البحوث والمقالات

(٦٠٨) كيف يحكم الإمام (عجّل الله فرجه) إذا ظهر؟ (١)

كيف يحكم الإمام (عجّل الله فرجه) إذا ظهر؟ (1)

الشيخ محمد علي الدَكسن

يعتبر هذا السؤال (كيف يحكم الإمام (عجّل الله فرجه) إذا ظهر) من جملة الأسئلة المهمة في هذا المجال (البحث المهدوي)، وللإجابة عليه نقول:
إن من جملة العوامل التي لها كل التأثير في سعادة الشعب وشقائه، وإصلاحه وإفساده، هي القوانين السائدة الحاكمة في المجتمع، وخاصة في حقل الحكم والقضاء.
فالقوانين ــــ بشتى أقسامها وأنواعها، وفي جميع جوانبها ومجالاتها ــــ تعتبر الأداة التوجيهية والجهاز التربوي الذي يُسيّر المجتمع نحو الفضائل أو الرذائل، وسيوفهم نحو الخير أو الشر.
وبتعبير آخر: إنّ مقدّرات حياة المجتمع رهينة للقوانين السائدة في ذلك المجتمع، فالقانون بإمكانه أنْ يعطي الحريات في أوسع نطاق، ويفسح المجال لكل انحراف، وبإمكانه أنْ يحافظ على الأخلاق والقيم، ويكافح كل ما ينافي الوقار والحشمة.
والقانون يؤدي إلى الثروة والغنى والرخاء والرفاه، أو يكوّن الفقر والغلاء والمجاعة، وهكذا إلى مئات الآلاف من الأمثلة التي يتحكم فيها القانون.
وخلاصة القول: أنّ القانون هو الكل في الكل، وخاصة في مجال الحكم والقضاء.
فالحاكم أو القاضي بإمكانه إغاثة المظلوم وإعانة الضعيف وإنقاذ حقه من الظالم، وبإمكانه إبطال الحق وإحقاق الباطل وسحق الحقوق وإهدار الدماء، والتلاعب بأموال الناس وأعراضهم.
وفي الوقت الحاضر، في عالم اليوم، فلا تتبيّن القوانين التي طبقت على المجتمعات البشرية سواء في البلاد الإسلامية أو غيرها.
والجزء اليسير من هذه القوانين يطابق العقل والعدل، أمّا أكثرها فهي مناقضة لجميع المفاهيم والقيم والأخلاق والفضيلة والعدالة، وحتى للأديان السماوية.
فالقانون يعطي حرية الدعارة والاستهتار وممارسة البغاء والانحراف الجنسي وتعاطي الخمور والربا، والقانون يمنع السفر والإقامة، والتجارة، من الاستيراد والتصدير وبناء المساكن، والزراعة، وتربية الدواجن، ولا يسمح بها إلّا في شروط قاسية وضرائب جائرة.
هذا ولو أردنا أنْ نذكر مساوئ القوانين في البلاد، والمصائب التي تصبّها على البشر، لابتعدنا عن الموضوع المقصود.
ونكتفي هنا بما يشعر به كل إنسان تضايقه القوانين الظالمة، وتسلب منه حرية الانتفاع بالحياة فنقول:
إنّ جميع القوانين غير الإسلامية، بمختلف أقسامها، تلغى في عهد الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) وتطرح في سلة المهملات وترمى في برميل القمامة، ولا تكون لها يومذاك قيمة ولا كرامة.
ويكون المصدر الوحيد للقانون، الذي يحكم على الأرض هو القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، السليمة من التلاعب والتزوير والاختلاق.
وعند ذلك يتخلّص البشر من ويلات القوانين الكافرة الجائرة، ويعيش تحت ظل القوانين الإسلامية العادلة، التي تحافظ على حقوق البشر، وتوفر لهم كل خير ورفاه، وتوقف كل ظالم عند حدّه، وتسد أبواب الانحرافات، بجميع أقسامها وأنواعها.
ويجب أنْ لا تنسى أنّ القوانين الإسلامية الصحيحة، هي التي تضمن سعادة البشر في الدنيا والآخرة.
وأما غيرها من القوانين، فالأوضاع السائدة في العالم، تعرف حقيقتها وهويتها؛ فالمفاسد والمظالم والمآسي والمشاكل وأنواع الحرمان والكبت والضغط، إنّما هي من نتائج وآثار هذه القوانين الوضعية، التي أجرت كل هذه الويلات على المجتمعات البشرية.
ويفهم من هذا الكلام جيداً أنّ كل من ابتلى بالوزارات الحكومية والدوائر الرسمية والمحاكم القضائية، كيف أنّه يرى بكل وضوح كيف تغدر فيها الحقوق وكيف ينتصر الباطل، وكيف تهدر الكرامات، وكيف تموت العدالة، وكيف تحكم الرشوة، وكيف تؤثر الوساطات والتوجيهات الصادرة من الشخصيات الحكومية؟!
ولعب المحامي دوراً مؤسفاً مؤلماً في إبطال الحق وإحقاق الباطل وسحق الحقوق وخاصةً إذا كان المدعي والمدّعى عليه ضعيفاً وعاجزاً عن الدفاع عن نفسه أو عن التشبّث بالوساطات الناجحة لأنصاره وتغلبه على خصمه.
إنّ القوانين الإسلامية الصحيحة، والأحكام الإلهية، لم تُطبّق بكاملها إلّا في عهد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) وعهد الإمام علي (عليه السلام)، ثم صارت نسياً منسياً، أوجدت وبقيت مكتوبة في بطون الكتب فقط.
وتاريخ الأمويين والعباسيين والعثمانيين وأمثالهم من حكام السوء، يبيّن ذلك بوضوح.
الواقع: إن الهدف الإلهي لم يتحقق بعد.. فالله سبحانه خلق للبشر كل ما يحتاج إليه، من الماء والهواء والأرض والمعادن، وجعل التراب صالحاً للزراعة وسخّر الطبيعة للإنسان كي يعيش سعيداً في حياته، بأن تتوفر له لوازم الحياة وضرورياتها، من المأكل والمشرب والملبس والمسكن وغير ذلك.
ولكنّ الحكام على طول التاريخ قبل الإسلام وبعده هم الذين كانوا يستعبدون البشر ويحولون بينه وبين الحياة السعيدة، فكان الملايين يعيشون في شقاء ويموتون في شقاء، هذا من الناحية الدنيوية وحياة المعيشة.
وأمّا من الناحية العقائدية فالله تعالى بعث الأنبياء والمرسلين إلى البشر، لإصلاح عقائدهم، وغرس الإيمان في قلوبهم، وإيقاظ فطرتهم وإثارة دفائن عقولهم، واستخراج مواهبهم، وتفجير طاقاتهم.
وباختصار: فإنّ الله سبحانه وتعالى بعث الأنبياء لإصلاح حياة البشر، من الناحية العقائدية والحيوية والاقتصادية والاجتماعية والعائلية.. وكل النواحي الأخرى.
إنّ أكثر أفراد البشر حاربوا هؤلاء المصلحين، ولم يقبلوا نصائحهم، وأهانوهم واستهزؤوا بهم وقتلوهم، والقرآن الكريم: يحدثنا عن موقف بعض الأمم تجاه أنبيائهم.
أمّا بالنسبة إلى نبينا محمد (صلّى الله عليه وآله وسلم) فالقرآن الكريم أيضاً يحدثنا عن بعض ما قام به المشركون والكفار ضده (صلّى الله عليه وآله وسلم)، والحروب والغزوات التي حدثت بعد الهجرة إلى وفاة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، كلها شواهد على تلك المواقف المخزية لبعض أفراد البشر تجاه رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، وذلك البني العظيم، والمصلح الحكيم، والأب العطوف.
وبعد اللتيا والتي، استقر الإسلام وقويت أركانه، وصار الناس يدخلون في دين الله أفواجاً، فأمرَ الله رسوله أنْ ينصّب الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) خليفةً من عنده وإماماً على أمته، وولياً للأمر على الناس، وامتثل النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) لأمر الله ونفّذ حكمه بعد أنْ رجع من حجة الوداع ووصل إلى أرض (خم)، ولكن أكثر المسلمين خالفوا أمر رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) ولم يثبت على طاعته إلّا القليل.
فجاء إلى الحكم أفراد أتبعوا أهواءهم أكثر من اتباعهم قانون الإسلام النزيه، فجرى ما جرى على الأجيال البشرية، في خلال هذه القرون من أنواع المصائب والآلام والفجائع، وما تجلّى جمال القانون الإسلامي الكامل للبشر، خلال هذه القرون فكان الناس يظنون أنّ الإسلام هو ما يشهدونه في الحكام والقوانين الصادرة منهم.

البحوث والمقالات : ٢٠١٤/٠٧/١٠ : ٤.٣ K : ٠
: الشيخ محمد علي الدكسن
التعليقات:
لا توجد تعليقات.