البحوث والمقالات

(٤٧٨) حديث الثقلين ووجود الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)

حديث الثقلين ووجود الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)

الشيخ وسام البغدادي

ذهب أهل السنّة والجماعة إلى عدم وجود الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) الآن, وقالوا إنّه سوف يولد في آخر الزمان رجلاً يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً، بينما ذهب علماء مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) إلى خلاف ذلك، فهم يعتقدون بوجود الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، وأنّه ابن الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)، وقد ولد في سر من رأى سنة 255 للهجرة على الأشهر، واستدلّوا على ذلك بأدلة كثيرة ومن أهمّها حديث الثقلين وهو من الأحاديث المتواترة، رواه حفّاظ أهل السنة والشيعة بأسانيد صحيحة عن جمع غفير من الصحابة عد ابن حجر من علماء أهل السنّة أكثر من عشرين منهم في كتابه (الصواعق المحرقة)، وعدّ غيره من حفاظ أهل السنّة أكثر من ثلاثين صحابي، كما في (سنن الترمذي)، وألف الحافظ أبو الفضل المقدسي المعروف بابن القيسراني وهو من كبار حفّاظ أهل السنة كتاباً خاصاً عن طرق هذا الحديث الشريف. كما أثبتت الدراسات الحديثية تواتره، مما لا يقبل الشك والنقاش فيه، نظير ما فعل العلامة المير حسن حامد الموسوي في موسوعة (عبقات الأنوار) وغيره من العلماء، وقد ذكر بعض الأعلام طرق هذا الحديث عن خمسين صحابياً، قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) في مضمون هذا الحديث الشريف: إنّي تارك فيكم ‏ ‏الثقلين‏، أحدهما أكبر من الآخر، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض‏، ‏وعترتي أهل بيتي، وأنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض.
وفي الحديث الشريف دلالة واضحة على عدم خلوّ الزمان من العترة الطاهرة، لأنّه لو حصل ذلك للزم افتراق الكتاب عن العترة، وهذا خلاف قول النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم): لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض. فمتى ما وجد القرآن في عصرنا الحاضر وفي أيّ عصر من العصور فلابدّ من وجود من يمثّل العترة الطاهرة النبوية، ويكون مصداقا للثقل الثاني لكي يتمسّك العباد به وبالذكر الثاني المحفوظ بهدف النجاة من الضلالة، عملاً بوصية النبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلم)، وبهذا يثبت وجود الإمام صاحب العصر والزمان (عجّل الله فرجه) لأنّه الشخص الوحيد الذي يمثّل العترة في كل زمان، فهو حي موجود على بقاع هذه الأرض, ويسير بسيرة آبائه وأجداده الأطهار.
وقد تنبّه لهذه الحقيقة عدد من كبار علماء أهل السنة والجماعة، فقال ابن حجر في صدد هذا الحديث: إنّ في أحاديث الحث على التمسك بأهل البيت (عليهم السلام) إشارة إلى عدم انقطاع متأهّل منهم للتمسك به إلى يوم القيامة كما أنّ الكتاب العزيز كذلك، ولهذا كانوا أمانا لأهل الأرض. وقال أيضاً: إذ هم الذين لا يفارقون الكتاب إلى الحوض.
وقال الإمام الزركاني يحكي في (شرح المواهب): عن العلاّمة السمهودي أنّه قال: هذا الخبر يُفِهم وجود من يكون أهلاً للتمسك به من عترته في كلّ زمن الى قيام الساعة، حتى يتوجّه الحثّ المذكور على التمسّك به، كما أنّ الكتاب كذلك، فلذا كانوا أماناً لأهل الأرض، فإذا ذهبوا ذهب أهل الأرض.
ولكن ربّما يقال إنّ هذا الحديث الشريف لا يدل على شخص الإمام محمد بن الحسن العسكري (عليه السلام)، بل غاية ما يدل عليه هو وجود شخص من العترة عدل للقرآن الكريم، ولا يلزم أنْ يكون هو الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) الذي ينتظره أتباع مذهب أهل البيت (عليهم السلام)؟
فنقول: أوّلاً: إنّ في هذا الحديث الشريف دلالة واضحة على عصمة العترة الطاهرة، وذلك لأنّنا لو قلنا بعدم عصمتهم (عليهم السلام) للزم افتراق القرآن عن العترة، وهذا باطل لقوله (صلّى الله عليه وآله وسلم): لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، مضافاً إلى ذلك أنّ الحديث الشريف يبين لنا أنّ التمسك بالكتاب والعترة نجاة من الضلال، فلو قلنا بعدم عصمتهم (عليهم السلام) فإنّ معنى هذا أنّه يجوز عليهم الخط، فلو فرضنا أنهم قد اخطؤوا في مسألة متعلقة بالدين للزم من ذلك أنهم قد أخذوا بنا إلى الضلال، وهذا خلاف ما ورد في الحديث من قوله (صلّى الله عليه وآله وسلم): ما إنْ تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا.
ثانياً: وجود النصوص التي تبيّن لنا أنّ الخلفاء بعد النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) اثنا عشر خليفة كلهم من قريش - كما ورد ذلك في (صحيح البخاري) كتاب الأحكام باب الاستخلاف -، وكذلك حددت الروايات شخصية الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، فبعضها ذكرت أنّه من ذرية فاطمة (عليها السلام)، والتاسع من ذرية الحسين (عليه السلام) وابن الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)، فقد ورد عن الصادق (عليه السلام) قال: قال سلمان المحمدي (رضي الله عنه) أنّه قال: رأيت الحسين بن علي (عليهما السلام) في حجر النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) وهو يُقبّل عينيه ويلثم شفتيه ويقول: أنت سيد بن سيد أبو سادة، أنت حجة بن حجة أبو حجج، أنت الإمام ابن الإمام أبو الأئمة التسعة من صلبك، تاسعهم قائمهم.
وورد عن حذيفة بن اليمان، قال: خطبنا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) فذكر ما هو كائن ثم قال: لو لم يبق من الدنيا إلّا يوم واحد لطوّل الله تعالى ذلك اليوم حتى يبعث الله رجلاً من ولدي اسمه اسمي، فقام سلمان وقال: يا رسول الله من أيّ ولدك هو؟ قال: من ولد هذ، وضرب بيده على رأس الحسين (عليه السلام).
وكذلك ورد عن جابر بن يزيد الجعفي قال: سمعت جابر بن عبد الله الأنصاري (رضي الله عنه) يقول: قال لي رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): يا جابر: إنّ أوصيائي وأئمة المسلمين من بعدي أوّلهم علي، ثم الحسن، ثم الحسين، ثم علي بن الحسين، ثم محمد بن علي المعروف بالباقر ستدركه يا جابر فإذا لقيته فاقرأه مني السلام، ثم جعفر بن محمد، ثم موسى بن جعفر، ثم علي بن موسى، ثم محمد بن علي، ثم علي بن محمد، ثم الحسن بن علي، ثم القائم اسمه إسمي وكنيته كنيتي، محمد بن الحسن بن علي ذاك الذي يفتح الله (تبارك وتعالى) على يديه مشارق الأرض ومغاربه، ذاك الذي يغيب عن أوليائه غيبة لا يثبت على القول بإمامته إلّا من امتحن الله قلبه للإيمان، قال جابر: فقلت: يا رسول الله فهل للناس الانتفاع به في غيبته؟ فقال: إي والذي بعثني بالنبوة، إنّهم يستضيئون بنور ولايته في غيبته كانتفاع الناس بالشمس وإنْ سترها سحاب، هذا من مكنون سر الله، ومخزون علم الله، فاكتمه إلّا عن أهله.

البحوث والمقالات : ٢٠١٣/١٠/٢٣ : ٤.٠ K : ٠
: الشيخ وسام البغدادي
التعليقات:
لا توجد تعليقات.