(٥٥٩) الوعد الإلهي في القرآن الكريم
الوعد الإلهي في القرآن الكريم
السيد محمد الشوكي
أشارت الكثير من الآيات القرآنية الكريمة إلى المستقبل وطبيعة دور المؤمنين فيه. وجاءت الروايات الكثيرة لتفسر لنا آيات متعددة في ظهور وقيام المهدي المنتظر (عليه السلام) آخر الزمان. وقد ملئت بطون الكتب والتفاسير بتلك النصوص، حتى ألفت مصنفات خاصة.
ونحن سوف نذكر ثلاث آيات فقط تدل دلالة واضحة على الدولة المهدوية المباركة:
1- قوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾.
هذا الوعد الإلهي بإظهار الإسلام على الدين كله وانتصاره على كل الكافرين في الأرض لم يتحقق، لا في زمان رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) ولا في غيره. إذ ظلت كثيرٌ من الأديان قائمة إلى يومنا هذ، ولم يسيطر الإسلام على كل الأرض. فلابد أن يأتي يوم يظهر فيه الإسلام على جميع الأديان، ويسيطر على كل أرجاء المعمورة، وقد نطقت الروايات بذلك عندما حددت ذلك اليوم بيوم ظهور الإمام المهدي (عجّل الله فرجه).
وأمّا ما قد يقال في تفسير الآية الكريمة: من أنّ المراد بظهور الإسلام ظهوره بالحجة والمنطق، وأنّ الآية الكريمة تتحدث عن خصوصية في ذات الإسلام وهي كونه ظاهراً بحجته ومنطقه، فغير تام. لأن ذلك خلاف ظاهر الآية الكريمة، إذ أنها ظاهرة بالغلبة المطلقة، بالإضافة إلى أن القرآن الكريم استخدم كلمة (الظهور) في الغلبة المادية، والاقتدار الظاهري كثيراً. مع أنه لو كان المراد من الظهور الفكري والعقائدي لما كان هناك حاجة للوعد به في الآية الكريمة، لأنه حاصل منذ بداية الدعوة الإسلامية المباركة.
فمنذ قيام الإسلام قام قوي المنطق، ظاهر الحجة. والوعد - كما نعرف - يتضمن أمراً مستقبلياً ليس حاصلاً. فالآية ظاهرة في الغلبة المطلقة وهذا لا يكون إلّا في ظل دولة عالمية عادلة.
وعندما نرجع إلى التفسير الروائي لهذه الآية الكريمة نرى أنها تتحدث عن ذلك بوضوح. ففي الحديث عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: والله ما يجيء تأويلها حتى يخرج القائم المهدي (عليه السلام)، فإذا خرج لم يبق مشرك إلا كره خروجه، ولا يبقى كافر إلا قتل. حتى لو كان كافر في بطن صخرة لقالت: يا مؤمن في بطني كافر، فاكسرني واقتله.
وهكذا روي مثل ذلك في تفسيرها عن الإمام علي (عليه السلام) وأبي جعفر (عليه السلام).
وروي أهل السنة في تفسيرها أنها تدل على تحقق ذلك في زمان السيد المسيح (عليه السلام). ولا تنافي في الأمر فإن نزوله سوف يصادف ظهور الإمام المهدي (عجّل الله فرجه).
2- قوله تعالى: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾. فالآية تتحدث عن وعد إلهي للذين آمنوا وعملوا الصالحات بثلاثة أشياء لا تتحقق إلّا في ظل دولة الصالحين، دولة العدل الإلهي، وهي:
أ- استخلافهم في الأرض.
ب- تمكين دينهم حتى يكون هو السائد والحاكم في الأرض.
جـ- انعدام كل عوامل الخوف والاضطراب.
والظاهر أن الوعد الإلهي لم يتحقق بعد، لأن الظاهر من لفظة (الأرض) هو تمام الأرض، كما ورد ذلك في آيات أخرى، من قبيل قوله تعالى: ﴿وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ﴾ إلّا إذا صرفتها قرينة ما لأرض بخصوصه، وهي مفقودة هنا.
ولم يتحقق فيما سبق خلافة للمؤمنين على كل الأرض، فلابد أن يكون هذا الوعد وعداً مستقبلياً لم يقع. وأما حملها على خلفاء الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم) فتحكّم ليس عليه دليل. (فالحق أن الآية إن أعطيت حق معناها لم تنطبق إلّا على المجتمع الموعود الذي سينعقد بظهور الإمام المهدي (عجّل الله فرجه).
وهذا ما أباح به التفسير المأثور الوارد عن أهل البيت (عليهم السلام).
قال الشيخ الطبرسي (رحمه الله): والمروي عن أهل البيت (عليهم السلام)، أنها في المهدي من آل محمد (صلّى الله عليه وآله وسلم).
وروي العياشي بإسناده عن علي بن الحسين (عليه السلام) أنه قرأ هذه الآية الكريمة: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ...﴾ فقال (عليه السلام): هم والله شيعتنا أهل البيت يفعل الله ذلك بهم على يد رجل منا وهو مهدي هذه الأمّة.. .
ومن طريق العامة أيضاً أخرج العلامة النيسابوري في تفسيره، عند تفسير قوله تعالى في سورة البقرة: ﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾ قال مفسراً للغيب: المهدي المنتظر الذي وعد الله به في القرآن بقوله: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ...﴾.
3- قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ﴾.
وهذا وعد إلهي آخر كتبه الله (عزَّ وجل) وقضاه في كتب السالفين منذ القدم بأن يرث العباد الصالحون الأرض وما عليها. فالأرض ظلت لفترات طويلة محكومة من قبل الظالمين والمستبدين إلا في بعض الفترات التي شهد فيها الناس حكومة الصالحين، وهي فترات قليلة جداً وقصيرة بالنسبة إلى حكم الظالمين. فأغلب أيام الأرض كانت في ظل حكومة الطغاة. وكان المؤمنون والصالحون قلة مستضعفة، يسومهم المستكبرون سوء العذاب، يذبحون أبناءهم ويستحيون نساءهم، ويجرعونهم الأمرّين.
ولكن الأمر سوف لن يستمر طويلاً على هذا النحو، حيث كتب الله (عزَّ وجلَّ) في الزبور من بعد الذكر أنّ الصالحين المستضعفين سوف يحكمون الأرض في نهاية المطاف، وينهون عصوراً متمادية من حكومة الظالمين واستبدادهم. والظاهر من الأرض أنها كل المعمورة، وكذلك الظاهر منها هي أرض الحياة الدني، لا أرض الآخرة.
وقد جاءت الروايات الشريفة لتفسر هذه الآية الكريمة بدولة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه). قال أبو جعفر (عليه السلام): هم آل محمد (صلوات الله عليهم). وعنه أيضاً (عليه السلام): هم أصحاب المهدي آخر الزمان.