(٣٧٧) الرجعة (٥)
الرجعة (5)
الشيخ حميد عبد الجليل الوائلي
تحدّثنا في الحلقات السابقة عن عمومية الرجعة وخصوصيتها، وعن خصوصيات من يرجعون، وكيف سيرجعون، وهل أنها من عالم البرزخ، أو من عالم الدنيا وما هي خصوصياتها، ومن هم الذين يرجعون، وهل الرجعة واحدة أو هي متعددة، وسنتحدث الآن عن:
متى تبدأ الرجعة وهل يرجع جميع الأئمة؟
إنّ الحديث عن بداية الرجعة ومتى تكون ينبغي أنْ يكون عن خصوص الرجعة التي تقع بعد ظهور الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) وإلاّ فغير هذه الرجعة قد بدأت منذ زمن بعيد، إذ قد وقعت في بني إسرائيل وفي أزمان أخرى وقد تحدث عنها القرآن الكريم بشكل واضح وآيات متعددة ﴿الَّذينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ...﴾ و ﴿كَالَّذي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها قالَ أَنَّى يُحْيي هذِهِ اللَّهُ﴾ وغيرها.
فضلاً عن الرجعات التي وقعت لأناس في أزمان بعض الأنبياء (عليهم السلام) وفي زمن نبينا (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بل وفي أزمان الأئمة (عليهم السلام)، فقد روى الصفار في (بصائر الدرجات) أنّ رجلاً جاء إلى أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) قائلاً له: فداك أبي وأمي إن أهلي توفيت وبقيت وحيداً فقال أبو عبد الله (عليه السلام) أكنت تحبها؟
قال: نعم. قال ارجع إلى منزلك فإنك تراها وهي تأكل... .
إذن فالرجعة رجعتان أو أكثر، على ما تقدم، منها ما بدأ مذ قرون، ومنها ما يبدأ عند قيام القائم (عجّل الله فرجه)، وقد تحدث أهل الأخبار والحديث عن أصناف وألوان من الرجعات التي تفاوتت في كيفية حصولها ومدة وقوعها وبقاء من رجع فيها، وإذا لاحظنا الأحاديث العامّة والتي تتحدث عن إنّ ما جرى في الأمم السابقة سيجري في هذه الأمة حذو القذة بالقذة، وانّ ما وقع في الأمم السابقة من رجعات سيقع في هذه الأمة، نفهم أنّ هناك تفصيلات في الرجعة التي ستقع وإنْ لم تكن لنا عليها أدلة خاصة، ولكنه ولله الحمد توجد مجموعة من الأخبار تتحدث عن جملة من خصائص الرجعة التي ستقع عند ظهور الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، وعلى هذا الأساس تتضح الإجابة عن تساؤل بداية الرجعة، وإنها متى تبدأ؟ إذ إنه إنْ كان المقصود هو رجعات ما قبل الظهور المبارك فإنها قد بدأت، أما هي فستبدأ عند الظهور مباشرة، وقد نصت جملة من الأخبار على ذلك، نقرأ بعضها، ففي (إرشاد المفيد) عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: يخرج القائم (عليه السلام) من ظهر الكوفة مع سبعة وعشرين رجلاً، خمسة عشر من قوم موسى الذين كانوا يهدون للحق وبه يعدلون وسبعة من أهل الكوفة، ويوشع بن نون وسلمان وأبي دجانة الأنصاري والمقداد ومالك الأشتر، فيكونون بين يديه أنصاراً وحكاماً، وفي رواية يرويها الكشي عن أبي جعفر (عليه السلام) يقول فيها: كأني بعبد الله بن شريك العامري عليه عمامة سوداء ذوابتاها بين كتفيه بين يدي قائمنا أهل البيت في أربعة آلاف... .
وفي خبر آخر يتحدث الإمام الصادق (عليه السلام) عن رجل أسمه نجم بن أعين ويصفه بأنه ممن يجاهد في الرجعة.
ولم ينته الحد عند ذكر من يرجع مدافعاً عن الحق وتحت لواء القائم (عجّل الله فرجه) بدين الله، انّما أخبرنا أهل البيت (عليهم السلام) عمن يرجعون قتالاً لأهل الحق وطمساً للدين وانتشاره، إذ يقول الإمام الصادق (عليه السلام): إنّ أول من يكرّ الى الدنيا الحسين بن علي وأصحابه (عليهم السلام)، ويزيد بن معاوية وأصحابه، فيقتلهم حذو القذة بالقذة.
وعنه (عليه السلام) يقول: اتقوا دعوة سعد، قلت: وكيف ذاك إن سعد يكرّ حتى يقاتل أمير المؤمنين.
وفي خبر عن أبي جعفر (عليه السلام) أنّه كان يقول: كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول من أراد أنْ يقاتل شيعة الدجال فليقاتل الباكي على دم عثمان وعلى دم أهل النهروان.
فيما يخبر الإمام الصادق (عليه السلام) أحد أصحابه عندما قال له: إنا نتحدث أنّ عمر بن ذر، لا يموت حتى يقاتل قائم آل محمد (عليه السلام)، فقال إنّ مثل بن ذر مثل رجل كان في بني اسرائيل يقال له عبد ربه وكان يدعو أصحابه إلى ضلالة فمات فكانوا يلوذون بقبره ويتحدثون عنده، إذ خرج عليهم من قبره ينفض التراب من رأسه ويقول لهم كيت وكيت.
بل يخبرنا أبا جعفر (عليه السلام) عن عمومية هذا الأمر حيث يقول: ...ما من هذه الأمة بر ولا فاجر إلاّ سينشر.
ومن لطائف هذا الباب يحكى أنّ لأبي حنيفة مع الإمام الباقر (عليه السلام) حكاية، حيث قال له يوماً: يا أبا جعفر تقول بالرجعة؟ فقال (عليه السلام): نعم، فقال أقرضني من كيسك هذا خمسة مئة دينار فإذا عدت أنا وأنت رددتها إليك.
فقال (عليه السلام) له في الحال: أريد ضميناً يضمن لي أنْ تعود إنسان، فإنّي أخاف أن تعود قرداً فلا أتمكن من استرجاع ما أخذت مني.
أما فيما يرتبط برجعة جميع الأئمة (عليهم السلام) فإنّ الأحاديث في ذلك كثيرة، فضلاً عن الذي ورد من نصوص في دعاء أو زيارة ظهر منها عمومية رجعتهم، وأنّ دولتهم يحكمون فيها بأجمعهم واحداً بعد واحد، بل تعدى ذلك إلى رجعة الأنبياء جميعاً.
ودليل هذا القول فضلاً عن عمومية ما دل على رجوع ممحضي أهل الإيمان وهم منهم بلا شك، روايات منها:
- عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: أخذ الله ميثاق الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) على الأنبياء أنْ يخبروا أممهم به وينصروه، فقد نصروه بالقول وأمروا أممهم بذلك وسيرجع رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ويرجعون وينصرونه في الدنيا.
- وفي خبر عن علي بن الحسين (عليهما السلام) في تفسير قوله تعالى ﴿لَنَنْصُرُ رُسُلَنا﴾ قال (عليه السلام): هو الرجعة إذا رجع رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والأئمة (عليهم السلام).
بل نصت بعض الأخبار على تعدد رجعة بعضهم حيث روى أبي جعفر (عليه السلام) قائلاً: إنّ لعلي (عليه السلام) إلى الأرض لكرة، كرة مع الحسين (عليه السلام)... ثم كرة أخرى مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) حتى يكون خليفته في الأرض، يعطي الله نبيه ملك جميع أهل الدنيا حتى ينجز له موعده في كتابه.
والأخبار في ذلك ليست بالقليلة، وفي خبر لا ينبغي المرور عليه سريعاً إذ يثبت لنا ما تحدثنا عنه سابقاً في إحدى الحلقات، من أنّ الرجعة هي إلى الدنيا وبقوانينها، حيث يقول الإمام الصادق (عليه السلام): ما زالت الأرض إلاّ ولله تعالى فيها حجّة يعرف، الحلال من الحرام، ويدعو إلى سبيل الله، ولا تنقطع الحجة من الأرض إلاّ أربعين يوماً قبل القيامة، فإذا رفعت الحجة أغلق باب التوبة.