(٤٩٩) لا تخلو الأرض من حجة لله أبداً
لا تخلو الأرض من حجة لله أبداً
السيد محمد حسن الحسيني الطهراني
إنّ الثمرة التي نقتطفها من هذا الموضوع هي أنّ مهمّة الإمام ربط قلوب الناس بالله، وإعانتهم بإيصالهم إلى المقامات العالية للقرب واللقاء، وطبيعي إنّ تدبير شؤون المجتمع أيضاً من مقدّمات الوصول إلى هذه المرحلة، وليس غاية من الإيجاد وهدفاً من التكوين، ولذلك جاء في الروايات الواردة أنـّه لو لم يكن في الدنيا غير شخصين اثنين فلابدّ أن يكون أحدهما إماماً.
فقد روى ثقة الإسلام الكليني بسنده عن ابن الطيّار أنـّه قَالَ: سَمِعْتُ أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: لَوْ لَمْ يَبْقَ فِي الأرْضِ إِلاَّ اثْنَانِ لَكَانَ أَحَدُهُمَا الْحُجَّةَ.
وروي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنـّه قال: إنَّ الله أَجَلُّ وأَعْظَمُ مِنْ أَنْ يَتْرُكَ الأرْضَ بِغَيْرِ إمامٍ عَادِلٍ.
يقول أمير المؤمنين (عليه السلام) في ذيل ذلك الكلام الذي قاله لكميل عند خروجهما إلى المقبرة في الصحراء بعد أن بيّن له الأقسام الأربعة من العلماء الذين هم طلاّب الدنيا وضعفاء الرأي وبعد أن تمنّى أنـّه لو يجد أحداً يعلمّه العلوم المودعة في صدره، وذكر أنّ الدنيا خلت من العلم: اللَهُمَّ بَلَى لاَ تَخْلُو الأرْضُ مِنْ قَائِمٍ لله بِحُجَّةٍ إمّا ظَاهِراً مَشْهُوراً أَوْ خَائِفاً مَغْمُوراً لِئلاّ تَبْطُلَ حُجَجُ اللهِ وبَيِّنَاتُهُ، وكَمْ ذَا؟ وأَيْنَ أُولَئِكَ؟ أُولَئِكَ وَاللهِ الأقَلُّونَ عَدَداً والأعْظَمُونَ قَدْراً، يَحْفَظُ اللهُ بِهِمُ حُجَجَهُ وبَيِّنَاتِهِ حَتّى يُودِعُوها نُظَراءَهُمْ ويَزْرَعُوهَا فِي قُلُوبِ أَشْبَاهِهِمْ، هَجَمَ بِهِمْ الْعِلْمُ على حَقِيقَةِ الْبَصِيرَةِ، وبَاشَرُوا رُوحَ الْيَقِينِ، وَاسْتَلاَنُوا مَا اسْتَوْعَرَهُ الْمُتْرفُونَ، وأَنِسُوا بِمَا اسْتَوْحَشَ مِنْهُ الْجَاهِلُونَ، وصَحِبُوا الدُّنْيَا بِأَبْدَانٍ أَرْوَاحُهَا مُعَلَّقَّةٌ بِالْمَحَلِّ الأعْلَى، أُولَئِكَ خُلَفَاءُ اللهِ فِي أَرْضِهِ وَالدُّعَاةُ إلى دِينِهِ، آه آه شَوْقَاً إلى رُؤيَتِهِمْ؛ انْصَرِفْ إذَا شِئتَ.
ونقل أيضاً أربع روايات بإسناد مختلفة عن الإمام الصادق، والإمام الكاظم، والإمام الرضا (عليهم السلام) تقول بأنّ حجّة الله على العباد لا تتمّ بغير الإمام.
يقول المرحوم السيّد على خان في (شرح الصحيفة) حول الروايات المأثورة عن طرق العامّة بشأن لزوم الإمام: أمّا من طرق العامّة فمنه الحديث المشهور المتّفق على روايته عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم): مَنْ مَاتَ ولَمْ يَعْرِفْ إمَامَ زَمَانِهِ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً. وأخرج الحاكم بهذا المضمون وصحّحه عن ابن عمر، عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) قال: مَنْ مَاتَ ولَيْسَ عَلَيْهِ إمامٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً. وأخرج ابن مردويه عن علي (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) في قول الله تعالى: ﴿يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ﴾ قال: يُدعى كُلُّ قَوْمٍ بِإمامِ زَمانِهِمْ وكِتابِ رَبِّهِمْ وسُنَّةَ نَبِيِّهِمْ. وأخرج ابن عساكر عن خالد بن صفوان أنـّه قال: لَمْ تَخْلُ الأرضُ مِنْ قَائِمٍ لِلهِ بِحُجَّتِهِ فِي عِبَادِهِ. انتهى.
النقطة السادسة: أشار الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله وسلم) في هذا الحديث إلى ظهور قائم آل محمّد، الحجّة بن الحسن العسكري (عجّل الله فرجه) فقال: ولَوْ لَمْ يَكُنْ مِنَ الدُّنْيَا إِلاّ يَوْمٌ وَاحِدٌ لَطَوَّلَ اللهُ (عَزَّ وَجَلَّ) ذَلِكَ الْيَوْمَ حَتّى يَخْرُجُ قَائِمُنَا فَيَمْلاَ الأرْضَ قِسْطاً وَعَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ ظُلْمَاً وجَوراً. وهذه المسألة لا تخصّ مذهب الشيعة بل هي مسألة عامّة ومن الأُصول الإسلاميّة المقطوع بها، ووفقاً لمفاد هذا الحديث، فقد وردت أحاديث كثيرة عن كبار علماء العامّة بإسنادهم عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) حول ظهور الإمام المهدي (عجّل الله فرجه).
ومن الأحاديث في تفسير الآية: ﴿إِنـَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ ولِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ﴾، حديث رواه موسى بن مسلم، عن مسعدة، قال: كنت عند الصادق (عليه السلام) إذ أتاه شيخ كبير قد انحنى متّكئاً على عصاه، فسلّم، فردّ عليه أبو عبد الله (عليه السلام) الجواب. ثمّ قال: يا بن رسول الله، ناولني يدك لأقبّلها، فأعطاه يده فقبّلها ثمّ بكى، ثمّ قال له أبو عبد الله (عليه السلام) ما يبكيك يا شيخ؟ فقال: جعلت فداك، أقمتُ على قائمكم منذ مائة سنة، أقول: هذا الشهر، وهذه السنة، وقد كبر سنّي ورقّ جلدي ودقّ عظمي واقترب أجلي ولا أرى فيكم ما أُحبّ. أراكم مقتولين مشرّدين، وأرى أعداءكم يطيرون، وكيف لا أبكي؟
فدمعت عينا أبي عبد الله (عليه السلام) ثمّ قال: يا شيخ، إن أبقاك الله حتّى ترى قائمنا، كنت في السنام الأعلى وإن حلّت بك المنيّة، جئت يوم القيامة مع ثَقَل محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلم) ونحن ثَقَله. فقال (صلّى الله عليه وآله وسلم): إنِّي مُخَلِّفٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ فَتَمَسَّكُوا بِهِمَا لَنْ تَضِلُّوا: كِتَابَ اللهِ وعِتْرَتي أَهْلَ بَيتي. فقال الشيخ: لا أُبالي بعدما سمعتُ هذا الخبر.
ثمّ قال (صلّى الله عليه وآله وسلم): يا شيخ، اعلم أنّ قائمنا يخرج من صُلب الحسن العسكري، والحسن يخرج من صلب علي، وعلي يخرج من صلب محمّد، ومحمّد يخرج من صلب علي، وعلي يخرج من صلب موسى ابني هذا، وأشار إلى ابنه موسى، وهذا خرج من صلبي. نحن اثنا عشر كلّنا معصومون مطهّرون. فقال الشيخ: يا سيّدي، بعضكم أفضل من بعض؟ فقال: لا، نحن في الفضل سواء، ولكن بعضنا أعلم من بعض. ثمّ قال: يَا شَيْخُ وَاللَهِ لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنَ الدُّنْيَا إِلاّ يَوْمٌ وَاحِدٌ لَطَوَّلَ اللَهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ حَتّى يَخْرُجُ قَائِمُنَا أَهْلَ الْبَيْتِ إِلاّ أَنَّ الشِّيْعَةَ يَقَعُونَ فِي فِتْنَةٍ وحَيْرَةٍ فِي غَيْبَتِهِ هُنَاكَ يُثَبِّتُ اللَهُ على هَذَا الْمُخْلَصِينَ، اللَهُمَّ أَعِنْهُمْ على ذَلِكَ.