(٥٣٣) ما ينبغي للمؤمن رعايته في الغيبة الكبرى
ما ينبغي للمؤمن رعايته في الغيبة الكبرى
الشيخ علي الدهنين
من أهمّ ما ينبغي للمؤمن رعايته في عصر الغيبة الكبرى, هي:
1- العمل بالواجبات وترك المحرّمات, فإنّ تقوى الله تعالى مما يقرّب الإنسان إلى الله تعالى وإلى الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، وذلك لأنّ الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) هو كتاب الله الناطق, وكتاب الله يهدي إلى التقوى. فعلى الإنسان أنْ يتّقي الله، ويحاسب نفسه، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويطيع الله في جميع أموره.
2- إقامة مآتم أهل البيت (عليهم السلام) لاسيّما مأتم سيّد الشهداء وأمّه الزهراء (عليهما السلام), فقد أكد العلماء بأنّ مأتم سيد الشهداء (عليه السلام) مما يقرّب الإنسان إلى الإمام (عليه السلام), وهذا ما جاءت الإشارة إليه في الزيارة الناحية: (...فلأندبنّك صباحاً ومساءً, ولأبكينّ عليك بدل الدموع دماً), وكذلك ذكر ظلامة الزهراء (عليها السلام), فإنّ الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) يتذكّر مصيبة جدّته الزهراء (عليها السلام) صباحاً ومساءً, وعلى الإنسان أنّ يشارك إمامه في ذكر ظلامته (عجّل الله فرجه).
3- المواظبة على قراءة الأدعية، كدعاء الندبة، ودعاء العهد, ودعاء: (اللّهم عرّفني نفسك فإنّك إنْ لم تعرّفني نفسك لم أعرف نبيك, اللّهم عرّفني رسولك فإنك إن لم تعرّفني رسولك لم اعرف حجّتك, اللّهم عرّفني حجّتك فإنّك إنْ لم تعرّفني حجّتك ضللت عن ديني ).
فإنّ هذه الأدعية الشريفة تبعث الشوق والحنين في القلوب, إذ نقرأ في دعاء الندبة: (لَيْتَ شِعْري اَيْنَ اسْتَقَرَّتْ بِكَ النَّوى، بَلْ اَيُّ اَرْض تُقِلُّكَ اَوْ ثَرى، أَبِرَضْوى اَوْ غَيْرِها اَمْ ذي طُوى، عَزيزٌ عَلَيَّ أَنْ أَرَى الْخَلْقَ وَلا تُرى وَلا أَسْمَعُ لَكَ حَسيساً وَلا نَجْوى، عَزيزٌ عَلَيَّ أَنْ (لا تُحِيطَ بِيَ دُونكَ) تُحيطَ بِكَ دُونِيَ الْبَلْوى وَلا يَنالُكَ مِنّي ضَجيجٌ وَلا شَكْوى، بِنَفْسي أَنْتَ مِنْ مُغَيَّبٍ لَمْ يَخْلُ مِنّا، بِنَفْسي أَنْتَ مِنْ نازِحٍ ما نَزَحَ (يَنْزِحُ) عَنّا، بِنَفْسي أَنْتَ أُمْنِيَّةُ شائِقٍ يَتَمَنّى، مِنْ مُؤْمِن وَمُؤْمِنَةٍ ذَكَرا فَحَنّا، بِنَفْسي أَنْتَ مِنْ عَقيدِ عِزٍّ لا يُسامى، بِنَفْسي أَنْتَ مِنْ أَثيلِ مَجْدٍ لا يُجارى، بِنَفْسي أَنْتَ مِنْ تِلادِ نِعَمٍ لا تُضاهى، بِنَفْسي أَنْتَ مِنْ نَصيفِ شَرَف لا يُساوى، اِلى مَتى أَحارُ فيكَ يا مَوْلايَ وَاِلى مَتي، وَأَيَّ خِطابٍ اَصِفُ فيكَ وَاَيَّ نَجْوى، عَزيزٌ عَلَيَّ أَنْ اُجابَ دُونَكَ وَاُناغى، عَزيزٌ عَلَيَّ أَنْ أَبْكِيَكَ وَيَخْذُلَكَ الْوَرى، عَزيزٌ عَلَيَّ أَنْ يَجْرِيَ عَلَيْكَ دُونَهُمْ ما جَرى، هَلْ مِنْ مُعينٍ فَأُطيلَ مَعَهُ الْعَويلَ وَالْبُكاءَ، هَلْ مِنْ جَزُوعٍ فَأُساعِدَ جَزَعَهُ إِذا خَلا، هَلْ قَذِيَتْ عَيْنٌ فَساعَدَتْها عَيْني عَلَى الْقَذى، هَلْ إِلَيْكَ يَا بْنَ أَحْمَدَ سَبيلٌ فَتُلْقى، هَلْ يَتَّصِلُ يَوْمُنا مِنْكَ بِعِدَةٍ فَنَحْظى...)
وورد في بعض الروايات أنّه (عجّل الله فرجه) ساكن في جبل رضوى, فعن عبد الأعلى مولى آل سام, قال خرجت مع أبي عبد الله (عليه السلام) فلما نزلنا الروحاء نظر إلى جبلها مطلاً عليه فقال لي: (ترى هذا الجبل؟ هذا جبل يدعى رضوى من جبال فارس, أحبّنا فنقله الله إلينا, أما إنّ فيه كل شجرة مطعم, ونعم أمان للخائف مرتين. أما إنّ لصاحب هذا الأمر فيه غيبتين, واحدة قصيرة والأخرى طويلة), وفي روايات أخرى أنّ له (عجّل الله فرجه) بيتاً في مدينة يسمى بيت الحمد, فعن المفضل, قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إنّ لصاحب هذا الأمر بيتاً يقال له: بيت الحمد, فيه سراج يزهر منذ يوم ولد إلى يوم يقوم بالسيف لا يطفأ).
إذن يجب على الكل أنْ يبعث الشوق للإمام (عجّل الله فرجه) في نفوس المؤمنين, فإذا فقد أحدنا اليوم عزيزاً تحرّق ألماً لفقده, فما بالنا لا نتألّم كثيراً فقد إمام هو واسطة الفيض الإلهي وقطب رحى الكون, فلنتحرّق شوقاً وألماً بفقده (عجّل الله فرجه) كما كان الإمام الصادق (عليه السلام) يتألّم لذلك قبل ولادة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، فعن سدير الصير في, قال: دخلت أنا, والمفضل بن عمر, وأبو بصير, وأبان بن تغلب على مولانا أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) فرأيناه جالساً على التراب وعليه مسح خيبري مطوّق بلا جيب, مقصّر الكمّين, وهو يبكي بكاء الواله الثكلى, ذات الكبد الحرى, قد نال الحزن من وجنتيه, وشاع التغير في عارضيه, وأبلى الدمع محجريه, وهو يقول: (سيدي غيبتك نفت رقادي, وضيقت عليّ مهادي, وابتزّت منّي راحة فؤادي, سيّدي غيبتك أوصلت مصابي بفجايع الأبد, وفقد الواحد بعد الواحد يفني الجمع والعدد, فما أحسّ بدمعة ترقى من عيني وأنين يفتر من صدري عن دوارج الرزايا وسوالف البلايا إلا مثل بعيني عن غوابر أعظمها وأفظعها, وبواقي أشدها وأنكرها, ونوائب مخلوطة بغضبك, ونوازل معجونة بسخطك).
قال سدير: فاستطارت عقولنا ولهاً, وتصدعت قلوبنا جزعاً من ذلك الخطب الهائل, والحادث الغائل, وظننا أنّه سمت لمكروهة قارعة, أو حلّت به من الدهر بائقة, فقلنا: لا أبكى الله ابن خير الورى عينك, من أيّة حادث تستنزف دمعتك وتستمطر عبرتك؟ وأيّة حال حتّمت عليك هذا المأتم؟
قال فزفر الصادق (عليه السلام) زفرة انتفخ منها جوفه, واشتد عنها خوفه وقال: (ويلكم نظرت في كتاب الجفر صبيحة هذا اليوم وهو الكتاب المشتمل على علم المنايا والبلايا والرزايا, وعلم ما كان وما يكون إلى يوم القيامة, الذي خص الله به محمداً والأئمة من بعده (عليهم السلام), وتأملت منه مولد غائبنا وغيبته وإبطاء وطول عمره وبلوى المؤمنين في ذلك الزمان, وتولد الشكوى في قلوبهم من طول غيبته, وارتداد أكثرهم عن دينهم, وخلعهم ربقة الإسلام من أعناقهم التي قال الله تقدس ذكره ﴿وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ﴾ - يعني الولاية -, فأخذتني الرقّة, واستولت عليّ الإحزان).
4- الوفاء بالعهد للأئمة (عليهم السلام) بشكل عام، والإمام المهدي (عجّل الله فرجه) بشكل خاص, ويكون الوفاء لهم (عليهم السلام) من خلال ذكر فضائلهم ومقاماتهم وأخلاقهم وإظهار البراءة من أعدائهم, فقد روي عن إمامنا المهدي (عجّل الله فرجه) أنّه قال: (ولو أنّ أشياعنا وفقهم الله لطاعته, على اجتماع من القلوب في الوفاء بالعهد عليهم, لما تأخّر عنهم اليمن بلقائنا, فما يحبسنا عنها إلا ما يتصل بنا مما نكرهه, ولا نؤثره منهم, والله المستعان, وهو حسبنا ونعم الوكيل, وصلواته وتسليمه على سيدنا البشير النذير محمد وآله الطاهرين).
وهذا الذكر الدائم للإمام (عجّل الله فرجه) يعد الأمور التي تعمق ارتباط المؤمن به (عجّل الله فرجه)، إذ يستلزم الذكر معرفة الإمام (عجّل الله فرجه) من جهة, والالتزام بأوامره ونواهيه من جهة أخرى، حتى لا يكون الإنسان مثل سهل بن حسن الخراساني الذي دخل على الإمام الصادق (عليه السلام) فسلّم عليه ثم جلس, فقال له: يا ابن رسول الله, لكم الرأفة الرحمة وأنتم أهل بيت الإمامة, ما الذي يمنعك أنْ يكون لك حق تقعد عنه وأنتَ تجد من شيعتك مائة ألف يضربون بين يديك بالسيف. فقال (عليه السلام) له: (اجلس يا خراساني رعى الله حقّك) ثم قال: (يا خراساني, قم فاجلس في التنور), فقال الخراساني: يا سيدي يا ابن رسول الله لا تعذبني بالنار, أقلني أقالك الله, قال عليه السلام: (قد أقلتك).
هذا الخلل معناه أنّه لا يعتقد بنصرة الإمام (عجّل الله فرجه)، بل لا يعتقد بعصمة الإمام (عجّل الله فرجه) وبوجوب طاعته. فهل الإنسان مستعدّ لنصرة إمام معصوم بأي نحو كان؟
يقول الراوي: فبينما نحن كذلك إذ أقبل هارون المكّي ونعله في سبّابته, فقال: السلام عليك يا ابن رسول الله, فقال له الصادق (عليه السلام): (الق النعل من يديك واجلس في التنور), قال: فألقى النعل من سبابته ثم جلس في التنور، وأقبل الإمام يحدّث الخراساني حديث خراسان حتى كأنّه شاهد لها, ثم قال: (قم يا خراساني وأنظر ما في التنور). قال: فقمت إليه فرأيته متربّعاً, فخرج إلينا وسلّم علينا, فقال له الإمام (عليه السلام): (كم تجد بخراسان مثل هذا؟), فقلت: والله ولا واحداً, فقال (عليه السلام): (ولا والله ولا واحداً, أما إنّا لا نخرج في زمان لا نجد فيه خمسة معاضدين لنا, نحن أعلم بالوقت).
إذن ينبغي للمؤمن أنْ يذكر الإمام (عجّل الله فرجه) دائماً وأنْ يخصص كل يوم عدّة دقائق يخاطب فيها إمامه (عجّل الله فرجه)، وأن يزوره بالزيارة المختصرة الواردة بعد صلاة الفجر ليؤكد ويعمق ارتباطه به (عجّل الله فرجه).
5- كثرة اللجوء للإمام (عجّل الله فرجه)، وطلب الحوائج منه، والاستغاثة به وندبه، من الأمور التي تسهم في تقوية علاقة المؤمن بالإمام (عجّل الله فرجه)، فهو (عجّل الله فرجه) مكلف من قبل الله تعالى برعاية أمر خلقه, فقد ورد في الزيارة الجامعة الكبيرة: (يا ولي الله إن بيني وبين الله (جل جلاله) ذنوباً لا يأتي عليها إلا رضاكم, فبحق من ائتمنكم على سره واسترعاكم أمر خلقه وقرن طاعتكم بطاعته, لما استوهبتم ذنوبي وكنتم شفعائي).
6- انتظار الفرج فإن أصل الإعمال وأهم وظيفة للمؤمن في عصر الغيبة الكبرى هو انتظار فرج آل محمد (عليهم السلام), فعن أبي بصير ومحمد بن مسلم, عن أبي عبد الله, عن أبائه, عن أمير المؤمنين (عليه السلام), قال: (المنتظر لأمرنا كالمتشحط بدمه في سبيل الله), وعن المفضل بن عمر, قال: سمعت الصادق جعفر بن محمد (عليه السلام) يقول: (من مات منتظراً لهذا الأمر كان كمن كان مع قائم في فسطاطه, لا بل كان كالضارب بين يدي رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) بالسيف).