البحوث والمقالات

(٤٧٢) شرح زيارة آل ياسين (١٤)

شرح زيارة آل ياسين (14)

الشيخ حميد عبد الجليل الوائلي

ما زال الحديث متواصلاً وشرح فقرات الزيارة المهدوية المباركة، زيارة آل ياسين، وقد وصل بنا الحديث إلى شرح المقطع: (أُشْهِدُكَ يَا مَوْلاَيَ أَنِّي أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَريكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ لاَ حَبِيبَ إِلاَّ هُوَ وَأَهْلُهُ).
يتحدّث هذا المقطع المبارك من الزيارة الشريفة عن حقيقة عقائدية تعتبر أسّ الإسلام وأساسه، فمن لا ينطق بالشهادتين لا يحكم عليه بالإسلام، وإن اعتقد بوحدانية الله سبحانه وتعالى وأتى بجميع العبادات، وقد أخذ في حقيقة الشهادة النطق بها، فلا يكفي في قبول إسلام الشخص أنْ يعرف الشهادتين، بل لا بدّ أنْ ينطق بهما، فالأساس الأول لبناء الإسلام في ذات الشخص أن ينطق بالشهادتين ليكون مسلماً، فيترتب عليه أثر الإسلام من قبول عمله، وجواز ترقّيه في مراتب الإسلام، والسماح له بصعود سلّم الارتباط مع الله سبحانه وتعالى من خلال بوابة دين الإسلام قال تعالى: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ﴾، وقال تعالى: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ ديناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ﴾.
وأوّل سلّم لابدّ أنْ يرتقيه الإنسان بعد نطقه بالشهادتين هو سلّم الإيمان، إذ انّه في بداية السلّم يوجد مفترق طريقين، احدهما يصعد بالإنسان إلى الإيمان، والآخر يحكم على الشخص بأحكام سمّيت فقهياً بالإسلام الظاهري، فعَصمت دم الإنسان وماله، ورتبت أحكاماً أخرى عليه، وله أوجبت صلاحية قبول بعض من أعماله وعقائده، وأنْ يكون في مرتبة معيّنة من الإسلام، وسيترتب على إسلامه هذا أثر أخروي كبير لا نريد الخوض فيه لأنّنا لسنا بصدد الحديث عنه.
أمّا الطريق الآخر الذي سلطَت الزيارة المباركة الضوء عليه فقالت: (لاَ حَبِيبَ إِلاَّ هُوَ وَأَهْلُهُ، وَأُشْهِدُكَ يَا مَوْلاَيَ أَنَّ عَلِيّاً أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ حُجَّتُهُ...) . والذي سوف يأتي شرحه مفصلاً.
فالزيارة تتحدث عن أنّ المسلم بعد نطقه بالشهادتين أولاً، وبعد جعله الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) شاهداً على هذا النطق والإقرار ثانياً، فرّعت عليه شهادة ثالثة مجموعية، وأرادت قبل تفريعها أنْ تذكر سبب هذا التفريع وهو حصر المحبوبيّة الإلهية بالشهادة الثانية والثالثة المجموعية.
وفي هذا المقطع توجد إشارة مهمّة لا ينبغي إغفالها، تلك هي أنّ هذا الإقرار متفرّع عن إقرار بوجود شاهد عليه له صلاحية الشهادة وتحمّلها، فصار الإقرار بالشهادتين والثالثة المجموعية أمامه لازماً، إذ لا يوجد من له الأهلية لحفظ هذه الشهادة ولتحمّلها، بل لا يوجد من نطمئنّ إلى حفظ هذه الأمانة عنده كحفظها عند من استشهدناه في هذه الزيارة وهو الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) حيث قالت الزيارة: ابتداء (اشهدك إنّي اشهد...).
وقد قال الله تعالى: ﴿وَيَوْمَ نَبْعَثُ في‏ كُلِّ أُمَّةٍ شَهيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنا بِكَ شَهيداً عَلى‏ هؤُلاءِ وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْ‏ءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً﴾، وقال تعالى: ﴿فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى‏ هؤُلاءِ شَهيداً﴾.
فالمقطع المبارك يلمح إلى قضية ضرورية ومهمّة أنّ الشاهد له مواصفات خاصة (وهي شروط الإمامة) تؤهله لصلاحية تحمل الشهادة.
وأن الإنسان بلا هذه الشهادة خاسر خائب.
وأن هذا الشاهد جزء من الشهادة.

البحوث والمقالات : ٢٠١٣/١٠/٢٣ : ٣.٨ K : ٠
: الشيخ حميد عبد الجليل الوائلي
التعليقات:
لا توجد تعليقات.