(٣٦٣) الرجعة (١)
الرجعة (1)
الشيخ حميد عبد الجليل الوائلي
للحديث عن الرجعة وحقيقتها مفهوماً وواقعاً لابدّ أنْ يلحظ جملة كبيرة مما له الأثر في إجلاء الحقيقة وتوضيح المقصود، فالرجعة كمفهوم قد تكون واضحة بلحاظ عمومياتها ولكنْ قد ينتابها بعض الغموض بلحاظ بعض حيثيّاتها، فلابدّ من الرجوع حينئذ إلى المفهوم وبيانه بشكل ينسجم مع إزالة الغموض وإثراء الوضوح ولابدّ قبل هذا وذاك من أنْ يكون المنهج المتبع في تبييض صفحة الرجعة التي كتب عنها الكثير ذا قدرة على استيعاب تلك التفاصيل التي ينبغي الخوض فيها عند الحديث عن الرجعة فلابدّ وأنْ يكون المنهج الذي نتسلح به للخوض في ابحاث الرجعة منهجاً تلفيقياً، إذ بعض أبحاثها والكثير من تلك الشبهات التي حامت حولها لا يجاب إلاّ بالمنهج العقلي، بينما البعض الآخر يحتاج إلى المنهج الكلامي، فيما يحتاج نموذج ثالث من أبحاثها المنهج التفسيري، فيما لابدّ من الخوض والاستفادة عند البحث عن بعض مفاصل الرجعة من المنهج التأريخي، بينما لا يمكن الاستغناء عن المنهج الفقهي في حديثنا عن الرجعة وبعض جوانبها، أمّا إذا أردنا الخوض في عمق بعض أبحاثها واستجلاء الصورة أكثر فلابدّ من التدرّع بالمنهج العرفاني.
وكل هذه المناهج لا يمكن الاستغناء عن واحد منها بلحاظ البحث الذي يتوقف عليها، إذ من الخطأ الكبير أنْ نخوض في بحث تفسيري من خلال المنهج العقلي او التاريخي والعكس بالعكس وهكذا البحوث الأخرى.
ولنضرب على ذلك بعضاً من الأمثلة نستجلي من خلالها الصورة أكثر، فإنّ بعض الآيات القرآنية تحدثت عن الرجعة على ما فسره كثير من العلماء تبعاً للروايات الواردة عن أهل البيت (عليهم السلام) كقوله تعالى: ﴿أَوْ كَالَّذي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَ هِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها قالَ أَنَّى يُحْيي هذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِها فَأَماتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قالَ كَمْ لَبِثْتَ قالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ﴾ وقال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَ هُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْياهُمْ﴾ وقال تعالى: ﴿وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً﴾ وقال تعالى: ﴿وَحَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً﴾.
فإنّ هذه الآيات فسرتها الكثير من الروايات كما ستأتي الإشارة إليها بالرجعة وهنا لابد للبحث في هذه الروايات ومفادها ودلالتها من إعتماد المنهج التفسيري، بينما إذا أردنا الحديث عن قضية تأريخية لها ارتباط بالرجعة لابد من اعتماد المنهج التأريخي في إثبات دلالة الحادثة التاريخية على قضية الرجعة، فقضية أولئك القوم الألوف الذين خرجوا حذر الموت فأماتهم الله ثم أحياهم هي قضية ذات بعد تأريخي لابدّ من الحديث عنها بمنهج تاريخي وكذلك ما وقع من احياءات بعد البعثة النبوية الشريفة في الأمّة الإسلامية وقد سجلته كتب التاريخ بشكل وافر، فإنّ الكثير من الناس الذين توفوا وماتوا رجعت لهم الحياة مرة أخرى وشكلت رجعتهم بالنسبة ألينا حادثة تأريخية، فللحديث عنها ومقدار دلالتها لابدّ من الاستعانة بالمنهج التاريخي.
بخلاف ما لو كان هناك بحث عقلي يرتبط بالرجعة من استحالة أو إمكان كما في بعض الشبهات التي تلقى تجاه الرجعة، فلابدّ فيها من أتباع المنهج العقلي.
هناك جملة من الأبحاث التي لابدّ من إثرائها عند الحديث عن الرجعة بعد أنْ ينتهي الحديث عن أصل إثباتها، وهي هل أنّ الرجعة جزء من عالم البرزخ أو من عالم الدنيا، وهل هي خاصة ببعض الناس أم عامة لكلهم، وإذا كانت خاصة ببعضهم فمن هم الذين يرجعون؟
وهل الذين يرجعون يلتقون بالناس؟
ومتى تبدأ الرجعة؟ وهل يرجع جميع الأئمة بل والإمام المهدي أيضاً؟ فهل الرجعة على مراحل أم مرحلة واحدة، ثم ما هو نمط المعيشة في عالم الرجعة؟ وهل الرجعة روحية أم بالأبدان؟ وهل هي شاملة لكل الكون أو الكرة الأرضية أم خاصة بأمكنة كالكوفة والمدينة؟
ومن يحكم في الرجعة إذا رجع إمامان أو أكثر.
وهل بعد دولة المهدي دولة أخرى ثم هل يوجد تعارض بين أحاديث والتقلين، ثم هل بينها وبين أحاديث الثقلين لقوله (حتى يردا عليّ الحوض) وهل تتعارض أحاديث الرجعة مع استمرار إمامة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) ومع بعض الآيات القرآنية كالبرزخ في قلوه تعالى: ﴿كَلاَّ إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ وهل يوجد في الرجعة ابليس وهل يوجد تعددية دينية أم ان هناك دين واحد وما هي حقيقة وضع قبور الأئمة (عليهم السلام) ومطلقات استحباب زيارتهم بعد رجعتهم وخروجهم من قبورهم وغيرها من الأسئلة التي سوف نتناولها في هذه الأبحاث إن شاء الله تعالى.