البحوث والمقالات

(٦١٣) تواتر أحاديث المهدي (عجّل الله فرجه) عند الجمهور

تواتر أحاديث المهدي (عجّل الله فرجه) عند الجمهور

السيد محمد الشوكي

أحاديث الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) صّرح بتواترها جمع كثير من علماء السنَّة فضلاً عن الشيعة، منهم على سبيل المثال ابن أبي الحديد المعتزلي حيث قال: (وقد وقع اتفاق الفرق بين المسلين على أنَّ الدنيا والتكليف لا ينقضي إلّا عليه)، ومنهم الصبان في (إسعاف الراغبين) حيث قال: وقد تواترت الأخبار عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) بخروجه (عجّل الله فرجه)، وأنَّه من أهل بيته، وأنَّه يملأ الأرض عدلاً.
ومنهم السيد أحمد بن السيد زيني دحلان مفتي الشافعية في (الفتوحات الإسلامية) قال: والأحاديث التي جاء فيها ذكر ظهور المهدي (عجّل الله فرجه) كثيرة متواترة، فيها ما هو صحيح، وفيها ما هو حسن، وفيها ما هو ضعيف وهو الأكثر، ولكنها لكثرة مخرجيها، يقوّي بعضها بعضاً حتى صارت تفيد القطع، لكنَّ المقطوع به أنَّه لابدَّ من ظهوره، وأنَّه من ولد فاطمة، وأنَّه يملأ الأرض عدلاً.
ومنهم الشوكاني في (عون المعبود) قال: (إنَّ الأحاديث الواردة في المهدي (عليه السلام) متواترة، والأحاديث الواردة في الدجال متواترة، والأحاديث الواردة في نزول عيسى (عليه السلام) متواترة).
ومنهم القرطبي في (تفسيره) قال: (الأخبار الصحاح قد تواترت على أنَّ المهدي من عترة الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم)).
وقال ابن حجر في (الصواعق): (قال ابو الحسين الآبري: قد تواترت الأخبار واستفاضت بكثرة رواتها عن المصطفى (صلّى الله عليه وآله وسلم) بخروجه (عليه السلام) وأنَّه من أهل بيته، وأنَّه يملك سبع سنين، وأنَّه يملأ الأرض عدلاً، وأنَّه يخرج مع عيسى (عليه السلام) فيساعد على قتل الدجال بباب لد بأرض فلسطين، وأنَّه يؤمّ هذه الأمَّة، ويصلي عيسى (عليه السلام) خلفه)، وغير ذلك من كلمات علماء السنَّة التي صرحوا فيها بتواتر أخبار المهدي (عليه السلام)، والتي تركها خوفاً من الإطالة، وأخرجها أكابر أئمتهم، وصنَّفوا فيها مصنَّفات خاصة، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:
1- (البرهان في علامات مهدي آخر الزمان)، للعالم الشهير ملّا علي المتقي، المتوفى سنة 975.
2- (البيان في أخبار صاحب الزمان) للعلامة الكَنجي الشافعي، المتوفى سنة 658.
3- (عقد الدرر في أخبار المهدي المنتظر) لجمال الدين يوسف الدمشقي، من أعلام القرن السابع.
4- (مناقب المهدي (عليه السلام) لأبي نعيم الأصبهاني، المتوفى سنة 430.
5- (القول المختصر في علامات المهدي المنتظر (عليه السلام)) لابن حجر، المتوفى سنة 974.
6- (العرف الوردي في أخبار المهدي (عليه السلام)) للسيوطي، المتوفى 911.
7- (مهدي آل الرسول) لعلي بن سلطان محمد الهروي الحنفي.
8- (فوائد الفكر في ظهور المهدي المنتظر) للشيخ مرعي.
9- (المشرب الوردي في مذهب المهدي) لعلي القاري.
10- (فرائد فوائد الفكر في الإمام المهدي المنتظر) للمقدسي.
11- (منظومة القطر الشهدي في أوصاف المهدي)، لشهاب الدين أحمد الخليجي الحلواني الشافعي.
12- (العطر الوردي بشرح القطر الشهدي) للبلسي.
وغير ذلك من الكتب التي ألفها أبناء العامة في الإمام المهدي المنتظر (عجّل الله فرجه)، فلا يصغى بعد ذلك لمن حاول رد أحاديث الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، أو الطعن بصحتها كـابن خلدون ومن حذا حذوه من المتأخرين، بعد أنْ صححها علماء المسلمين، ونقَّاد الحديث الذين يعتمد عليهم في هذا الباب، وبعد أنْ تواترت بها الأحاديث الشريفة.
نعم حاول البعض من منكري المهدوية الطعن بذلك من خلال التركيز على أنَّ الشيخين مسلم والبخاري لم يخرجا أحاديث الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) ولكن ذلك ليس صحيحاً كبرى وصغرى.
فأولاً: ليس كل ما لم يذكره البخاري ومسلم هو مختلق وضعيف، فما أكثر الأحاديث التي لم يذكراها، وذكرها الآخرون وصحَّحوها، وهما لم يدَّعيا أنهما أحاطا بجميع الأحاديث الصحيحة وجمعاها في صحيحيهما، بل صرَّحا بخلاف ذلك. ومن هنا كتبت المستدركات على الصحيحين.
وثانياً: قد أخرج الشيخان (مسلم والبخاري) في صحيحيهما بعض الأحاديث المرتبطة بالمهدي. فقد أخرج مسلم في صحيحه عن جابر وأبي سعيد: (يكون في آخر الزمان خليفة يحثو المال حثواً ولا يعدّه عدّاً).
وأخرج البخاري عن أبي هريرة: (كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم، وإمامكم منكم).
وصحيح أنّ هاتين الروايتين وغيرهما لم تصرحا باسم المهدي، ولكن الأحاديث الأخرى فسرت هذه الروايات، وحددت مصداقها بالمهدي، والسنّة كما هو القرآن الكريم يفسر بعضها بعضاً.
إذاً ليست عقيدة الإمام المهدي من مختصَّات الشيعة، أو من مبتدعاتهم - كما يرى البعض - بحال من الأحوال، وإنما هي قضية إسلامية أصيلة، آمن بها جميع المسلمين بمختلف انتماءاتهم المذهبية. وقد صرَّح بذلك حتى أولئك الذين لديهم موقف سلبي تجاه الشيعة، يقول ابن تيمية: (إنَّ الأحاديث التي يُحتجُّ بها على خروج المهدي أحاديث صحيحة، رواها أبو داوود والترمذي وأحمد وغيرهم، وهذه الأحاديث غلط فيها قومٌ أنكروها).
ويقول الشيخ عبد العزيز بن باز (وهو من مشايخ الوهابية):
(أمر المهدي معلوم، والأحاديث فيه مستفيضة، بل متواترة، وقد حكى غير واحد من أهل العلم تواترها، وهي متواترة، تواتراً معنوياً، ولكثرة طرقها، واختلاف مخارجها، وصحابتها، ورواتها، وألفاظها. فهي – بحق - تدل على أنَّ هذا الشخص الموعود به أمره ثابت، وخروجه حق... وقد رأينا أهل العلم أثبتوا أشياء كثيرة بأقل من ذلك.
والحق أنَّ جمهور أهل العلم، بل هو الاتفاق على ثبوت أمر الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، وأنَّه حق، وأنه سيخرج في آخر الزمان.
وأما من شذَّ من أهل العلم - في هذا الباب - فلا يلتفت الى كلامه في ذلك).
ويقول ناصر الدين الألباني: (وخلاصة القول: أن عقيدة خروج المهدي عليه السلام عقيدة ثابتة متواترة عنه (صلّى الله عليه وآله وسلم)، يجب الإيمان بها، لأنها من امور الغيب، والإيمان بها من صفات المتقين، كما قال تعالى: ﴿الم ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ﴾، وإنَّ إنكاره لا يصدر إلّا من جاهل أو مكابر.
وإليك بعض ما رواه القوم عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): فقد روى الإمام أحمد، والترمذي، وأبو داوود، وغيرهم، عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: (لو لم يبق من الدهر إلّا يوم لبعث الله رجلاً من أهل بيتي يملؤها عدلاً كما ملئت جوراً)، وفي مستدرك الصحيحين، عن أبي سعيد الخدري، عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) قال: (ينزل بأمَّتي في آخر الزمان بلاء شديد من سلطانهم، لم يسمع بلاء أشد منه حتى تضيق بهم الأرض الرحبة، يملأ الأرض جوراً وظلماً حتى لا يجد المؤمن ملجأ يلتجأ إليه من الظلم، فيبعث الله رجلاً من عترتي، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجورا، يرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض، لا تدخر الأرض من بذرها شيئاً إلّا أخرجته، ولا السماء من قطرها شيئاً إلّا صبَّه الله عليهم مدراراً، يعيش فيهم سبع سنين، أو ثمان، أو تسع، تتمنى الأحياء الأموات مما صنع الله بأهل الأرض من خيره).
وعنه أيضاً (صلّى الله عليه وآله وسلم): (أبشروا بالمهدي، رجل من قريش من عترتي، يخرج في اختلاف من الناس وزلزال، فيملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً، ويرضى عنه ساكن الأرض والسماء، ويقسم المال صحاحاً بالسوية).

البحوث والمقالات : ٢٠١٤/٠٨/٠٩ : ٤.٧ K : ٠
: السيد محمد الشوكي
التعليقات:
لا توجد تعليقات.