(٥٤٦) الإسلام مصدر الاعتقاد بالإمام المهدي المنتظر (عجّل الله فرجه) عند المسلمين
الإسلام مصدر الاعتقاد بالإمام المهدي المنتظر (عجّل الله فرجه) عند المسلمين
السيد هادي عيسى الحكيم
الإمام المهدي هو محمد بن الحسن العسكري (عجّل الله فرجه)، وهو الإمام الثاني عشر من أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، وقد ولد في سامراء ليلة النصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين للهجرة، وأُمه أمّ ولد يقال لها نرجس، وكانت سنّه عند وفاة أبيه (عليه السلام) خمس سنين، آتاه الله فيها الحكمة كما آتاها يحيى (عليه السلام) صبياً، وقد اعترف بذلك ابن حجر حيث ذكره (عجّل الله فرجه) في آخر الفصل من الباب 11 من (صواعقه)، وقد جعل الله هذا الغلام إماماً في حال الطفولة الظاهرة، كما جعل عيسى بن مريم (عليه السلام) في المهد نبياً، وقد سبق النص عليه في ملّة الإسلام، من نبي الهدى جدّه (صلّى الله عليه وآله وسلم)، ثم من وصيّه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ونصّ عليه الأئمة (عليهم السلام)، كلهم واحداً بعد واحد إلى أبيه الحسن (عليه السلام)، حيث نصّ أبوه الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) عليه عند ثقاته وخاصّة شيعته.
غاب الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) اعتباراً من وفاة أبيه الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)، غيبة استمرت قرابة سبعين عاماً، وسميت الغيبة الصغرى، وقد مثّله فيها عند شيعته نواب أربعة كانوا معلومين لديهم، وعند وفاة رابع أولئك النواب غاب الإمام (عجّل الله فرجه) غيبته الكبرى والتي ما زالت مستمرة لحد هذا الزمان.
وكان الخبر بغيبته ثابتاً قبل وجوده الشريف، وكان سلف الشيعة على عهد أئمة الهدى الباقر والصادق والكاظم والرضا والجواد (عليهم السلام) يعلمون بأنّ المهدي (عجّل الله فرجه) إنّما هو الوصي التاسع من ذرية الحسين (عليه السلام).
لقد شقّ الاعتقاد بالمهدي المنتظر (عجّل الله فرجه) طريقه بيسر وسهولة إلى قلوب كل المسلمين وعقولهم، واعتبره المسلمون جزءاً من عقيدتهم الإسلامية، وحكماً من أحكامها، وواحداً من تعاليمها، فالمسلمون كافة مع اختلاف أصولهم وتوجّهاتهم السياسية وثقافاتهم المختلفة يعتقدون بحتميّة ظهور المهدي المنتظر (عجّل الله فرجه) في آخر الزمان.
لقد استمدّ المسلمون الاعتقاد بالإمام المهدي المنتظر (عجّل الله فرجه) واستقوه من منبع أو مصدر واحد هو الإسلام، فالإسلام هو الذي جاء بنظرية المهدي بكل تفاصيلها وكليّاتها، وهو الذي كلّف أتباعه ومعتنقيه بالاعتقاد بها، والالتزام التام بهذا الاعتقاد كغيره من المعتقدات النابعة من صميم الإسلام.
ويُعنى بالإسلام على الصعيد القانوني أو الحقوقي - الآمر والناهي والمحلّل والمحرّم - أي كل ما جاء به القرآن الكريم وبيان النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) لهذا القرآن، سواء أكان البيان بالقول أو بالفعل أو بالتقرير، ويسمّى هذا البيان بالسنّة المطهرة. انظر كتاب (حقيقة الاعتقاد بالإمام المهدي المنتظر) لأحمد حسين يعقوب.
ولأنّ الإسلام آخر الأديان السماوية، ولأنّ محمداً خاتم النبيين (صلّى الله عليه وآله وسلم)، فقد أجاب الإسلام على التساؤلات البشرية كافة في ما مضى وفي ما يأتي، وغطّى الاحتياجات الإنسانية مجتمعة، وعلى كل الأصعدة اللازمة لنمو الحياة الإنسانية وتطوّرها ورقيّها.
فما من شيء على الإطلاق إلّا وجاء به القرآن وبيّنه النبي الكريم (صلّى الله عليه وآله وسلم) بالقدر الذي يستوعبه كل المكلفين، وتصديق ذلك قوله تعالى في سورة النحل آية 89: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ﴾.
وأحكام الإسلام وتعاليمه ما شرّعت إلّا لمعالجة مشكلات العالم، وقد وضع الإسلام تحت تصرّف هذا العالم نظاماً حقوقياً لا مثيل له، ووضع تحت تصرّفه أيضاً قيادة سياسية وروحيّة لا مثيل لها، فالإمام (عليه السلام) في زمانه هو الأفضل، وهو الأعلم، وهو الأقرب إلى الله ولرسوله (صلّى الله عليه وآله وسلم) فإذا أراد العالم أنْ يهتدي فعليه بموالاة القيادة الإلهية، والعمل بالنظام الإلهي (كتاب الله)، فهما ثقلان يتكامل أحدهما مع الآخر، ويتمّم احدهما الآخر، وهذا هو المقصود الشرعي من حديث الثقلين.
وشاءت حكمة الله أنْ يكون المهدي هو آخر جيل من القيادة الإلهية المسمّاة، وهو الذي سيتولّى توحيد العالم دينياً وسياسياً ويترجم جهد الأنبياء وخاتمهم (صلّى الله عليه وآله وسلم)، ويحقّق هدفهم بتحقيق وحدة العالم الدينية والسياسية، بحيث تكون كل أقاليم الكرة الأرضية دولته (عجّل الله فرجه)، وكل سكان المعمورة رعاياه، فيكون عهده الزاهر عهد الرخاء، وعهد العدل، والنموذج الرمز لوحدة الجنس البشري الذي بشّر به النبيون، ورمز انتصار الحق على الباطل على المستوى العالمي.
وهنا يكمن سر تركيز الإسلام تركيزاً خاصّاً على نظرية الإمام المهدي المنتظر (عجّل الله فرجه).