(٤٢٤) طول عمر الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)
طول عمر الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)
الشيخ محمد حسن يوسفي
ذكر الحافظ الكنجي في الدلالة على كون الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) حياً باقياً مذ غيبته إلى الآن قال:
ولا امتناع في بقائه بدليل بقاء عيسى والياس والخضر (عليهم السلام) من أولياء الله تعالى، وبقاء الدجال وإبليس الملعونين أعداء الله تعالى، وهؤلاء قد ثبت بقاؤهم بالكتاب والسنة، وقد اتفقوا عليه ثم أنكروا جواز بقاء الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، وها أنا أبيّن بقاء كل واحد منهم، فلا يسع بعد هذا لعاقل إنكار جواز بقاء الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) حياً.
وإنما أنكروا بقاءه من وجهين: أحدهما طول الزمان، والثاني أنه في سرداب من غير أنْ يقوم أحد بطعامه وشرابه، وهذا يمتنع عادة.
أمّا عيسى (عليه السلام) فالدليل على بقائه قوله تعالى: ﴿وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ﴾ ولم يؤمن به أحد مذ نزول هذه الآية إلى يومنا هذا، ولابد أنْ يكون ذلك في آخر الزمان.
وأمّا السنّة، فما رواه مسلم في صحيحه بإسناده عن النواس بن سمعان في حديث طويل في قصة الدجال قال: فينزل عيسى (عليه السلام) بن مريم عند المنارة البيضاء شرقي دمشق بين مهرودتين، واضعاً كفيه على أجنحة مَلَكَين.
وأيضاً ما في البخاري عن قوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم.
وأما الخضر والياس (عليهما السلام) فقد قال ابن جرير الطبري: الخضر والياس (عليهما السلام) باقيان يسيران في الأرض.
ثم أورد الحافظ الكنجي أحاديث عن بقاء الدجال منذ زمان الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وحتى يومنا هذا وقد تركناها لطولها.
وأما الدليل على بقاء ابليس اللعين فآي الكتاب، نحو قوله تعالى: ﴿قالَ أَنْظِرْني إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرينَ﴾.
وأمّا بقاء الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) فقد جاء في الكتاب والسنّة.
أمّا الكتاب فقد قال سعيد بن جبير (رضي الله عنه) في تفسير قوله تعالى: ﴿لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾ قال: هو المهدي من عترة فاطمة (عليها السلام).
وأما من قال إنه عيسى (عليه السلام) فلا تنافي بين القولين، إذ هو مساعد للإمام (عجّل الله فرجه).
وقد قال مقاتل بن سليمان ومن شايعه من المفسرين في تفسير قوله (عزَّ وجل): ﴿وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ﴾ قال: هو الإمام المهدي (عليه السلام) يكون في آخر الزمان وبعد خروجه يكون قيام الساعة وأماراتها.
وأما السنّة فالكثرة الكاثرة من الأحاديث الصريحة بذلك.
وأمّا الجواب عن طول الزمان فمن حيث النص والمعنى.
أمّا النص فما جاء من الأخبار على إنه لابد من وجود الثلاثة في آخر الزمان، وأنه ليس فيهم متبوع غير الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) بدليل أنه إمام الأمّة في آخر الزمان.
وأنّ عيسى (عليه السلام) يصلي خلفه كما ورد في الصحاح، ويصدقه في دعواه، والثالث هو الدجال اللعين وقد ثبت أنه حي موجود.
وأمّا المعنى في بقائهم فلا يخلو من أحد قسمين: أمّا أنْ يكون بقاؤهم في مقدور الله أو لا يكون، ومستحيل أنْ يخرج عن مقدور الله، لأنّ من بدأ الخلق من غير شيء وأفناه، ثم يعيده بعد الفناء، لابد أنْ يكون البقاء في مقدوره، وإذا ثبت أنّ البقاء في مقدوره تعالى فلا يخلو أيضاً من قسمين، أمّا أنْ يكون راجعاً إلى اختيار الله أو إلى اختيار الأمّة، ولا يجوز أنْ يكون إلى اختيار الأمة، لأنه لو صح ذلك منهم لصح من أحدنا أنْ يختار البقاء لنفسه ولولده، وذلك غير حاصل لنا، غير داخل تحت مقدورنا، فلابد من أنْ يكون راجعاً إلى اختيار الله سبحانه.
ثم لا يخلو بقاء هؤلاء الثلاثة من قسمين أيضاً: أمّا أنْ يكون لسبب أو لا يكون لسبب، فإنْ كان لغير سبب كان خارجاً عن وجه الحكمة، وما خرج عن وجه الحكمة لا يدخل في أفعال الله، فلابد أنْ يكون لسبب تقتضيه حكمة الله تعالى.
وأمّا الدجال اللعين: فلم يحدث حدثاً مذ عهد إلينا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنه خارج فيكم الأعور الدجال، وإنّ معه جبال من خبز، تسير معه، إلى غير ذلك من آياته، فلابد أنْ يكون ذلك في آخر الزمان لا محالة.
وأمّا الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) فمذ غيبته عن الأبصار إلى يومنا هذا لم يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما تقدمت الأخبار في ذلك، فلابد أنْ يكون ذلك مشروطاً بآخر الزمان.
فقد صارت هذه الأسباب لاستيفاء الأجل المعلوم، فعلى هذا اتفقت بقاء الثلاثة لصحة أمر معلوم في وقت معلوم، وهما صالحان: نبي وإمام، وطالح عدو الله وهو الدجال.
وقد جاءت الأخبار في الصحاح في صحة بقاء الدجال مع صحة بقاء عيسى (عليه السلام)، فما المانع من بقاء الإمام (عجّل الله فرجه) حياً؟ مع كون بقائه باختيار الله تعالى وداخل تحت مقدوره سبحانه، وهو آية الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فعلى هذا هو أولى بالبقاء من الاثنين الآخرين، لأنه إذا بقى الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) كان إمام آخر الزمان يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، فيكون بقاؤه مصلحة للمكلّفين ولطفاً لهم في بقائه من عند رب العالمين.
والدجال إذا بقي، فبقاؤه مفسدة للعالمين، لما نعلم من ادعائه الربوبية، وفتكه بالأمّة، ولكن في بقائه ابتلاء من الله تعالى ليعلم المطيع منهم والعاصي، والمحسن من المسيء والمصلح من المفسد، وهذه هي الحكمة في بقاء الدجال.
وأمّا عيسى (عليه السلام) فهو سبب إيمان أهل الكتاب للآية، والتصديق بنبوة سيدنا محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) سيد الأنبياء، وخاتم النبيين، ورسول رب العالمين. ويكون بياناً لدعوى الإمام عند أهل الإيمان ومصدقاً لما دعا إليه عند أهل الطغيان بدليل صلاته خلفه ونصرته إيّاه ودعائه إلى الملة المحمدية التي هو إمام فيها، فصار بقاء الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) أصلاً، وبقاء الاثنين فرعاً على بقائه، فكيف يصح بقاء الفرعين مع عدم بقاء الأصل لهما؟!.
ولو صح ذلك لصح وجود المسبب من دون وجود السبب، وذلك مستحيل في العقول.
وإنّما قلنا: إنّ بقاء الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) أصل لبقاء الاثنين لأنه لا يصح وجود عيسى (عليه السلام) بانفراده غير ناصر لملة الإسلام وغير مصدق للإمام، لأنه لو صح أن يكون تبعاً فصار متبوعاً وأراد أن يكون فرعاً فصار أصلاً.
والنبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال: (لا نبي بعدي)، وقال (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (الحلال ما أحل الله على لساني إلى يوم القيامة، والحرام ما حرم الله على لساني إلى يوم القيامة)، فلابد من أنْ يكون عوناً وناصراً ومصدّقاً، وإذا لم يجد من يكون له عوناً ومصدّقاً لدعواه لم يكن لوجوده تأثير، فثبت أن وجود المهدي (عجّل الله فرجه) أصل لوجوده.
وكذلك الدجال اللعين لا يصح وجوده في آخر الزمان، ولا يكون للأمة إماماً يرجعون إليه، ووزيراً يعوّلون عليه، لأنه لو كان الأمر كذلك لم يزل الإسلام مقهوراً ودعوته باطلاً، فصار وجود الإمام أصلاً لوجوده على ما قلنا.
وأما الجواب عن إنكارهم بقاءه في سرداب من غير احد يقوم بطعامه وشرابه فعنه جوابان:
أحدهما: بقاء عيسى (عليه السلام) في السماء من غير احد يقوم بطعامه وشرابه، وهو بشر مثل المهدي عليه السلام، فكما جاز بقاؤه في السماء والحالة هذه فكذلك المهدي عليه السلام في السرداب.
فإنْ قلت: إنّ عيسى (عليه السلام) يغذيه رب السماء من خزائن غيبه، قلت: لا تفنى خزائنه بانضمام الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) إليه في غذائه.
فإنْ قلت: إنّ عيسى (عليه السلام) خرج عن طبيعته البشرية، قلت: هذه دعوى باطلة، لأنّه تعالى قال لأشرف أنبيائه: ﴿قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ﴾.
ذكر العلامة السبط ابن الجوزي قال: وعامة الإمامية على أنّ الخَلَف الحجة (عليه السلام) موجود وأنه حي يرزق ويحتجون على حياته بأدلة منها أنّ جماعة طالت أعمارهم كالخضر والياس (عليهما السلام)، وأنّ ذا القرنين عاش ثلاثة آلاف سنة.
وأمّا عن الأنبياء فخلق كثير بلغوا الألف وزادوا عليها كآدم ونوح وشيث (عليهم السلام) ونحوهم.
أقول: ولا تنس إبليس اللعين، فإنّه حي يرزق منذ آلاف السنين وإلى يوم الوقت المعلوم، وهو عدو الله تعالى.