البحوث والمقالات

(٥٢٣) قاعدة معرفة الحجج من الأدعياء

قاعدة معرفة الحجج من الأدعياء

الشيخ حسن الكاشاني

إنّ الأئمة (عليهم السلام) أخبرونا بأنّه سوف يكون في غيبة الإمام صاحب الزمان (عجّل الله فرجه) افتتانٌ شديد في البصيرة وفتنة عقائدية، بحيث أنّ كثيراً ممن كان على العقيدة الصحيحة سوف يخرج عن عقيدته وعن مذهبه، وهذا يسترعي الانتباه والحذر.
فلو أخبرنا الآن صادقٌ بأن العدو قد كمن لكم وهو يريد الشر بكم فإننا نستعد للحرب وللمقابلة وللدفاع، فحينما قام رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) في بدء الدعوة، دعا الناس وهم لا يعرفون أنّه رسول الله لكنّهم يعرفون أنه صادق أمين فقال لهم: يا أيها الناس لو أخبرتكم بأنّ وراء هذه الجبال عدواً يريدكم ماذا تصنعون؟ قالوا إذن نستعد للحرب وللدفاع قال: فإذن أنا أخبركم بعذاب الله، أُنذركم من عذاب الله، فاستعدوا، وكذلك الأئمة (عليهم السلام) حذّرونا تحذيراً شديداً في روايات عديدة، حتى نعرف بأنّ من الواجبات الأولية على كل مؤمن أنْ يأخذ هذا الروايات بنظرة اعتبار، ولا يمكن أنْ نكون نحن إنْ شاء الله على الولاية والعقيدة الصحيحة، وهكذا سنبقى إلى آخر عمرنا، فلا يوجد ضمان، فالأئمة أخبروا بوقوع الافتتان وأنه سوف يأتي أدعياء كثيرون يدعون أنهم المهدي (عجّل الله فرجه).
فقد وردت رواية في كتاب (الغيبة) للشيخ الطوسي، جاء فيها: يقول الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام): (إذا فُقِد الخامس من ولد السابع (يعني الأمام الثاني عشر من الأئمة) فالله الله في أديانكم لا يزيلكم أحدٌ عنها، يا بُنيّ أنه لابد لصاحب هذا الأمر من غيبة حتى يرجع عن هذا الأمر من كان يقول به). (الإمامة والتبصرة من الحيرة) أبي الحسن بن بابويه القمي.
وفي رواية ثانية عن الإمام الصادق (عليه السلام) يقول فيها: (إياكم والتنويه - يعني ذكر أسم المولى صاحب الزمان - أما والله ليغيبن إمامكم سنيناً من دهركم، ولتمحصّنَ حتى يقال مات أو هلك - يعني من كثرة غيبته، الناس يقولون لو كان لقد مات لقد قُتِل - بأي واد سلك؛ ولتدمعنَّ عليه عيون المؤمنين ولتكفأنَ كما تكفأ السفن في أمواج البحر، فلا ينجو إلا من أخذ الله ميثاقه، وكتب في قلبه الإيمان، وأيّده بروح منه، ولتُرفَعُنَّ أثنتا عشرة راية مشتبهة، لا يدرى أي من أي). [كمال الدين الشيخ الصدوق: ج2، ص347، ح35].
هذا إخبار الأئمة (عليهم السلام) بأنّه سوف تأتي رايات مشتبهة فلابد من وجود ضابط، قال المفضل: (حينما قال الإمام هكذا بكيت, وقلت فكيف نصنع؟ قال (عليه السلام): يا أبا عبد الله ونظر إلى الشمس داخلةً إلى الصُفّة فقال: يا مفُضّل أترى الشمس؟ قلت: نعم قال (عليه السلام): والله لأمرنا أبين من هذه الشمس). يعني أمر أهل البيت (عليهم السلام)، الراية الحق، والحجة الصادقُ أمرهُ أبين من الشمس، ولكن نحن وبسبب متاركتنا وقلة متابعتنا يأتي أهل الضلال ويشَبِهون علينا.
إذن السؤال: ما هي هذه الضابطة والقاعدة التي تعصمنا من الاشتباه؟ هذه الضابطة قرآنية وعقلية وفطرية، وهي موجودة في سورة آل عمران، الآية السابعة: ﴿هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ﴾ هذه الآية تبين بأن القرآن كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وقسم من آياته آيات محكمات وهي اُم للكتاب وهي الأصل وهي الجذر، أي لابّد من إرجاع الفرع إلى الأصل، فهذه آيات محكمة ليست فيها أية شبهة، أمّا القسم الآخر من القرآن فمتشابه أي هي آيات متشابهة، فلا هي من الإنجيل ولا من التوراة ولا من إيّ كتاب آخر، نزلت من عند رب العالمين، لكن يقول الله تعالى إنّ الذي في قلبه زيغ وانحراف، وهو الضال المُضِل الذي يريد أن يُضِل الناس ويغويهم عن الصراط المستقيم، فهذا ماذا يصنع؟
﴿فَأَمَّا الَّذينَ في‏ قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ﴾ فهؤلاء يتبعون هذا القرآن نفسه أي يحسبون على المسلمين, فالشخص المنحرف الضال الذي استطاع أنْ يغوي الناس ليس أجنبياً بل هو تبع نفس القرآن الكريم، لكن هذا الذي في قلبه مرض يأخذ المتشابه ويقطع المتشابه عن المحكم، فما هو القصد من هذا التفريق؟
فالله يقول وينبئ عن نياتهم، بأنهم يتبعون ما تشابه، ليس لأجل هداية الناس بل ابتغاء الفتنة، يتبعون متشابهات القرآن من دون المحكمات، هؤلاء دجالون وكذابون، فترى أحدهم لا ينظر إلى القرآن بمجموعه، يجعل المحكمات الأساس ثم على ضوء المحكمات يفسر المتشابهات، فاعرِف أنه دجال، الله تعالى يقول عنه ﴿ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وابْتِغاءَ تَأْويلِهِ﴾ يعني الآية المتشابهة حينما فصلتها عن المحكم وأخذتها تكون الآية في يدك كقطعة عجين كيفما تريد تستنبط منها وتأوله، فالناس حينما يرون أنّ صاحب هذه الدعوة استدل بالقرآن بينما الله يقول ليس كل من يستدل بالقرآن هو محق، فقد يستدل الضال المضل بالقرآن، بل ليست هذه القاعدة خاصة بالقرآن، بل إنها تشمل الحديث، وكل الأمور فيها محكم ومتشابه، كما الخداع البصري، فأنت ترى الطائرة صغيرة وهي في جو السماء مع أنك تذعن أنها كبيرة، لأنّك أرجعت المحكم إلى المتشابه. والآن كيف نعرف الحجة عن الدّعي، كيف نميز أنّ هذا صاحب راية حق وهذا صاحب راية باطل. بالنسبة لعقيدتنا، في صاحب الزمان والإمام الثاني عشر أنه الإمام المهدي ابن الإمام الحسن العسكري، وهو الثاني عشر من الحجج، وقد ولد في سامراء في سنة 255هـ وهو حي إلى الآن، وسوف يظهر ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً وهو الآن يقوم بأدوار، فالإمام ليس فقط إمام موعود بل إمامٌ موجود، الآن يقوم اعتقادنا أنّ هذا من المحكمات فلابد أن نرجع إليه كل متشابه، ومحكمات ذلك مبسوطة في محلها من كتب الحديث، فعندنا كم هائل من الروايات أحكمت العقيدة بالمهدوية لابن الحسن العسكري (عليه السلام)، وكل متشابه يضرب به عرض الجدار.
والآن لنرى فقهاء الطائفة وأعلام الطائفة كيف طبّقوا هذه الفكرة، فكرة إرجاع المتشابه للمحكم، وإذا رأوا أنّ المتشابه يخالف المحكم ومن دون سؤال عن دليل نقول هذا الكلام باطل، وأذكر لكم نموذجاً من الأدعياء شخصاً اسمه حسين بن منصور الحلاج، ذكره الشيخ الطوسي في كتاب (الغيبة) فإنّه أولا جاء وادعى النيابة والوكالة، ثانيا جاء وقال أنا الإمام المهدي، ثم قال أنا نبي، وثم قال أنا الله، حينما كان يدّعي النيابة قبل أنْ يدّعي النبوة وغيرها، يذكر الشيخ الطوسي (قدس سره) هذه القصة فيقول انه جاء إلى قم وكان في قم علي بن محمد بن بابويه والد الشيخ الصدوق (قدس سره) فكتب إليه كتاباً وكتب فيه أنا وكيل الإمام وأنا نائب الإمام وتعال بايعني، فيقول لمّا وقعت المكاتبة في يد والد الشيخ الصدوق خرقها، بمجرد أنّه رأى قد كتب فيها وكيل، وقال للرسول الذي جاء بهذه الرسالة ما أفرغك لهذه الجهالات، إنّ الشيخ الصدوق تصرّف هكذا لأنّ عنده محكم، إذن لا نقدر أنْ نترك المحكمات ونأخذ بالمتشابهات.
وهنا سؤال هو: ما مدى حجية الرؤية أو المكاشفات في الاعتقادات؟ نحن عندنا محكمات وعندنا متشابهات، الرؤيا بالإضافة إلى الوحي، بالإضافة إلى ضرورة الدين متشابه، ولا يمكن أنْ أُحكّم الرؤيا على ضروريات الدين، أنا لا أقول أنّ الرؤيا كلها من الشيطان، بل توجد رؤيا ربانية وشيطانية، الله تعالى يقول في سورة الأنعام ﴿وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ﴾، فإذا عرفنا أنّ الشيطان يمكن أنْ يوحي إليّ في المنام فكيف أعتمد عليها، فهذا متشابه، إذن الرؤيا ليست كلها باطلة، بل لابد أنْ تعرض على المحكمات. حتى لشدة وضوح هذا الأمر فإنّ بعض الأدعياء الذين يعتمدون على المكاشفة والرؤيا يقولون أنّ الكشف إنما ينقسم إلى كشف رحماني وكشف شيطاني، فكيف نميز؟ نقول الميزان هو الكتاب والمحكمات والسنة، إذن حجية الرؤيا تكون بعرضها على المحكم. فالذي يرى في المنام ويجعل منامه هو الحاكم على الكتاب والسنة فيدعي ويقول أنا كشفي مقدّم على كشف الرسول، فهذا يكون مدّعياً للنبوة، وهناك رواية تقول: (من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية)، فإنّ من مات وأنكر وجود الإمام يدخل في هذه الخانة.

البحوث والمقالات : ٢٠١٤/٠٤/٠٧ : ٣.٥ K : ٠
: الشيخ حسن الكاشاني
التعليقات:
لا توجد تعليقات.