(٥٦٠) المنهج في دراسة روايات العلامات (١)
المنهج في دراسة روايات العلامات (1)
الشيخ وسام البغدادي
تشغل النصوص والوثائق التي تتحدث عن الإخبارات المستقبلية حيّزاً واسعاً في كتب المسلمين، بل حتى في كتب غير المسلمين، من قبيل كتب العهد القديم والجديد، وذلك كسفر دانيال، وارميا، واشعيا، ورؤيا يوحنا وغيرها من الوثائق.
ومن بين هذه النصوص والوثائق ما يتعلق بالقضية المهدوية، وما يرتبط بها من العلامات والشرائط والأحداث التي سترافق المشروع المهدوي، والذي نريد أنْ نشير إليه في الحلقة الأولى من هذا المقال هو فهرسة جزئية توضيحية لما هو موجود في مصنّفات المسلمين ممّا يتعلق باخبارات المستقبل التي تهمّنا في بحثنا، وبيان موقعية روايات العلامات من تلك النصوص التي لابد للباحث أنْ يراعيها عند دراسة روايات علامات الظهور، وذلك لتجنب الخلط الذي قد يحصل فيها كما حصل عند البعض، كما سيأتي.
ويمكن لنا تقسيم الإخبارات المستقبلية في ظل النصوص والوثائق إلى عدة أقسام:
الأول: الإخبارات عن أشراط الساعة و علامات القيامة وأحوالها:
يشغل هذا القسم حيزا واسعا في القرآن الكريم، والروايات الشريفة، والوثائق الأُخرى، وذلك من قبيل الحديث عن أشراط الساعة، وأحوال القيامة والقبر والبرزخ وما يتعلق بهذه العوالم من تفاصيل، بشكل واضح وصريح.
ومن خلال التتبع للروايات المتعلقة بهذا الجانب في كتب الفريقين سيجد الباحث أنّ هناك خلطا واضحا بينها وبين روايات العلامات، والأعم الأغلب منها في روايات أهل السنّة، فإنّها عندما تتحدث عن أشراط الساعة تذكر من ضمنها روايات العلامات، وكأنّها أحد أشراط الساعة مع أنّه لا يوجد ربط بين هذه وتلك، لا من قريب ولا من بعيد، بل أنّ الفارق الزمني بينها قد يكون مئات السنين، ومن هذه النصوص مثلاً ما رواه مسلم في (صحيحه) عن حذيفة بن أسيد الغفاري قال: اطّلع النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) علينا ونحن نتذاكر فقال: ما تذاكرون؟ قالوا: نذكر الساعة. قال (صلّى الله عليه وآله وسلم): إنّها لن تقوم حتى ترون قبلها عشر آيات. فذكر الدخان والدجال والدابة وطلوع الشمس من مغربها ونزول عيسى ابن مريم (عليه السلام) ويأجوج ومأجوج وثلاثة خسوف، خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف بجزيرة العرب وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم.
وهذه الرواية مثال واضح للخلط بين روايات الساعة وعلامات الظهور، حيث أنّه لا يوجد فيها من علامات الساعة إلا نار عدن وهي قبل النفخة الثانية أو بعدها، ويأجوج ومأجوج اللذان ذكرا في روايات عامية ظنية لا يمكن الاعتماد عليها وتطبيقها على الآيات المتعلقة بهما.
وأمّا بقية العلامات من قبيل نزول عيسى (عليه السلام) ودابة الأرض وخروج الشمس من المغرب، والخسف في تلك الأماكن، فكلّها لا علاقة لها بعلامات الساعة، بل هي من روايات علامات الظهور كما هو واضح.
ولا يخفى أنّ هذا الخلط لم يكن اعتباطا وإنّما حصل لأسباب عديدة منها سياسية ومذهبية، وذلك لما تحمله روايات العلامات من دلائل خطيرة لا يسع المقام لذكرها.
الثاني: الإخبارات عن الرجعة:
وهناك مجموعة أُخرى من النصوص الواردة عن أهل البيت (عليهم السلام) تتحدث عن عقيدة الرجعة - وهي مما يختص بها الإمامية أعزهم الله - التي تحصل بعد دولة المهدي (عجّل الله فرجه) وهي برنامج طويل ينتهي بقيام القيامة، وتعني (رجوع الأئمة (عليهم السلام) وشيعتهم وأعدائهم ممن محض من الفريقين الإيمان أو الكفر محضاً).
ورد عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله: (ويوم نحشر من كل أمة فوجاً) قال: ليس أحد من المؤمنين قتل إلا يرجع حتى يموت، ولا يرجع إلا من محض الإيمان محضاً أو محض الكفر محضاً) [القمي: ج2، ص131].
ووردت روايات كثيرة وتفاصيل في هذا الشأن .
وفي هذا القسم أيضا قد حصل الخلط عند البعض بين روايات الرجعة وروايات الظهور، وقد يكون بعض هذه الخلط متعمّداً، وذلك لتحقيق بعض المآرب السياسية والإقليمية، ومنها ما استدل به بعض المدعين للمهدوية أو السفارة من قبيل دعوى المدعو (أحمد الحسن البصري) الذي يدّعي أنه ابن الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) ووصيه، حيث استدل برواية الشيخ الطوسي (قدس سره) في الغيبة التي تذكر أنّ بعد الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) يأتي اثنا عشر مهدياً، وادّعى هذا الشخص أنّه أول هؤلاء المهديين وجاء اسمه في هذه الوصية.. الخ.
ومع غض النظر عن النقاش السندي فيها وضعفها، فإنّها من روايات الرجعة وليس الظهور، وهذا يتضح من خلال استقراء الروايات والشواهد التي تؤكد ذلك.
الثالث: الإخبارات عن شخص الإمام (عجّل الله فرجه):
لا يخفى أنّ هناك قسماً كبيراً من النصوص والروايات التي تحدثت عن شخص الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) عند الفريقين، وذلك من قبيل انّه آخر الأئمة (عليهم السلام)، ومن أهل البيت (عليهم السلام) ومن ذرية فاطمة الزهراء والحسين (عليهم السلام)، وغيرها مما يتعلق بولادته وغيبته وبعض صفاته وظهوره المباشر.
الرابع: الإخبارات عن المسيح (عليه السلام):
ووردت نصوص كثيرة في كتب الفريقين تحدثت عن المسيح (عليه السلام) وظهوره بعد ظهور الإمام (عجّل الله فرجه) وقبل فتح بيت المقدس ومسألة صلاته خلف الإمام (عجّل الله فرجه).
كما ورد ذلك في البخاري وغيره من الصحاح والمسانيد أنّه قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم.
وهذا ما يعتقد به الإمامية وهو ظهور الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، ثم نزول عيسى (عليه السلام)، ثم خروج الدجال في عصرهما والقضاء عليه ثم وفاة عيسى (عليه السلام) واستمرار حكم الإمام (عجّل الله فرجه) زمناً طويلاً، واستمرار دولة العدل الإلهي عن طريق الرجعة بعده إلى يوم القيامة.
الخامس: الإخبارات عن علامات الظهور الشريف:
ومن إخبارات المستقبل الواردة في كتب الفريقين هو روايات علامات الظهور الشريف، وهي عبارة عن حوادث ووقائع تحصل ما قبل الظهور الشريف، وهي تمثل طائفة كبيرة من التراث الإسلامي، ويختلف بعضها عن بعض من حيث الخصوصية، فمنها علامات لم تحدد بوقت خاص فقد تكون بعيدة عن عصر الظهور وقد تكون قريبة وذلك من قبيل العلامات العامة كالجوع والخوف والنقص في الأموال وغيرها من قبيل ذلك، ومنها حددت بوقت خاص وقريب من عصر الظهور.
وكذلك نصت بعض الروايات عن الأئمة (عليهم السلام) على أنّ هناك بعض العلامات حتمية لابد من حصولها قبل ظهور الإمام (عجّل الله فرجه) وأغلبها مقاربة لعصر الظهور وذلك من قبيل السفياني واليماني والخراساني والخسف بالبيداء والصيحة ومما يلازمها.
وهناك بعض العلامات مترتبة واحدة تلوى الأخرى، التي عبر عنها المعصوم (عليه السلام) بنظام الخرز يتبع بعضها بعضا وسيأتي بيانه في الحلقة الثانية.
وهناك بعض العلامات متلازمة واحدة بالأخرى من قبيل خروج السفياني واليماني والخراساني في سنة وواحدة شهر واحد ويوم واحد ويتسابقان إلى الكوفة كفرسي رهان، فلا يمكن تحقق واحدة دون اختيها، وهذا مما يدفع بعض الدعاوى لأصحاب الرايات الباطلة او بعض الاسقاطات السابقة لأوانها.
الخلاصة:
تبين مما تقدم فهرسة جزئية عن إخبارات المستقبل في كتب التراث، واتّضح أنّ البحث في علامات الظهور هو عبارة عن جزء من روايات المستقبل فلابد أنْ نضع نصب اعيننا هذه النصوص وكيفية التعامل معها وكشف الخلط والتحريف الحاصل منها، وتمييز ما له علاقة بالعلامات عن غيرها، حتى لا يحصل خلط بين هذه وتلك، كما حصل عند البعض الذين لم يلتفتوا إلى ذلك، أو أنّهم تعمدوا إلى استغلال هذا الخلط الحاصل لتحقيق مآربهم السياسية وغيرها، من قبيل أصحاب الدعاوى الباطلة والكاذبة وسنعقب هذا البحث بالحلقة الثانية من المنهج في دراسات علامات الظهور والله ولي التوفيق.