البحوث والمقالات

(٥٠٠) ضرورة البحث عن المهدوية

ضرورة البحث عن المهدوية

الشيخ نجم الدين الطبسي

يعدّ بحث المهدوية اليوم من الأبحاث الحيوية الأساسية، لا على مستوى النجف الأشرف أو قم المقدسة أو البلدان الشيعية، بل على صعيد العالم كلّه، فالعالم اليوم بأجمعه يتحدث عن المهدوية.
وقد يستغرب البعض من أنّ المؤلفات في هذا المجال لا تقل عن خمسة آلاف كتاب فإن دل هذا على شيء لدلّ على أهمية هذا الموضوع.
فحينما نتحدث مثلاً عن (كمال الدين وتمام النعمة) للشيخ الصدوق، فكم مرة طالعنا هذا الكتاب؟ وما معرفتنا به وما هي مضامينه؟
إننا وفي كتابة رسالة الماجستير والدكتوراه نفتخر بالأستاذ المشرف، فهل تعلم أنّ المشرف على هذا الكتاب هو الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) نفسه.
يذكر الشيخ الصدوق (رحمه الله) في المقدمة أربع علل لتأليف هذا الكتاب، وفي طليعتها إشارة ولي أمرنا وولي نعمتنا الإمام الحجة (عجّل الله فرجه)، نعم ليس كل ما في (كمال الدين) هو قطعي الصدور، بل يخضع للدراسات السندية والدلالية.
ونبحث كذلك عن كتاب (الغيبة) للنعماني، وفي كتاب (الغيبة) للطوسي.
ثم أي مدى معرفتنا بمؤلفي الكتب في هذا المجال، قديماً وحديثاً، من العامة والخاصة.
فمن العامة كثيراً ما نسمع عن ابن حمّاد، فمن هو؟ وما أهميته؟ وما قيمته؟ وما مدى اعتباره عند السنة والشيعة؟
ومع الأسف ابتلينا بظاهرة خطرة، وهي أخذ بعض الروايات وإرسالها إرسال المسلمات وكأنّ الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلم) أو الأئمة (عليهم السلام) حدّثونا بهذا الحديث، وسمعناها عنهم مباشرة.
ونسمع عن الحاكم النيشابوري أو النيسابوري، فما مدى اعتباره؟
وهناك رواة - دع عنك أحمد بن حنبل - من أمثال عكرمة والشعبي وعروة بن الزبير.
فهل قيّمنا هؤلاء؟ وهل عرفناهم؟
فإذا لم ندرس القضية المهدوية دراسة معمقة ومتقنة فستكثر لدينا المشاكل، وسنواجه دعاوى جديدة.
أما الروايات فلابدّ من دراستها دراسة موضوعية، لأنّ عدد الروايات هائل، فالروايات الموجودة في معجم أحاديث الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) - الذي ألفته مع أخويَّ وابن أختي وبعض الأخوة وسماحة الشيخ الكوراني - كان في الطبعة الأولى منه قرابة ألفي رواية في خمسة مجلدات، نعم تم دمج بعض الروايات، ويدّعي البعض - ولعله الشيخ لطف الله الصافي - أنها ثلاثة آلاف، وأطلعت على بعض آراء الشهيد الصدر (قدس سره) بأنها سبعة آلاف رواية.
فقراءة ألفي رواية تقريباً كم يستغرق من الوقت؟
فيما أنّا لا نستطيع أنْ نأتي بكل هذه الروايات، لذا نأتي بالدراسات الموضوعية:
فمثلاً نبحث عن اليماني، من أين هو؟ هل أنّ أصله من اليمن؟ أو أنّ ظهوره من اليمن؟ وهل هو سيد أو لا؟ وتفاصيل أخرى في هذا البحث.
ونبحث عن السيد الحسني، من هو؟ ما ارتباطه مع النفس الزكية؟ ومن هو النفس الزكية؟ أيستشهد قبل ظهور المهدي (عجّل الله فرجه) أم بعد ظهوره؟ أفي العراق أم في مكة؟
ونبحث عن الثورات التي تكون قبل ظهور المهدي (عجّل الله فرجه)، وهل أنّ كل راية ترفع قبل ظهور المهدي (عجّل الله فرجه) صاحبها طاغوت أو أنّ هناك تفصيلاً آخر؟
ونبحث عن مسألة القتل والدماء، فهناك من يدّعي أنّه تسفك الدماء حين الظهور، إذا البعض يصوّر المهدي (عجّل الله فرجه) بأنّه إنسان ذباح ويتصرف بعنف وقسوة، نقول نعم قد يكون كذلك على الأعداء كما نقرأ في دعاء الندبة (أين مستأصل أهل العناد والعصيان والطغيان، أين مبيد العتاة والمردة)، ولكنّه غياث للمؤمنين وعون للمساكين، فقد شوهوا صورة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، فهذا ابن العربي يقول (لولا السيف بيده لأفتى العلماء بقتله)، فكيف يلتقي هذا مع مدح الأئمة للعلماء فقد ورد في كتاب (الاحتجاج) في نهاية احتجاج الإمام الهادي (عليه السلام) أنه قال: لولا من يبقى بعد غيبة قائمكم (عليه السلام) من العلماء الداعين إليه، والداعين عليه، والذابين عن دينه بحجج الله والمنقذين لضعفاء عباد الله من شباك إبليس ومردته، ومن فخاخ النواصب، لما بقى أحد إلاّ ارتدّ عن دين الله، ولكنّهم الذين يمسكون أزمّة قلوب ضعفاء الشيعة كما يمسك صاحب السفينة سكانها، أولئك هم الأفضلون عند الله (عزَّ وجل).
ونبحث عن التشرفات واللقاءات، وهل أنّ اللقاء في عصر الغيبة ممكن ومتحقق أو لا؟ وهذا بحث مهم لابدّ من استعراضه حتى نسد الذرائع ودعوى من يدّعي ذلك، واللقاءات أما اختيارية بأنّ الشخص متى ما شاء يلتقي بالإمام (عجّل الله فرجه)، ومن يدعي هذه الدعوى فهو كاذب حتماً، إلاّ نادراً، أو غير اختيارية، وإذا كان الشخص أميناً وثقة نقبل منه هذه الدعوى كما حدث لبعض علمائنا قدس الله أرواحهم.
وضرورة البحث عن المهدوية لها أسباب، ومن أسبابها:
- إنّ المهدي (عجّل الله فرجه) هو سندنا وهو اعتبارنا وشرفنا، واحترام الناس لنا إنّما هو لأجل المهدي (عجّل الله فرجه)، لذلك لا بد أنْ نطّلع ونبحث وندقق في هذا الموضوع.
وورد ما لا يقل عن ثلاثمائة آية تفسيراً وتأويلاً ترتبط بالمهدوية، جمعناها في الجزء السابع من معجم الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، فوجود آية واحدة يكفي لضرورة البحث، فكيف بثلاثمائة آية.
- الحجم الهائل من الروايات كما بيّنا بما لا تقل عن ألفي رواية، يقتضي البحث والتدقيق.
حجم الكتب من الفريقين في شأن المهدي (عجّل الله فرجه) وقضية المهدوية بما فيها كتب ألفت قبل ولادة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) وأنّ المؤلف توفي قبل ولادته (عجّل الله فرجه) بسنين، ككتاب (الفتن) لنعيم ابن حمّاد المروزي المتوفي سنة 229 للهجرة - لا نريد أنْ نصحح كل ما في هذا الكتاب ولا نريد أنْ ندافع عن المؤلف وهو من السلف ولكن يهمنا أنّ المؤلف توفى قبل ولادة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) بست وعشرين سنة تقريباً - وككتاب (المسند) لأحمد بن حنبل (160هـ-240هـ) وفيه من أحاديث تتعلق بالإمام المهدي (عجّل الله فرجه) حوالي (130) رواية مع المكررات.
وهناك كتب من السنة مختصة بهذا الموضوع مثل:
1- (البيان في أخبار صاحب الزمان (عليه السلام):
تأليف محمد بن يوسف الكنجي الشافعي (ت 658هـ)، ومن الجدير بالذكر أنّ المؤلف يوصف بـ (المستشهد) فقد قتل ضحية لهذا الكتاب، وهناك محاولات يائسة من بعض النواصب أنْ ينسبوه للشيعة، ولكنّا لو طالعنا ترجمة أساتذته لوجدناهم جميعاً من أهل السنة وهو أيضاً سني شافعي، ولكن كتاب بمثل هذه المعلومات لا يكون موافقاً لمزاجهم خصوصاً الباب (25) في إثبات حياته عليه السلام وما فيه من الأدلة، وممن طال عمره من الصالحين ومن الظالمين.
2- (البرهان في علامات مهدي آخر الزمان (عليه السلام):
لمؤلفه المتقي الهندي (ت 975هـ).
3- (العرف الوردي في أخبار المهدي (عليه السلام):
للسيوطي (ت911هـ).
4- (عقد الدرر في أخبار المنتظر):
للسلمي المقدسي، من أعلام القرن السابع أي معاصر للكنجي الشافعي، وهدفه ليس الجمع فقط بل جمعه بمنهجية وأسلوب علمي، وطبع الكتاب بمصر.
5- (فرائد فوائد الفكر في الإمام المهدي المنتظر):
للشيخ مرعي بن يوسف المقدسي الحنبلي، من علماء القرن الحادي عشر.
والواقع أنّ هناك إفراطاً وتفريطاً، فالبخاري لم يذكر في كتابه - المهم جداً عندهم - ولا رواية واحدة عن المهدي وصار هذا ذريعة ومستنداً للبعض.
والحاصل إن الإساءات واستغلال القضية المهدوية، ومن هذه الإساءات وسوء الفهم للقضية المهدوية كما بيّنا مسألة تهمة الذبح والقتل ومسألة اللقاءات والتشرفات ومسائل كثيرة أخرى في الإساءة، واستغلال فكر القضية المهدوية كقصة اليماني والحسني والسفياني، تقتضي البحث والتحقيق في هذا المجال.

البحوث والمقالات : ٢٠١٣/١٢/٠٢ : ٣.٥ K : ٠
: الشيخ نجم الدين الطبسي
التعليقات:
لا توجد تعليقات.