البحوث والمقالات

(٤١٩) وأصبح مؤنساً لصاحب الزمان (عجّل الله فرجه)

وأصبح مؤنساً لصاحب الزمان (عجّل الله فرجه)

عارف آل سنبل

لقد شاءت الأقدار أنْ يصبح المتبوع تابعاً، وأنْ يلوذ غائب بغائب، فقد استكملت حلقات الكمال، وبلغت الأدوار الختام، وانكشف سر من أسرار صاحب العمر المديد... وكما قال الإمام الرضا (عليه السلام): وسيؤنس الله به وحشة قائمنا في غيبته، ويصل به وحدته.
ولن يكون الخضر (عليه السلام) وحده في هذه المهمة، وإنما سيكون واحداً ضمن مجموعة، فقد قال الإمام الباقر (عليه السلام): (وما بثلاثين من وحشة)، ومن بين هؤلاء الثلاثين الخضر (عليه السلام).
وقفة تأمّل:
نظرة واحدة لركب الحجة المنتظر (عجّل الله فرجه) يمكن أنْ نرجع منها بكنز معرفي ثمين.
سنشاهد في الركب شخصين عظيمين، يسيران معه، ويأتمران بأمره، وهما بعض جنوده.
لقد عرضت الروايات صوراً سيراها الحاضرون في عصر الظهور، وسيكون في بعضها روح الله (عليه السلام) مقتدياً بالإمام المهدي (عجّل الله فرجه) في صلاته، ومنتظراً لأوامره، وفي بعضها الآخر سترى الخضر (عليه السلام) حافاً به، يرفع به الله وحشته.
ولا تعجل على الحكم على ما طرحته بين يديك، وعد إلى الروايات فاقرأها متأملاً.
لقد روى البخاري في (صحيحه) أن الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال: كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم، وإمامكم منكم.
وروي عن حذيفة أنه قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): فيلتفت المهدي، وقد نزل عيسى (عليه السلام)، كأنما يقطر من شعره الماء، فيقول الإمام المهدي (عجّل الله فرجه): تقدَّم صلِّ بالناس، فيقول عيسى: إنما أقيمت الصلاة لك، فيصلي عيسى (عليه السلام) خلف رجل من ولدي، فإذا صليت قام عيسى (عليه السلام) حتى جلس في المقام، فيبايعه، فيمكث أربعين سنة.
تأمل - عزيزي القارئ - في الرواية، وتوقف عند كلمة (فيبايعه)، فإنها تحمل دلالة أوسع مما يصوِّره الاقتداء في الصلاة، إنها البيعة، وما البيعة إلا دليل الإتباع والاقتداء.
وأمّا الخضر (عليه السلام) فقد تكفلت رواياتنا بالحديث عنه، فنصَّت على كونه مؤنساً للإمام المهدي (عليه السلام)، ومؤتمراً بأوامره.
لقد جمعت راية واحدة بين الخضر وعيسى (عليهما السلام)، وهما يأتمران بآمر واحد، وقد سبق أنْ اجتمع مع موسى (عليه السلام)، فلم يستطع معه صبراً... فلقد كلّف كل واحد منهما بأمر يختلف عن الآخر، فذاك ابن عمران (عليه السلام) قد كلف بنظام تشريعي، وهذا الخضر (عليه السلام) قد كلف بأمر تكويني، فموسى (عليه السلام) قد كلف بالظواهر، والخضر (عليه السلام) قد كلف بالبواطن.
الباطن والظاهر والتكوين والتشريع خطان متناسقان، يوصلان الإنسان إلى الكمال، ولكل خط رجاله، والمهم في الأمر أنّ رجال الخطين التشريعي والتكويني سيصبحون منقادين لآمر واحد، وهو الإمام المهدي (عجّل الله فرجه).
حقّاً لقد طأطأ كل شريف لشرفكم، وحقّاً إنّ الطير لينحدر من قمّتكم كليلاً.
إنّ التفكر في هذه الصورة يكفي الباحث في معرفة عظمة أهل البيت (عليهم السلام)، ويوقفه على شيء مما حازوه من الشرف.
وسيتضح أنّ الوصول إلى هدف الأنبياء - وهو إقامة العدل في كل شبر من الأرض - يستلزم هذه القيادة المتعددة الجهات، بحيث ينطوي تحتها الخطان.
وستنفتح نافذة نشرف من خلالها على أهمية البحث عن تفضيل أهل البيت (عليهم السلام)، وسنرى أنه ليس أمراً ترفياً، بل هو أمر متعلق بالواقع الذي يعيشه الإنسان، ويؤمل الخروج منه إلى عالم من السعادة والعدالة.
إنّ من دواعي إبقاء شخصية بهذا العمر الطويل إيجاد البرهان الحي على امكانية بقاء الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) مدة طويلة.
فأنت ترى بوضوح وجود عناصر مشتركة بين الشخصيتين، وتجد نقاط التقاء كثيرة بينهما، ويمكن أنْ نشير إلى بعضها:
- العمر الطويل.
- الغيبة عن الأنظار.
- الظهور لبعض الناس حينما تقتضي المصلحة.
- الغيبة الفجائية عمن يلتقي معه.
- السرية في التحرك والعمل.
- التشابه في بعض الأعمال، كإرشاد الحائر.
وقد أشار الأئمة (عليهم السلام) إلى وجود نوع من التشابه بين الشخصيتين، بل وأصبح طول عمر الخضر (عليه السلام) دليلاً على عمر الحجة المنتظر (عجّل الله فرجه).
فقد روي عن سدير الصيرفي أنه قال: دخلت أنا، والمفضل بن عمر، وأبو بصير، وأبان بن تغلب، على مولانا أبي عبد الله جعفر بن محمد (عليه السلام)، فرأيناه جالساً على التراب، وعليه مسح خيبري مطوق بلا جيب، مقصر الكمين، وهو يبكي بكاء الواله الثكلى ذات الكبد الحرى، قد نال الحزن من وجنتيه، وشاع التغير في عارضيه، وأبلى الدمع محجريه، وهو يقول: سيدي، غيبتك نفت رقادي، وضيّقت عليّ مهادي، وأسرت مني راحة فؤادي.
سيدي غيبتك أوصلت مصابي بفجائع الأبد، وفقد الواحد بعد الواحد يفني الجمع والعدد... إلى أنْ قال: إنّ الله تبارك وتعالى أدار في القائم منا ثلاثة أدارها في ثلاثة من الرسل...
- قدر مولده تقدير مولد موسى (عليه السلام).
- وقدر غيبته تقدير غيبة عيسى (عليه السلام).
- وقدر إبطاءه تقدير إبطاء نوح (عليه السلام).
وجعل من بعد ذلك عمر العبد الصالح - أعني الخضر (عليه السلام) - دليلاً على عمره.
من مشاهدات الأولياء:
هناك مشاهدات للأولياء تدل على وجود العلاقة بين الخضر والإمام المهدي (عليهما السلام)، ومن ذلك ما نقل عن الشيخ العفيف الصالح حسن بن مثلة الجمكراني، في علة بناء مسجد جمكران.
فإنه قد حظي بشرف الدعوة والمثول بين يدي الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، وقد نقل ما شاهده، فقال: لمّا امعنت النظر رأيت أريكة، فرشت عليها فرش حسان، وعليها وسائد حسان.
ورأيت فتى في زيِّ ابن ثلاثين، متكئاً عليها، وبين يديه شيخ، وبيده كتاب يقرؤه عليه، وحوله أكثر من ستين رجلاً، يصلون في تلك البقعة، وعلى بعضهم ثياب بيض، وعلى بعضهم ثياب خضر، وكان ذلك الشيخ هو الخضر (عليه السلام)، فأجلسني ذلك الشيخ، ودعاني الإمام (عجّل الله فرجه) باسمي... .
ولابن العرندس (قدس سره) في هذا المعنى كلام جليل في رائيته المشهورة، فقد قال:

تحُفُّ بهِ الأملاكُ مِن كُلِّ جانِبٍ * ويَقدِمُهُ الإِقبالُ والعِزُّ والنَّصرُ
عوامِلُهُ في الناسِ عينٌ شوارِعٌ * وحاجِبُهُ عيسى وناظِرُهُ الخِضرُ

البحوث والمقالات : ٢٠١٣/٠٩/٢١ : ٣.٧ K : ٠
: عارف آل سنبل
التعليقات:
لا توجد تعليقات.