(٥٧٨) أدلة السفارة
أدلة السفارة
الشيخ محمد آل عبيدان القطيفي
كيف يتمّ تعيين شخص من الأشخاص سفيراً للناحية المقدّسة؟
وكيف يحرز المجتمع الشيعي سفارته؟
من الطبيعي لابدّ وأنْ يكون ما يأتي به السفير المدّعي لمنصب السفارة يشتمل جانبين، يشتمل الجانب الإعجازي منجهه، كما يشتمل ما يوجب التصديق به، بأنْ يكون أمراً معروفاً ومألوفاً لدى الوسط الشعبي، ولهذا كان ما يقدّمه السفراء الأربعة دليلاً على سفارتهم متضمّناً لهذين الأمرين:
فأولاً: لقد اتّحد الخط الذي تخرج به التوقيعات الصادرة عن الناحية المقدسة، مع الخط الذي كانت تخرج به التوقيعات عن الإمام العسكري (عليه السلام)، وقد كان خطاً معروفاً ومشخّصاً عند وكلائه عليه السلام، وطيلة مدّة السفارة الخاصة، والتي قاربت السبعين عاماً لم يختلف الخط أو يتغير حتى مع تغيّر السفراء من السفير الأول، الشيخ العمري الأب (رضي الله عنه) حتى السفير الرابع الشيخ السمري (رضي الله عنه).
ثانياً: عند الرجوع للمصادر التاريخية، وكتب السير، والتراجم، والرجال، نجد أنّها جميعاً تجمع على وثاقة، بل جلالة السفراء الأربعة، وأنّهم بعيدون كل البعد عن الكذب والشبهة، وهذا يعني أنّ شهادة الواحد منهم في كونه سفيراً سبب رئيس لتصديقه، خصوصاً وقد عرفت حاله، من حيث المقبوليّة وعدم احتمال الكذب فيه، فلاحظ.
ولا يخفى أنّ الأول مما ذكر أقوى في الإثبات من الثاني، لكونه ينطوي على جنبة إعجازية يفتقدها الثاني، فلاحظ.
ثالثاً: لقد صدرت على أيديهم (رضوان الله عليهم) أمور خارقة للعادة لا يتصوّر صدورها إلّا ممن كان متّصلاً بالجانب الغيبي، ومسدّداً ممن جعل له التسديد في هكذا موارد، فمن تلك الموارد ما خرج على يد الشيخ السمري (رضي الله عنه) السفير من إخبار بوفاة الشيخ الصدوق الأب (قدس سره)، مع أنّه كان ببغداد، والصدوق كان في قم.
ولم يكن الخبر المذكور محلّ تلقّي ومقبولية عادية من الحاضرين، بل كان هناك نحو امتحان، فقد ذكر الراوي: أنّ المشائخ كتبوا تاريخ ذلك اليوم، فورد عليهم الخبر بعد بوفاة الصدوق الأب في نفس ذلك اليوم، الذي أخبر به الشيخ السمري (رضي الله عنه).
ومثل ذلك ما جاء عن الشيخ ابن روح (رضي الله عنه) السفير الثالث، فقد روى ابن متيل: أنّ امرأة تسمّى زينب من أهل آبة، عندها مال أرادت إيصاله للناحية المقدسة بواسطة السفير الثالث، وقد أحبّت أنْ توصله إليه بيدها، وهي لا تحسن الكلام باللغة العربية، وهو (رضي الله عنه) لا يعرف لغة أهل آبة، فأخذت معها مترجماً ليكون واسطة في الإيضاح بينهما، وعندما قامت بين يديه (رضي الله عنه) أخذ يحدّثها بلغتها، ويسألها عن أحوالها وأحوال أطفالها، واستغنت عن المترجم.
وكذا ما صدر منه (رضي الله عنه) من إخبار للآخرين بما يجول في خواطرهم، وقد شكّ بعضهم في صدق دعواه السفارة الخاصّة عن الإمام المنتظر (عجّل الله فرجه).
ومن ذلك ما صدر عن السفير الثاني الشيخ العمري (رضي الله عنه) الابن من إخباره بسنة وفاته وقيامه بعملية الاستعداد لذلك اليوم بتهيئة بعض اللوازم من لوح خشب من الساج كتب عليه آيات من القرآن الكريم، وأسماء الأئمة المعصومين عليهم السلام، ويتحقّق كلامه من دون تخلّف في شيء مما أخبر به.
وكذلك إخبار السفير الرابع الموالين للناحية المقدسة، بأنّه سوف يموت بعد ستة أيام، ويقع ما أخبر به، فإنّه لم تنقل المصادر التاريخية اختلافاً في وفاته بعد هذا الإخبار، أو وقوعها قبل ذلك، فتدبّر.
والحاصل، لقد كانت تصدر على أيديهم (رضي الله عنهم) جملة من الحوادث والإخبارات الغيبية التي تثبت أنّهم متّصلون بناحية غيبية تزوّدهم بما يحتاجون إليه، ويبرزونه للآخرين للتصديق بذلك.
رابعاً: لقد كان للسفير السابق دور في تعيين السفير اللاحق من خلال النصّ عليه، والإشارة إلى أنّه هو مَن يتولّى المنصب من بعده، فكان المقام أشبه بالوصية، ومن الطبيعي أنّ هذا الإيصاء لم يكن إلّا بأمر من الناحية المقدّسة، ولذا نجد أنّه قد صدر التوقيع الشريف للشيخ السمري (رضي الله عنه) بعدم الإيصاء من بعده لأحد، لأنه قد وقعت الغيبة التامة.