البحوث والمقالات

(٣٤٦) الاستعداد الإعلامي الثقافي للظهور المقدّس

الاستعداد الإعلامي الثقافي للظهور المقدّس

صباح محسن كاظم

إنّ التهيؤ لاستقبال الظهور الحتمي للأمل الموعود بالاستعداد العلمي, والإعلامي, والثقافي، فعلى الجميع السعي الحثيث - في الإعلام بصوره المختلفة - للتثقيف بالتفقّه بالقضية المهدوية، فمن المؤسف أنْ تطالع وترى وتسمع جميع وسائل الإعلام فلا تجد ايّة نافذة يومية تربطك بأهم القضايا العقائدية وهي الإمامة... فالتهيئة الإعلامية تقدّم الأجواء العلمية للوفاء بالعطاء الرسالي للأئمة الأطهار الذين عبّر عنهم السيّد محمد باقر الصدر بكتابه (تعدّد الأدوار ووحدة الهدف)، فعلى الإعلام اقتفاء سيرهم وعرض علومهم وطرح مثلهم وقيمهم, فلكل إمام عطاء تنتفع الإنسانية من قبس شعاعه, ونور ضيائه في الطريق إلى الفردوس..., فعلى الإعلاميين والرساليين اقتفاء سير أولئك الأئمة الأقداس, ومناقبهم, وعلومهم, وأخلاقهم, وجهادهم, وتقواهم... وعليهم أنْ يستقوا العبر والدروس ليقدموها بحلّة قشيبة تستهوي الأفئدة, لتنهل الإنسانية من فيوضات وألطاف تلك الخصال النموذجية, فيستلهموا الحكمة... والمعرفة... والتقوى... والزهد... والجهاد... والعلم... كذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر... فتتويج ذلك بتطبيقاته الإعلامية التي تضع المجتمع على طريق الهداية والإيمان والوصول إلى مرافئ السعادة والأمل باستقبال الإمام المنتظر (عجّل الله فرجه).
إنّ إيصال الرسالة المهدوية الإصلاحية يعدّ من وظائف الإعلام الجاد الذي يؤسس للقيم الأخلاقية, عن طريق تقويم الأداء السياسي, والاقتصادي, والثقافي. فالنقد الإيجابي البنّاء بمثابة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, فالإعلامي الملتزم والوطني له دوره في البناء برصد كل معوقات النهوض, فهو من يحمل أعباء التصحيح, ويشيد بمن يقدم الخدمات من خلال الحوار وتسليط الضوء على الايجابيات, فهو لا يلمّع القبح أو يحسّنه ويزوّقه, بل يطرح ما يهم أمّته، فهو صوتها ولسانها... وربما سأستخدم لفظاً لم يستخدم من قبل وهو – زكاة الإعلام - فزكاة الإعلام كما أعتقد هي باب الأمر بالإصلاح المجتمعي فيتحقق بذلك:
1- نقد الظواهر السيئة المخالفة للشرع المقدس.
2- إرساء قيم الهداية بالمجتمع.
3- التهيؤ بالانتظار الايجابي للتغيير العالمي بيد مصلح البشرية ومنقذها.

فزكاة الإعلام الجاد والهادف والرصين هي في أحدى أبوابها التفقّه بالإمامة، وربما يقول أحد المتفلسفين: هذا شأن إسلامي بحت, نقول له: عليك بالاطّلاع على كتب السماء, فسترى التوراة والإنجيل, وكل الرسالات السماوية ورسل رب العالمين قد بشّرت البشرية بيوم الخلاص المهدوي, وانّك لا ترى أبعد من انفك, فإفراد ركن للدين بكل مجلة وصحيفة وقناة، هو ليس للعبث بل هو البناء, هو الاصلاح, هو التهيّؤ بالتفقّه، فمن أين يستقي المجتمع الفضائل والأخلاق والعلم والفكر؟ أليس من أعظم ما جادت به الإنسانية، وهم محمد (صلّى الله عليه وآله وسلم) وآل محمد (عليهم السلام)...؟
ومن هذا التهيؤ فإنّ المعالجات الفكرية بأسلوب جمالي وبتقنية حرفية في المسرح, والسينما, والأدب والفن بكل صوره يؤثر بالمتلقي - حتى غير المسلم - ويشده للمنجز الابداعي الذي قدمه تراثنا الثر لأئمة الهدى ومناقبهم وفضائلهم أو ما مر من المآسي في حياتهم, بتوظيف (مسرح التعزية) المآسي.
بإطاره الفكري والحضاري والقيمي والمعرفي، بعرضها بإخراج مشوّق، وليس بالالتزام الحرفي بالمدونة النصيّة، لتصل إلى المتلقّي بكل اتجاهاته العقائدية مع الاعتماد على مرجعيات الحدث - الخط العام - بالتوأمة مع المتخيّل للطقس العاشورائي وفق النسق الإخراجي الجمالي لفعل عملية (التفاعل) مع الواقعة ومأساتها وابراز بطولة الإمام الحسين سيد الشهداء (عليه السلام) قبال خسة ودناءة وانحطاط من قاتله, فالقربان الحسيني بالتضحية بنفسه وعياله وصحبه وصحابة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) من كان معه بالطف هو عنوان الفداء والتضحية والجهاد لإبراز القيم الأخلاقية والتي يتفق معها كل البشر بكل عصر ومصر, فالملحمة والسمفونية الخالدة لدراما الطف بالإمكان توظيفها نحو خطاب إعلامي ممنهج لصالح جميع البشرية في مشتركها الإنساني - رفض الظلم - والوقوف إلى جانب الأحرار، فالصراع بين الخير والشر والحق والباطل في ثنائية الوجود يشكل فيها (الصراع) عنصراً جوهرياً في الطقوس والأشكال المسرحية, وقد قدّم مسرحة التعزية أو – التشابيه - أو المسرح الحسيني عشرات الأعمال الدرامية، ففي مصر قدّم الشرقاوي مثل (الحسين شهيداً الحسين ثائراً) وفي العراق محمد علي الخفاجي (ثانية يجيء الحسين (عليه السلام)) قبل أربعة عقود برؤية شعرية أخّاذة وفق أحداث الطف المؤلمة, كذلك مسرحية عبد الرزاق عبد الواحد، وكتب رضا الخفاجي) مسرحيته الشعرية (صوت الحر الرياحي) وكتب الأديب علي حسين الخباز أكثر من (4) مسرحيات مستوحاة من طقس الطف برؤية معاصرة, ووليد خالد في (مسرحية الحسين (عليه السلام))... الخ، من المؤلفين الذين قدموا عشرات المسرحيات والتي قدّمت في مدن العراق بعد زوال كابوس البعث المجرم.
والتراث الضخم الذي تركه أئمتنا لا يستوعبه أي مفصل اعلامي أو نشاط جمالي أو فني وعلمي.
فلو قدمت البرامج ليلاً ونهاراً فلن تستوعب علوم آل محمد (صلّى الله عليه وآله وسلم),... فمن المروءة أن يعمل الإعلامي, والأديب, والفنان على تقمّص تلك الشخصيات وهضم ارثها الضخم لتقديمه للإنسانية للانتفاع منه, وإنّ خدمة العقيدة الإسلامية بكل وسائل الإعلام والنشر يعد فضيلة لا تضاهيها فضيلة... فهل يكفي ما يقدمه العلماء من دراسات عن الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) بكتبهم وأبحاثهم دون نزوله بأرض الواقع, ومشاهدته إعلاميا؟!

البحوث والمقالات : ٢٠١٣/٠٨/١٢ : ٤.١ K : ٠
: صباح محسن كاظم
التعليقات:
لا توجد تعليقات.