البحوث والمقالات

(٥٠٩) مهدويات معصومية / المهدوية الحسنية

مهدويات معصومية / المهدوية الحسنية

السيّد محمّد القبانجي

ذكر الصدوق (قدس سره) في (كماله) حديثاً عن سيّدنا الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام) يستعرض فيه موقفه من معاوية وخفاء الحكمة على شيعته آنذاك، ثمّ يعرّج على ذكر خاتم الأوصياء المهدي المنتظر (عجّل الله فرجه)، فيقول: أمَا علمتم أنَّه ما منّا أحد إلَّا ويقع في عنقه بيعة لطاغية زمانه إلَّا القائم الذي يُصلّي روح الله عيسى بن مريم (عليه السلام) خلفه، فإنَّ الله (عزَّ وجل) يُخفي ولادته، ويُغيِّب شخصه لئلَّا يكون لأحد في عنقه بيعة إذا خرج، ذلك التاسع من ولد أخي الحسين، ابن سيدة الإماء، يطيل الله عمره في غيبته، ثمّ يظهره بقدرته في صورة شاب دون أربعين سنة، ذلك ليُعلَم أنَّ الله على كلّ شيء قدير. [كمال الدين: 1: 316، باب30، ح2]
وقبل بيان النقاط الثماني التي ذكرها الإمام الحسن (عليه السلام) لتوضيح خصائص الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) ممَّا لا يدع للريب مجالاً في التشخيص ووضع النقاط على الحروف بصورة جليّة، لا بدَّ من الالتفات إلى شدَّة اهتمام أهل البيت (عليهم السلام) بالقضيّة المهدوية، ومحاولة غرسها في المجتمع المسلم، ففي مثل موقف الإمام الحسن (عليه السلام) الشائك والخطير، وهو يحاول جاهداً تسكين أصحابه وتهدئة خواطرهم من جهة، وتثبيتهم على العقيدة الحقّة والصـراط المستقيم من جهة أُخرى، والساحة الإسلاميّة تشهد تنوّعاً في الآراء وفوضى في المواقف وارتباكاً شديداً في الرؤية وقلقاً متصاعداً من قِبَل الجميع. نعم في مثل هذا الظرف الحالك المدلهم نجد أنَّ الإمام المجتبى (عليه السلام) يحاول إيصال قضيّة غاية في الأهمّية، وهي ربط قضيّة الإمامة عموماً، والتركيز على الحكمة الإلهية في منهج الإمامة وسيرة أهل البيت (عليهم السلام) وضرورة التسليم للمقدّرات الإلهية وإنْ جهل الخلق أسبابها ونتائجها، كلّ ذلك يربطه الإمام (عليه السلام) بالقضيّة الكبرى المركزية عندهم، وهي عقيدة الانتظار للحجَّة بن الحسن (عجّل الله فرجه)، وبيان ملامح النصر المؤزر والعاقبة الحميدة بظهوره (عجّل الله فرجه).
ولم يكتفِ (عليه السلام) بمجرَّد الإشارة إلى أنَّ العاقبة للمتَّقين إذا صبروا وسلَّموا لأئمَّتهم في قيامهم وقعودهم استناداً لقول النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم): (الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا)، بل - كما أشرنا سابقاً - قد بيّن أبرز ثمان خصائص للإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، يمكن جعلها علائم لمعرفة شخصه ومنهجه حين ظهوره.
الخصوصية الأُولى: امتيازه (عجّل الله فرجه) عن سائر الأئمّة (عليهم السلام) الذين سبقوه بعدم خضوعه لسلطان زمانه، كما في تعبير الرواية الشـريفة: (ليس في عنقه بيعة لطاغية زمانه)، وهذه الميزة تعتبر في منظار رواياتهم (عليهم السلام) إحدى الحكم المسبِّبة للغيبة. وقد نوفَّق في مقالات لاحقة في تحليل هذه الخصّيصة، ولماذا أصبحت خصوصية له (عجّل الله فرجه)؟ وما معنى البيعة؟ وهل فعلاً بايع أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) طواغيت زمانهم؟ فلهذا كلّه مجاله الخاصّ وربَّما يخرجنا التوسّع فيه عن مقالنا المختصر.
الخصوصية الثانية: صلاة النبيّ عيسى (عليه السلام) خلف إمامنا المهدي (عجّل الله فرجه)، حيث تعتبر هذه الخصوصية علامة حيّة وحسّية لصدق الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) عند كثير من الأُمم حين ظهوره المقدَّس، مضافاً إلى ما تدلُّ عليه من أفضلية الإمام (عجّل الله فرجه) على سائر الأنبياء والمرسلين (عليهم السلام)، حتَّى أُولي العزم منهم، لما هو متَّفق عليه من أفضلية الإمام على المأموم.
الخصوصية الثالثة: خفاء الولادة، وهي أيضاً من خصائص الإمام الحجَّة (عجّل الله فرجه)، بخلاف آبائه الكرام (عليهم السلام). وفيها - مضافاً إلى أنَّها إخبار بالغيب - إشارة إلى ما تتعرَّض له حياة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) من المخاطر الجمَّة ومحاولة الطواغيت تصفيته الجسدية، لما علموا به من أنَّ زوال عروشهم سيكون على يديه (عجّل الله فرجه).
الخصوصية الرابعة: حصول الغيبة له، وقد تفرَّد به (عجّل الله فرجه) من بين سائر آبائه الكرام الميامين (عليهم السلام). وهي أيضاً إنباء بالغيب أوَّلاً، وبيان لما يتعرَّض له (عجّل الله فرجه) من ملاحقات ومضايقات من قِبَل السلاطين في كلّ العصور ممَّا يستدعي غيبته (عجّل الله فرجه) عن الأُمَّة خوفاً من القتل ثانياً. وهناك الكثير من الأُمور الجوهرية في سبب الغيبة وعلَّتها وتحليلها وبيان عدم معارضتها مع اللطف الإلهي في تنصيب الحجَّة على الخلق، كلّ ذلك نكله إلى بحوث أُخرى إن شاء الله تعالى.
الخصوصية الخامسة: التاسع من ولد الحسين (عليه السلام)، تشخيص آخر يذكره الإمام الحسن (عليه السلام)، وهو أنَّ المهدي الموعود هو من سلالة أخيه الحسين (عليه السلام)، فهو بإثباته لهذا الأمر ينفي بالمفهوم أن يكون من سلالته هو (عليه السلام) كما قد يحلو للبعض أنْ يذكر أنَّ الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) من سلالة الحسن (عليه السلام) من جهة الآباء. مضافاً إلى تشخيص آخر مهمّ جدَّاً وهو التسلسل الرقمي، أي وهو التاسع من ولد الحسين (عليه السلام)، وفيه عدَّة ثمرات مهمّة، منها:
1- نفي أنْ يكون الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) هو شخص قبل التاسع، وهذا يفيدنا في تكذيب الكثير من الدعاوى التي حصلت في عصـر أهل البيت (عليهم السلام) كالواقفيّة الذين ادَّعوا مهدوية الإمام الكاظم (عليه السلام)، والإسماعيلية قبلهم الذين ادَّعوا مهدوية إسماعيل ابن الإمام الصادق (عليه السلام).
2- نفي أنْ يكون الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) بعد التاسع من أهل البيت (عليهم السلام) من ولد الحسين (عليه السلام)، وهو يفيدنا أيضاً في تكذيب كلّ مدَّعٍ للمهدوية بعد ذلك.
الخصوصية السادسة: كونه (عجّل الله فرجه) ابن أَمَة، وهي السيّدة نرجس (عليها السلام)، وهذه الخصوصية مفيدة أيضاً من جهتين:
الأُولى: في تضييق حلقة المصاديق، حيث يمكن تكذيب المدَّعين فيما لو كانت اُمَّهاتهم أحراراً.
والثانية: في بيان مقام أُمّ الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) ومنزلتها العظيمة في نظر أهل البيت (عليهم السلام).
الخصوصية السابعة: طول العمر، حيث يؤكِّد الإمام الحسن (عليه السلام) في هذا المقطع على أنَّ طول العمر أمر ثابت للإمام بقدرة الله تعالى، وليس عزيزاً على الله ذلك، فقد ذكر أشباهه في كتابه الكريم، كعمر نوح (عليه السلام) والعبد الصالح، وآخرين، والوجود خير دليل على الإمكان.
الخصوصية الثامنة والأخيرة: خروجه (عجّل الله فرجه) في سنّ الشباب، كما جاء في كثير من الروايات، وهذا لبيان قدرة الله تعالى وإعجازه في خلقه، وعلامة من علامات تشخيص الإمام المهدي (عجّل الله فرجه).
فمن خلال هذه الرواية الحسنية الشـريفة يمكن أنْ يجعلها المنتظِر منهجاً يسير عليه لتشخيص معالم العقيدة المهدوية، ومدى اهتمام أهل البيت (عليهم السلام) في تركيزها عند الأُمَّة.

البحوث والمقالات : ٢٠١٣/١٢/١١ : ٣.٧ K : ٠
: السيد محمد القبانجي
التعليقات:
لا توجد تعليقات.