البحوث والمقالات

(٥١٠) مفهوم دولة العدل الإلهي وطرق الوصول إليها

مفهوم دولة العدل الإلهي وطرق الوصول إليها

يحيى غالي ياسين

إنّ الحديث عن دولة العدل الإلهي الموعود بها كل من في الكون, وخاصة عند التطرّق لخصائص ومميزات إيجاد ووجود تلك الدولة, بالتأكيد هو حديث يصطدم بقصور المتحدث قبل تقصيره، وذلك لاحتواء تلك الدولة على جوانب ودقائق تعتبر في الوقت الحاضر خارج إمكانيات الإنسان المعاصر.
فالتحدّث عن دولة ذات مجتمع معصوم نفسياً من ارتكاب الذنوب، وعقلياً من الوقوع في الخطأ, وذات قوانين وشرائع إلهية غير موضوعة على خالق الكون أو من احياءاته, التحدّث عن كل هذا في الواقع ليس ضرباً من خيال, إنّ دولة العدل الإلهي ليست املاءات افلاطون في جمهوريته، أو أمنيات الفارابي في مدينته الفاضلة، إنّما هي دولة ممكنة الوقوع، بل واجبة الإيجاد أيضاً.
وتعتمد دولة العدل الإلهي في إيجادها ووجودها على ركنين أساسيين، ما إنْ وجدا وجدت والعكس صحيح ,هذان الركنان هما:
الأوّل: اكتشاف جميع القوانين والنواميس الحاكمة لهذا الكون، وخاصة تلك التي يكون مشتركها الإنسان.
فمعرفة القانون مرتبة سابقة تطبيقه, والله سبحانه وتعالى جعل لكل شيء قانوناً سواء كان ذلك على نحو الإيجاد أو الاستمرار أو المعاد, قال تعالى: ﴿وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَريكٌ فِي الْمُلْكِ وخَلَقَ كُلَّ شَيْ‏ءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْديراً﴾, وقال تعالى: ﴿وَكُلُّ شَيْ‏ءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ﴾, ولهذا كان لزاماً على كل مشروع أنْ يتضمّن هذا المقوّم وأنْ تعرف كل قوانينه اللازمة له, ومن أهم القوانين اللازمة المعرّفة لمشروع دولة العدل هي القوانين التي تنظم العلاقة بين الإنسان:
• ونفسه.
• وربه.
• وأخيه الإنسان.
• والطبيعة.
وهذه الحزمة من القوانين توضّح بجلاء كمال تلك الدولة, وأنّها لم تعتمد على رجل عرجاء، ولا تنظر بعين عوراء، ولم تمهل أياً من مكوناتها، فهي تسعى إلى إصلاح المخلوق مع الخالق ومع نفسه ومع نظيره. وهذا على العكس مما نراه في الدول المعاصرة أو الغابرة, فإنّ أغلبها إلحاديّة وأغلبها الآخر عدائيّة، أو تبني وتحدد علاقاتها وفق مصالحها الضيقة.
والاكتشاف هذا يجب أنْ يشمل الصالحة والطالحة على حد سواء.
والطالحة هي القوانين ذات النتائج الفاسدة.
الثاني: التطبيق المثالي لجميع تلك القوانين, والتطبيق يشمل الاجتناب المثالي لجميع القوانين الطالحة والابتعاد عنها، فاكتشاف أنّ النار تطهو الطعام قانون صالح، وعلينا الاستفادة من ذلك, ولكن معرفة أنّ النار تحرق الإنسان قانون طالح عند الاستخدام وإنْ كانت معرفة ذلك ضرورية للحذر منها.
هذا هو الكون الذي نحن منه وفيه, عبارة عن مجموعة من الموجودات والمخلوقات تحكمها جملة من القوانين، كل ما أحسن استخدام النافع منها وإهمال الضار كلما عاش الكون بأفضل حياة ممكنة، حتى إذا ما استطيع السيطرة على كل تلك النواميس بين تلك الموجدات استطعنا أنْ نرى دولة العدل الإلهي المطلق. فالعدل الذي يحمله اسم تلك الدولة هو نعت لذلك الاكتشاف الكامل لتلك القوانين والتطبيق الكامل والمثالي لها, فمن الظلم أنْ يكون هناك قانون نافع معروف ولم يتم تطبيقه. وكذا الحال بالنسبة للقوانين الضارة من وجوب المعرفة والاجتناب.
والآن يحسن بنا أنْ نترك الأحاديث الشريفة تبين لنا بعض الحقائق المتصلة بتلك الدولة المباركة والتي تدعم كلامنا أعلاه إنْ شاء الله.
المؤمنون في عصر الظهور: عن محمد بن فضيل, عن الإمام الرضا (عليه السلام): قال إذا قام القائم (عليه السلام) يأمر الله الملائكة بالسلام على المؤمنين والجلوس معهم في مجالسهم, فإذا أراد أحد حاجة أرسل القائم (عليه السلام) من بعض الملائكة أنْ يحمله, فيحمله الملك حتى يأتي القائم, فيقضي حاجته ثم رده, ومن المؤمنين من يسير في السحاب, ومنهم من يطير مع الملائكة ومنهم من يمشي مع الملائكة مشياً, ومنهم من يسبق الملائكة, ومنهم من يصيّره القائم قاضياً بين مائة ألف من الملائكة.
بركات السماء والأرض: عن أبي سعيد الخدري قال: ذكر رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) بلاء يصيب هذه الأمّة حتى لا يجد الرجل ملجأ يلجأ إليه من الظلم, فيبعث الله رجلاً من عترتي من أهل بيتي فيملاً به الأرض قسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً, يرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض, لا تدع السماء من قطرها شيئاً إلّا صبته مدراراً, ولا تدع الأرض من مائها شيئاً إلّا أخرجته, حتى تتمنى الأحياء الأموات.
وعن الإمام الباقر (عليه السلام): إذا قام القائم (عليه السلام) حكم بالعدل وارتفع في أيامه الجور وأمنت به السبل... وأخرجت الأرض بركاتها, وردّ كل الحق إلى أهله ولم يبق أهل دين حتى يظهر الإسلام... وحكم بين الناس بحكم داوود (عليه السلام) وبحكم محمد (صلّى الله عليه وآله وسلم)... فحينئذ تظهر الأرض كنوزها وتبدي بركاتها ولا يجد الرجل يومئذ موضعاً لصدقته وبرّه وتقضي العجوز الضعيفة في المشرق تريد الغرب لايؤذيها أحد.. وتؤتون الحكمة في زمانه حتى أنّ المرأة لتقضي في بيتها بكتاب الله وسنة رسوله (صلّى الله عليه وآله وسلم).
وعن الإمام الصادق (عليه السلام): وتظهر الأرض من كنوزها حتى يراها الناس على وجههاً ويطلب الرجل منكم من يصله بماله ويأخذ منه زكاته فلا يجد أحداً يقبل منه ذلك. واستغنى الناس بما رزقهم الله من فضله.
المرأة في عصر الظهور: عن حمران بن أعين, عن أبي جعفر (عليه السلام) أنّه قال: كأني بدينكم هذا لا يزال مولياً يفحص بدمه, ثم لا يرده عليكم إلّا رجل منّا أهل البيت, فيعطيكم في السنة عطاءين ويرزقكم في الشهر رزقين، وتؤتون الحكمة في زمانه حتى انّ المرأة لتقضي في بيتها بكتاب الله تعالى وسنة رسول (صلّى الله عليه وآله وسلم).
الحالة الصحية: عن أبي عبد الله (عليه السلام) عن أبيه عن علي بن الحسين (عليه السلام) قال: إذا قام القائم (عليه السلام) أذهب الله عن كل مؤمن الخاصة وردّ إليه قوته.
كمال الإنسان: عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إذا قام قائمنا وضع الله يده على رؤوس العباد, فجمع بها عقولهم, وكملت به أحلامهم.
التقدم التكنولوجي: عن أبي عبد الله (عليه السلام): إنّ المؤمن في زمان القائم وهو بالمشرق ليرى أخاه الذي في المغرب, وكذا الذي في المغرب يرى أخاه الذي في المشرق.
إلغاء بعض القوانين: عن الرسول الكريم (صلّى الله عليه وآله وسلم): إذا قام قائمنا اضمحلت القطائع, فلا قطائع. والقطائع: الأراضي الزراعية أو المنافع أو الثروات التي يعطيها الحكام للمقربين منهم.
استمرار الدولة لنهاية الخلق: عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) حين يسأله الراوي عن مدة مكث الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) في مسجد السهلة: قلت: جعلت فداك لا يزال القائم فيه أبداً؟ قال (عليه السلام): نعم. قلت: فمن بعده؟ قال (عليه السلام): من بعده مهدي بعد مهدي إلى انقضاء الخلق.
الحالة الأمنية: عن الإمام علي (عليه السلام) قوله: ولو قد قام قائمنا لأنزلت السماء قطرها, ولأخرجت الأرض نباتها, حتى تمشي المرأة بين العراق إلى الشام لا تضع قدميها إلّا على النبات, وعلى رأسها زنبيلها لا يهيجها سبع ولا تخافه.
تطور العلوم: عن الإمام الصادق (عليه السلام): العلم سبعة وعشرون جزء فإذا قام القائم (عليه السلام) أخرج الخمسة والعشرين جزءاً, فبثها في الناس وضمّ إليها الجزئين حق يبثها سبعة وعشرين جزءاً. والعلم هنا جاء مطلقاً, فيشمل بالتأكيد علوم الدين والدنيا وهذا يشير إلى الركن الأول للدولة، أي اكتشاف القوانين الحاكمة لموجودات هذا القرن.
السيطرة التامة على الكون: وعن الإمام الصادق (عليه السلام): إذا تناهت الأمور إلى صاحب هذا الأمر رفع الله تبارك وتعالى له كل منخفض من الأرض, وخفض له كل مرتفع, حتى تكون الدنيا عنده بمنزلة راحته. فأيّكم لو كانت في راحته شعرة لم يبصرها.
بعض صفات الناس: عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا قام القائم (عليه السلام) استنزل المؤمن الطير من الهواء فيذبحه فيشويه ويأكل لحمه ولا يكسر عظمه, ثم يقول له احي بإذن الله, فيحيا ويطير, وكذلك الضباء من الصحارى, ويكون ضوء البلاد ونورها ولا يحتاجون إلى شمس ولا قمر, ولا يكون على وجه الأرض مؤذ ولا شر ولا سم ولا فساد أصلاً, لأنّ الدعوة سماوية ليست بأرضية, ولا يكون للشيطان فيها وسوسة ولا عمل ولا حسد ولا شيء من الفساد ولا تشوك الأرض والشجر, وتبقى الأرض قائمة، كلما أخذ منها نبت من وقته عاد كحال, وإنّ الرجل ليكسو ابنه الثوب فيطول معه كلما طال ويتلوّن عليه أي لون أحب وشاء. ولو أنّ الرجل الكافر دخل جحر ضب أو توارى خلف مدر أو حجر أو شجر لأنطق الله ذلك الشيء الذي يتوارى فيه حتى يقول يا مؤمن خلفي كافر فخذه فيؤخذ ويقتل. ولا يكون لإبليس هيكل يسكن فيه - والهيكل البدن - ويصافح المؤمنون الملائكة ويوحى إليهم ويحيون الموتى بإذن الله.

البحوث والمقالات : ٢٠١٣/١٢/١١ : ٣.٦ K : ٠
: يحيى غالي ياسين
التعليقات:
لا توجد تعليقات.