البحوث والمقالات

(٤٢٥) الانتظار ماذا يعني؟

الانتظار ماذا يعني؟

السيد هادي المدرسي

قال النبي محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في حديث متفق عليه: (أفضل أعمال أمتي انتظار الفرج) فماذا يعني ذلك؟
قد يظن بعض الناس أنّ معنى انتظار الفرج، هو أنْ نجلس بين جدران بيوتنا أو في زوايا المساجد ونضع رؤوسنا بين أيدينا، ولا نعمل شيئاً، ولا نتحمل مسؤولية، ولا نقاوم باطلاً، ولا ننصر حقاً، لان أفضل الأعمال هو انتظار الفرج - حسب ما يفهمونه من معنى سلبي للانتظار-.
ولتبيان معنى الانتظار الحقيقي نسجل النقاط الآتية:
أولاً: الكلام في الحديث الشريف يتناول الانتظار الذي هو (العمل) وليس اللا عمل، فالنبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يقول: (أفضل أعمال أمتي ...)، وإذا كان الانتظار بالمفهوم السلبي الذي يظنه بعض الناس فإنّه ليس عملاً، فالعمل هنا هو شيء ايجابي يتحدث عنه رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وليس شيئاً سلبياً.
ثانياً: إنّ الانتظار يعني أن تُحقق المقدمات، وتنتظر النتيجة. فأنت حينما تنتظر قادماً عزيزاً عليك، فإنّك تنظّف البيت، وتهيء كل ما يتطلبه منك استقبال ذلك القادم.
وحينما تنتظر مصلحاً ثائراً، فهل تفسد حياتك حين انتظارك له، خاصة إذا علمت أن ذلك المصلح لا يحابي ولا يجامل، ولا تأخذه في الله لومة لائم، ولا يفرّق بين الناس، ويضع السيف فاصلاً بين الحق والباطل.
وهل ستسكت على كل فاسد من حياتك العامة والخاصة؟
وهل ستمسك على الفساد المستشري في مجتمعك، وأنت تنتظر ذلك المصلح الذي لا يقبل بالفساد؟
إنّ انتظار المصلح هو تهيئة مقدمات الإصلاح، والاستعداد لاستقباله بما يليق به، وذلك بان تعمل في نفسك وعائلتك وشعبك ما يرضيه، وليس ما يغضبه.
على نهج الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وكما علمنا ووعينا أن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لم يكن يقبل بأية معصية، فكيف نقبل لأنفسنا أن لا نرضي الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) وهو خليفة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)؟
ومن ناحية أخرى نقول: صحيح أنّنا ننتظر العدل المطلق على يد الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، ولكن هل يعني ذلك أن نقبل، بالظلم حتى يأتي ألينا العدل المطلق؟
فإذا كنت مدعوّاً في الغد على طعام شهي جيد، أفلا تأكل اليوم شيئاً تتقوت به، حتى لو كان ذلك الشيء مجرد خبز يابس؟
وحينما تنتظر قدوم ذلك المصلح الأعظم، ألا تصلح مجتمعك؟ أم تسكت على ما يفعله الحاكمين الظالمون.
وإذا كنت تنتظر الذي يأتي لكي يرفع القرآن، فهل تسكت على من يهين القرآن اليوم؟
يجب أنْ تعلم أنّ الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) هو أحد السائرين فأن انتظار الفرج هو- في الحقيقة - تهيئة لكل وسائل الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، بإصلاح النفس وإصلاح الناس، وبالعمل بما يقوله القرآن الكريم، وبما يريده الإسلام، ولذلك كان هذا العمل هو أفضل إعمال أمّة محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
وبكلمة أخرى.. إنّ الانتظار هو الانتظار التغييري الثوري.
إنّ بعض الناس يصاب بالخيبة إذا فشل في أداء مهماته ومسؤولياته، وبمرور الزمن وحسب العوامل الاجتماعية والسياسية التي يمر بها أولئك الناس، وقد يستسلمون لليأس فيقولون: ها هي الحكومات الظالمة قد حكمت علينا، ها هما الشرق والغرب يقفان ضدّنا، ويملكان أسلحة وقوى لا قبل لنا بها، ولن نستطيع مقابلتها ومواجهتها، وهذه الصهيونية تمتلك وسائل جهنميّة لدمارنا، ونحن حتى اليوم لا نستطيع أنْ نصنع إبرة، وهم قد وصلوا إلى القمر، ويحاولون الوصول إلى المريخ.
ويقولون أيضاً:
إن الظروف السياسية الحاكمة في بلاد المسلمين اليوم، لا توحي إلينا بالأمل، فالشباب المؤمن في اعماق السجون، والثائرون مهجّرون، والذين باعوا ضمائرهم للشيطان ساكتون، ومن يتكلم يضرب عنقه، ومن يحتج يقطع لسانه، ومن يقاوم يعذّب حتى الموت.
ويقولون كذلك:
من يستطيع أن يعارض، والطاغوت يذبّح الرجال، ويستحيي النساء ويفعل ما يريد، ونحن لا حول ولا قوة، ولا رجال ولا سلاح؟
ثم يعطفون فيقولون:
من يمكن أنْ يحتج، والحاكمون للبلاد رجال حقراء، وبيدهم الأمر والنهي، ويمتلكون الأموال والدبّابات والطائرات، وباستطاعة بعضهم أنْ يحرك (000/100) جندي ضد شخص واحد؟
فمن أين الخلاص؟
وقد يردفون قائلين:
نحن أربعة من الشباب، وخمسة من الرجال، مجموعة مشلولة، كيف نستطيع أن ننتصر على قوى البغي والطغيان، هي تمتلك كل شيء، ويأتيها التأييد من الغرب والشرق معاً؟
هكذا يفكّر البعض بينه وبين نفسه ثم يطلق ألوان اليأس الشهير: (حشر مع الناس عيد)، ويبحث عن تجارة بسيطة أو منصب حقير، فينسى امّته، وينسى القران وأحكام الإسلام، التي تداس بأقدام الحاكمين الظالمين.
ولكن الله القهار، لم يغفر اليأس لهم، لأنّ القنوط أمر مرفوض في قانون الله.
وبناءً على ذلك فإنّ انتظار الفرج هو من أفضل الأعمال في الإسلام فلننتظر ما نقدّم لغد المهدي (عجّل الله فرجه)، يوم يتساقط فيه الحكام، كما تتساقط اوراق الشجر الذابل، في فصل الخريف. ولننتظر ذلك اليوم الذي نكون فيه أئمة ووارثون بالعمل والجهاد، وبالأمل المنجز، فهذا وعد الله وسنّته ﴿وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْديلاً﴾.

البحوث والمقالات : ٢٠١٣/٠٩/٢٢ : ٤.٣ K : ٠
: السيد هادي المدرسي
التعليقات:
لا توجد تعليقات.