(٥٨٧) كيف تخضع له (عجّل الله فرجه) الدول والحكومات (٢)
كيف تخضع له (عجّل الله فرجه) الدول والحكومات (2)
الشيخ محمد علي الدكسن
كان الحديث في الحلقة السابقة عن دخول اليهود والنصارى وغيرهم ممن يعبد غير الله تعالى تحت راية الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) ويصدّقه. والحديث في هذه الحلقة عن الشيعة.
فإن الشيعة - باعتبار عقيدتهم - يكونوا في طليعة الشعوب التي تلتف حول الإمام (عجّل الله فرجه) وتندمج تحت لوائه.
وهكذا يسود الإسلام والسلام في الأرض كافة, وترى الشعوب والحكومات تدخل في دين الله أفواجاً.
روي عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنه قال: دولتنا آخر الدول ولم يبق أهل البيت - لهم دولة - إلا ملكوا قبلها, لئلا يقولوا إذا رأوا سيرتنا إذا ملكنا سرنا مثل سيرة هؤلاء. وهو قول الله (عزَّ وجل): ﴿وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾.
هذا ويمكن أن يسيطر الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) على الكرة الأرضية وعلى الحكومات والشعوب بطرق أخرى, ويمكن أن يقاوم الأسلحة الفتاكة بأسلحة أشد فتكاً وأكثر دماراً.
وما المانع أن يُعلّم الله (عزَّ وجل) الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) أن يصنع أسلحة مضادة لجميع الأسلحة التي تستعملها حكومات اليوم فتكون أقوى تأثيراً, وأسرع مفعولاً وأشدُّ إبطالاً للمعدات الحربية التي تعتمد عليها الدول الكبرى في ذلك الوقت, هذا من زاوية مادية طبيعية.
أما من زاوية الصعيد الديني والعقائدي وما وراء الطبيعة فهناك آفاق واسعة مفتوحة للاحتمالات والتطورات.
منها: إلقاء الرعب في قلوب الكفار والمشركين والحكام المعادين للإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، وقد صرّح القرآن الكريم بهذه الحقيقة وجعلها من سبل انتصار الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله وسلم), قال (عزَّ وجل): ﴿سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ﴾ [آل عمران 15]، ﴿فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ﴾ [الحشر 2]، قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): نصرت بالرعب مسيرة شهر.
وبعد هذا فلا مانع من أنْ ينتصر الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) بالرعب؛ أي عن طريق إلقاء الرعب في القلوب, قلوب ذوي القدرة وأصحاب الإمكانات من رؤساء الدول, كما صرحت بذلك الأحاديث الكثيرة، فقد روي عن الإمام الصادق (عليه السلام), أنه قال: وإن القائم منا منصور بالرعب, مؤيد بالنصر تطوى له الأرض, وتظهر له الكنوز كلها, ويظهر الله به دينه على الدين كله ولو كره المشركون.
وقال (عليه السلام): في تفسير قوله تعالى: ﴿أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ﴾, هو أمرنا, أمر الله (عزَّ وجل) أنْ لا يستعجل به حتى يؤيده الله بثلاثة أطباق من الملائكة والمؤمنين والرعب.
وقال الإمام الباقر (عليه السلام): لو خرج قائم آل محمد (صلّى الله عليه وآله وسلم) لنصره الله بالملائكة المسومين والمردفين والمنزلين والكروبيين هم سادة الملائكة والمقربين منهم يكون جبرائيل (عليه السلام) أمامه وميكائيل (عليه السلام) عن يمينه وإسرافيل عن يساره, والرعب يسير مسيرة شهر أمامه وخلفه وعن يمينه وعن شماله, والملائكة المقربين حذاه... .
وقال الإمام الصادق (عليه السلام): إذا قام القائم (عليه السلام) نزلت ملائكة بدر, وهم خمسة آلاف.
ومن التصورات والاحتمالات في هذا المجال: أنْ يزوّد الله تعالى الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) بما زوّد به أنبياءه, كتسخير الريح, كما سخر ذلك لسليمان بن داوود (عليهما السلام) وتسخير جوانب كثيرة من الطبيعة, فالريح تصنع كل شيء بأمر الله تعالى, فالعواصف التي تؤثر في الأرض والهواء والبحار لا يمكن التغافل عنها, وهكذا الصواعق التي لا يمكن أن تقاس بمقياس.
وبالنتيجة يمكن للإمام المهدي (عجّل الله فرجه) أن يهيمن بإذن الله على مرافق الطبيعة كافة ويتصرف فيها بإذن الله وإرادته, وبعد هذه التطورات التي ليست بعيدة عن الحقيقة ليست هناك مشكلة حول استيلاء الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) على العالم, وتحدّي القدرات, وإبطال المساعي والجهود التي يبذلها المناوئون.
ما هي فائدة السيف؟
في هذا المجال يأتي السؤال: إذا كان الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) يستعين بتلك الوسائل المذكورة, فما هي فائدة السيف, وما هو المقصود من الأحاديث التي تقول: إنّهُ (عجّل الله فرجه) يقوم بالسيف.
الجواب: لقد فهم بعض العلماء أن المقصود من السيف هنا: القوة, لأن السيف هو رمز القوّة.
وبعبارة أخرى فالمعنى أنّ الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) ليس مؤمناً بالمصانعة والمراءآة مع الأعداء والصبر على أذاهم بعكس ما كان عليه جده الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله وسلم), حيث كان مأموراً بالصبر على ما يلاقيه من الأعداء, وكانت الأوامر بالصبر تأتيه من عند الله, كقوله (عزَّ وجل): ﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ﴾ [الأحقاف 35], وقوله تعالى: ﴿فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ﴾, وغيرها من الآيات الآمره له بالصبر.
إن الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) إذا ظهر لا يؤمر بالصبر ولا يحتاج إليه وإنما عليه أنْ يأتي بالإسلام الصحيح ويطبقه على العالم, وكلّ من خالف الإسلام أو حال دون تطبيقه فمصيره واضح في القانون الإسلامي.
ويمكن أنْ نقول إنّ المقصود من السيف هو المعنى الحقيقي, وهي الأداة الجارحة, فيكون المعنى إنّ الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) يستعمل السيف في قانون العقوبات, فالذي يستحق القتل يقتل بالسيف لا بالرصاص ولا بالشنق, لأن الشنق يعتبر خنقاً لا قتلاً، ولا بالإعدام بالكهرباء، ولا بالسم ولا بالموت تحت التعذيب, ولا أي نوع من أنواع القتل التي تمارسها الحكومات في العالم اليوم وغير اليوم, وإنما بالسيف يضرب عنق المجرم فتقطع أوداجه فقط.
وهكذا كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) يأمر بقتل من يستحق القتل, ويضرب الأعناق.