البحوث والمقالات

(٦٠٢) الوصية على الإمام بالنص وبالعين، ورد أحمد البصري

الوصية على الإمام بالنص وبالعين، ورد أحمد البصري

السيد منير الخباز

ورد في كلمات علمائنا الأعلام من الطرق والأدلّة على معرفة الإمام، ما ذكره شيخ الطائفة الشيخ المفيد (قدس سره) في أوائل (المقالات) صفحة 44، (واتّفقت الإمامية على أنّ الإمامة لا تثبت مع عدم المعجز لصاحبها إلّا بالنصّ على عينه والتوقيف، بمعنى أنّ الإمامة لا يمكن أنْ ندّعيها لشخص ما لم يرد فيه نصٌّ على عينه، وليس اسمه، بمعنى أنْ يُخبَر بأنّ هذا هو الإمام، أي ينص إمام معصوم سابقٍ عليه، كما صنع النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) عندما نصب علي (عليه السلام)، فقال (صلّى الله عليه وآله وسلم): (فمن كنت مولاه فهذا عليٌ...) فقد نصبه على العين وليس على الاسم، أو أنّ الإمام علي (عليه السلام) ينصّ على الشخص بعينه وبصفته أنّه الإمام، لا أنّه ينصّ على اسم، فيقول يأتي رجل اسمه كذا، فهذا ليس نصّاً على العين، بل هذا نصٌّ بالاسم، وهذا لا يكفي. فهذا الشيخ المفيد يقول: اتفقت الإماميّة على أنّ الإمامة لا تثبت مع عدم المعجز بصاحبها إلّا بالنص على عينه والتوقيف).
ونأتي إلى كلام شيخ الطائفة الشيخ الطوسي، فقد ذكر في (تلخيص الشافي) مع كلام السيّد المرتضى ممّا يدل على أنّ الإمامة إذا وجبت عصمته، وكانت العصمة غير مدركةٍ بالحواس، فيستفاد العلم بها من جهتها ولم يكن أيضا عليها دليل يوصل إلى العلم بالحال، من كان عليها فيُتَوَصّل إليها، يعني أنّه يقول: كيف نعرف المعصوم؟ وكيف نثبت أنّ هذا الشخص معصوم وبأي دليل؟ أبالحسّ! فالعصمة لا تدرك بالحواس، فلو كانت العصمة تدرك بالحواس لتوصّلنا إليها بحواسّنا، فإذا كانت العصمة لا تدرك بالحواس، إذن كيف نعرف أنّ هذا الشخص معصوم وأنّه إمامٌ؟، فيتوصّل إليها حينئذ بالنظر في الأدلّة، فلابدّ مع صحّة هذه الجملة، من وجوب النصّ على الإمام بعينه وليس باسمه، ويسمّى برواية الوصيّة بعينه، بمعنى أنّه لو كان هناك إمام بعد الإمام المنتظر (عجّل الله فرجه)، فيجب على الإمام المنتظر (عجّل الله فرجه) أنْ ينصّ عليه بعينه، كما نصّ الإمام العسكري (عليه السلام) على الإمام المنتظر (عجّل الله فرجه) باسمه، فقال عندي ولد اسمه محمد، إن شاء الله يكون إمامكم، حيث أحضر خلّص أصحابه وأشهدهم أنّ هذا هو ولدي محمد، هو الإمام من بعدي، هو الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلا كما مُلئت ظلماً وجوراً.
إذن لكي يكون هناك نصّ على أي شخص يدّعي الإمامة الآن، فسوف نقول له: مَنْ مِنَ الأئمة المعصومين (عليهم السلام) نصّ عليك بعينك؟ وهذا اتفاق الإماميّة على أنّ الإمامة بالنص، أي وجوب النص على الإمام بعينه، أو إظهار المعجز القائم مقامه.
بعد أنْ ذكرنا ما ذكره علماء الإمامية على أنّ الإمامة تثبت بالنصّ على العين، نأتي إلى ما ورد في الروايات الشريفة، أي كيف يعرف الإمام من خلال الروايات الشريفة، أو ما هي الطرق والنصوص التي يمكن الوصول بها إلى الإمام، وفي الضمن أذكر روايات ضمن استدلال أصحاب هذه الفرقة الضّالة المضلّة - فرقة أحمد البصري - فقد استدلوا برواية الوصيّة فقالوا: أوّل طريق يثبت لنا إمامة أحمد البصري، الوصيّة، أي رواية الوصيّة، ومما ذكروه في كتاب (البينات) وهو كتاب صادر عن أحد أصحاب البصري واسمه علاء، وهذه الأسماء التي يذكرونها لا ندري هل هي أسماء مستعارة أو أسماء حقيقية، وهذا مما يدل على أنّها فرقة مشبوهة، فليست هناك معرفة، لا بحقيقة الأسماء، ولا بحقيقة الأشخاص، بل نحن نحتمل أن القضية مختلقة لأنّه كما يقولون غائب لا يرى شخص ولا صورة، وعلى كل حال ففي استدلالاتهم ذكروا أموراً كثيرة استدلوا بها على الوصيّة من القرآن والسنة، ففي القرآن الكريم قال تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَ الْأَقْرَبينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقينَ﴾، فالقرآن ألزم بالوصيّة حيث قال: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمْ﴾، وقد ورد عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: ومن مات ولم يوص مات ميتة جاهلية.
وورد عنه (صلّى الله عليه وآله وسلم) أيضاً أنّه قال: (الوصية حقّ على كل مسلم) فقالوا: إذا كان الدين والقرآن والسنة يلزم بالوصيّة، فلا يحتمل أنّ النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) خالف القرآن، فمضى ولم يوص ولم يجعل وصية ولكن هذا الاستدلال يورد عليه:
أوّلاً: إنّ الوصيّة التي أشارت إليها الآيات والأحاديث، هي الوصيّة بالحقوق وهي ليست لها علاقة بالوصيّة بالإمامة والوصيّة بالأشخاص، فإنّ أيّ إنسان عند الموت، لما كان في ذمّته حقوقاً، وبما أنّ هناك أموراً يريد تحقيقها، فعليه أنْ يوصي الوصيّة التي ندب إليها القرآن الكريم والسنة الشريفة، وهي الوصيّة بالحقوق.
وأمّا الوصيّة بالإمامة أو الوصيّة بالوصاية أو الوصيّة بالخلافة، فهذه النصوص لا ربط لها بها، فهي أجنبية عنها، فالاستدلال بها على الوصية بالإمامة استدلال غير سماعي وغير صحيح، هذا أوّلاً.
أمّا ثانياً: فيقولون: لا يمكن أنْ يخالف النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) (الوصيّة)، نعم نحن نقول: لا يمكن للنبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) إلّا وقد أوصى بأئمة اثني عشر، هذا صحيح، أما أنّه لابدّ قبل أنْ يموت أنْ يوصي بـ (أحمد البصري)، فمن أين هذه الملازمة بين موت النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) وبين أنْ يوصي بالمهديين الاثني عشر وأوّلهم أحمد البصري؟ فهذا مما لا دليل عليه، لا عقلاً ولا نقلاً، فلا العقل يلزم به، ولا النقل ثابت ويدل عليه.
والآن سيتبين ما هو أكثر من ذلك، وهو أنّ هناك من يعرض الروايات فيقول: الروايات ذكرت أن لكلّ نبي وصيّاً، ثم يذكر من الروايات هذه الرواية.
عن (غيبة النعماني: ص52) والتي تقول: أنّ الوصيّة نزلت من السماء على رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) كتاباً مختوماً، ولم ينزل على رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) كتاب مختوم إلّا الوصيّة، إذ قال جبرائيل (عليه السلام): يا محمّد هذه وصيتك في أمتك إلى أهل بيتك ثم قرأها، هكذا كلّ إمام يفتح الخاتم ويقرأ، فقد فتح الحسن (عليه السلام) الخاتم الثاني، وفتح الحسين (عليه السلام) الخاتم الثالث، وهكذا إلى أنْ وصل الأمر إلى المهدي المنتظر (عجّل الله فرجه)، إلى أنْ قال: فقال معاذ بن (كفيل) فقلت له وأنت هو: قال: ما بك في هذا إلّا أنْ تذهب يا معاذ فترويه عنّي، نعم أنا هو حتى عدّد عليه اثنى عشر اسماً، إنهم الأئمة الطاهرون بأسمائهم. ثم سكت ولم يأت بثلاثة عشر ولا أربعة عشر، فقلت: ثم من؟ قال: حسبك، ما في زيادة.
إنّ نفس هذه الرواية التي يستدلون بها على ضرورة الوصيّة هي ردّ عليهم، وتفنيد لكلامهم، لأنّ هذه الرواية موجودة في (غيبة النعماني)، وتنصّ على أنّ الأوصياء اثنا عشر أوّلهم علي وآخرهم محمد بن الحسن (عليهم السلام)، هؤلاء هم الأوصياء ثم بعد ذلك يقول له: ثم من قال: حسبك هؤلاء هم الأئمة ما وراءهم وصي آخر حتى يدّعي أنّه أحمد البصري أو غيره فهذه الرواية ردّ عليهم.
إنهم استدلوا من الروايات بهذه الرواية أيضاً، قيل لأبي عبد الله كما في (الكافي: ج1، ص210)، بأيّ شيء يعرف الإمام قال: بالوصية الظاهرة، وبالفضل وليس ثمة وصية، بل بالوصية الظاهرة، فكيف ولماذا يجب أنْ تكون ظاهرة؟
إنّ الروايات دقيقة في هذا الخصوص، ولا يستطيع أحد أنْ يطعن في أنّ الإمامة بالوصيّة الظاهرة وبالفضل.
ونأتي الآن لنركز على معنى أن تكون الوصيّة ظاهرة، أي الوصية المقطوع بصدورها وليست أنّها صحيحة السند فقط، وليست فقط وصيّة متواترة بل ظاهرة.
فكيف نريد أنْ نثبت إمامة بوصيّة وبرواية هي محل كلام ومحلّ خلاف، وهل أنّها ثابتة أو غير ثابتة، تامّة أو غير تامّة، بل لابدّ وأن تكون الوصيّة وصيّة ظاهرة أيضاً لتصلح في مقام الاحتجاج ثم نأتي إلى بعض الأمور التي ذكرت في كلماتهم، قال صحاب كتاب (البيّنات) هذه العبارة وبعد أنْ ذكر رواية الوصيّة (فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه (أول المقرّبين) له، أو أوّل المقربين له ثلاثة أسماء، اسم كاسمي يعني محمد واسم أبي وهو عبد الله وأحمد والاسم الثالث المهدي وهو أوّل المؤمنين، وهذه الفقرة الأخيرة من الرواية (فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى أول المقربين له) وهذه الرواية بها الشكل ضعيفة السند، يعني أنّ في طريقها رواة مجهولين أصلاً لا توثيق لهم، ولو قبلنا بها جدلاً، وأنّ مدلولها أنّ للإمام ابنا، هذا الابن إذا حضرته الوفاة - أي الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) - سيسلم الراية له، أي إلى ابنه أوّل المقربين، ولكن كيف نعرف أنّه من المقربين أم ليس منهم؟ كيف نعرف ذلك؟
والآن ونحن في هذا الزمان، وقد جاء أحمد البصري وقال: أنا هو ذلك الشخص الذي قالت عنه الرواية فليسلمها إلى ابنه أوّل المقربين، فكيف نعرف أنّه من المقربين به؟ وكيف تثبت لنا الرواية، ولو سلمان جدلاً، إذن فيجب أن نثبت أوّلاً انّك - يا بصري - من المقربين حتى تثبت أنها لك، أيثبت هذا لك بمضمون هذه الرواية؟
وفي حالة - أحمد البصري - إنّما تشمله هذه الرواية على فرض صحتها جدلاً إذا كان من المقربين لدى المهدي (عجّل الله فرجه) فكيف نثبت أنّه من المقربين؟ أنه يثبت قال إذا المهدي نفسه بنصّ صحيح صريح ورد علينا وقيل: أنّ فيه أحمد البصري الذي عاش في سنة كذا، في مكان كذا، هذا من المقربين عندي، عزيز أم حبيب، إلى آخره، وإلّا فلا تشمله هذه الرواية حتى لو سلمنا بها جدلاً.

البحوث والمقالات : ٢٠١٤/٠٧/١٠ : ٤.١ K : ٠
: السيد منير الخباز
التعليقات:
لا توجد تعليقات.