(٥٠٦) مهدويات معصومية / المهدوية الصادقية
مهدويات معصومية/ المهدوية الصادقية
السيّد محمّد القبانجي
ذكر الصدوق (رحمه الله) في كماله رواية مهدوية عن الإمام جعفر بن محمّد الصادق (عليه السلام) قال فيها: من أقرَّ بجميع الأئمّة وجحد المهدي كان كمن أقرَّ بجميع الأنبياء وجحد محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلم) نبوَّته، فقيل له: يا ابن رسول الله، فمن المهدي من ولدك؟ قال: الخامس من ولد السابع، يغيب عنكم شخصه ولا يحلُّ لكم تسميته. [كمال الدين: 333/ باب33/ ح1].
يستعرض الإمام الصادق (عليه السلام) ومن خلال هذه الرواية الشـريفة ثلاثة أبعاد مهدوية غاية في الأهمّية، وهي:
البعد الأوَّل: البعد العقائدي:
حيث يوضِّح الإمام (عجّل الله فرجه) منزلة العقيدة المهدوية في نظر الشارع المقدَّس وبأيّ مقياس يجب أن تقاس وهنا وبوضوح وصراحة جعلها في مصافّ العقائد الأُصولية والأساس في معرفة إيمان الإنسان، وذلك حينما قرن وقارن إنكار العقيدة المهدوية وجحدها بإنكار الرسالة الخاتمة، ومن البداهة القول أنَّ المنكر لرسالة النبيّ الأكرم محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلم) يعتبر عند جميع المسلمين كافراً ولو كان مؤمناً بجميع الأنبياء والرسل السابقين قبله. إذن فمسألة المهدوية والاعتقاد بها ليست أمراً هامشياً وليس كمالياً، بل وليس أمراً مستحبَّاً شرعياً، بل هو من أوجب الواجبات، بل هو من أُصول الدين وليس حكماً إسلاميّاً جزئياً في تفصيلات الفروع الفقهية أو العقائدية.
البعد الثاني: البعد الاجتماعي:
وفي هذا الجانب شخَّصت الرواية المهدوية أمرين أساسيين:
الأوَّل: المصداق الأوحد لما يجب أن يعتقد به الإنسان في البعد الأوَّل، فبيَّنت أنَّ الاعتقاد بالإمام المهدي (عجّل الله فرجه) ليس هو اعتقاد نظري وإيمان بمفهوم بحت، بل الاعتقاد بالإمام المهدي (عجّل الله فرجه) كشخص يعيش في مجتمع، والإيمان به على أساس أنَّه المصداق والفرد الوحيد الخارجي الذي يجب على الأُمَّة مجتمعات وأفراداً الاعتقاد به والإيمان بأهدافه والإطاعة والإتّباع لأوامره ونواهيه.
وهنا نكتة لا بدَّ من الإشارة إليها، وهي اعتناء أهل البيت (عليهم السلام) بلغة الأرقام في تعيين مهدي الأُمم وبأشكال مختلفة ومتنوّعة، فطائفة من الروايات تقول: الثاني عشـر، وأُخرى تقول: التاسع من ذرّية الحسين، وطائفة ثالثة تقول: الخامس من ولد السابع، ورابعة تقول: الرابع من ولدي، وغيرها.
وهي حقيقة ينبغي التأمّل فيها والتوقّف عندها، فلماذا انتهج أهل البيت (عليهم السلام) هذه الوسيلة لتشخيص الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) وتعيينه؟
والجواب: يمكن الإشارة إلى عدَّة احتمالات قد يكون بعضها صالحاً للإجابة وقد تكون كلّها كذلك، ولعلَّ هناك إجابة لم نتوفَّر عليها لقلَّة الزاد والبضاعة المزجاة.
ولعلَّ من الأوجه هو: أنَّ استعمال اللغة الرقمية والرياضية لا يمكن أن تخطأ أو تنحرف عن الصواب أو تلتبس على المخاطب بعكس لغة التشبيه والمثال والمقاربة ممَّا يعكس اهتماماً فائقاً عند أهل البيت (عليهم السلام) في إيضاح الشخصية بأجلى صورها بشكل لا يمكن أن يتخلَّلها الاشتباه بالمصاديق والإجمال بين الأفراد.
وربَّما يكون الهدف من اللغة الرقمية هو إحاطة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) بمزيد من السـرّية والتكتّم - في عين الجلاء والوضوح لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد -، فهي تتناسق وتتماهى مع مبدأ التقيّة في مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) والتي تعني في إحدى جنباتها إيصال الفكرة مع تغليفها بأُطر يعجز عن إدراكها البعيد عن مفاهيم هذه المدرسة الإلهية ولا ينالها إلَّا ذو حظّ عظيم.
وفي خصوص هذه المفردة الرقمية التي تحدَّثت عنها الرواية المهدوية الصادقية يمكن أن يكون المراد هو الإشارة إلى تلبيس مفهوم المهدوية من قِبَل البعض على الولد السابع والذي يعني الإمام الكاظم (عليه السلام) والابتعاد عن المصداق الحقيقي والوحيد لهذا المفهوم، لذا اقتضـى التنويه من قِبَل الإمام الصادق (عليه السلام) لهذا الأمر حتَّى لا تنحرف المسيرة المهدوية بإيجاد مصاديق أُخرى لها غير ما اختاره الله ورسمه وأكَّد عليه أهل البيت (عليهم السلام).
الثاني: التركيز على طروّ أمرٍ لهذه الشخصية لم تحدث ولم تطرأ على آبائه الكرام ولم يعتدها المجتمع الإسلامي من قبل، ألا وهي الغيبة، فمن هنا جاء التذكير بها والتأكيد عليها لكي لا تكون مورداً لاستغراب الأُمَّة أوَّلاً وإنكارها ثانياً، ولهذا نجد أنَّ روايات الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) قد أشبعت بالتأكيد على هذه الخصوصية بالذات أكثر من غيرها حتَّى جاء التعريض بها في كتاب الله تعالى حيث قال: ﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ﴾ [البقرة: 3].
البعد الثالث: البعد الشرعي والفقهي:
وهو عدم جواز التسمية، وهذا بحث فقهي بامتياز، فمن جهة نجد الكثير من الروايات التي تصـرِّح بحرَّمة التسمية للمهدي (عجّل الله فرجه)، أي حرمة ذكر اسمه الشـريف، وإنَّما يجب الإشارة إليه بالكنى والألقاب والصفات.
ومن جهة ثانية هناك روايات تصـرِّح بذكر اسمه الشـريف أو ما يشبه التصـريح كما ذكرنا في (المهدوية المحمّدية) حينما صرَّحت بأنَّ اسمه اسم رسول الله وكنيته كنية رسول الله، فهي إن لم تكن صريحة فهي أشبه بالصريحة على أنَّ اسمه (محمّد).
كما تتوفَّر بعض الروايات على إضافة قيد في حرمة التسمية وهو: (في محفل من الناس) [كمال الدين: 482/ باب45/ ح1]، وفي أدبيات أهل البيت حين إطلاق لفظة (الناس) يكون المقصود عادةً هم من غير الموالين ومن غير أتباع مدرسة أهل البيت (عليهم السلام)، فلذا قيَّد البعض الحرمة بأن تكون أمام بقيّة المذاهب والذين لا يؤمن من غوائلهم وغدرهم بالإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، وليس بشكل مطلق كما في روايتنا هذه.
ونظراً لهذه الطوائف المتعدّدة فقد اختلفت آراء فقهائنا (رضوان الله عليهم) في حكم التسمية، فالبعض ذهب إلى التحريم المطلق، والبعض أحلَّ مطلقاً وحمل روايات التحريم على الكراهة، والبعض قيَّد التحريم باحتمال الضـرر عليه المترتّب من إفشاء الاسم مثلاً دون بقيّة الأزمنة، وهذا ربَّما ينحصـر في بدايات الغيبة الصغرى حيث كان الطغاة دائبين في الفحص والتتبّع للعثور عليه، أمَّا بعد أن يئسوا من النيل منه فلا يحتمل وقوع الضرر عليه بسبب ذكر اسمه فلا مانع إذن ولا حرمة فيه.
وكيف كان فلسنا هنا في معرض انتخاب رأي معيَّن، فإنَّه حكم فقهي يرجع فيه كلّ مقلِّد إلى مرجعه، وقد ألَّف بعض الأعلام كتباً في خصوص حكم التسمية كالحرّ العاملي في كتابه (كشف التعمية في حكم التسمية)، ومن القريب جدَّاً أن يكون المقصود من الاسم هو ليس مجرَّد اسمه الشـريف، بل هو تحريم إفشاء أمره والتصـريح بمكانه إذا علم الإنسان ذلك، وممَّا يؤيّد هذا المعنى قولهم عليهم السلام: إن دللتهم على الاسم أذاعوه، وإن عرفوا المكان دلّوا عليه. [الكافي 1: 333/ باب في النهي عن الاسم/ ح 2].
ومن خلال هذه الأبعاد الثلاثة في المهدوية الصادقية نستشعر أهمّية العقيدة المهدوية وضرورة الاطّلاع عليها بعد الإيمان بها واستكشاف كوامنها واستجلاء معانيها والإحاطة بأُطرها قدر الاستطاعة إذا أراد الإنسان أن يكون إنساناً منتظراً وممهّداً حقيقياً للظهور المقدَّس.