(٥٥٤) وجه الانتفاع بالإمام الغائب (عجّل الله فرجه)
وجه الانتفاع بالإمام الغائب (عجّل الله فرجه)
الشيخ محمد علي الدكسن
لقد وردت أحاديث متعددة تذكر فوائد وجود الإمام الغائب (عجّل الله فرجه) ووجه الانتفاع به، وفيما يلي نذكر بعضها:
- جاء في (كمال الدين) عن جابر بن عبد الله الأنصاري (رضي الله عنه): أنّه سأل النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) هل ينتفع الشيعة بالقائم (عليه السلام) في غيبته؟
فقال (صلى الله ّعليه وآله وسلم): إي والذي بعثني بالنبوّة، إنّهم لينتفعون به، ويستضيئون بنور ولايته في غيبته، كانتفاع الناس بالشمس وإنْ جلّلها السحاب.
ما أعمق هذا التشبيه! وما أجمل وأكمل هذا التعبير!
عرفنا أنّ النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) والأئمة (عليهم السلام) يشبّهون الإمام المهدي الغائب (عجّل الله فرجه) بالشمس المستورة بالسحاب.
فنَتساءل: لماذا لم يشبّهوه بالقمر المستور بالسحاب؟ مع العلم أنّ القمر له تأثيرات كثيرة في الأرض، كالمدّ والجزر في البحار وما شابه.
والجواب هو: من الواضح أنّ الشمس تمتاز على القمر من عِدّة جهات:
- إنّ نور الشمس نابع من ذاتها، بينما القمر يكتسب نوره من الشمس.
- إنّ في أشعة الشمس فوائد كثيرة ليست في نور القمر.
- إنّ دور الشمس في المجموعة الشمسية - دور قيادي رئيس بخلاف القمر فإنّه واحد من الكواكب التي تسبح في المجموعة.
ونعود فنتساءل - مرة أُخرى: لماذا شبّهوا الإمام القائم الغائب بالشمس؟
إنّ الجواب هنا يتطلّب شيئاً من البحث عن الشمس وتأثيرها في الكرة الأرضية بمقدار ما وصل إليه العلم الحديث - ولكن المجال لا يتسع للتفصيل.
ولكن نقول باختصار حتى نعرف وجه الشبه بين الشمس والإمام المهدي (عجّل الله فرجه) أولاً، ثم نعرف وجه الشبه بين الشمس المستورة بالسحاب والإمام الغائب ثانياً.
فنقول: توجد في هذا الفضاء آلاف بل ملايين المجموعات الشمسية التي تسبح في هذا الجو الواسع الشاسع، ولكل مجموعة من هذه المجموعات الشمسية مركز، وتدور كواكب تلك المجموعة في مداراتها - حول ذلك المركز بسرعة مدبّرة ومقدّرة، وفي نفس الوقت يبتعد كل واحد من الكواكب عن المركز بمسافات معينة، ومجموعتنا الشمسية - التي هي واحدة من ملايين المجموعات لها مركز أيضاً وهي الشمس، وتدور حولها الكواكب، وقد اشتهر في الأوساط العلمية أنّ مجموعتنا الشمسية عبارة عن تسعة كواكب، والنظام العجيب البديع الموجود في هذه المجموعات الشمسية، والذي يحافظ على بقائها: هي الجاذبية التي أودعها الله تعالى الحكيم المدبّر الذي هو على كل شيء قدير - في مركز المجموعة، فالمركز يجذب كل ما يدور حوله من الكواكب، والكواكب تحاول الإفلات والابتعاد عن المركز بكلّ قوة - ويعبر عن ذلك بالقوة الطاردة.
ولهذا فإنّ بقاء هذه المجموعات وانتظامها وسيرها بصورة مدهشة إنّما هو سبب الجاذبية الموجودة في الشمس، ولولا الجاذبية لاختل النظام واضطربت المجموعة، وانتشرت الكواكب، واصطدم بعضها ببعض وتلاشت في هذا الفضاء - الذي لا يعلم حدوده إلاّ الله تعالى، ولهلكت الكائنات وتبدّل الوجود إلى العدم والفناء. فسبحان من أمسك السماوات والأرض أنْ تزولاً.
والله تعالى الذي جعل القوة الجاذبية في الشمس جعل القوة المانعة الطاردة في كواكب المجموعة الشمسية، فكل كوكب يحاول أنْ يبتعد عن الشمس، بقوة خارجة عن التطور، ولكنّ القوة الجاذبة الموجودة في الشمس تمنعه عن الهرب، فلولا القوة الطاردة لاقتربت الكواكب من الشمس واحترقت، ولولا القوة الجاذبة في الشمس لتفرقت الكواكب وتبعثرت وخرجت عن مداراتها، واختل نظامها وانعدمت الحياة إلى الأبد.
فالشمس أمان للمجموعة الشمسية في الفناء والزوال.
إذاً انظر إلى أهمية هذا النجم المشرق الذي نراه كتلة ملتهبة ترسل أشعتها النافعة المفيدة إلى الأرض وتتفاعل بأنواع التفاعل في الإنسان والحيوان والبنات والهواء والماء والتراب والجماد.
ومن الواضح أنّ السحاب لا يغير شيئاً من تأثير الشمس، وإنّما يحجب الشمس عن الرؤية - في المنطقة التي يخيم عليها السحاب - فقط.
ومن الطبيعي أنّ السحاب لا يتكون إلاّ من إشراق الشمس، والأمطار لا تهطل إلاّ من السحاب، فلولا الشمس ما كان سحاب ولا مطر ولا زرع ولا ضرع، وما كان مصير الحياة معلوماً.
فالإمام المهدي (عجّل الله فرجه) الذي شبهه رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) والإمامان السجاد والصادق (عليهما السلام) بالشمس من وراء السحاب - هو الذي بوجوده يتنعّم البشر وتنتظم حياته، وكل ذلك من فضل الله تعالى على الرسول محمد (صلّى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته الطاهرين (عليهم السلام).
وهو الذي تتفجر منه الخيرات والبركات والألطاف الخفية والفيوضات المعنوية إلى الناس.
وهو المهيمن على الكون - بإذن الله تعالى - من وراء ستار الغيبة والاختفاء، فهو يتصرف في الكائنات بصورة مستمرة، ويملك جميع الصلاحيات التي فوضها الله إليه.