعلي المتمثّل بالخشوع والخضوع وإحضار القلب والقربى الخالصة لله (عزّ وجل).