(٥٥١) لولا الإمام (عجّل الله فرجه) لساخت الأرض بأهلها
لولا الإمام (عجّل الله فرجه) لساخت الأرض بأهلها
محمد حسن عبد الخاقاني
من المعروف لدى الباحثين في لغة الضاد التي نزل بها القرآن الكريم وجاءت بها سُنّة المصطفى محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وعترته الطاهرة (عليهم السلام) ونحوها، أنّ الجمل والعبارات والمفردات فيها، هي مبانٍ، تعارف أنْ يفيد منها المتلقي عدّة معانٍ، ومثال ذلك:
(لولا)، التي تقول عنها تقريرات المتخصّصين بعلم النحو إنهّا من حروف الشرط، وأنّها تدل في ضمن الجملة التي ترد فيها على امتناع شيء لوجود غيره، وذلك ظاهر من مبنى جملتها، وهي أداة الشرط (لو)، أضيفت إليها (لا)، فمعنى جملتها يدلّ على عدميّة وامتناع حدوث ذلك الشيء الذي ما كان ليمتنع حدوثه إلّا بوجود ما بعد (لولا).
وفي سياق الحديث عن هذه الأداة، هناك في ضمن الروايات التي أثبتتها الكتب الحديثية والروائية رواية جاء في مبناها هذه اللفظة، تقول هذه الرواية عن صادق العترة (عليه السلام): «لولا الإمام (عليه السلام) لساخت الأرض بأهلها».
وإذا ما أردنا أنْ نطبّق أسلوب الشرط في جملة لولا على مثل هذه الرواية الشريفة لكانت محصّلة المعنى:
لولا وجود صاحب العصر والزمان، الإمام محمد بن الحسن العسكري (عجّل الله فرجه) بين ظهراني أهل الكرة الأرضية - مع غيابه عن معرفتهم وتشخيصهم له - لحدث ما لا يحمد عقباه، بل لهلكوا جميعاً بذهاب هذا الكوكب، وذلك الهلاك كما حدّدته الرواية الشريف يكون بأنّ هذه الأرض تسيخ بأهلها، وذلك بعد أنْ تميد وتفقد عوامل استقرارها وارتكازها، حيث تزول أوتادها ورواسيها ﴿وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَميدَ بِكُمْ﴾، فتموج ويضطرب مستقرّها، فلا شيء يمسكها ويبقيها في خط سيرها الذي وضعتها فيه إشاءة الله، لتتهيأ لها بذلك أسباب الطمس والزوال، فتسيخ بأهلها. وهو هلاك ما بعده هلاك، وعذاب ليس مثله عذاب، إلّا ما يراه المستحقّون من صور جهنم وساءت مصيراً.
أعاذنا الله جميعاً من هذا الشر المستطير، بل من كل أمر خطير.
وبتعبير آخر: أنّ الحياة على الأرض مرتبطة باستقرارها - أي الأرض -.
وهنا نقول: هل حدث هذا أو مثل هذا لحد الآن؟
بالتأكيد أنّه لم يحدث - والحمد لله - ولنْ يحدث، إنْ شاء الله، ما دامت بركات الإمام (عجّل الله فرجه) فينا.
وإذا ما رجعنا إلى تطبيق شروط عمل ومعنى (لولا) على هذه المسألة، لعرفنا أنّ من منع هذا الحدث وهذا البلاء عنّا، هو وجود آخر العترة الطاهرة (عليهم السلام) بيننا - نحن أهل الأرض -.
نعم، إنّه - أي الإمام (عجّل الله فرجه) - وجوده طارد للشر، بل إنّ فيوضاته هي مقدم الخير، كل الخير، وأنّ نوره (عجّل الله فرجه) دفع للبلاء، بل هو النماء ونشر الرخاء، ووجوده منع النقمة أو زوال النعمة، بل أنّ شخصه الكريم هو الرحمة - ولا غرو - فهو سليل من أكّد فيه كتاب الله القول ﴿وَما أَرْسَلْناكَ إِلّا رَحْمَةً لِلْعالَمينَ﴾.
فكأنّ بقاء الإمام (عجّل الله فرجه) فوق سطح هذه المعمورة هو بقاؤها ضمن نظام الكون، وكأنّ بقاءه (عجّل الله فرجه) هو حفظ لهذا النظام، بل هو كذلك بالتأكيد.
أي كما أنّ مشيئة الله تعالى قضت توقّف الحياة على سطح الكرة الأرضية على وجود الماء والشمس والهواء، فإنّ مشيئته (عزَّ وجلَّ) قضت أنْ يتوقّف النظام الكوني وجوداً واستمراراً على وجود الحجّة عليها.
وهذه هي المرتبة السامية للإمام الحجّة (عجّل الله فرجه)، والتي هي فرع المرتبة المحمدية، وإحدى مراتب التجلّي المحمدي باعتباره بعض ما أثبته له (صلّى الله عليه وآله وسلّم) الوحي ﴿وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فيهِمْ﴾.
فبقاء الحجّة بقاء أهل الأرض، وذهابه ذهابهم، ولولا الإمام لساخت الأرض بأهلها.