(٥٠٢) نزول المسيح عيسى بن مريم (عليهما السلام) عند المسلمين والنصارى
نزول المسيح عيسى بن مريم (عليهما السلام) عند المسلمين والنصارى
ليث جواد الأسدي
من الحقائق المتفق عليها بين عموم المسلمين، نزول عيسى بن مريم (عليه السلام) في آخر الزمان، ويكون خروجه متزامناً مع ظهور المهدي المنتظر وهو الذي يقتل المسيح الدجال ويأتم بالمهدي ويصلي خلفه، وبعد موته يتولى تجهيزه ودفنه.
ومسألة نزول المسيح من السماء لها أهمية كبرى، فمن جهة تعتبر النقطة المشتركة بين عموم المسلمين وبين النصارى وإن كنا نعتقد أن خروجه يكون في كنف المهدي المنتظر (عجّل الله فرجه) وفي ركاب حركته العالمية.
ومن جهة أخرى فإن المسيح (عليه السلام) عند نزوله يقوم على هداية كثير من الأمم الغربية وغيرها التي تدين بدين النصارى، ودعوتهم إلى الإيمان بالمهدي المنتظر (عجّل الله فرجه) واعتناق دعوته، أي يكون عاملاً مساعداً للإمام المهدي (عجّل الله فرجه) في فتح تلك البلدان دون الحاجة إلى السيف إلا للضرورة، ولذا ورد أن المهدي يفتتحها بالتسبيح والتكبير.
وهناك نصوص كثيرة أكدت على حقيقة نزول المسيح من السماء، وطالما يؤكد القساوسة على قرب هذا اليوم وان الله سينتصر بالمسيح في آخر الأمر.
ومن هذه النصوص ما ورد في (إنجيل متى) 23: 39: أقول لكم لن تروني إلا يوم تهتفون تبارك الآتي باسم الرب.
وفي سفر (أعمال الرسل) 1: 10-11: وبينما هم ينظرون إلى السماء وهو يبتعد عنهم ظهر لهم رجلان في ثياب بيضاء وقالا لهم : أيها الجليليون ما بالكم واقفين تنظرون إلى السماء سيعود هذا الذي صعد عنكم إلى السماء سيعود مثلما رأيتموه ذاهبا إلى السماء.
وفي (رسالة بولس الثانية) إلى كنيسة تسالونيكي 2: 1 – 6: أمّا مجيء ربنا يسوع المسيح واجتماعنا إليه فنطلب إليكم أيها الإخوة أن لا تزعزعوا سريعاً عن ذهنكم ولا ترتاعوا لا بروح ولا بكلمة ولا برسالة كأنها منا أي أن يوم المسيح قد حضر * لا يخدعنكم أحد على طريقة ما، لأنه لا يأتي إن لم يأت الارتداد أولا ويستعلن إنسان الخطية ابن الهلاك * المقام والمرتفع على كل ما يدعى إلها أو معبوداً حتى إنه يجلس في هيكل الله كإله مظهرا نفسه أنه إله * أما تذكرون أني وأنا بعد عندكم كنت أقول لكم هذا * والآن تعلمون ما يحجز حتى يستعلن في وقته.
أي ان مجيء المسيح مشروط بارتداد الكثير من الناس عن الإيمان وظهور قوى الكفر والشر فتفعل ما يحلوا لها وتستبيح كل مقدس بحجة (أنا ربكم الأعلى).
وفي رسالة بولس إلى تيماثاوس 4: 1: أناشدك أمام الله والمسيح الذي سيدين الأحياء عند ظهوره و مجيء ملكوته.
وفي الرسالة إلى العبرانيين 9: 28: فكذلك المسيح قدّم نفسه مرة ليزيل خطايا الكثير من الناس وسيظهر ثانية لا لأجل الخطيئة بل لخلاص الذين ينتظرونه.
وفي (سفر يوحنا) 1-7: ها هو آت مع السحاب مع السحاب, ستراه كل عين حتى عيون الذين طعنوه وتنتحب عليه جميع قبائل الأرض. نعم, آمين.
وكذلك وردت نصوص أخرى في (رسالة بطرس الأولى) 1: 13، وفي رسالة يوحنا الثانية 1: 28 وغيرها ومن شاء فليتابع أما النصوص التي تذكر مجيء ابن الإنسان فلم نتطرق إليها، ونريد أن نوضح هنا ما هو معنى ابن الإنسان أوّلاً؟
فقد وردت صيغة (ابن الإنسان) في العهد القديم، ففي (سفر دانيال) 7: 13: ورأيت في منامي ذلك الليل فإذا بمثل ابن إنسان آتياً على سحاب السماء فأسرع إلى الشيخ الطاعن في السن فقرب إلى أمامه وأعطي سلطاناً ومجداً حتى تعبده الشعوب من كل أمة ولسان ويكون سلطانه أبدياً لا يزول وملكه لا يتعداه الزمن.
وهي ترجمة لكلمة عبرانية أحيانا يتم ترجمتها إلى (ابن آدم) كما في (سفر حزقيال)، أما في العهد الجديد فقد وردت هذه العبارة بكثرة وبعضها أراد بها التكلم عن نفسه (أي المسيح) وصفته كراس الجسد البشري وبعضها يريد الدلالة بها على المسيّا كما يأتي في يوم القضاء والانتصار.
وهذه العبارة لم تستخدم عن المسيح بعد القيامة (بعد الأناجيل الأربعة) إلاّ مرة واحدة في (سفر أعمال الرسل) 7:56.
فخلاصة الكلام ليس كل عبارة (ابن الإنسان) ترد في الكتاب المقدس يراد منها المسيح بل قد يراد منها أيضا المسيّا أو هي معنى شمولي يراد به الإنسانية الحقة.
ولذا إننا رأينا أن كثيراً من النصوص التي وردت بها تلك العبارة يراد منها المهدي المنتظر (عجّل الله فرجه) لانطباقها عليه بما تواتر لدينا من روايات النبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته الطاهرين (عليهم السلام).
وبالرجوع إلى صلب الموضوع نجد أن حقيقة ظهور المسيح في آخر الزمان ثابتة عند النصارى، وقد تعددت النصوص التي تشير إلى هذه الحقيقة، وهم بالفعل ينتظرون قدوم المسيح ويبشرون بهذه الحقيقة في الفضائيات والكتب والمنشورات والمحاضرات الدينية في الكنائس.
ولا شك عند جميع المسلمين بمختلف مذاهبهم ومشاربهم في حقيقة نزول المسيح في آخر الزمان لما تواتر من الآثار الدالة على حتمية هذا الأمر واعتبروا ان إنكارها من الضلال، لأنه يعتبر تكذيبا لما اخبر به رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم).
ومن الروايات في هذا الباب ما ورد عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة، قال: فينزل عيسى بن مريم (عليه السلام)، فيقول أميرهم: تعال صل بنا، فيقول: لا، إن بعضكم على بعض أمير ليكرم الله هذه الأمة.
وعن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) أيضاً، أنّه خرج (صلّى الله عليه وآله وسلم) ذات يوم وهو مستبشر يضحك سروراً، فقال له الناس: أضحك الله سنك يا رسول الله وزادك سروراً، فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): إنه ليس من يوم ولا ليلة إلّا ولي فيهما تحفة من الله ألا وإن ربي أتحفني في يومي هذا بتحفة لم يتحفني بمثلها فيما مضى، إن جبرئيل أتاني فأقرأني من ربي السلام وقال يا محمد إن الله (عزَّ وجل) اختار من بني هاشم سبعة، لم يخلق مثلهم فيمن مضى ولا يخلق مثلهم فيمن بقي، أنت يا رسول الله سيد النبيين، وعلي بن أبي طالب وصيك سيد الوصيين، والحسن والحسين سبطاك سيدا الأسباط، وحمزة عمك سيد الشهداء، وجعفر بن عمك الطيار في الجنة يطير مع الملائكة حيث يشاء، ومنكم القائم يصلي عيسى بن مريم خلفه إذا أهبطه الله إلى الأرض، من ذرية علي وفاطمة.
فالروايات السالفة الذكر تؤكد حقيقة نزول المسيح في آخر الزمان، ويكون خروجه في ركاب الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) وجزءاً من حركته العالمية.
وتشير الروايات أيضا إلى إن المسيح (عليه السلام) يأتم بالإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، وهذا فيه دلالة على تقديم الفاضل على المفضول، والقائد على المقود، فالقائد الفاضل هو الإمام المهدي، ومن سواه يكونون تبعاً له ويأتمرون بأمره وينتهون بنهيه.
وهذا يدل من وجه على عظمة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) عند الله بحيث يأتم به نبي من أنبياء أولي العزم كعيسى بن مريم (عليه السلام).
ومن الروايات الواردة عن النبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلم) التي تؤيد كون المسيح (عليه السلام) يصلّي خلف الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) وكذلك حركته وجهاده وقتله للدجال قوله (صلّى الله عليه وآله وسلم) لأم شريك، ذكر رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) الدجال، فقالت أم شريك: فأين المسلمون يومئذ يا رسول الله؟ قال (صلّى الله عليه وآله وسلم): ببيت المقدس يخرج حتى يحاصرهم، وإمام الناس يومئذ رجل صالح، فيقال صل الصبح فإذا كبّر ودخل فيها نزل عيسى بن مريم، فإذا رآه ذلك الرجل عرفه فرجع يمشي القهقرى، فيتقدم عيسى فيضع يده بين كتفيه ثم يقول: صل فإنما أقيمت لك، فيصلي عيسى وراءه ثم يقول افتحوا، الباب فيفتحون الباب، ومع الدجال يومئذ سبعون ألفا يهود، كلهم ذو ساج وسيف محلا، فإذا نظر إلى عيسى ذاب كما يذوب الرصاص وكما يذوب الملح في الماء ثم يخرج هارباً فيقول عيسى: إن لي فيك ضربة لن تفوتني بها فيدركه فيقتله، فلا يبقى شيء مما خلق الله تعالى يتوارى به يهودي إلا أنطقه الله، لا حجر ولا شجر ولا دابة إلا قال: يا عبد الله المسلم هذا يهودي فاقتله، إلا الغرقد فإنها من شجرهم فلا ينطق. ويكون عيسى في أمتي حكماً عدلاً وإماماً مقسطاً، يدق الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ويترك الصدقة.
وهذا الحديث رواه مسلم وأحمد والبيهقي وأبي يعلى والكثير من المسانيد.
وللتنويه فإن الروايات عندنا تشير إلى أن الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) هو الذي يقتل الدجال، وليس المسيح وإن كان المسيح جل حركته تكون في ركاب حركة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) وهو جندي من جنوده يأتمر بأمره وينتهي بنهيه.
وعن النبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: يهبط المسيح عيسى بن مريم (عليه السلام) عند القنطرة البيضاء على باب دمشق الشرقي إلى طرف الشجرة، تحمله غمامة، واضع يديه على منكب ملكين، عليه ريطتان مؤتزر بإحداهما مرتد بالأخرى، إذا أكب رأسه قطر منه كالجمان، فيأتيه اليهود فيقولون: نحن أصحابك. فيقول: كذبتم. ثم يأتيه النصارى فيقولون: نحن أصحابك. فيقول: كذبتم، بل أصحابي المهاجرون بقية أصحاب الملحمة. فيأتي مجمع المسلمين حيث هم فيجد خليفتهم يصلّى بهم فيتأخر المسيح حين يراه فيقول يا مسيح الله صل لنا، فيقول بل أنت فصل لأصحابك، فقد رضي الله عنك، فإنما بعثت وزيراً ولم أبعث أميراً، فيصلّي لهم خليفة المهاجرين ركعتين مرة واحدة، وابن مريم فيهم، ثم يصلّي لهم المسيح بعده، وينزع خليفتهم.
ويذكر (انجيل برنابا) هذه الحقيقة حيث يقول في الفصل العشرين بعد المائتين (أجاب يسوع معانقاً أمه: صدقيني يا أماه لأني أقول لك بالحق إني لم أمت قط لأن الله قد حفظني إلى قرب انقضاء العالم).