البحوث والمقالات

(٤١٦) ضرورة وجود النواب (٢)

ضرورة وجود النواب (2)

ندى سهيل عبد محمّد الحسيني

تحدثنا في الحلقة الأولى عن النظام الذي اتبعه إمامنا (عجّل الله فرجه) في غيبته الأولى، وهو نظام النيابة.
والآن حديثنا عن:
أقسام النيابة:
كما أنّ غيبة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) انقسمت إلى مرحلتين (صغرى وكبرى)، كذلك النيابة انقسمت إلى مرحلتين:
- النيابة الخاصة في الغيبة الصغرى.
- النيابة العامة في الغيبة الكبرى.
1- النيابة الخاصة: وهي أنّ الإمام (عجّل الله فرجه) يتخذ أشخاصاً خاصين نواباً عنه ويحددهم بالاسم والصفات، ويسهم كل منهم في تعريف الأمّة باللاحق له، وهم ينوبون عن الإمام (عجّل الله فرجه) في مختلف المسائل التي خولهم إياها.
ولا يليق بهذا المقام السامي إلا من تتوفر فيه الصفات المطلوبة والمؤهلات اللازمة والشروط الخاصة التي هي:
- الأمانة.
- التقوى.
- الورع.
- كتمان الأمور التي لا ينبغي إفشاؤها.
- عدم التصرف في القضايا الخاصة بالرأي الشخصي.
- تنفيذ الأوامر والتعليمات الواصلة إليه من الإمام (عجّل الله فرجه)، إلى غير ذلك من الشروط.
ويطلق على النواب الخاصين (النواب الأربعة) وهم أربعة على ما يفهم من التعبير الأخير، وكانوا جميعهم من علماء الشيعة وزهّادهم وكبارهم وهم:
* عثمان بن سعيد العمري (رضي الله عنه)، وهو أول النواب الخاصين بالإمام المهدي (عجّل الله فرجه) وكان بابا لأبيه وجده من قبل وثقة لهما، ثم تولّى الوكالة الخاصة للإمام الحجة (عجّل الله فرجه)، وظهرت المعجزات على يده.
* محمد بن عثمان بن سعيد العمري (رضي الله عنه)، وهو النائب الثاني للإمام الحجة (عجّل الله فرجه)، وقام مقام أبيه عثمان بن سعيد (رضي الله عنه) بعد وفاته بنص الإمام أبي محمد العسكري (عليه السلام) ونص أبيه عثمان عليه بأمر الإمام المنتظر (عجّل الله فرجه).
* الحسين بن روح النوبختي (رضي الله عنه)، وهو الذي قام بأمر النيابة والوكالة بعد مضي محمد بن عثمان (رضي الله عنه) إلى رحمة ربه ورضوانه، فكان ثالث النواب الخاصين بالإمام الحجة (عجّل الله فرجه)، وذلك بالنص عليه من قبل محمد بن عثمان (رضي الله عنه)، بأمر الإمام المهدي (عجّل الله فرجه).
* علي بن محمد السمري (رضي الله عنه)، وهو آخر النواب الأربعة، والذي بوفاته عام (329) انتهت مدة النيابة الخاصة ووقعت الغيبة الكبرى، وقد نص عليه أبو القاسم بن روح النوبختي قبل وفاته من الإمام الحجة (عجّل الله فرجه).
وقد مارس هؤلاء الأربعة مهام النيابة بالترتيب المذكور، فكلما مات أحدهم خلفه الآخر الذي يليه، بمعنى أنهم قد حددوا بالأسماء والصفات وثبتت نيابتهم بالنص عليهم من الإمام (عجّل الله فرجه)، وأسهم كل واحد منهم بالتعريف باللاحق له، ويُعد كل واحد منهم من أكابر علماء الشيعة، فكان الشيعة يرجعون إليهم في أمورهم لما ثبت عندهم من نيابتهم بالخصوص عن الإمام (عجّل الله فرجه)، وقد مارسوا دورهم النيابي ببدء مرحلة الغيبة الصغرى مدة سبعين عاماً تقريباً، استطاعوا أن يتحملوا خلالها أعباء هذه المسؤولية الثقيلة والخطرة، بأحسن وجه، وقد اضطلعوا خلال هذه المدة بعدة مهام نذكر بعضا منها:
1- قيادة القواعد الشعبية الموالية للإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، من الناحية الفكرية والسلوكية، امتثالا لأوامره (عجّل الله فرجه).
2- إخراج توقيعات الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، وحل المشكلات وتذليل العقبات التي قد تواجه بعض قواعدهم الشعبية، فكانت المشكلات تحل وفقا لتعاليم الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) الواردة في توقيعاته.
3- قبض الأموال وتوزيعها وإيصالها إلى حيث يجب دفعها، وهو من واضحات وظائفهم ومهمات أعمالهم، والمال المقبوض يكون عادة من الحقوق الشرعية التي يعطيها أصحابها من الموالين للإمام (عجّل الله فرجه) في مختلف البلاد الإسلامية.
4- المساهمة في إخفاء الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، وذلك بالتزامهم مبدأ التقية مهما أحوجهم الأمر إلى ذلك، ويجعلونها طريقا لتهدئة الخواطر عليهم، وإبعاد النظر عنهم وعن الإمام الحجة (عجّل الله فرجه)، إلى غير ذلك من المهام الأخرى التي لا يسعنا ذكرها جميعا تجنبا للإطالة.
ويجب الالتفات إلى انه كان للنواب الأربعة وكلاء في كثير من البلاد الإسلامية، يقومون بدور كبير في تسهيل مهمة النواب ووظائفهم. وكان هؤلاء الوكلاء محمودين في سلوكهم، مستقيمين في عقيدتهم، معروفين بالزهد والتقوى والصلاح، وكانت مهمتهم الاتصال بالناس ومراسلة النواب الأربعة في القضايا والأسئلة الموجهة إلى الإمام الحجة (عجّل الله فرجه)، ويأخذون منهم الأموال ويوصلونها، أو يصرفونها حسب الأوامر الصادرة إليهم في الأمور الخاصة، أو على الشيعة.
وفيما يأتي نذكر أسماء بعض الوكلاء:
- حاجز بن يزيد الوشاء.
- إبراهيم بن مهزيار.
- محمد إبراهيم بن مهزيار.
- أحمد بن إسحاق الأشعري القمي.
- محمد بن جعفر الأسدي.
- القاسم بن العلاء.
- الحسن بن القاسم بن العلاء.
- محمد بن شاذان.
2- النيابة العامة: وهي النيابة التي لم تحدد بالتشخيص لشخص، إنما حدّدت بعنوان عام ينطبق على هذا الفقيه، أو على ذاك الفقيه، فيعبر عن الفقهاء في عصر الغيبة الكبرى بأنهم (نواب عامون).
أو هي: إنّ الإمام (عجّل الله فرجه) يحدد ضابطاً عاماً يكون الشخص الذي يصدق عليه هذا الضابط العام صدقاً كاملاً نائباً للإمام (عجّل الله فرجه)، ويحتل مركز الولاية العامة بحكم هذه النيابة، ويكون الوالي العام لشؤون الأمّة الدينية والدنيوية.
أو هي: النيابة المتمثلة بفقهاء الشيعة ومجتهديهم المؤهلين من نواحي العدالة، والأعلمية، والخبرة، ويطلق عليهم اسم (مراجع الدين)، ومفردها المرجع الديني، لرجوع الناس إليهم في أخذ الفتوى والإرشاد، ويتم وصول المجتهد إلى مرتبة المرجعية من خلال تأييد الناس والمؤسسات الدينية له.
وإنّ من يتولى المرجعية العامة للمسلمين في زمن غيبة الإمام (عجّل الله فرجه)، لابد أنْ تتوفر فيه الشروط الآتية:
البلوغ. العقل. العدالة. الرجولة. الاجتهاد. الحرية.
قال السيد محمد باقر الصدر (قدس سره): إنّ مجموعة من الشروط التي يجب أنْ يتوافر عليها من يتصدى لقيادة الأمة وتولي زمام الأمر وهي: العدالة، العلم، الوعي بالواقع وما يدور به من مستجدات، وكيفية استيعاب المبادئ الإسلامية لإشكالياته المختلفة. قال تعالى: ﴿بِمَا استُحفِظُوا مِن كِتَابِ اللهِ وَكَانُوا عَلَيهِ شُهَدَاءَ﴾.
وقد ثبت منصب النيابة العامة بنصوص النبي والأئمة (عليهم السلام)، والإجماع والسيرة المتصلة القطعية للعلماء العاملين، والفقهاء الراشدين، ورواة أحاديث الأئمة الطاهرين، فيجب على المكلفين كافة الرجوع إلى العلماء حفظة العلوم والأخبار وآثار الأئمة الأطهار (عليهم السلام) العارفين بالأحكام الصادرة عنهم بالنظر والاستنباط والعقل والتدبر، ولا بدّ للمكلفين أن يأخذوا مسائل الحلال والحرام منهم، ويرجعوا في قطع المنازعات إليهم، وكل ما يقولون هو حجة عليهم، لأنهم جمعوا شرائط الفتوى من قوة الاستنباط إلى العدالة والبلوغ، والعقل وسائر شرائط الاجتهاد، ولهم النيابة العامة، فالناس مكلفون بالرجوع إليهم اضطرارا لعدم تعين نائب مخصوص في زمن الغيبة الكبرى. والروايات الواردة في حقهم كثيرة وهي مذكورة في كتب الحديث والفقه منها:
ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) إنه قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): اللهم ارحم خلفائي ثلاثاً فقيل: يا رسول الله ومن خلفاؤك؟ فقال (صلّى الله عليه وآله وسلّم): الذين يأتون من بعدي، ويروون حديثي وسنتي.
ما جاء في التوقيع الشريف الصادر عن الإمام الحجة (عجّل الله فرجه) على يد نائبه الثاني محمد بن عثمان العمري (رضي الله عنه)، قال (عجّل الله فرجه): وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم، وأنا حجة الله عليكم.
- ما روي عن الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) عن أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) في حديث طويل، جاء في طرف منه: ...فأما من كان من الفقهاء صائنا لنسفه، حافظا لدينه، مخالفا لهواه مطيعا لأمر مولاه، فللعوام أن يقلدوه، وذلك لا يكون إلا بعض فقهاء الشيعة، لا جميعهم.
وغير ذلك من الروايات الأخرى التي تبيّن أنه (عجّل الله فرجه) لم يترك المسلمين لاسيما شيعته سدى من غير مرجع ومفزع، فكان العلماء هم المرجع الوحيد لحل المشاكل التي كانت تواجه الشيعة منذ ذلك اليوم حتى يوم الناس هذا.
هذا وإن المرجع الذي يتقلد منصب النيابة العامة عن الإمام المنتظر (عجّل الله فرجه) تقع عليه مسؤوليات أهمها ما يأتي:
رعاية العالم الإسلامي بجميع طوائفه وفرقه، وتفقد شؤونهم والذبّ عنهم إذا دهمهم عدو، وغزا أرضهم كافر.
الإنفاق على الحوزات العلمية الدينية، وتفقد جميع شؤونها الاقتصادية والعلمية والاجتماعية. الإنفاق على الفقراء والبؤساء والمحرومين.

البحوث والمقالات : ٢٠١٣/٠٩/٢١ : ٤.٢ K : ٠
: ندى سهيل عبد محمد الحسيني
التعليقات:
لا توجد تعليقات.