(٤٠٥) الرجعة (١١)
الرجعة (11)
الشيخ حميد عبد الجليل الوائلي
وصل بنا الحديث حول حقيقة الرجعة وأبحاثها إلى الفقرة التي تقول: هل أنّ الرجعة شاملة لكل الكرة الأرضية أو أنّها تحدث في أمكنة خاصة كالكوفة ومكة والمدينة، وهل يوجد فيها كرامات ومعاجز؟
بطبيعة الحال ومن حيث المبدأ فإنّه لا يوجد مانع يمنع من شمول الرجعة لكل أنحاء الأرض بعد أنْ كان المقتضي موجوداً، إذ أنّ الرجعة - وهي الرحمة الخاصة والتي سيرجع فيها بعض ممحضي أهل الإيمان وممحضي أهل الكفر ومن استثني بدليل خاص - غير خاصة بمساحة معيّنة من الأرض، فكل أرض فيها ممحض إيمان أو ممحض كفر، أو دل الدليل الخاص على وجود شخص يرجع منها فنحن نتبع ذلك، فالمقتضي موجود والمانع مرفوع، وهذا معناه شمول الرجعة لكل أصقاع الأرض، هذا من حيث الدليل العام.
أمّا من حيث الأدلّة الخاصة فيظهر من بعض الروايات التي ذكرناها سابقاً، وهي رواية جميل بن دراج عن ابي عبد الله (عليه السلام) تفسيراً لقول الله (عزَّ وجل): ﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذينَ آمَنُوا﴾ قال (عليه السلام): ذلك والله في الرجعة، أما علمت أنّ في أنبياء الله كثيراً لم ينصروا في الدنيا، وقتلوا، وأئمّة قد قتلوا ولم ينصروا، فذلك في الرجعة قلت: ﴿وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ، يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ﴾ قال (عليه السلام): هي الرجعة.
حيث يظهر منها أنّ الرجعة ليست في مكان خاص بل حيث ما وجد نبي لم ينصر، وأكثرهم إن لم نقل كلّهم لم ينصروا، وحيث ما وجد أئمّة قتلوا وأكثرهم قتلوا كانت الرجعة.
ثم انّه يمكن أنْ نستفيد عموميّة شمول الرجعة لكل الأرض بهذا البيان:
حيث أنّ الأدلّة دلّت على أنّ الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) يحكم الأرض كلها، ودلّت أدلّة أُخرى على إنّ الكثير من المؤمنين سيخرجون في دولته، وذكرت بعض الروايات نماذج منهم، أشرنا إليها في شروح سابقة، فلابدّ انْ ننتهي إلى أنّ الرجعة تشمل كل ما يمتدّ إليه حكم الإمام (عجّل الله فرجه)، إذ الروايات لم تتحدث عن رجعة واحدة في زمن دولته عليه السلام.
بل يمكن أنْ يقال أنّ دولته ليست إلاّ مفتاح وبوابة لدولة آل محمد (عليهم السلام)، وقد نصّت الآثار على رجوعهم جميعاً، وأشرنا لها فيما سبق، وسيحكمون العالم بأسره وسيرجع معهم خلق كثير، وهذا يظهر منه شمول الرجعة لكل الأرض، إذا لم نقل بغيرها.
أمّا فيما يرتبط بالكرامات والمعاجز فإنّه لا مانع من حدوثها إذا توفّر المقتضي، لذلك فنفس الرجعة لا تشكل مانعاً من حدوث كرامة او معجزة للإمام المهدي (عجّل الله فرجه) أو لغيره من الأئمّة أو لبعض الصلحاء والأولياء، فقد قلنا إنّ الرجعة ستحدث في ضمن الإطار الطبيعي للدنيا، وهو محكوم بنظام الخوارق للعادة إذا اقتضت المصلحة ذلك، فلا مانع من حصول كرامة إذا توقف إيمان جملة كبيرة من الناس عليها أو تثبيت إيمانهم أو الارتقاء بإيمانهم، وقد دلّت بعض الأخبار على أنّ الإمام (عجّل الله فرجه) في بداية ظهوره سيحدث الكثير من المعاجز والكرامات، بل والكثير من الأحكام المعطّلة التي سيراها الناس على خلاف العادة، وقد يُنظر إليها على نحو الكرامة أو الإعجاز، كحكمه بعلمه، وتوريثه الأخ أخاه في الأظلة، وغيرها.