(٦٨٤) إثبات ولادة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)
إثبات ولادة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)
الشيخ كاظم القره غولي
مثّلت الإمامة محطة الابتلاء، وباب الاصطفاء، من دخله نجا، ومن أعرض عنه غوى. وشكّلت غربالاً لإيمان المؤمنين. فكثر الكلام وزلّت الأقدام في هذه الحيثية التي عندما رآها إبراهيم (عليه السلام) على علو شأنه وقرب منزلته بَهَرَته فسألها لذريته: ﴿قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾ (البقرة: 124).
وصار الناس بين منكرٍ لها وبين مطبِّقٍ لها على غير أهلها.
وبين قِلَّةٍ شَمَلَتْها رحمة من ربها فآمنت بالهداة والذادة الكماة. عملوا بوصية نبيهم وأذعنوا بإمامة سادتهم.
﴿وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ﴾ (سبأ: 13).
﴿وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ﴾ (المؤمنون: 70).
إن عظم منزلة الإمامة جعلها نقطة افتراق داخل الجسد الإسلامي، فمن لم تدركه لفتة الرحمة من ربِّه أبعده حسده أو قعد به جهله أو أسره هواه.
وكانت حيثيات الإمامة مثاراً للبحث والتدقيق، فبعضٌ حظه الرفض، وآخر كفله التصديق.
ولطالما كان من سمة الفكر والمعتقد الجذب والدفع، وبمرور الليالي والأيام تجلّى في الإمامة ذلك في الأنام.
فكم من ناصب أدار التوفيق دفّة مركبه لبحر الولاء، وكم من موال عصف به كيد الشيطان في مستنقع العداء. والإيمان منه ثابت ومنه مستودع. ومن عثر فيه على مرتع لا يضمن دوام المهجع، فغربال الابتلاء ما فتئ يعمل ووابل الامتحان ما انفك يهطل. يتجلّى في أرضٍ حياةً ورحمةً، وينزل في أخرى بلاءً ونقمةً. شأنُ هذه الحياة لا يتبدل وقانونٌ لها لا يتعطل. والنار تحرق الخشب وتُنقّي الذهب.
ومن لم يُسلم عنانه للشيطان في أصل الإسلام كَمَنَ له اللعين في معرفة الإمام. وقبول القضايا في تناسب عكسي مع مقدار غرابتها. ومن أغرب القضايا أن يعيش إنسان لقرون متمادية، وأغرب من ذلك أن لا يعرفه أحد على مر العصور وتوالي الدهور، ومن هنا خُصت مسألة الإمام الثاني عشر (عجّل الله فرجه) بالكثير من الاهتمام، وصار الحديث فيها مورداً للنقض والإبرام. فأنكر قومٌ ولادته وبنى آخرون على وفاته، وأعلمنا آباؤه الكرام (عليهم السلام) أنه سيقال فيه «هلك في أي وادٍ سلك»(1).
وقد شكّك البعض في تواتر الأخبار -على بعض المباني- في ولادته (عليه السلام). ونظراً لأهمية المسألة ومحوريتها في معتقدنا رأيت أن أتعرض إلى الأدلة التي يمكن أن تكون دالة على ولادته، ولم أقتصر في الاستعراض على ما يدل على ذلك مطابقة، وإنّما طفت في طوائف الأخبار التي تدلّ عليه التزاماً. ولم أُرْخِ العنان لقلم البحث لاستيعاب كلّ ما يمكن أن ينفع في ذلك من آحاد الأخبار، بل تعرّضت لطوائف وانتقيت بعضاً من كلٍ منها، مع إشارة إلى وجه الدلالة. ولو لم يكن في هذه الطوائف إلّا خصوص ما سقته من الروايات لكان فيها ما يزيد على الكفاية.
دعوى خفاء ذكره (عجّل الله فرجه) في كلمات الأوائل:
لقد أثيرت مسألة ترك التعرض لإمامة الإمام الثاني عشر (عجّل الله فرجه) بعد وفاة والده (عليه السلام) لمدة من الزمن في كتب علمائنا المتقدمين ولم يتحدثوا عن ولادته (عليه السلام) فكان ذلك مثاراً للتشكيك في وجوده، بل وربما التشكيك في دواعي الحديث عنه بعد ذلك. وكان المناسب البحث عن سبب عدم الحديث في أوائل الغيبة لا البحث عن الحديث اللاحق. ولا نرى تأييداً ولا شهادة فضلاً عن دلالة في عدم الحديث في أوائل الغيبة على عدم وجوده (عجّل الله فرجه).
وهل يُخِلُّ في حقيقة أن لا تعرفها عامة الناس في زمان؟ حين تطبق الدنيا على عبادة الأصنام وتنكر وجود الباري تبارك وتعالى، فهل أوجب ذلك خللاً في حقيقة الوجود المقدس؟
وحين تتفق الناس على أنّ عيسى (عليه السلام) ابنٌ لله تعالى، فهل خدش ذلك في واقع كونه عبداً لله اصطفاه لحمل أعباء النبوة؟
وحين اتفقت الناس على محاربة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لمدة من الزمن، أكان ذلك موجباً للتشكيك بنبوّته (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد أن قام الدليل القطعي عليها؟
لقد جهلت أجيال حقيقة إمامة أمير المؤمنين (عليه السلام)، بل لم يعرفوا أصلها ولم نر في ذلك مؤشراً موجباً للتردد في قبولها. وهكذا باقي الأئمة (عليهم السلام). بل والأنبياء (عليهم السلام).
فنوح (عليه السلام) من أولي العزم من الرسل جهل الناس قدره وأنكروا منه أمره لألف سنة إلّا خمسين عاماً، فما ضرّ جهل العالمين بحقانية دعوة الأولياء والصالحين.
إن القرآن الكريم (كما ورد في الروايات) لا تفنى عجائبه ولا تنقضي غرائبه، ومازال مغدقاً بالعطاء على من ورد باب التأمل في آياته. والعطاء الجديد مما جادت به السور والآيات لم يكن معلوماً للسابقين، ولم تمنعنا حداثة المعنى المستفاد من قبوله، ولا أوقفنا عدم تمكن الآخرين من استفادته.
بل في بعض الروايات ما يصرّح بأنّ بعض آياته وسوره لم تنزل ليفهمها أهل زمان النزول ومن كان يحيى في زمن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم).
ففي الخبر الصحيح الذي رواه الكليني عن مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ عَنِ النَّضْرِ بْنِ سُوَيْدٍ عَنْ عَاصِمِ بْنِ حُمَيْدٍ قَالَ: قَالَ: سُئِلَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ (عليه السلام) عَنِ التَّوْحِيدِ فَقَالَ: «إِنَّ اللهَ (عزّ وجل) عَلِمَ أَنَّهُ يَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ أَقْوَامٌ مُتَعَمِّقُونَ فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى ﴿قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ﴾ وَالْآيَاتِ مِنْ سُورَةِ الْحَدِيدِ إِلَى قَوْلِهِ ﴿وَهُوَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ﴾ فَمَنْ رَامَ وَرَاءَ ذَلِكَ فَقَدْ هَلَكَ»(2).
لقد خفيت إمامة بعض الأئمة (عليهم السلام) لمدة من الزمن، ولم يضر ذلك في حقانية إمامتهم، كالإمام الرضا (عليه السلام).
وكلّ هذه المفردات المتفرقة لم تُعدَم المعتقِد بها في زمانها، وولادة الإمام (عجّل الله فرجه) كسواها من هذه القضايا في زمانها حيث لم تُعدَم المتحدث بها والناقل لها فضلاً عن المعتقدين من خواص الإمام العسكري (عليه السلام).
ونحن إذ ننفي التأييد لعدم تعرض الأوائل لذكره (عجّل الله فرجه) على عدم ولادته فضلاً عن الشهادة أو الدلالة. نجزم بالخلاف لوجود الأدلة التي هي أكثر بكثير من الحد الأدنى للتواتر الموجب للجزم والقطع بولادته (عجّل الله فرجه) وتشرّف الأرض بوجوده المبارك، وما قيمة الاستبعاد أمام الدلالة القطعية لو كان في البين مجال للاستبعاد؟ إذ بعد تصوّر الحكمة الداعية إلى الإخفاء وقبولها ينتفي أي استبعاد، بل يتضح أن المناسب هو التكتم من قبل الأئمة (عليهم السلام) وأصحابهم القريبين في زمن الغيبة.
على أننا نشكك في أن الأوائل من علمائنا لم يتعرضوا لذلك، فما أكثر الروايات في الكافي عنه (عجّل الله فرجه) والتي تناولت جوانب متعددة من القضية المهدوية، وقد كُتِبَ الكافي في زمن الغيبة. وأمّا الصدوق فولادته بعد انتهاء الغيبة الصغرى، وما أكثر ما جمعه الصدوق في ذلك، وكتابه كمال الدين، وعيون أخبار الرضا (عليه السلام) والخصال وغيرها مصدر أساسي للباحث في القضية المهدوية.
خفاء ولادته (عجّل الله فرجه) سبب عدم معرفة عامة الناس به:
حين تعلّقت إرادة الله تعالى بأن يكون للناس إمام هو الثاني عشر (عليه السلام) بترتيب الأئمة (عليهم السلام)، وأن يكون هذا الإمام حاملاً للواء النصر وناشراً لراية الهدى، واقتضت الحكمة أن يخرج شيء من البيان ومقدار من التنويه باسمه، ووصل ذلك إلى السلاطين وحكّام الجور وأذنابهم، أجمع القوم أمرهم على أن يقفوا في وجه ذلك المشروع فينقضّوا على الإمام (عجّل الله فرجه) ويطووا صفحته، كما طويت صفحات آبائه (عليهم السلام) على أيدي أسلافهم، والملك عقيم، لو نازع الولد أباه فيه لأخذ منه الذي فيه عيناه.
صحيح أن الله تعالى غالب على أمره، وأنه تعالى إذا أراد شيئاً فإنما يقول له كن فيكون، لكن طريقة الحق تعالى في تحقيق ما يريد من الناس هو سلوك السبل المألوفة وعدم الخروج عنها إلى الإعجاز إلّا في الحالات الاستثنائية.
فتوسطت الأسباب المألوفة للناس بين إرادته تعالى ومراده، فكان ما كان مع الأنبياء والأولياء والصالحين في دعوتهم إلى صراط الله المستقيم. نُشر البعض بالمناشير، وقُرّض آخرون بالمقاريض، ورُمي آخرون بالمنجنيق، وخرج آخر خائفاً يترقب ليموت في سنوات التيه، وغير ذلك ليفعل الله أمراً كان مقدوراً.
وكان من جملة التدابير الإلهية ليبلغ الكتاب أجله وينجو الإمام من كيد الظالمين أن خفي أمر حَمْله وولادته ذلك في التكوين وأن حرم ذكر اسمه في التشريع(3).
ولئلا ينقطع خبره عن الناس أظهره والده العسكري (عليه السلام) لبعض الخواص في مرّات متعددة لتتمّ الحجة عن طريق ذلك على الناس ولله الحجة البالغة على خلقه.
وقد مهَّد الأئمة السابقون (عليهم السلام) لذلك من خلال التعرض له وأنه ستخفى ولادته (عليه السلام). وهذه جملة من الروايات عن الباقر والصادق والكاظم والرضا (عليهم السلام) في خفاء ولادته.
روى الصدوق عن ابن الوليد عن الصفار عن أحمد بن الحسين عن عثمان بن عيسى عن خالد بن نجيح عن زرارة بن أعين قال: سمعت الصادق جعفر بن محمد (عليهما السلام) يقول: إن للغلام غيبة قبل أن يقوم. قلت: ولم ذاك؟ قال: يخاف، وأشار بيده إلى بطنه وعنقه، ثم قال: وهو المنتظر الذي يشك الناس في ولادته، فمنهم من يقول: إذا مات أبوه، مات ولا عقب له، ومنهم من يقول: قد ولد قبل وفاة أبيه بسنتين... الخبر(4).
والرواية تامة سنداً، فعثمان بن عيسى وإن كان لفترة من وجوه الواقفة، لكن لم يشكّك في وثاقته، بل عدّه البعض من أصحاب الإجماع، وخالد بن نجيح وإن لم يُنَصّ على وثاقته لكن نَقْلَ ابن أبي عمير عنه كاف في توثيقه على المشهور من قاعدة مشايخ الثلاثة. وباقي الرواة لا مشكلة فيهم.
وفي رواية الحسين بن خالد عن علي بن موسى الرضا (عليه السلام):
... فقيل له: يا بن رسول الله ومن القائم منكم أهل البيت؟ قال: الرابع من ولدي ابن سيدة الإماء يطهّر الله به الأرض من كل جور ويقدسها من كل ظلم، وهو الذي يشك الناس في ولادته وهو صاحب الغيبة قبل خروجه ... الخبر(5).
وفي سندها علي بن معبد الذي له كتاب على ما ذكر النجاشي إلّا أنه لم يوثق. والحسين بن خالد الراوي المباشر عن الرضا (عليه السلام) ممدوح فلا يضر عدم النص على وثاقته.
وفي الخبر الصحيح الذي رواه الكليني عن العدّة عن سعد بن عبد الله عن أيوب بن نوح، قال: قلت لأبي الحسن الرضا (عليه السلام): إنا نرجو أن تكون صاحب هذا الأمر وأن يسوقه الله إليك عفواً بغير سيف، فقد بويع لك وضربت الدراهم باسمك. فقال (عليه السلام): «ما منا أحد اختلف الكتب إليه وأشير إليه بالأصابع وسُئل عن المسائل وحملت إليه الأموال إلّا اغتيل أو مات على فراشه، حتى يبعث الله لهذا الأمر غلاماً منا خفيّ المولد والمنشأ غير خفي في نفسه»(6).
كمال الدين، الهمداني عن علي عن أبيه عن محمد بن زياد الأزدي عن موسى بن جعفر (عليه السلام) أنه قال عند ذكر القائم (عليه السلام): «يخفى على الناس ولادته ولا يحلّ لهم تسميته حتى يظهره الله (عزّ وجل) فيملأ به الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً»(7).
كمال الدين، الشيباني عن الأسدي عن سهل عن عبد العظيم الحسني عن محمد بن علي (عليه السلام) قال: «القائم هو الذي يخفى على الناس ولادته ويغيب عنهم شخصه ويحرم عليهم تسميته، وهو سمي رسول الله وكنيّه...» الخبر(8).
وفي كمال الدين، عن أحمد بن هارون وابن شاذويه وابن مسرور وجعفر بن الحسين جميعاً عن محمد الحميري عن أبيه عن أيوب بن نوح عن العباس بن عامر. وحدثنا جعفر بن علي بن الحسن بن علي بن عبد الله بن المغيرة عن جده الحسن عن العباس بن عامر عن موسى بن هلال الضبى عن عبد الله بن عطاء، قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): إن شيعتك بالعراق كثير ووالله ما في أهل البيت مثلك كيف لا تخرج؟ فقال (عليه السلام): «يا عبد الله بن عطاء قد أمكنت الحِشوةَ من أذنيك، والله ما أنا بصاحبكم» قلت: فمن صاحبنا؟ قال (عليه السلام): «أنظروا من تخفى على الناس ولادته فهو صاحبكم»(9).
وبعد ملاحظة خفاء الولادة وتحريم الاسم يكون من الطبيعي أن لا ينتشر ذكره (عليه السلام). وإنّ أجلّة الأصحاب لا يتحدثون بما رأوا ولا ينقلون ما سمعوا. ولا يعني ذلك أبداً أنه (عجّل الله فرجه) غير موجود، وأن القول بولادته فرية افتراها المتقدمون طمعاً في فتات دنيا، أعوذ بالله تعالى من غضبه.
إنّ مقتضى ما ذكرنا من مقتضيات الإخفاء أن لا تعلم العوام، وأن لا يتحدث الخواص حتى إذا مرّت الأيام والسنين واطمأنت نفوس الظالمين بعد رحيل العسكري (عليه السلام) بعقود يخفّ الطلب فيصبح بالإمكان أن يسرّب أمر ولادته، فدوّن في الكافي الذي كتب في زمن الغيبة الصغرى، وفيما سطرته يدا الصدوق بعد ذلك بمدة ليست بالطويلة جداً.
قواعد لابد من ملاحظتها:
هناك جملة من القواعد التي لابد أن لا يغفل عنها الباحث فيما إذا أراد تحصيل العلم من خلال تجميع القرائن. وهذه القواعد قد لا تجري في البحوث الاستنباطية في المسائل الفرعية، ومن هنا قد يغفل الباحث عنها في مثل مسألتنا. ولذا رأيت من المناسب أن أنوّه لها وأنبّه عليها.
الأولى: تعدد طريق الرواية يزيد من القيمة الاحتمالية لثبوت مضمونها
إنّ وحدة الرواية مع اختلاف الطريق لا يسقط فائدة اختلاف الطريق إلّا إذا كان الخبر متوفراً على شرائط الحجية. فلو أن زرارة مثلاً في الخبر الصحيح أخبر أن الإمام (عليه السلام) قد نصّ على حكم في واقعة خاصة، ومحمد بن مسلم نقل نفس تلك الواقعة في خبر صحيح آخر، فإن هذا النقل الثاني لا يترك أثراً زائداً على ما ثبت للخبر الأول من الحجية، إذ لا يختلف الحال كثيراً عند الاستناد إلى خبر الثقة بين وجود خبر واحد أو خبرين يحكيان الواقعة، هذا من ناحية الحجيّة، نعم يختلف الحال في جهة شدّة الانكشاف إذ بالحساب الوجداني يكون احتمال إصابة الواقع بالخبرين أكبر من احتمال الإصابة بالخبر الواحد، لكن ارتقاء الاحتمال وقوته لا أثر له في الاستنباط، لأنه ما لم يصل إلى القطع فهو حجّة بحجية خبر الثقة، سواء كان احتمال إصابته للواقع بمستوى (90%) أو بنسبة (70%).
وأمّا إذا لم يكن الخبر متوفراً على شرائط الحجية فأثره هو الكشف الاحتمالي ولا قيمة له إلّا إذا وصل بضميمة القرائن الأخرى إلى القطع. وكلما ازداد الاحتمال قوّة قرب أكثر من القطع بحجيته، واحتمال (10%) أقل فائدة من احتمال (15%) في ذلك، بل ولو كان متوفراً على شرائط الحجية وتوفر طريقان لنقله، فإن القيمة الاحتمالية لمطابقته للواقع أكبر من القيمة الاحتمالية فيما لو لم يتوفر إلّا على طريق واحد. والسرّ أن تراكم الاحتمال يعني زيادة الانكشاف. والانكشاف أصلاً ومقداراً خاضع لأسبابه التكوينية ولا ربط للشارع المقدس به، نعم قد يهيّئ الشارعُ الكاشفَ كإخبار شرعي لكنه لا علاقة له أبداً فيما بعد ذلك من الانكشاف. والتشريع مساحته عالم الاعتبار حيث تقبل الأشياء أن توجد فيه بجعل جاعل دون أن يكون لها ما بإزاء في الخارج. ولا ربط له بعالم التكوين حيث تكون الآثار خاضعة لما هو سبب تكويني لها.
ولا يختلف الحال بين أن يكون اختلاف الطريق إلى آخرِ فردٍ فيه أو إلى من هو قبله، فلو كان لنا طريقان إلى زرارة الراوي عن الإمام (عليه السلام) أو الناقل للواقعة. فاحتمال صدق الواقعة وثبوتها من خلال نقل طريق واحد أقل من احتمال ثبوتها لو توفر طريق آخر للنقل إلى زرارة. وهكذا يترتب هذا الأثر لو كان في وسط السلسلة ثلاثة مثلاً يروونها عن واحد، والشيخ الصدوق مثلاً يرويها عنهم عن ذلك المنقول عنه.
ولنوضح ذلك بمثال؛ لو أن رواية رويت عن زرارة بطريقين ورواها زرارة عن الإمام (عليه السلام)، وكان في كل من الطريقين إلى زرارة رجلين، ولنفرض أن نسبة الصدق وعدم الخطأ في كل من الرجلين (70%) وكذلك في الرجلين الآخرين وكانت نسبة عدم الخطأ في نقل زرارة (95%)، فإن احتمال صدور الرواية وفق الطريق الأول هو حاصل ضرب احتمالات الصدق وعدم الخطأ في رجال ذلك الطريق الذي يساوي (70×70×95) والذي يساوي (46.55%) هذا إذا لاحظنا طريقاً واحداً إلى زرارة، وأمّا إذا لاحظنا الطريقين إليه فاحتمال إخبار زرارة في كل من الطريقين هو حاصل ضرب (70×70) وهو (49%) واحتمال إخباره في الطريق الثاني (49%) أيضاً فاحتمال عدم صدور الإخبار عن زرارة لأحد الطريقين ما قابل (49%) في كل منهما مضروباً ببعضه أي (51% ×51%) وهو يساوي (26.01%) فاحتمال صدور الإخبار من زرارة لواحد منهما (73.99%) وإذا أردنا أن نعرف احتمال صدور الخبر من الإمام (عليه السلام) كانت النتيجة حاصل ضرب (73.99%) × (95%) وهو (70.2905%).
فكان انعكاس وجود طريقين إلى زرارة إلى الإمام (عليه السلام) واضحاً، إذ على ملاحظة طريق واحد جعل الاحتمال (46.55%) تقريباً، وعلى ملاحظة الطريقين كانت النتيجة (70.3%) تقريباً.
فلا يرد إشكال أن الرواية واحدة فلا وجه للتعرض للطريق الثاني.
نعم إذا كان الإثبات بواسطة التعبد بالسند لم ينفع كثيراً وجود طريق ثاني لأنه لا يحولها إلى متيقنة. ولا فرق في التعبدي بعد توفر شرائط التعبد بين طريق واحد وطريقين إذ يكفينا للتعبد وجود طريق واحد تام ويحقق موضوع الحجية.
والمفروض أننا نبحث عن القرائن الاحتمالية التي توصلنا إلى اليقين.
الثانية: لا علاقة لبحثنا بحجّية الأمارة في مثبتاتها.
ثم لا علاقة لما ذكرناه من دلالة الأدلة بالدلالة الالتزامية بما بنى عليه البعض من عدم حجية الأمارات في مداليلها الالتزامية.
توضيحه: أن الأصوليين قد اختلفوا في حجية الأمارة التي قام الدليل على اعتبارها في المدلول الالتزامي بعد الاتفاق على الحجية في المدلول المطابقي. وقد بنى النائيني (قدس سره) على أن الحجّية تفسّر بجعل العلمية. فالشارع المقدس حين قبل بحجية خبر الثقة وأمضاها كان قد جعل في موردها علماً تعبدياً اعتبارياً، فإذا أخبرني الثقة بأن ابني الغائب حيّ ثبتت حياته بالعلم الاعتباري، إذ ليس في الوجدان إلّا الظن الناشئ من إخبار الثقة.
ولما كانت الحياة ملازمة للأكل والشرب، فإذا كان حياً فهو يأكل ويشرب. فالعلم بالشيء علم بلوازمه، فعلمي الجعلي بحياة الولد علم جعلي أيضاً بأنه يأكل ويشرب.
وقد أشكل السيد الخوئي (رحمه الله) على أستاذه النائيني بأن اعتبار الشخص عالماً بالحياة لا يستلزم اعتباره عالماً بلوازمها، فدائرة الاعتبار تحديدها اختياري للمعتبر، فقد يجعل الاعتبار لأحد المتلازمين دون الآخر. وهذا في حدِّ نفسه صحيح إن كان اعتباراً محضاً، أمّا إذا كان الاعتبار دائراً مدار مقدار الانكشاف بالخبر مثلاً فانكشاف المدلول الالتزامي بمستوى انكشاف المدلول المطابقي فلابد من شمول الاعتبار للمدلول الالتزامي أيضاً.
ولسنا بصدد مناقشة سلامة أو سقم مبنى السيد الخوئي (رحمه الله)، بل نقول: إن هذا المبنى لا يؤثر على النتيجة في محلِّ بحثنا، لأنه إنما يؤثر إذا أردنا أن نثبت المدعى من خلال دليل الحجّية التعبدية في مساحة المدلول الالتزامي. ونحن من خلال استعراض الشواهد والأدلة بما في ذلك ما كان دالاً بالدلالة الالتزامية نبغي الوصول إلى القطع من خلال ضم الأدلة إلى بعضها. والانكشاف في المداليل الالتزامية وجداني وإن لم ندخل فيه دليل الحجية، وضمّ هذه المحتملات إلى بعضها عن طريق نظرية تراكم الاحتمال يوصلنا إلى القطع الوجداني. والقطع حجيّته غير مجعولة ليشكك في شمولها لهذا المورد أو لا. بل هي لازمة الثبوت له غير قابلة للانفكاك عنه، حتى لو أراد الشارع أن يسقطها عنه فإنه لا يمكنه ذلك، إذ يستحيل على الشارع بما هو شارع أن يفكك بين المتلازمين فإن القدرة تتعلق بالممكن، والتفكيك بين المتلازمين أمر ممتنع، نعم للشارع بما هو خالق أن يرفع موضوع حجية القطع، أي أن يرفع القطع من نفس المكلف فترتفع حجيته تبعاً لذلك.
وعليه إذا وصلنا إلى القطع فالمباني تتفق على حجيته وعلى عدم إمكان التفكيك بينه وبين حجيته، ولا فرق بين أن يكون منشأ تولده مداليل التزامية أو مطابقية، فحجية القطع لا ربط لها بمقدمات حصوله نعم أسقط البعض حجيته إذا كان ناشئاً من مقدمات عقلية، ومنع البعض من معذريته إذا حصل لقطاع (وهو الذي يحصل عنده القطع سريعاً) وهذان المبنيان على بطلانهما لا يضران في محل كلامنا.
بل إن موضوعنا لا ربط له بالحجية التعبدية؛ لأننا نتحدث عن مسألة اعتقادية وليست فرعاً من الفروع الفقهية. والمعتقد ليس فيه أحكام ليُنظر في تنجيزها أو التعذير عنها كما هو مقتضى الحجية. لأني في الجانب العقدي أسعى لإدراك الواقع. ولا أبحث عن منجز أو معذر بلحاظه. نعم قد يحكم العقل في بعض المعتقدات بضرورة النظر في المقدمات فيجب النظر، ولا ربط لذلك بحجية الدليل الذي أنظر إليه. وإنما وجب النظر لكي تنكشف الحقيقة التي قد يكون إدراكها مقدمة للواجب، كما قيل في وجوب شكر المنعم شكراً لائقاً بشأنه. ومعرفة اللائق بشأنه تتوقف على معرفته.
الثالثة: ظهور الرواية في معنى لا يسقط فائدتها في إثبات معنى آخر
إن تجميع القرائن الاحتمالية وضمّها إلى بعضها يتسع ليشمل الروايات لإثبات معنى مقابل للمعنى الذي تكون الرواية ظاهرة فيه فإنه مادام احتمال إرادته من الرواية واقعياً، فإن الرواية تشكّل قيمة احتمالية إضافية قد يستفيد منها الباحث من خلال ضمها إلى بقية القرائن الأخرى ليكون الحاصل الاحتمالي من المجموع أكثر من احتمال كل قرينة على حدة.
فلو رأيت اجتماع قوم وسألت عن سبب الاجتماع فنصّ ثقة على أن بطلاً يخطب في الناس، وكانت نسبة مطابقة ظاهر خبره للواقع (80%) وفي ليل ذلك اليوم أخبرك شخص آخر بأنه رأى في ذلك اليوم في مكان الاجتماع أسداً يزأر. وكانت نسبة صدقه (100%) مثلاً لكن احتمال إرادته للمعنى الحقيقي أي الحيوان المفترس المعهود (60%) واحتمال إرادة البطل الذي يخطب (40%)، فإن احتمال أن يكون بطل قد خطب في ذلك اليوم في ذلك المكان هو حاصل ضم الاحتمالين (80%) و(40%)، وفي مثله يحسب الناتج من خلال أخذ الاحتمال المخالف في كل منهما ويضربان، والاحتمال المقابل لحاصل عملية الضرب هو حاصل الخبرين.
وحاصل عملية ضرب (20%) المقابل لـ(80%) و(60%) المقابل لـ(40%) هو (12%) فاحتمال وقوع خطبة لبطل في السوق هذا اليوم (88%).
فانعكس ضم هذه القرينة الاحتمالية مع أنها على خلاف الظاهر بزيادة قدرها (8%).
نعم لا يتحقق ذلك، بل يتحقق عكسه لو فرضنا أن المحتمل بنسبة (60%) ينفي المحتمل بنسبة (40%) كما لو كان الخبران السابقان يتحدثان عن نفس الواقعة لا عن واقعتين ربما حصلتا في مكان واحد. بل هي واقعة واحدة وهي إمّا خطبة بطل أو زئير أسد، وليس من المعقول أن يكون الخبر النافي لمضمون الخبر الأول بنسبة (60%) والموافق له بنسبة (40%) داعماً للخبر الأول.
ففي الوقت الذي تدعم فيه نسبة الـ(40%) مضمون الخبر الأول فإن الـ(60%) تضعّفه، ومن غير المعقول أن يكون تأثير النسبة الأقل أكثر من تأثير النسبة الأكثر.
أمّا لو كان المحتمل بنسبة (60%) لا ينافي المحتمل بنسبة الأربعين في الخبر فإن ذلك بقوة الخبرين المستقلين أحدهما مطابق لمضمون خبرنا الأول السابق ونسبته (40%) والآخر لا علاقة له به ونسبته (60%)، فيبقى تأثير هذه الـ(40%) بلا معارض في التأثير.
ويمكن أن يقع ذلك فذلكة لوجه جعل بعض الأخبار الضعيفة أو غير الحجة مؤيداً للأدلة التي تدل على مضمون ما. إذ قد يكون التخريج الفني للتأييد هو ما ذكرناه.
والنتيجة أن الأخبار التي لا ترتقي إلى الحجية بل لا ترتقي إلى الظهور في الدلالة لا تسقط عن الانتفاع بها في عملية تجميع القرائن للوصول إلى القطع أو ما هو كالقطع فعلاً أو عملاً بحكم العقل، إذا كان الاحتمال القابل له بدرجة من الضآلة بحيث إن العقل لا يلتفت إليه أو لا يرتب عليه الأثر وإن التفت إليه.
نعم، مثل هذا الخبر لا يمكن الاحتجاج به كدليل مستقل ونحن لسنا بصدد الاحتجاج به منفرداً خصوصاً وقد ذكرنا أن مفردات الاعتقاد ولو كانت في التفاصيل لا يجري فيها التعبد وقبول الأدلة الظنية التي يحتج بها في الفروع.
ويمكن أن نعمم ذلك للخبر المجمل الذي لا يتنافى معنياه المحتملا الإرادة منه. والمقصود بالتنافي ليس التنافر في مرحلة الحكاية، بل تنافر ذات المحكيين قبل الحكاية أو بغض النظر عن الحكاية، فلو أتى بكلام واحتملنا أنه أراد المعنى الأول أو المعنى الثاني، كما لو أخبر بوجود زيد في الخارج، ولم نعرف أنه أراد زيداً الأول أو الثاني كان كل منهما محتمل الإرادة. والمحكيان بغض النظر عن الحكاية لا تنافي بينهما، إذ يمكن أن يكونا معاً في الخارج. نعم في مرحلة الحكاية علمنا أنه أراد الإخبار عن وجود أحدهما في الخارج. فحكايته هنا توجب قوة احتمالية أن يكون المراد زيداً الأول كما توجب احتمال أن يكون المراد زيداً الثاني.
الرابعة: انتفاء المضعف الاحتمالي المقابل في محل بحثنا
ثم إن هذا الذي أثبتناه بتراكم الاحتمال يتميز بأنه لا مضعّف له في الجهة الأخرى، أي إنه لا يوجد شاهد أو دال على عدم وجوده (عجّل الله فرجه)، فالشواهد العكسية منتفية. وما عسى النافي لوجوده (عجّل الله فرجه) أن يقول، وما الدليل الذي يصح أن يستند إليه؟ اللهم إلّا نحو من الاستبعادات التي لا تستند إلى مبرر موضوعي ووجه قابل للتعويل عليه.
فالرواية المتواترة قد تجد رواية معارضة لها، والإجماع قد تجد من يفتي بخلافه من الطائفة مثلاً. أمّا هنا فلا وجه لخلاف شخص نحتمل فيه أنه استند إلى مبرر موضوعي.
نعم من المسلّم أن في هذه القضية ما يجعل الاحتمال الموافق أضعف مما في قضايا أخرى. لأن للأخبار بحياته (عجّل الله فرجه) لوازم غير مألوفة، وغرابة القضايا ولو من خلال غرابة لوازمها تجعل كاشفية الحاكي عنها أقل مما هي فيما عداها من القضايا. ومن مفردات الغرابة والاستبعاد:
1- بقاء شخص كل هذه المدة المديدة من العمر. فإن قيل تحقق الحالات المشابهة يدفع الغرابة ويلغي الاستبعاد. وقد تحدّث القرآن الكريم عن حالة مشابهة وهي عمر نوح وأثبت الموروث الروائي حياة الخضر وحياة إدريس النبي وحياة عيسى المسيح (عليهم السلام)، ولكن ذلك غير كاف في رفع الغرابة. ولو ثبتت على مر التاريخ مائة حالة من هذا القبيل لما زالت الغرابة، نعم تَخُفّ إلى حدٍّ ما.
2- وجوده بين الناس أو في الأرض دون أن يتيسر لهم معرفة شخصه لكل هذه المدة المديدة.
3- تمكّنه من التخلص من البحث والطلب الحثيث من السلطات في أوائل غيبته دون أن يعثروا على عين أو أثر منه.
ومثل هذه المفردات تجعل القيمة الاحتمالية لصحة الخبر بوجوده (عجّل الله فرجه) أضعف، مما يعني الحاجة في سبيل الوصول إلى القطع إلى روايات أكثر مما تحتاجه قضية عادية لكي يحصل القطع بها.
الخامسة: عدم تمامية القاعدة إثباتاً لا يلغي احتمالها ثبوتاً
هناك بعض القواعد الرجالية التي تثبت توثيقات عامة، أي لا تختص براوٍ دون آخر. وقد اختلف في بعضها، فمثلاً اختلف في أن ورود اسم الراوي في تفسير القمي هل يعتبر دليلاً على وثاقته أو لا؟ واختلف في أن ورود اسم راوٍ في أسانيد كامل الزيارة هل هو دليل على الوثاقة أو لا؟ وكذا في كون راوٍ من مشايخ الإجازة دالاً على الوثاقة أو لا، وغير ذلك من القواعد.
فإن تمّت تلك القاعدة ثبتت وثاقة الراوي، ووثاقته تعني ضعف احتمال أن يكون خبره مخالفاً للواقع، لأن الوثاقة تنفي تعمّد الكذب، فيبقى مع الوثاقة احتمال الخطأ غير المقصود، وهو في النقل الحسي احتمال ضعيف. بل الوثاقة بنفسها تستدعي إعمال الدقة في النقل مما يضيق احتمال وقوع الخطأ. ولما كانت هذه القواعد العامة في التوثيقات استظهارية في الأغلب احتملنا أن الوثاقة الثابتة بها غير ثابتة في الواقع فلا يسقط احتمال تعمّد الكذب إلّا أنه يضعف جداً.
وأمّا إذا لم تثبت تلك القاعدة، فإن غاية ما يقال: إنها لم ينهض دليل لإثباتها مع أنها يحتمل أن تكون موجودة في الواقع. وهذا يعني أن من تنطبق عليه القاعدة الرجالية للتوثيق والتي اختلف في صحتها، لا يكون الكشف الاحتمالي لصحة إخباره كمن لم تشمله مثل هذه القاعدة حتى عند من لم تثبت عنده تلك القاعدة. فالنافي لها لم ينهض عنده دليل على نفيها في كثير من الأحيان، إلّا أنه لم يتم الدليل على صحتها. وعدم تمامية الدليل لا ينفي ثبوت المستدَل عليه في الواقع. نعم احتمال مطابقة خبره للواقع أقل من احتمال مطابقة خبر من شملته قاعدة صحيحة في التوثيقات العامة نوعاً.
السادسة:
إن المبحوث عنه هو صدور هذا اللفظ من المعصوم (عليه السلام) مثلاً مع إرادة خصوص المعنى الكذائي من الحديث. وليست وثاقة الراوي إلّا طريقاً لذلك. ولا فرق في هذا بين كون موضوع الحجية وثاقة الراوي أو الوثوق بالمروي كما عليه المشهور. والأمر لا يختلف كثيراً من الناحية العملية؛ لأن من قال: إن موضوع الحجية هو الوثوق بالمروي طريقه الأساسي لإثبات ذلك هو وثاقة الراوي. نعم قد يظهر الفرق فيما لو توفرت قرائن غير وثاقة الراوي استدعت الوثوق بالمروي ولم تتوفر وثاقة للراوي، فإنه يقال بالحجية بناء على كون موضوعها الوثوق بالمروي، ولا تثبت الحجية بناء على كون الموضوع هو وثاقة الراوي.
وقد وردت بعض الأخبار -سنشير إليها في طيات البحث- نصل فيها إلى راوٍ لم تثبت وثاقته إلّا أنه كان في زمان سابق على ما أخبر به وتحقق ما أخبر به في لاحق الأيام، فلا حاجة إلى البحث عن وثاقته، بل نجزم حينها بصحة الخبر منه. وذلك لا يعني أنه ثقة، بل يعني أن خبره هذا صحيح. فإذا ورد عنه خبر آخر لم نثق بمضمونه لا يمكن أن أعتمد عليه لأنه روى لي مرة خبراً مطابقاً للواقع. فالكذاب لا يكون كل قوله كذباً، فإذا وجدت في الرجل صدقاً مرة لم يعن ذلك أبداً أنه صادق في كل ما يقول.
وينسحب الأمر إلى من نقل هذا الراوي الخبر عنهم ولو بواسطة، فنقبل ذلك الخبر منهم لشاهد الصدق الذي فيه، بل لدليل الصدق القاطع الذي فيه. ولا فرق هنا بين كون المبنى في الحجية معتمداً على الوثوق بالمروي أو على وثاقة الراوي، لأن القبول للخبر هنا ليس للتعبد، بل للقطع فلا علاقة للحجية به. هذا أولاً، وثانياً لأن ما نبحث عنه -وفق ما ستراه في ما سيأتي من البحث- هو الانكشاف الواقعي للقضية التي نبحث عن ثبوتها لا التعبد بثبوتها.
ومن هنا يتضح أن الكاشف الاحتمالي في هذا الراوي -في خصوص الخبر- ومن نقل عنهم لا يعمل، بل هو قطع كما تقدم.
وهذا يسري إلى من نقل عن هذا الراوي إذا كان خبره قبل حدوث ما أخبر عنه. إذ يصبح خبره قطعي الصدق من جهة تصديق الواقع له. فلا يكون تعدد الطبقات هنا مضعفاً احتمالياً لصحة الخبر وصدق مضمونه.
طوائف الروايات الدالة على ولادته (عليه السلام):
هنا جملة من الطوائف الروائية التي دلّت على وجوده (عجّل الله فرجه) وسنحاول الوقوف على بعض أمثلتها. وليس المقصود أبداً استيعابها جميعاً وإلّا اتسع البحث إلى ما لا يتلاءم مع الغرض من كتابة هذه الأوراق.
وكل هذه الأخبار إلّا طائفة أو طائفتين ترجع إلى إخبارات المعصومين (عليهم السلام).
المعصومون الذين ينبؤوننا عن الغيب فنصدّقهم، ويخبروننا عن الله (عزّ وجل) فنقبل منهم، ويعلموننا الكتاب والحكمة فنذعن لهم؛ لأننا نعلم أن ما يخبرون به ويتحدثون عنه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. فهم الذين لا ينطقون عن الهوى، طابت وطهرت نفوسهم، وكم هو جميل كلام خزيمة بن ثابت في قصة شراء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فرساً من الأعرابي وهي قصة معروفة.
فعن جعفر بن الحسين وأحمد بن هارون وغيرهما عن ابن الوليد عن الصفار عن الخشاب عن ابن كلوب عن إسحاق بن عمار عن جعفر بن محمد (عليه السلام): إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) اشترى فرساً من أعرابي فأعجبه، فقام أقوام من المنافقين حسدوا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على ما أخذ منه، فقالوا للإعرابي: لو رجعت إلى السوق بعته بأضعاف هذا، فدخل الإعرابي الشَره فقال: ألا أرجع فأستقيله؟ فقالوا: لا، ولكنه رجل صالح، فإذا جاءك بنقدك فقل: ما بعتك بهذا، فإنه سيرده عليك. فلما جاء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أخرج إليه النقد فقال: ما بعتك بهذا، فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والذي بعثني بالحق لقد بعتني، فجاء خزيمة بن ثابت فقال: يا إعرابي أشهد لقد بعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بهذا الثمن الذي قال. فقال الإعرابي: لقد بعته وما معنا من أحد.
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لخزيمة: كيف شهدت بهذا؟ فقال: يا رسول الله بأبي أنت وأمي تخبرنا عن الله وأخبار السماوات فنصدّقك، ولا نصدقك في ثمن هذا؟ فجعل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) شهادته شهادة رجلين، فهو ذو الشهادتين(10).
والروايات التي أوردتها -ولادته (عليه السلام)- كثيرة، وسنبدأ باستعراض بعض أمثلة طوائفها.
الطائفة الأولى: ما دل على ولادته مطابقة
1- كمال الدين: ابن إدريس عن أبيه عن محمد بن إسماعيل عن محمد بن إبراهيم الكوفي عن محمد بن عبد الله المطهري (الطهري) قال: قصدت حكيمة بنت محمد (عليه السلام) بعد مضي أبي محمد (عليه السلام) أسألها عن الحجة وما قد اختلف فيه الناس من الحيرة التي هم فيها فقالت لي....
فقلت يا مولاتي هل كان للحسن (عليه السلام) ولد؟ فتبسّمت ثم قالت: إذا لم يكن للحسن (عليه السلام) عقب فمن الحجة؟ وقد أخبرتك أن الإمامة لا تكون لأخوين بعد الحسن والحسين (عليهما السلام).
فقلت يا سيدتي حدّثيني بولادة مولاي وغيبته (عليه السلام). قالت: نعم، كانت لي جارية يقال لها نرجس، فزارني ابن أخي (عليه السلام)، وأقبل يحد النظر إليها، فقلت يا سيدي: لعلك هويتها فأرسلها إليك؟ فقال لا يا عمة، لكني أتعجب منها. فقلت: وما أعجبك؟ فقال (عليه السلام): سيخرج منها ولد كريم على الله (عزّ وجل)، الذي يملأ الله به الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً(11).
2- كمال الدين: علي بن الحسن بن الفرج عن محمد بن الحسن الكرخي قال: سمعت أبا هارون -رجلاً من أصحابنا- يقول: رأيت صاحب الزمان (عليه السلام) وكان مولده يوم الجمعة سنة ست وخمسين ومائتين(12).
3- كمال الدين: ابن المتوكل عن الحميري عن محمد بن إبراهيم الكوفي أن أبا محمد (عليه السلام) بعث إلى بعض من سمّاه لي، بشاة مذبوحة قال: «هذه من عقيقة ابني محمد»(13).
4- كمال الدين: ماجيلويه عن محمد العطار عن الحسن بن علي النيسابوري عن الحسن بن المنذر عن حمزة بن أبي الفتح قال: جاءني يوماً فقال لي: البشارة، ولد البارحة في الدار مولود لأبي محمد (عليه السلام)، وأمر بكتمانه. قلت: وما اسمه؟ سمِّي بمحمد وكنّي بجعفر(14).
5- كمال الدين: الطالقاني عن الحسن بن علي بن زكريا عن محمد بن خليلان، عن أبيه عن جده عن غياث بن أسيد قال: سمعت محمد بن عثمان العمري (قدس سره) يقول: لما ولد الخلف المهدي (عليه السلام) سطع نور من فوق رأسه إلى عنان السماء، ثم سقط لوجهه ساجداً لربّه تعالى ذكره، ثم رفع رأسه وهو يقول: أشهد أن لا إله إلّا هو والملائكة وأولو العلم قائماً بالقسط لا إله إلّا هو العزيز الحكيم إن الدين عند الله الإسلام. قال: وكان مولده ليلة الجمعة(15).
6- كمال الدين: بالإسناد السابق عن محمد بن عثمان العمري (قدس سره) أنه قال: ولد السيد (عليه السلام) مختوناً وسمعت حكيمة تقول: لم يُر بأمه دم في نفاسها، وهذا سبيل أمهات الأئمة (عليهم السلام)(16).
7- كمال الدين: أبو العباس أحمد بن عبد الله بن مهران عن أحمد بن الحسن بن إسحاق القمي قال: لمّا وُلد الخلف الصالح (عليه السلام) ورد من مولانا أبي محمد الحسن بن علي على جدي أحمد بن إسحاق كتاب وإذا فيه مكتوب بخط يده (عليه السلام) الذي كان يرد به التوقيعات عليه: «وُلد المولود فليكن عندك مستوراً وعن جميع الناس مكتوماً، فإنا لم نظهر عليه إلّا الأقرب لقرابته والمولى لولايته، أحببنا إعلامك ليسرك الله به كما سرّنا والسلام»(17).
8- كمال الدين: ابن الوليد عن عبد الله بن العباس العلوي قال: دخلت على أبي محمد الحسن بن علي (عليهما السلام) بسرّ من رأى فهنأته بولادة ابنه القائم (عليه السلام)(18).
9- غيبة الطوسي: جماعة عن التلعكبري عن أحمد بن علي عن محمد بن علي عن حنظلة بن زكريا عن الثقة قال: حدثني عبد الله بن العباس العلوي وما رأيت أصدق لهجة منه وكان خالفنا في أشياء كثيرة عن الحسن بن الحسين العلوي قال: دخلت على أبي محمد (عليه السلام) بسرّ من رأى فهنّأته بسيدنا صاحب الزمان (عليه السلام) لمّا وُلد(19).
10- كمال الدين: علي بن محمد بن حباب عن أبي الأديان قال: قال عقيد الخادم، قال أبو محمد بن خيرويه البصري، وقال حاجز الوشاء، كلهم حكوا عن عقيد، وقال أبو سهل بن نوبخت، قال عقيد: وُلِد وليُّ الله الحجة بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام) ليلة الجمعة من شهر رمضان من سنة أربع وخمسين ومائتين للهجرة ويكنى أبو القاسم ويقال أبو جعفر، ولقبه المهدي وهو حجة الله في أرضه، وقد اختلف الناس في ولادته فمنهم من أظهر ومنهم من كتم، ومنهم من نهى عن ذكر خبره، ومنهم من أبدى ذكره والله أعلم(20).
11- كمال الدين: ابن المتوكل عن الحميري عن محمد بن أحمد العلوي عن أبي غانم الخادم قال: ولد لأبي محمد (عليه السلام) وَلَد فسمّاه محمداً فعرضه على أصحابه يوم الثالث وقال: «هذا صاحبكم من بعدي وخليفتي عليكم وهو القائم الذي تمتد إليه الأعناق بالانتظار، فإذا امتلأت الأرض جوراً وظلماً خرج فملأها قسطاً وعدلاً»(21).
12- كمال الدين: أبي وابن الوليد معاً عن الحميري قال: كنت مع أحمد بن إسحاق عند العمري ݤ فقلت للعمري: إني أسألك عن مسألة كما قال الله (عزّ وجل) في قصة إبراهيم ﴿أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾ (البقرة: 260) هل رأيت صاحبي؟ قال: نعم، وله عنق مثل ذي -وأشار إلى عنقه- قلت فالاسم؟ قال: إياك أن تبحث عن هذا، فإن عند القوم أن هذا النسل قد انقطع(22).
وهذه الرواية لا نبالغ إن قلنا بكفايتها في إثبات وجوده (عجّل الله فرجه) إذ لا نحتمل الخطأ وتعمد الكذب في والد الصدوق وابن الوليد معاً وكذا الحميري(23) والعمري. والمسألة ليست مما يتحقق فيه الاشتباه. وأمّا الدلالة فلا غبار عليها، فإننا وإن لم نكتف بكلمة (صاحبي) لكن قوله (إياك أن تبحث عن هذا فإن عند القوم أن هذا النسل قد انقطع) يشكل قرينة قطعية على أن المراد هو الإمام (عجّل الله فرجه).
ولو لم نقطع فإنها موجبة للاطمئنان العالي.
14- كمال الدين: محمد بن إبراهيم بن إسحاق قال: سمعت أبا علي محمد بن همام يقول: سمعت محمد بن عثمان العمري (قدس سره) يقول: خرج إليّ توقيع بخط أعرفه: «من سمّاني في مجمع من الناس باسمي، فقد لعنه الله»(24).
ومحمد بن همام ثقة جليل القدر. ومحمد بن إبراهيم ترضّى عنه الشيخ الصدوق، لكن ذلك لا يثبت وثاقته. وهذه الرواية لا شك أن المقصود فيمن خرج توقيعه هو الإمام (عجّل الله فرجه).
كما أن قوة احتمال صدورها واضحة، وربما هي أكثر من قوة احتمال صدور رواية في سندها خمسة ثقات مثلاً كانت نسبة مطابقة الواقع في أخبارهم بمستوى (80%)، لأن احتمال صدور هكذا رواية هو حاصل ضرب (80%) في نفسها خمس مرات وهو ما يقل قليلاً عن (33%).
وأمّا هذه الرواية إذا فرضنا أن نسبة المطابقة في إخبار محمد بن إبراهيم (50%) وهو قليل لأن الشيخ الصدوق قد ترضّى عليه في المشيخة في طريقه إلى أبي سعيد الخدري وإلى أحمد بن محمد بن سعيد ويوجد ما يدل على تشيع الرجل. وقد روى عنه الصدوق كثيراً وكنّاه في أكثر من مورد بأبي العباس(25). وهذه القرائن إن لم تثبت وثاقته، فلا أقل من عدم كونه معروفاً بالكذب.
وهذا يجعل احتمال الصدق في خبره أكثر من (50%) بمقدار واضح لكن لو فرضنا أن نسبة المطابقة في خبره هذا (50%) ونسبة المطابقة في خبر محمد بن همام باعتباره جليل القدر (90%) فاحتمال صدور الخبر (45%) وهو أكثر بلا شك من (33%).
الطائفة الثانية: فيمن رآه (عجّل الله فرجه)
نقل العلامة الشيخ المجلسي جملة من الروايات فيمن رآه.
عن كمال الدين علي بن عبد الله الوراق عن سعد عن أحمد بن إسحاق قال: دخلت على أبي محمد الحسن بن علي (عليهما السلام) وأنا أريد أن أسأله عن الخلف بعده، فقال لي مبتدئاً: «يا أحمد بن إسحاق إن الله تبارك وتعالى لم يخل الأرض منذ خلق آدم، ولا تخلو إلى يوم القيامة من حجّة الله على خلقه، به يدفع البلاء عن أهل الأرض وبه ينزل الغيث وبه يخرج بركات الأرض».
قال: فقلت: يا بن رسول الله فمن الإمام والخليفة بعدك؟ فنهض (عليه السلام) فدخل البيت ثم خرج وعلى عاتقه غلام كأن وجهه القمر ليلة البدر من أبناء ثلاث سنين فقال: «يا أحمد بن إسحاق لولا كرامتك على الله وعلى حججه ما عرضت عليك ابني هذا، إنه سَمِيُّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وكنيّه، الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً. يا أحمد بن إسحاق مَثَله في هذه الأمة مَثَل الخضر (عليه السلام)، ومَثَله كمثل ذي القرنين، والله ليغيبنَّ غيبة لا ينجو فيها من التهلكة إلّا من يثبته الله على القول بإمامته، ووفقه للدعاء بتعجيل فرجه».
قال أحمد بن إسحاق فقلت له: يا مولاي هل من علامة يطمئن إليها قلبي؟ فنطق الغلام (عليه السلام) بلسان عربي فصيح فقال: «أنا بقية الله في أرضه والمنتقم من أعدائه، فلا تطلب أثراً بعد عين يا أحمد بن اسحاق».
فقال أحمد بن إسحاق: فخرجت مسروراً فرحاً، فلمّا كان من الغد عدت إليه فقلت له: يا بن رسول الله لقد عظم سروري بما أنعمت عليَّ، فما السُنّة الجارية فيه من الخضر وذي القرنين؟ فقال (عليه السلام): «طول الغيبة يا أحمد» فقلت له: يا بن رسول الله وإن غيبته لتطول؟ قال (عليه السلام): «إي وربّي حتى يرجع عن هذا الأمر أكثر القائلين به، فلا يبقى إلّا من أخذ الله عهده بولايتنا، وكتب في قلبه الإيمان وأيّده بروح منه.
يا أحمد بن إسحاق هذا أمر من أمر الله وسرٌّ من سر الله وغيبٌ من غيبِ الله، فخذ ما آتيتك واكتمه وكن من الشاكرين تكن غداً في عليين»(26).
وعلي بن عبد الله الوراق شيخ الصدوق وقد ترضى عنه في كتاب العيون ج1، ب10.
وسعد هو ابن عبد الله الأشعري القمي شيخ القميين ووجههم، وأحمد بن إسحاق وإن كان مشتركاً بين الأشعري والرازي إلّا أن الرازي ثقة والأشعري ذكر الشيخ الطوسي فيه:
أبو علي كبير القدر وكان من خواص أبي محمد (عليه السلام) وهو شيخ القميين ووافدهم.
والمعني في هذه الرواية الأشعري؛ لأن الرازي لم يروِ عن الحسن العسكري (عليه السلام)، على أن الشيخ الطوسي صرّح أن الأشعري رأى الإمام صاحب الزمان (عجّل الله فرجه).
وعلى هذا فالرواية تورث قيمة احتمالية معتداً بها إذ في سندها ثلاث، اثنان منهم من أعاظم الرواة وأكابرهم.
روى الطوسي في الغيبة عن الصدوق عن أبيه وابن المتوكل وابن الوليد جميعاً عن الحميري قال: سألت محمد بن عثمان العمري فقلت له: رأيت صاحب هذا الأمر؟ قال: نعم، وآخر عهدي به عند بيت الله الحرام وهو يقول: «اللهم أنجز لي ما وعدتني».
وبنفس الإسناد عن محمد بن عثمان قال: رأيته صلّى الله عليه متعلقاً بأستار الكعبة في المستجار وهو يقول: «اللهم انتقم لي من أعدائي»(27).
ونقل الصدوق في غاية الوثاقة فأبوه نار على علم في الورع والتقوى وابن المتوكل ثقة بلا ريب وابن الوليد جليل القدر ثقة والحميري كذلك، وأمّا محمد بن عثمان العمري فهو السفير الثاني.
فهذه الرواية منفردةً قد تكون موجبة للاطمئنان أو على الأقل توجب مرتبة عالية من الظن.
وروى الشيخ الصدوق في كمال الدين عن ابن المتوكل عن الحميري عن إبراهيم بن مهزيار قال: قدمت مدينة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فبحثت عن أخبار آل أبي محمد الحسن بن علي الأخير (عليه السلام) فلم أقع على شيء منها، فرحلت إلى مكة مستبحثاً عن ذلك، فبينا أنا في الطواف إذ تراءى لي فتى أسمر اللون رائع الحُسن، جميل المتخيلة يطيل التوسم فيّ، فعدلت إليه مؤملاً منه عرفان ما قصدت له. فلمّا قربت منه سلّمت فأحسن الإجابة ثم قال لي: من أيّ البلاد أنت؟ قلت: رجل من أهل العراق. قال: من أي العراق؟ قلت: من الأهواز. قال: مرحباً بلقائك، هل تعرف بها جعفر بن حمدان الخصيبي؟ قلت: دعي فأجاب. قال: رحمة الله عليه ما كان أطول ليله وأجزل نيله. فهل تعرف إبراهيم بن مهزيار؟ قلت: أنا إبراهيم بن مهزيار. فعانقني ملياً ثم قال: مرحباً بك يا أبا إسحاق. ما فعلت العلامة التي وشجت بينك وبين أبي محمد صلوات الله عليه؟ فقلت: لعلك تريد الخاتم الذي آثرني الله به من الطيب أبي محمد الحسن بن علي (عليهما السلام)؟ قال: ما أردت سواه، فأخرجته فلمّا نظر إليه استعبر وقبّله، ثم قرأ كتابته... ثم يروي القصة كاملة وكيف وصل إلى لقاء الإمام (عجّل الله فرجه)(28).
وقد تركنا نقل القصة كاملة لطولها. وقد نقلها في البحار بتمامها(29)، وإنما اخترتها على غيرها لتمامية سندها.
الطائفة الثالثة: ما ظهر من معجزاته
ويمكن الاستدلال على ذلك بما ظهر من معجزاته (عجّل الله فرجه) فإنها إذا ثبتت ثبت وجوده (عجّل الله فرجه) في ذلك الزمان ممّا يعني ولادته قبلها. وقد جمع في البحار عشرات الشواهد على ذلك ونكتفي بذكر بعضها.
ففي الخرائج والجرائح عن محمد بن شاذان قال: اجتمع عندي خمسمائة درهم ناقصة عشرين فأتممتها من عندي، وبعثت بها إلى محمد بن أحمد القمي، ولم أكتب كم لي منها، فأنفَذَ إليّ كتابه، وصلت خمسمائة درهم، لك فيها عشرون درهماً(30).
وفي فهرست النجاشي قال: اجتمع علي بن الحسين بن بابويه مع أبي القاسم الحسين بن روح وسأله مسائل، ثم كاتبه بعد ذلك على يد علي بن جعفر بن الأسود يسأله أن يوصل له رقعة إلى الصاحب (عليه السلام) ويسأله فيها الولد فكتب إليه:
«قد دعونا الله لك بذلك وسترزق ولدين ذكرين خيّرين». فولد له أبو جعفر وأبو عبد الله من أم ولد. وكان أبو عبد الله الحسين بن عبيد الله يقول: سمعت أبا جعفر يقول: أنا ولدت بدعوة صاحب الأمر (عليه السلام) ويفتخر بذلك(31).
وفي الكافي عن علي بن محمد عن سعد بن عبد الله قال: إن الحسن بن النضر وأبا صدام وجماعة تكلموا بعد مضي أبي محمد (عليه السلام) فيما في أيدي الوكلاء وأرادوا الفحص فجاء الحسن بن النضر إلى أبي صدام فقال: إني أريد الحج. فقال أبو صدام: أخِّره هذه السنة. فقال له الحسن: إني أفزع في المنام ولابد من الخروج، وأوصى إلى أحمد بن يعلى بن حماد، وأوصى للناحية بمال وأمره أن لا يخرج شيئاً إلّا من يده إلى يده بعد ظهوره.
قال: فقال الحسن: لمّا وافيت بغداد اكتريت داراً فنزلتها، فجاءني بعض الوكلاء بثياب ودنانير، وخلّفها عندي فقلت له: ما هذا؟ قال: هو ما ترى. ثم جاءني آخر بمثلها وآخر حتى كبسوا الدار، ثم جاءني أحمد بن إسحاق بجميع ما كان معه. فتعجبت وبقيت متفكراً فوردت عليَّ رقعة الرجل: إذا مضى من النهار كذا وكذا فاحمل ما معك، فرحلت وحملت ما معي، وفي الطريق صعلوك يقطع الطريق في ستين رجلاً، فاجتزت عليه وسلّمني الله منه، فوافيت العسكر ونزلت، فوردتْ عليَّ رقعة أن احمل ما معك. فصببته في صنان الحمّالين. فلما بلغت الدهليز فإذا فيه أسود قائم فقال: أنت الحسن بن النضر؟ فقلت: نعم، قال: أدخل، فدخلت الدار ودخلت بيتاً وفرغت صنان الحمالين، وإذا في زاوية البيت خبز كثير، فأعطى كل واحد من الحمالين رغيفين وأخرجوا، وإذا بيت عليه ستر، فنوديت منه يا حسن بن النضر: أحمد الله على ما منّ به عليك ولا تشكنّ، فودّ الشيطان أنك شككت، وأخرج إليّ ثوبين وقيل لي: خذهما فتحتاج إليهما. قال سعد: فانصرف الحسن بن النضر، ومات في شهر رمضان، وكفّن في الثوبين(32).
والرواية صحيحة السند فعلي بن محمد الذي يروي عنه الكليني ثقة، وأمّا سعد بن عبد الله الأشعري القمي فكان وجه الشيعة ومن أجلَّتهم، والحسن بن النضر من أجلّة إخواننا كما عبّر عنه علماء الرجال.
روى الشيخ الطوسي في غيبته عن الكليني عن علي بن محمد قال: خرج نهي عن زيارة مقابر قريش والحائر. فلمّا كان بعد أشهر دعا الوزير الباقطاني فقال له: الق بني الفرات والبرسيين وقل لهم: لا تزوروا مقابر قريش، فقد أمر الخليفة أن يتفقد كل من زار فيقبض عليه(33).
والظاهر أن زيارة مقابر قريش أريد بها زيارة الكاظمين (عليهما السلام).
والرواية صحيحة أيضاً.
وفي غيبة الطوسي أخبرني الحسين بن عبيد الله (الغضائري) عن أبي الحسن محمد بن أحمد بن داوود القمي عن أبي علي بن همام قال: أنفذ محمد بن علي الشلمغاني العزاقري إلى الشيخ الحسين بن روح يسأله أن يباهله وقال: أنا صاحب الرجل وقد أمرت بإظهار العلم، وقد أظهرته باطناً وظاهراً فباهلني، فأنفذ إليه الشيخ في جواب ذلك: أينا تقدم صاحبه فهو المخصوم، فتقدم العزاقري فقُتل وصُلب، وأخذ معه ابن أبي عون، وذلك في سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة(34).
والرواية صحيحة السند، والمباهلة لإثبات من هو وكيل الناحية.
وروى الصدوق في كمال الدين عن أبيه عن سعد عن محمد بن صالح (بن محمد الهمداني الدهقان) قال: كتبت أسأل الدعاء لـ(باداشاله) وقد حبسه ابن عبد العزيز وأستأذن في جارية أستولدها فخرج: «استولدها ويفعل الله ما يشاء، والمحبوس يخلصه الله»، فاستولدت الجارية فولدت فماتت، وخلي عن المحبوس يوم خرج إليّ التوقيع(35).
والرواية صحيحة ظاهراً لأن والد الصدوق علم في الوثاقة والتقوى، وسعد يراد به بن عبد الله الأشعري القمي، ومحمد بن صالح وكيل كان من أصحاب العسكري (عليه السلام).
وهل تراه كان ينتظر توقيعاً من شخص غير الإمام (عجّل الله فرجه)؟
الطائفة الرابعة: النص على أسماء الأئمة
لقد وردت جملة من الروايات التي ذكر فيها أسماء الأئمة (عليهم السلام) وأن الإمام الحجة (عجّل الله فرجه) هو ابن العسكري (عليه السلام).
منها: ما رواه الكليني عن عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْبَرْقِيِّ عَنْ أَبِي هَاشِمٍ دَاوُدَ بْنِ الْقَاسِمِ الْجَعْفَرِيِّ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الثَّانِي (عليه السلام) قَالَ أَقْبَلَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام) وَمَعَهُ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ (عليه السلام) وَهُوَ مُتَّكِئٌ عَلَى يَدِ سَلْمَانَ فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ فَجَلَسَ إِذْ أَقْبَلَ رَجُلٌ حَسَنُ الْهَيْئَةِ وَاللِّبَاسِ فَسَلَّمَ عَلَى أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ فَرَدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ فَجَلَسَ ثُمَّ قَالَ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ أَسْأَلُكَ عَنْ ثَلَاثِ مَسَائِلَ إِنْ أَخْبَرْتَنِي بِهِنَّ عَلِمْتُ أَنَّ الْقَوْمَ رَكِبُوا مِنْ أَمْرِكَ مَا قُضِيَ عَلَيْهِمْ وَأَنْ لَيْسُوا بِمَأْمُونِينَ فِي دُنْيَاهُمْ وَآخِرَتِهِمْ وَإِنْ تَكُنِ الْأُخْرَى عَلِمْتُ أَنَّكَ وَهُمْ شَرَعٌ سَوَاءٌ فَقَالَ لَهُ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام) سَلْنِي عَمَّا بَدَا لَكَ قَالَ أَخْبِرْنِي عَنِ الرَّجُلِ إِذَا نَامَ أَيْنَ تَذْهَبُ رُوحُهُ وَعَنِ الرَّجُلِ كَيْفَ يَذْكُرُ وَيَنْسَى وَعَنِ الرَّجُلِ كَيْفَ يُشْبِهُ وَلَدُهُ الْأَعْمَامَ وَالْأَخْوَالَ فَالْتَفَتَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام) إِلَى الْحَسَنِ فَقَالَ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ أَجِبْهُ قَالَ فَأَجَابَهُ الْحَسَنُ (عليه السلام) فَقَالَ الرَّجُلُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَلَمْ أَزَلْ أَشْهَدُ بِهَا وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ وَلَمْ أَزَلْ أَشْهَدُ بِذَلِكَ وَأَشْهَدُ أَنَّكَ وَصِيُّ رَسُولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله وسلم) وَالْقَائِمُ بِحُجَّتِهِ وَأَشَارَ إِلَى أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ وَلَمْ أَزَلْ أَشْهَدُ بِهَا وَأَشْهَدُ أَنَّكَ وَصِيُّهُ وَالْقَائِمُ بِحُجَّتِهِ وَأَشَارَ إِلَى الْحَسَنِ (عليه السلام) وَأَشْهَدُ أَنَّ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ وَصِيُّ أَخِيهِ وَالْقَائِمُ بِحُجَّتِهِ بَعْدَهُ وَأَشْهَدُ عَلَى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ أَنَّهُ الْقَائِمُ بِأَمْرِ الْحُسَيْنِ بَعْدَهُ وَأَشْهَدُ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ أَنَّهُ الْقَائِمُ بِأَمْرِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ وَأَشْهَدُ عَلَى جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ بِأَنَّهُ الْقَائِمُ بِأَمْرِ مُحَمَّدٍ وَأَشْهَدُ عَلَى مُوسَى أَنَّهُ الْقَائِمُ بِأَمْرِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَأَشْهَدُ عَلَى عَلِيِّ بْنِ مُوسَى أَنَّهُ الْقَائِمُ بِأَمْرِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ وَأَشْهَدُ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ أَنَّهُ الْقَائِمُ بِأَمْرِ عَلِيِّ بْنِ مُوسَى وَأَشْهَدُ عَلَى عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ بِأَنَّهُ الْقَائِمُ بِأَمْرِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ وَأَشْهَدُ عَلَى الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ بِأَنَّهُ الْقَائِمُ بِأَمْرِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ وَ أَشْهَدُ عَلَى رَجُلٍ مِنْ وُلْدِ الْحَسَنِ لَا يُكَنَّى وَلَا يُسَمَّى حَتَّى يَظْهَرَ أَمْرُهُ فَيَمْلَأَهَا عَدْلًا كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ وَ رَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ ثُمَّ قَامَ فَمَضَى فَقَالَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ اتْبَعْهُ فَانْظُرْ أَيْنَ يَقْصِدُ فَخَرَجَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ (عليه السلام) فَقَالَ مَا كَانَ إِلَّا أَنْ وَضَعَ رِجْلَهُ خَارِجاً مِنَ المَسْجِدِ فَمَا دَرَيْتُ أَيْنَ أَخَذَ مِنْ أَرْضِ اللهِ فَرَجَعْتُ إِلَى أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام) فَأَعْلَمْتُهُ فَقَالَ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ أَ تَعْرِفُهُ قُلْتُ اللهُ وَ رَسُولُهُ وَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ أَعْلَمُ قَالَ هُوَ الْخَضِرُ (عليه السلام)(36).
والرواية صحيحة السند، فمن ضمن عدة الكافي عن أحمد بن محمد بن خالد البرقي، علي بن إبراهيم الثقة الجليل صاحب تفسير القمي، وأحمد بن محمد البرقي ثقة بلا شك وإن أُشكل عليه أنه يكثر من النقل عن الضعفاء لكن ذلك لا يخدش وثاقته، وأمّا داوود بن القاسم الجعفري، فهو داوود بن القاسم بن إسحاق بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، وكان ثقة جليل القدر عظيم المنزلة عند الأئمة (عليهم السلام) شهد أبا جعفر وأبا الحسن وأبا محمد (عليهم السلام).
فسندها قصير، والطبقات الثلاث فيها اتّسموا بجلالة القدر فضلاً عن الوثاقة.
وقال الكليني: حدثني محمد بن يحيى عن محمد بن الحسن الصفار عن أحمد بن أبي عبد الله عن أبي هاشم مثله، وهذا يعني أن هناك طريقاً تاماً آخر للبرقي في عرض العدة، فمحمد بن يحيى الذي يروي عنه الكليني هو العطار وهو ثقة، والصفار أيضاً ثقة جليل. وأحمد بن أبي عبد الله هو البرقي.
ولكن في ذيل هذا النقل الثاني زيادة وهي: قال محمد بن يحيى: فقلت لمحمد بن الحسن: يا أبا جعفر وددت أنّ هذا الخبر جاء من غير جهة أحمد بن أبي عبد الله، قال: فقال: لقد حدثني قبل الحيرة بعشر سنين.
وفي ذلك شهادة أخرى على صدق الحديث لأنه خبر صدّقه الواقع بعد مدة، إذ ولد للحسن (عليه السلام) وغاب كما جاء في الخبر.
ومنها: ما رواه الكليني عن مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ ظَرِيفٍ وَ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ أَبِي حَمَّادٍ عَنْ بَكْرِ بْنِ صَالِحٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ (عليه السلام) قَالَ قَالَ أَبِي لِجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْأَنْصَارِيِّ إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً فَمَتَى يَخِفُّ عَلَيْكَ أَنْ أَخْلُوَ بِكَ فَأَسْأَلَكَ عَنْهَا فَقَالَ لَهُ جَابِرٌ أَيَّ الْأَوْقَاتِ أَحْبَبْتَهُ فَخَلَا بِهِ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ فَقَالَ لَهُ يَا جَابِرُ أَخْبِرْنِي عَنِ اللَّوْحِ الَّذِي رَأَيْتَهُ فِي يَدِ أُمِّي فَاطِمَةَ ݝ بِنْتِ رَسُولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله وسلم) وَمَا أَخْبَرَتْكَ بِهِ أُمِّي أَنَّهُ فِي ذَلِكَ اللَّوْحِ مَكْتُوبٌ فَقَالَ جَابِرٌ أَشْهَدُ بِاللَّهِ أَنِّي دَخَلْتُ عَلَى أُمِّكَ فَاطِمَةَ ݝ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله وسلم) فَهَنَّيْتُهَا بِوِلَادَةِ الْحُسَيْنِ وَ رَأَيْتُ فِي يَدَيْهَا لَوْحاً أَخْضَرَ ظَنَنْتُ أَنَّهُ مِنْ زُمُرُّدٍ وَرَأَيْتُ فِيهِ كِتَاباً أَبْيَضَ شِبْهَ لَوْنِ الشَّمْسِ فَقُلْتُ لَهَا بِأَبِي وَأُمِّي يَا بِنْتَ رَسُولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله وسلم) مَا هَذَا اللَّوْحُ فَقَالَتْ هَذَا لَوْحٌ أَهْدَاهُ اللهُ إِلَى رَسُولِهِ (صلى الله عليه وآله وسلم) فِيهِ اسْمُ أَبِي وَاسْمُ بَعْلِي وَاسْمُ ابْنَيَّ وَاسْمُ الْأَوْصِيَاءِ مِنْ وُلْدِي وَأَعْطَانِيهِ أَبِي لِيُبَشِّرَنِي بِذَلِكَ قَالَ جَابِرٌ فَأَعْطَتْنِيهِ أُمُّكَ فَاطِمَةُ ݝ فَقَرَأْتُهُ وَاسْتَنْسَخْتُهُ فَقَالَ لَهُ أَبِي فَهَلْ لَكَ يَا جَابِرُ أَنْ تَعْرِضَهُ عَلَيَّ قَالَ نَعَمْ فَمَشَى مَعَهُ أَبِي إِلَى مَنْزِلِ جَابِرٍ فَأَخْرَجَ صَحِيفَةً مِنْ رَقٍّ فَقَالَ يَا جَابِرُ انْظُرْ فِي كِتَابِكَ لِأَقْرَأَ أَنَا عَلَيْكَ فَنَظَرَ جَابِرٌ فِي نُسْخَةٍ فَقَرَأَهُ أَبِي فَمَا خَالَفَ حَرْفٌ حَرْفاً فَقَالَ جَابِرٌ فَأَشْهَدُ بِاللهِ أَنِّي هَكَذَا رَأَيْتُهُ فِي اللَّوْحِ مَكْتُوباً:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
هَذَا كِتَابٌ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ لِمُحَمَّدٍ نَبِيِّهِ وَنُورِهِ وَسَفِيرِهِ وَحِجَابِهِ وَدَلِيلِهِ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ مِنْ عِنْدِ رَبِّ الْعَالَمِينَ عَظِّمْ يَا مُحَمَّدُ أَسْمَائِي وَاشْكُرْ نَعْمَائِي وَلَا تَجْحَدْ آلَائِي إِنِّي أَنَا اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا قَاصِمُ الْجَبَّارِينَ وَمُدِيلُ المَظْلُومِينَ وَدَيَّانُ الدِّينِ إِنِّي أَنَا اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَمَنْ رَجَا غَيْرَ فَضْلِي أَوْ خَافَ غَيْرَ عَدْلِي عَذَّبْتُهُ عَذَاباً لَا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعَالَمِينَ فَإِيَّايَ فَاعْبُدْ وَعَلَيَّ فَتَوَكَّلْ إِنِّي لَمْ أَبْعَثْ نَبِيّاً فَأُكْمِلَتْ أَيَّامُهُ وَانْقَضَتْ مُدَّتُهُ إِلَّا جَعَلْتُ لَهُ وَصِيّاً وَإِنِّي فَضَّلْتُكَ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ وَفَضَّلْتُ وَصِيَّكَ عَلَى الْأَوْصِيَاءِ وَأَكْرَمْتُكَ بِشِبْلَيْكَ وَسِبْطَيْكَ حَسَنٍ وَحُسَيْنٍ فَجَعَلْتُ حَسَناً مَعْدِنَ عِلْمِي بَعْدَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ أَبِيهِ وَجَعَلْتُ حُسَيْناً خَازِنَ وَحْيِي وَأَكْرَمْتُهُ بِالشَّهَادَةِ وَخَتَمْتُ لَهُ بِالسَّعَادَةِ فَهُوَ أَفْضَلُ مَنِ اسْتُشْهِدَ وَأَرْفَعُ الشُّهَدَاءِ دَرَجَةً جَعَلْتُ كَلِمَتِيَ التَّامَّةَ مَعَهُ وَحُجَّتِيَ الْبَالِغَةَ عِنْدَهُ بِعِتْرَتِهِ أُثِيبُ وَأُعَاقِبُ أَوَّلُهُمْ عَلِيٌّ سَيِّدُ الْعَابِدِينَ وَزَيْنُ أَوْلِيَائِيَ المَاضِينَ وَابْنُهُ شِبْهُ جَدِّهِ الْمَحْمُودِ مُحَمَّدٌ الْبَاقِرُ عِلْمِي وَالمَعْدِنُ لِحِكْمَتِي سَيَهْلِكُ المُرْتَابُونَ فِي جَعْفَرٍ الرَّادُّ عَلَيْهِ كَالرَّادِّ عَلَيَّ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأُكْرِمَنَّ مَثْوَى جَعْفَرٍ وَلَأَسُرَّنَّهُ فِي أَشْيَاعِهِ وَأَنْصَارِهِ وَأَوْلِيَائِهِ أُتِيحَتْ بَعْدَهُ مُوسَى فِتْنَةٌ عَمْيَاءُ حِنْدِسٌ لِأَنَّ خَيْطَ فَرْضِي لَا يَنْقَطِعُ وَحُجَّتِي لَا تَخْفَى وَأَنَّ أَوْلِيَائِي يُسْقَوْنَ بِالْكَأْسِ الْأَوْفَى مَنْ جَحَدَ وَاحِداً مِنْهُمْ فَقَدْ جَحَدَ نِعْمَتِي وَمَنْ غَيَّرَ آيَةً مِنْ كِتَابِي فَقَدِ افْتَرَى عَلَيَّ وَيْلٌ لِلْمُفْتَرِينَ الْجَاحِدِينَ عِنْدَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ مُوسَى عَبْدِي وَحَبِيبِي وَخِيَرَتِي فِي عَلِيٍّ وَلِيِّي وَنَاصِرِي وَمَنْ أَضَعُ عَلَيْهِ أَعْبَاءَ النُّبُوَّةِ وَ أَمْتَحِنُهُ بِالِاضْطِلَاعِ بِهَا يَقْتُلُهُ عِفْرِيتٌ مُسْتَكْبِرٌ يُدْفَنُ فِي المَدِينَةِ الَّتِي بَنَاهَا الْعَبْدُ الصَّالِحُ إِلَى جَنْبِ شَرِّ خَلْقِي حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَسُرَّنَّهُ بِمُحَمَّدٍ ابْنِهِ وَخَلِيفَتِهِ مِنْ بَعْدِهِ وَوَارِثِ عِلْمِهِ فَهُوَ مَعْدِنُ عِلْمِي وَمَوْضِعُ سِرِّي وَحُجَّتِي عَلَى خَلْقِي لَا يُؤْمِنُ عَبْدٌ بِهِ إِلَّا جَعَلْتُ الْجَنَّةَ مَثْوَاهُ وَشَفَّعْتُهُ فِي سَبْعِينَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ كُلُّهُمْ قَدِ اسْتَوْجَبُوا النَّارَ وَأَخْتِمُ بِالسَّعَادَةِ لِابْنِهِ عَلِيٍّ وَلِيِّي وَنَاصِرِي وَالشَّاهِدِ فِي خَلْقِي وَأَمِينِي عَلَى وَحْيِي أُخْرِجُ مِنْهُ الدَّاعِيَ إِلَى سَبِيلِي وَالْخَازِنَ لِعِلْمِيَ الْحَسَنَ وَأُكْمِلُ ذَلِكَ بِابْنِهِ م ح م د رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ عَلَيْهِ كَمَالُ مُوسَى وَبَهَاءُ عِيسَى وَصَبْرُ أَيُّوبَ فَيُذَلُّ أَوْلِيَائِي فِي زَمَانِهِ وَتُتَهَادَى رُءُوسُهُمْ كَمَا تُتَهَادَى رُءُوسُ التُّرْكِ وَالدَّيْلَمِ فَيُقْتَلُونَ وَيُحْرَقُونَ وَيَكُونُونَ خَائِفِينَ مَرْعُوبِينَ وَجِلِينَ تُصْبَغُ الْأَرْضُ بِدِمَائِهِمْ وَيَفْشُو الْوَيْلُ وَالرَّنَّةُ فِي نِسَائِهِمْ أُولَئِكَ أَوْلِيَائِي حَقّاً بِهِمْ أَدْفَعُ كُلَّ فِتْنَةٍ عَمْيَاءَ حِنْدِسٍ وَبِهِمْ أَكْشِفُ الزَّلَازِلَ وَأَدْفَعُ الْآصَارَ وَالْأَغْلَالَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ المُهْتَدُونَ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَالِمٍ قَالَ أَبُو بَصِيرٍ لَوْ لَمْ تَسْمَعْ فِي دَهْرِكَ إِلَّا هَذَا الْحَدِيثَ لَكَفَاكَ فَصُنْهُ إِلَّا عَنْ أَهْلِهِ(37).
والرواية لا مشكلة في سندها إلّا ما في بكر بن صالح، لكن ضعفه لا يمنع من الاستدلال بالرواية فإنها تامة السند فيمن روى عنه، وأمّا بالنسبة لبكر فقد ورد في أسانيد كامل الزيارة، فعلى المبنى القائل بتوثيق كل ما ورد في أسانيده يمكن الالتزام بوثاقته، لكن ذلك غير تام، لأن نفس المبنى غير تام أولاً، ولأنه قد نصّ على تضعيفه حيث إنه ليس ببعيد أن يراد منه بكر بن صالح الرازي كما ذكر السيد الخوئي في معجم رجاله(38). وقد ضعّفه النجاشي(39).
وأمّا كيفية دفع منافاة ضعف الراوي مع الاستدلال بالرواية، فإن الرواية قد نقلها بكر في زمان الرضا (عليه السلام) أو في زمان أبيه (عليه السلام) إذ عدّه الشيخ الطوسي من أصحاب الرضا (عليه السلام) وعدّه النجاشي من أصحاب أبي الحسن موسى (عليه السلام). وهذا يعني أنه نصّ على أسماء الأئمة ممن لم يولدوا بعد، فإذا لم يكن الرجل موضع اعتماد في بقية اخباراته، فهذا الخبر كان الواقع قد أثبت صحّته حيث ولد الجواد والهادي والعسكري (عليهم السلام) بعد هذا الإخبار وطبقاً لما أخبر. مما يعني أن الخبر لم يكن من عنده جزماً ولا من جهة قد افترت على الله كذباً في ذلك.
ودلالة الخبر تامّة على أنّ الإمام محمد (عجّل الله فرجه) ابن للإمام الحسن العسكري (عليه السلام).
وقد روي هذا المضمون من قصة جابر وحديث الصحيفة التي فيها نصٌّ على أسماء الأئمة (عليهم السلام) بألفاظ أخرى وببعض التفاصيل المختلفة برواية أبي نضرة في كمال الدين وعيون أخبار الرضا (عليه السلام)(40).
ورواها جابر بن يزيد الجعفي لكنها مختصرة جداً إذ فيها:
دخلت على فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقدّامها لوح يكاد ضوؤه يغشى الأبصار فيه اثنا عشر اسماً... قال جابر: فرأيت فيها محمداً محمداً محمداً -في ثلاثة مواضع- وعلياً علياً علياً علياً -في أربعة مواضع-.
وهناك روايات أخرى تركناها للاختصار.
الطائفة الخامسة: نصُّ آبائه (عليهم السلام) على أنه (عجّل الله فرجه) ابن الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)
وممّا يمكن أن يستدلّ به على أنه (عجّل الله فرجه) قد ولد، جملةٌ من الروايات التي نصَّت على أنه ابن الإمام الحسن العسكري (عجّل الله فرجه). حيث إنّه لما توفي فلابد أن يكون قد ولد (عجّل الله فرجه) في حياته أو بعدها بقليل، وإلّا كيف يقال بنسبته إلى أبيه ويرحل والده عن الدنيا وتمر سنين قبل أن يولد؟ ومن هذه الروايات:
ما روي عن الدقّاق عن الأسدي عن النخعي عن النوفلي عن المفضل بن عمر قال: دخلت على سيدي جعفر بن محمد (عليه السلام) فقلت: يا سيدي، لو عهدت إلينا في الخلف من بعدك، فقال لي: «يا مفضل الإمام من بعدي ابني موسى والخلف المأمول المنتظر محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى»(41).
وعن الصادق (عليه السلام): «الخامس من ولد السابع» وهي رواية ابن أبي يعفور(42).
وعن الصادق (عليه السلام): «السادس من ولدي والثاني عشر من الأئمة الهداة» وهي رواية الحميري(43).
وعنه (عليه السلام): «الخامس من ولد ابني موسى ذلك ابن سيدة الإماء»(44).
وعن الكاظم (عليه السلام): «إذا فُقِد الخامس من ولد السابع» وهي رواية علي بن جعفر(45).
وعن محمد بن علي عن ابن عبدوس عن ابن قتيبة عن حمدان بن سليمان عن الصقر بن أبي دلف قال: سمعت أبا جعفر محمد بن علي الرضا (عليه السلام) يقول: الإمام من بعدي ابني علي أمره أمري وقوله قولي وطاعته طاعتي. والإمام بعده ابنه الحسن أمره أمر أبيه وقوله قول أبيه وطاعته طاعة أبيه. ثم سكت فقلت له: يا بن رسول الله فمن الإمام من بعد الحسن؟ فبكى (عليه السلام) بكاءً شديداً ثم قال: إن من بعد الحسن ابنه القائم بالحق المنتظر... الخبر(46).
وفي كمال الدين، أبي وابن الوليد عن سعد عن محمد بن أحمد العلوي عن أبي هاشم الجعفري قال سمعت أبا الحسن صاحب العسكر (عليه السلام) يقول: الخلف من بعدي ابني الحسن فكيف لكم بالخلف من بعد الخلف؟ فقلت: ولِمَ جعلني الله فداك؟ فقال: لأنكم لا ترون شخصه ولا يحلّ لكم ذكره باسمه. قلت: فكيف نذكره؟ قال: قولوا: الحجة من آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)(47).
كمال الدين، محمد بن علي بن بشار عن المظفر بن أحمد عن الأسدي عن البرمكي عن الحسن بن محمد عن محمد بن صالح البزاز قال: سمعت الحسن بن علي العسكري (عليه السلام) يقول: إنّ ابني هو القائم من بعدي وهو الذي يجري فيه سنن الأنبياء (عليهم السلام) بالتعمير والغيبة حتى تقسو قلوب لطول الأمد، ولا يثبت على القول به إلّا من كتب الله (عزّ وجل) في قلبه الإيمان وأيده بروح منه(48).
الطائفة السادسة: إن الأرض لا تخلو من حجّة
تعدّدت الروايات التي نصّت على أن الأرض لا تخلو من حجة لله تعالى. وبما أنه بعد رحيل الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) لا نعرف حجة غير الإمام الثاني عشر (عجّل الله فرجه)، فهي دالة على أنه كان موجوداً بعد رحيل والده (عليه السلام). ومن هذه الروايات:
ما رواه الكليني عن عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن عيسى عن محمد بن أبي عمير عن الحسين بن أبي العلاء قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): تكون الأرض ليس فيها إمام؟ قال: لا. قلت: يكون إمامان؟ قال: لا، إلّا وأحدهما صامت(49).
والرواية صحيحة السند، وقال المجلسي في مرآة العقول إنها حسنة.
وما رواه عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن محمد بن أبي عمير عن منصور بن يونس وسعدان بن مسلم عن إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سمعته يقول: «إن الأرض لا تخلو إلّا وفيها إمام كيما إن زاد المؤمنون شيئاً ردّهم وإن نقصوا شيئاً رده لهم»(50).
والرواية معتبرة، وإبراهيم بن هاشم يوجب وصفها بالحسن، وإسحاق بن عمار يجعلها موثقة.
وقد جمع الكليني في الكافي في هذا الباب (13) رواية، والرواية الخامسة منها وإن كانت صحيحة السند لكن دلالتها غير واضحة، لكن الأمر إذا كان مرتبطاً بحساب الاحتمال فهي نافعة في محل كلامنا.
وإنما قلنا إنها غير واضحة الدلالة لأن متنها هو: (إن الله لم يدع الأرض بغير عالم ولولا ذلك لم يعرف الحق من الباطل).
فلفظ (عالم) أعم من الإمام (عليه السلام)، لكن يمكن تجاوز هذا الإشكال الدلالي من خلال قرينتين: الأولى: إن العالم يستعمل كثيراً في الإمام، والثانية: التعليل بأنه (لولا ذلك لم يعرف الحق من الباطل) الذي يعني أن العالم المذكور يعرف الحق من الباطل، وهو على الإطلاق لا يتحقق إلّا بالإمام المعصوم (عليه السلام).
والقرينة الأولى قابلة للمناقشة لأن كثرة استعمال اللفظ في معنى لا تستوجب ظهوره فيه إذا ورد بغير قرينة، إلّا إذا استوجب ذلك الوضع التعيّني، أي أنْ يصبح المعنى المستعمل فيه اللفظ معنى حقيقياً له، هذا أولاً، وثانياً: إذا هجر استعماله في المعنى الأول فيصبح كالمنقول، أو من المنقول الذي وضع لمعنى جديد وترك الاستعمال فيما وضع له أولاً.
نعم هذه القرينة تنفع في نفي البعد عن إرادة الإمام المعصوم من لفظ العالم فيما إذا توفرت قرينة ودلالة على أن المراد هو الإمام (عليه السلام).
وقد ورد في بعضها أنها لا تخلو من إمام. وهي في المجموع تامة الدلالة. نعم بعضها ضعيف السند. لكن الذي يبحث عن التواتر لا يمنعه ضعف السند. نعم ضعف السند يجعل عدد الروايات التي لابد من توفرها أكبر.
ومن تلك الروايات ما دل على أنه لو لم يبق في الأرض إلّا رجلان لكان أحدهما الحجة.
وقد ذكر الكليني خمس روايات تحت هذا العنوان، وهي وإن كانت غير ناهضة لضعفها السندي إلّا أنها نافعة في تجميع القرائن الاحتمالية. والرواية الأولى والثانية والرابعة ضعيفة السند والثالثة مرسلة والخامسة مجهولة.
وكان متن الأولى: «لو لم يبق في الأرض إلّا اثنان لكان أحدهما الحجة».
والثانية: «لو بقي اثنان لكان أحدهما الحجة على صاحبه».
وفي الثالثة: «لو كان الناس رجلين لكان أحدهما الإمام» وقال: «إن آخر من يموت الإمام لئلا يحتج أحد على الله (عزّ وجل) أنه تركه بغير حجة لله عليه».
وقريب من الأولى والثانية متن الرابعة والخامسة.
الطائفة السابعة: ما دل على ضرورة معرفة إمام الزمان (عجّل الله فرجه)
هناك العديد من الروايات التي دلت على ضرورة معرفة إمام الزمان، وهذا يستدعي وجوده. ونحن لا نعرف أحداً سواه منذ رحيل الحسن العسكري (عليه السلام).
ومن هذه الروايات: صحيحة زرارة، فقد روى الكليني عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن الحسن بن محبوب عن هشام بن سالم عن زرارة قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): أخبرني عن معرفة الإمام منكم واجبة على جميع الخلق؟ فقال (عليه السلام): «إن الله (عزّ وجل) بعث محمداً (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى الناس أجمعين رسولاً وحجة لله على جميع خلقه في أرضه، فمن آمن بالله وبمحمد رسول الله واتّبعه وصدّقه فإن معرفة الإمام منا واجبة عليه، ومن لم يؤمن بالله وبرسوله ولم يتّبعه ولم يصدّقه ويعرف حقهما فكيف يجب عليه معرفة الإمام وهو لا يؤمن بالله ورسوله ويعرف حقهما؟» قال: قلت: فما تقول فيمن يؤمن بالله ورسوله ويصدّق رسوله في جميع ما أنزل الله يجب على أولئك حق معرفتكم؟ قال (عليه السلام): «نعم أليس هؤلاء يعرفون فلاناً وفلاناً؟ قلت: بلى، قال: أترى أن الله هو الذي أوقع في قلوبهم معرفة هؤلاء؟ والله ما أوقع ذلك في قلوبهم إلّا الشيطان، لا والله ما ألهم المؤمنين حقنا إلّا الله (عزّ وجل)»(51).
ومنها صحيحة محمد بن مسلم:
الكليني عن محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين عن صفوان بن يحيى عن العلاء بن رزين عن محمد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: «كل من دان الله (عزّ وجل) بعبادة يجهد فيها نفسه ولا إمام له من الله فسعيه غير مقبول، وهو ضال متحير، والله شانئ لأعماله، ومثله كمَثَل شاة ضلّت عن راعيها وقطيعها، فهجمت ذاهبة وجائية يومها، فلما جنّها الليل بصرت بقطيع غنم مع راعيها، فحنّت إليها واغترت بها، فباتت معها في مربضها، فلما أن ساق الراعي قطيعه أنكرت راعيها وقطيعها، فهجمت متحيرة تطلب راعيها وقطيعها، فبصرت بغنم مع راعيها، فحنّت إليها واغترت بها، فصاح بها الراعي، الحقي براعيك وقطيعك فأنت تائهة متحيرة عن راعيك وقطيعك، فهجمت ذعرة متحيرة تائهة، لا راعي لها يرشدها إلى مرعاها أو يردّها، فبينما هي كذلك إذ اغتنم الذئب ضيعتها فأكلها، وكذلك والله يا محمد من أصبح من هذه الأمة لا إمام له من الله (عزّ وجل) ظاهر عادل أصبح ضالاً تائهاً، وإن مات على هذه الحالة مات ميتة كفر ونفاق... الخبر»(52).
وهذه الرواية وإن أمكن التشكيك في إمكان الاستناد إليها من جهة أنها مثّلت للذي لا يعرف إمامه، بالشاة التائهة التي يتربص الذئب بها، والمؤمن في زمن الغيبة هذا حاله لأنه لا يتمكن من الوصول إلى إمامه. وقد يجعل ذلك قرينة على إرادة خصوص زمن الحضور حيث يمكن التواصل مع الإمام (عجّل الله فرجه)، إلّا أنّ الرواية لا تخلو من دلالة احتمالية وبمستوى جيد عن ضرورة وجود إمام في كل زمان.
وقد نقل الكليني في هذا الباب(53) (14) رواية بعضها لا دلالة لها على المدعى كالرواية الأخيرة، وهي ما رواه بسند ضعيف فيه معلى بن محمد، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «قال أبو جعفر (عليه السلام): دخل أبو عبد الله الجدلي على أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال: يا أبا عبد الله، ألا أخبرك بقول الله (عزّ وجل): ﴿مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ * وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [النمل: 89-90] قال: بلى يا أمير المؤمنين جعلت فداك، فقال (عليه السلام): الحسنة معرفة الولاية وحبنا أهل البيت، والسيئة إنكار الولاية وبغضنا أهل البيت»(54).
ولا دلالة فيها على وجود الإمام الثاني عشر المستقبلي.
والرواية التاسعة كذلك.
والرواية الثامنة كذلك لأنه ورد فيها: «من أصبح من هذه الأمة لا إمام له من الله (عزّ وجل) ظاهراً عادلاً أصبح ضالاً تائهاً...» وقد قيد الإمام بصفة (الظاهر) وهذا ما لا ينطبق على الإمام الثاني عشر في زمن الغيبة. والرواية السابعة إذ جاء فيها: «أبى الله أن يجري الأشياء إلّا بأسباب فجعل لكل شيء سبباً وجعل لكل سبب شرحاً وجعل لكل شرح علماً وجعل لكل علم باباً ناطقاً عرفه من عرفه وجهله من جهله ذاك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ونحن»(55).
ولا دلالة فيها مضافاً إلى أنها مرسلة.
والسادسة أيضاً لم يأت فيها إلّا الأمر باتباع الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته (عليهم السلام). والإشارة إلى وصل طاعة ولي الأمر بطاعة الرسول.
بل والأولى وفيها جعلت فداك فما معرفة الله؟ قال: «تصديق الله (عزّ وجل) وتصديق رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) وموالاة علي (عليه السلام) والائتمام به وبأئمة الهدى والبراءة إلى الله (عزّ وجل) من عدوهم، هكذا يعرف الله (عزّ وجل)»(56).
والخامسة: لم تتحدث إلّا عن الأئمة الخمسة الأوائل.
الطائفة الثامنة: ما نص على غيبته سنة (260 هـ)
روى الصدوق عن أبيه وابن الوليد عن سعد والحميري معاً عن أحمد بن الحسين بن عمر بن يزيد عن الحسين بن الربيع عن محمد بن إسحاق عن أسد بن ثعلبة عن أم هانئ قالت: لقيت أبا جعفر محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام) فسألته عن هذه الآية ﴿فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ * الْجَوارِ الْكُنَّسِ﴾ [التكوير: 15-16]، فقال (عليه السلام): «إمام يخنس في زمانه عند انقضاء من علمه سنة ستين ومائتين، ثم يبدو كالشهاب الوقاد في ظلمة الليل، فإن أدركت ذلك قرّت عيناك»(57).
ولا شك في وثاقة علي بن بابويه والد الصدوق وابن الوليد، بل وجلالة قدرهما، وكذا سعد والحميري كما نص علماء الرجال على وثاقة أحمد بن الحسين بن عمر بن يزيد، والحسين بن الربيع لم يوثق ولا يضر عدم توثيقه لأن الحسين بن الربيع في طبقة قبل الغيبة. ووثاقة من نقل عنه ولو بواسطة في هذه الرواية لا شك فيها، وهذا يعني أن احتمال الكذب المعتد به لو كان فهو من الحسين بن الربيع أو من كان قبله في السند، مما يعني أن أحمد بن الحسين قد أخذ منه قبل زمان الغيبة. ونفس إخباره بهذه السنة بالدقة والتي حصلت فيها الغيبة قبل حصول الغيبة دليل على صحة إخباره ونفي احتمال الكذب والوضع منه هنا وإن لم تثبت وثاقته.
وبهذا تعتبر الرواية من الأدلة الصحيحة على غيبته (عليه السلام) ولازم ذلك ولادته أولاً.
وقد رويت بطريق آخر إلى محمد بن إسحاق وهو سُلامة بن محمد عن أحمد بن داوود عن أحمد بن الحسن عن عمران بن الحجاج عن ابن أبي نجران عن ابن أبي عمير عن محمد بن إسحاق.
مع اختلاف قليل في المتن.
ورويت بطريق ثالث، فقد رواها الكليني عن علي بن محمد عن موسى بن جعفر البغدادي عن وهب بن شاذان عن الحسين بن الربيع عن محمد بن إسحاق مع زيادة «كالشهاب يتوقد في الليلة الظلماء».
وكِلا الطريقين فيهما ضعف. فالثالث مثلاً فيه موسى بن جعفر البغدادي ووهب بن شاذان مضافاً إلى الحسين بن الربيع ولم يرد فيهم توثيق. فهم مجاهيل. لكن الطريق الثاني يضعف كون الواضع -لو كان ثمة وضع- هو الحسين بن الربيع.
وكيف فالرواية لا تختلف عن الصحيحة السند. فمثل هذا الضعف في الراوي لا يضعف مثل هذه الرواية.
الطائفة التاسعة: الإمام لا يغسِّله إلّا إمام من الأئمة (عليهم السلام)
ويمكن الاستدلال بالروايات التي نصَّت على أن الإمام لا يغسِّله إلّا إمام. وظاهرها يشمل الإمام العسكري (عليه السلام) فلابد أن يكون الإمام (عجّل الله فرجه) موجوداً حين وفاة والده إذ لا إمام سواه.
لكن هذه الروايات ليست قطعية الدلالة مضافاً إلى أن الموجود منها في الكافي تشترك في الضعف السندي لوجود معلى بن محمد في سندها جميعاً وهو البصري وهو مضطرب الحديث والمذهب. مضافاً إلى أن إحداها مرسلة فوق ذلك. والثانية والثالثة فيهما محمد بن جمهور الذي نص الرجاليون على ضعفه في الحديث وفساد مذهبه وقيل فيه أشياء الله أعلم بها من عظمها هكذا قالوا.
مضافاً إلى ضعف في دلالة إحداها.
والروايات هي:
1- الحسين بن محمد عن معلى بن محمد عن الحسن بن علي الوشا عن أحمد بن عمر الحلّال أو غيره عن الرضا (عليه السلام) قال قلت له: إنهم يحاجونا يقولون: إن الإمام لا يغسِّله إلّا الإمام. قال: ما يدريهم من غسَّله؟ فما قلت؟ قال: فقلت: جعلت فداك قلت لهم: إن قال إنه غسَّله تحت عرش ربي فقد صدق وإن قال: غسَّله في تخوم الأرض فقد صدق. قال: لا هكذا، فقلت: فما أقول لهم؟ قال: قل لهم: إنّي غسَّلته، فقلت: أقول لهم إنك غسَّلته؟ فقال نعم(58).
وظاهر كلام الإمام (عليه السلام) أنه أقرَّ ما كانوا قد اعتقدوا به من أن الإمام لا يغسِّله إلّا الإمام، وكأن إشكال المستشكلين أن الإمام الكاظم (عليه السلام) قد توفي في السجن ببغداد ولم يكن قد حضره ولده الإمام الرضا (عليه السلام)، فكيف ينسجم ذلك مع ما كانوا قد بنوا عليه من أنّ الإمام لا يغسِّله إلّا الإمام؟ وإرسال هذه الرواية من جهة أن الوشا نقل إمّا عن الحلّال أو آخر غير معروف لنا فهي مرسلة.
2- الحسين بن محمد عن معلى بن محمد عن محمد بن جمهور قال: حدثنا أبو معمر قال: سألت الرضا (عليه السلام) عن الإمام يغسِّله الإمام؟ قال: سُنَّة موسى بن عمران(59).
وكأنه (عليه السلام) يشير إلى تولّي وصي موسى (عليه السلام) عملية تغسيله وتجهيزه (عليه السلام). وحين قال (عليه السلام): (سُنّة موسى بن عمران (عليه السلام)) فإنه أشار إلى كونها قاعدة في تجهيز الأنبياء والأئمة (عليهم السلام). فتنطبق على الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) فلابد أن يكون وصيه قد جهّزه، ووصيه ليس إلّا الحجة (عجّل الله فرجه).
وأبو معمر مجهول.
3- عن الحسين بن محمد عن معلّى بن محمد عن محمد بن جمهور عن يونس عن طلحة قال: قلت للرضا (عليه السلام): إن الإمام لا يغسِّله إلّا الإمام؟ فقال: أما تدرون من حضر لغسله؟ قد حضره خير ممن غاب عنه، الذين حضروا يوسف في الجب حين غاب عنه أبواه وأهل بيته(60).
وطلحة مجهول.
وفي هذه الرواية مشكلة دلالية إذ إن ظاهر الرواية أن الإمام (عليه السلام) دفع إشكالهم بأنه لم يحضر تغسيل والده، وأن ذلك يُشَكِّل نقضاً لقاعدة الإمام لا يغسِّله إلّا إمام، فأخبرهم بأن الذي حضره هو خير ممن غاب عنه. أي إن الحاضر كان آخرين غير الإمام الرضا (عليه السلام).
وعلى هذا يمكن أن يقال: إن الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) مثلاً قد لا يكون من حضره ولده، فلا ضرورة على وجود ابن له ليصح أنه غسَّله إمام.
ومثل هذه الرواية ما رواه في الاختصاص عن معاوية بن حكيم عن إبراهيم بن أبي سماك قال: كتبت إلى أبي الحسن الرضا (عليه السلام) إنّا قد روينا أن الإمام لا يغسِّله إلّا الإمام، وقد بلغنا هذا الحديث فما تقول فيه؟ فكتب إليّ: إن الذي بلغك هو الحق. قال: فدخلت عليه بعد ذلك فقلت له: أبوك من غسَّله؟ ومن وليُّه؟ فقال: لعل الذين حضروه أفضل من الذين تخلّفوا عنه. قلت: ومن هم؟ قال: حضروه الذين حضروا يوسف (عليه السلام) ملائكة الله ورحمته(61).
وهذه الرواية أوضح دلالة على العدم.
ولكن هناك أخبار كثيرة دلَّت على حضور الإمام الرضا (عليه السلام) عند تغسيل والده قال المجلسي: لعل الخبرين محمولان على التقية... إلى آخر كلامه(62).
بقيت رواية نقلها صاحب البحار عن مناقب آل أبي طالب وهي مرسلة. إذ رواها عن أبي بصير قال: قال الصادق (عليه السلام): فيما أوصاني به أبي (عليه السلام) أن قال: يا بني إن أنا مِتُّ فلا يغسِّلني أحد غيرك فإن الإمام لا يغسِّله إلّا إمام(63).
ورواية أبي بصير في الخرائج والجرائح وهي مرسلة أيضاً، فقد نقلها عن أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: كان فيما أوصى به إليّ علي بن الحسين (عليهما السلام) أنه قال: يا بني إذا أنا مِتُّ فلا يلي غُسلي غيرك، فإن الإمام لا يغسِّله إلّا إمام بعده ... الخبر(64).
وهي مرسلة أيضاً وقد نقلها في كشف الغمة أيضاً.
وقد تبين لك أن هذه الروايات كلها ضعيفة السند لا يمكن الاعتماد عليها في إثبات شيء من الفروع فكيف يستدل بها على تفصيل في الأصول؟
إلّا أننا لم نذكرها لأجل الاعتماد عليها كدليل مستقل، وإنما ذكرناها كقرينة احتمالية تدعم بقية القرائن حتى نصل إلى القطع أو ما هو بحكمه عقلاً. وضعف الرواية لا يعني أبداً عدم مطابقة مؤداها للواقع. بل غاية ما يقال فيها: إن طريقها لا ينهض لإثبات صدورها إلّا أن ذلك لا يعني أيضاً عدم صدورها.
وبذلك يتبين لك أن الإشكال الدلالي لا يسقط هذه الروايات عن الاستفادة منها كقرائن احتمالية.
فقد قيل: إن ذلك مقيد بصورة الحضور، ولذلك استدل الصدوق -على ما نقل عنه في البحار- بأمر الصادق (عليه السلام) بتغسيل ولده إسماعيل لإبطال إمامته قال لأن الإمام لا يغسله إلّا إمام إذا حضره(65).
بل طرح الصدوق وجهاً آخر(66) مردُّه إلى أن (لا يغسِّله إلّا إمام) جملة يراد بها الإنشاء أي إنها تنهى غير الإمام أن يتصدى لغسل الإمام السابق. فلو كان (يغسله) مرفوعاً فهي جملة خبرية في مقام الإنشاء. وهذا النبي يكون فعلياً لو وجد الإمام الآخر، فتسقط دلالتها على وجود الإمام (عجّل الله فرجه) بعد وفاة والده(67).
ومأخذ هذا الوجه رواية عن الرضا (عليه السلام).
عن عيون الأخبار عن تميم القرشي عن أبيه عن محمد بن يحيى عن محمد بن خلف الطاطري عن هرثمة بن أعين قال: كنت ليلة بين يدي المأمون حتى مضى من الليل أربع ساعات، ثم أذن لي في الانصراف فانصرفت. فلما مضى من الليل نصفه قرع قارع الباب فأجابه بعض غلماني، فقال له: قل لهرثمة: أجب سيدك، قال: فقمت مسرعاً وأخذت علي أثوابي وأسرعتُ إلى سيدي الرضا (عليه السلام)، فدخل الغلام بين يدي ودخلتُ وراءه، فإذا أنا بسيدي (عليه السلام) في صحن داره جالس، فقال: يا هرثمة، فقلت: لبيك يا مولاي، فقال لي: اجلس، فجلست، فقال لي: اسمع وعِ يا هرثمة، هذا أوان رحيلي إلى الله تعالى ولحوقي بجدي وآبائي (عليهم السلام). وقد بلغ الكتاب أجله، وقد عزم هذا الطاغي على سمي في عنب ورمان مفروك، فأمّا العنب فإنه يغمس السلك في السم ويجذبه بالخيط في العنب، وأمّا الرمان فإنه يطرح السم في كف بعض غلمانه ويفرك الرمان بيده ليلطخ حبه في ذلك السم. وإنه سيدعوني في ذلك اليوم المقبل، ويقرب إليّ الرمان والعنب ويسألني أكلهما فآكلهما، ثم ينفذ الحكم ويحضر القضاء، فإذا أنا مِتُّ فسيقول: أنا أُغسِّله بيدي. فإذا قال ذلك، فقل له عني بينك وبينه، إنه قال: لا تتعرض لغسلي ولا لتكفيني ولا لدفني، فإنك إن فعلت ذلك عاجلك من العذاب ما أخر عنك وحل بك أليم ما تحذر، فإنه سينتهي. قال: فقلت: نعم يا سيدي. قال: فإذا خلّى بينك وبين غسلي فسيجلس في علو من أبنيته، مشرفاً على موضع غسلي لينظر، فلا تعرض يا هرثمة لشيء من غسلي حتى ترى فسطاطاً أبيض قد ضربت في جانب الدار، فإذا رأيت ذلك فاحملني في أثوابي التي أنا فيها، فضعني من وراء الفسطاط وقف من ورائه، ويكون من معك دونك ولا تكشف عن الفسطاط حتى تراني فتهلك، فإنه سيشرف عليك ويقول: يا هرثمة أليس زعمتم أن الإمام لا يغسِّله إلّا إمام مثله، فمن يغسِّل أبا الحسن علي بن موسى وابنه محمد بالمدينة من بلاد الحجاز ونحن بطوس؟ فإذا قال ذلك فأجبه وقل له: إنا نقول إن الإمام لا يجب أن يغسِّله إلّا إمام، فإذا تعدى متعد وغسل الإمام لم تبطل إمامة الإمام لتعدي غاسله ولا بطلت إمامة الإمام الذي بعده بأن غلب على غسل أبيه، ولو ترك أبو الحسن علي بن موسى بالمدينة لغسله ابنه محمد ظاهراً مكشوفاً ولا يغسله الآن إلّا هو من حيث يخفى، فإذا ارتفع الفسطاط فسوف تراني مدرجاً في أكفاني فضعني على نعش واحملني... الخبر(68).
ولا تصلح هذه الرواية وجهاً لما ذكره الصدوق لأنها كانت في مقام بيان جواب للمأمون وليست لبيان الواقع. مضافاً إلى أن نفس الرواية قالت: ولا يغسِّله الآن إلّا هو من حيث يخفى.
وكيف كان فالاحتمال باقٍ على حاله إذ يمكن أن يكون المراد الواقعي منها على فرض صدورها هو إخبار بواقع مؤداه أن كل إمام لا يغسِّله إلّا إمام آخر، وأن ذلك يشمل الإمام الحسن العسكري (عليه السلام). والتشكيك الدلالي لا يلغي الاحتمال نعم يضعفه من جهة قيمته. وفائدة هذا الاحتمال وإن ازدادت كلما كبر إلّا أن أصل الفائدة لا تتوقف على قوته.
الطائفة العاشرة: ما دل على أنه ما مات عالم فذهب علمه
الكليني عن العدة عن أحمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن النضر بن سويد عن يحيى الحلبي عن بريد بن معاوية عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إنّ علياً (عليه السلام) كان عالماً، والعلم يتوارث، ولن يهلك عالم إلّا بقي من بعده من يعلم علمه أو ما شاء الله(69).
والرواية صحيحة السند.
وعن علي بن إبراهيم عن أبيه عن حماد بن عيسى عن حريز عن زرارة والفضيل عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إنّ العلم الذي نزل مع آدم (عليه السلام) لم يرفع، والعلم يتوارث، وكان علي (عليه السلام) عالم هذه الأمة، وأنه لم يهلك منا عالم قط إلّا خلفه من أهله من علم مثل علمه أو ما شاء الله(70).
والرواية حسنة.
وعن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن البرقي عن النضر بن سويد عن يحيى الحلبي عن عبد الحميد الطائي عن محمد بن مسلم قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): إن العلم يتوارث، ولا يموت عالم إلّا وترك من يعلم مثل علمه أو ما شاء الله(71).
والرواية صحيحة السند. فعبد الحميد الطائي هو ابن عواض وثَّقه الشيخ في رجاله(72)، وأمّا يحيى الحلبي فهو يحيى بن عمران بن علي بن أبي شعبة وهو ثقة ثقة صحيح الحديث(73) والباقون وثاقتهم واضحة.
وعن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن فضالة بن أيوب عن عمر بن أبان قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: إن العلم الذي نزل مع آدم (عليه السلام) لم يدفع وما مات عالم فذهب علمه(74).
وهو حديث صحيح فعمر بن أبان يراد به الكلبي أبو حفص وهو مولى كوفي ثقة. والباقون وثاقتهم واضحة.
هذه أربع روايات معتبرة السند دلَّت على أنه لن يهلك عالم إلّا بقي مِنْ بعده مَنْ يعلم علمه أو ما شاء الله. وطبق العالم على علي (عليه السلام) في بعضها.
وأمّا دلالتها على ضرورة وجود الإمام الحجة (عجّل الله فرجه) فلأنه لولا ذلك لما وجد من يرث علم العسكري (عليه السلام) وعلم آبائه (عليهم السلام).
النتيجة:
بعد كل ما ذكرناه من الروايات وأشرنا إليه دون نصه أتظن أنه يوجد مجال للتشكيك في التواتر على ولادته (عجّل الله فرجه)؟
إن عدد الروايات التي جمعها الشيخ آصف محسني في النص على ولادته (عجّل الله فرجه) (32) رواية، اثنان منها صحيحتا السند. ومجموع ما يدخل تحت ما ذكرناه من الأبواب يتجاوز المائة بلا شك بكثير. وبعضه ليس في سنده إلّا رجلان مما يعطيه قوة احتمال أكبر مما لو تعددت طبقات سند الحديث، وبعض الأسانيد تجد فيها اثنين أو ثلاثة من أعاظم الرواة وأعيان الفقهاء.
لو أردنا أن نتسامح وقلنا: إن إثبات الرواية من هذه الروايات لولادته (عجّل الله فرجه) أي حاصل إثباتها الملحوظ فيه احتمال صدورها وإرادة هذا المعنى منها كان بمستوى (10%) في المعدل وهو أكثر بكثير في العديد منها بلا شك. فإن مائة رواية مثبتة بهذا المستوى من درجة الكشف ثبَّتت المطلوب بما قابل حاصل ضرب (90%) في نفسها مائة مرة.
وهذا ما يساوي تقريباً ما قابل (27.5) من المليون، وما قابله يساوي (999972.5) من المليون. أي إن احتمال الخطأ أقل من ثلث الواحد من العشرة آلاف، هذا مع ملاحظة أن نسبة المطابقة للواقع قد أخذناها بأقل احتمال وهو العشرة بالمائة وبعضها قد يتجاوز الثمانين بالمائة.
مثل رواية الكليني عن العدة عن البرقي عن داوود بن القاسم الجعفري في الطائفة الرابعة ومثل رواية الكليني عن علي بن محمد الذي نقل خروج النهي عن زيارة مقابر قريش.
والرواية التي نقلها الطوسي عن الغضائري عن محمد بن أحمد بن داود عن أبي علي بن همام.
ورواية الصدوق عن أبيه وابن المتوكل وابن الوليد عن الحميري قال: سألت محمد بن عثمان العمري وأنا أرى أن مثل هذا السند يوصل إلى كشف قد يتجاوز (90%).
ولنقف عند هذا الحد فإن الغاية هي التمثيل لا الاستقصاء.
ولك أن تقضي عجباً لمن يشكك في تواتر الأدلة الدالة على ولادته (عجّل الله فرجه).
ولا يفوتني أن أُنبِّه مرة أخرى أن ما ذكر وما أشير إليه أكثر بكثير من المائة، كما أني تركت استقصاء أو حتى ذكر أخبار مَنْ قيل إنه قد التقاه في غيبته الكبرى، وما أكثر هذه المفردات وإن قلَّت قيمتها الاحتمالية.
إن ما ذكرناه أو أشرنا إليه من الروايات كانت دلالة الأكثر منه بالدلالة الالتزامية لا المطابقية.
وبما أن بعض الأعاظم لا يبني على حجية الأمارات بما في ذلك أخبار الثقات، فقد يكون ذلك منشأ لتوهم أنه لا فائدة في هذه الروايات وفق المبنى المشار إليه لإثبات ولادة الإمام (عجّل الله فرجه).
لكننا سبق وبينّا في أول هذا البحث أن الحاجة إلى إثبات حجية الأمارات في مداليلها الالتزامية أو في مثبتاتها كما يعبرون إنما هي في دائرة التعبد وما يمكن أن يثبت بواسطة حجية الأمارة لا ما كان مترتباً على الأمارة من جهة الكشف. فإنه أثر تكويني لا علاقة لدليل الحجية به.
وهذا يعني أن الدلالات القطعية ولو كانت حاصلة بتراكم الاحتمال لا ربط لها بمبنى الحجية التعبدية. ومثل السيد الخوئي (رضوان الله عليه) ممن بنى على عدم حجية الأمارة في مثبتاتها لا شك أنه لا يريد إسقاط كاشفيتها الظنية مثلاً عن المداليل الالتزامية.
وفي تراكم الاحتمال لا نحتاج إلّا إلى هذه الكاشفية.
والتواتر من وسائل الإثبات الوجداني أي القطعي والذي لا يعتمد في حصوله على الحجية الشرعية بل على كشف الروايات المتواترة في موضوع معين مثلاً عن ثبوت صدور هذا اللفظ قطعاً من المعصوم -في التواتر اللفظي- أو ثبوت صدور هذا المعنى -في التواتر المعنوي- أو ثبوت صدور رواية واحدة على الأقل من الروايات المتواترة -في التواتر الإجمالي-. كل ذلك بنحو البت والجزم.
فالمبنى المزبور لا علاقة له بحصول التواتر أو عدمه.
ولا يفوتني أن أنوّه إلى أن بعض القواعد المقدمة والتي قلنا لابد من ملاحظتها لأنها تؤثر في قوة الاحتمال الحاصل منها والكاشفية قد يكون بعضها مما لم نُشِر إليه في التطبيق وإنما لم نذكرها هناك للاستغناء عنها بعد هذا الكم من الروايات والتنوع فيها، وإنما ذكرتها ليلاحظها الباحث لقطع الشك في نفسه إذا شكّك في حصول التواتر وترتّب الجزم والقطع عليه ذلك لمن أراد أن يذّكّر أو أراد شكوراً.
لا منافاة بين تراكم الاحتمال والمباني في التواتر:
قد يقول قائل: إن تراكم الاحتمال كنظرية لا يرتبط بمبنى السيد الخوئي (رحمه الله) أو غيره في التواتر فالحديث عن أنه وفق مبنى السيد الخوئي (رحمه الله) لا يتحقق التواتر على ولادة الإمام (عجّل الله فرجه) وعلى هذا يكون الخوض في تراكم الاحتمال أجنبياً بالمرة عن محل النزاع.
لكن تراكم الاحتمال لا يتنافى مع أي مبنى في التواتر إذ إنهم قد عرفوا التواتر بأنه إخبار جماعة يمتنع تواطؤهم على الكذب -وإن كان في هذا التعريف نوع مسامحة- وينبغي أن يكون المقصود إخبار جماعة يمتنع مخالفة خبرهم للواقع فلا دخالة للتواطؤ كما لا دخالة للكذب فقد يكون منشأ مخالفة الواقع الخطأ والاشتباه من المخبر.
ووجه عدم التنافي بين نظرية التراكم وبين أي مبنى في التواتر هو أن تراكم الاحتمال يبين لنا كيفية حصول العلم من الخبر المتواتر وهذا قابل للانطباق على كل المباني والتي اختلفت من حيث العدد المعتبر في المخبرين والذي بموجبه يحصل القطع بمطابقة خبرهم للواقع.
نعم قد ينعكس الأخذ بتراكم الاحتمال على ما هو معتبر في التواتر إذ حينها لا خصوصية للعدد وإن كانت أصل الكثرة معتبرة. بل المدار على ما يحصل به الجزم وهذا مرتبط بنوعية المخبر ونوعية القضية المخبر عنها وبمسلك الراوي فمن يخبر بقضية على خلاف متبناه يكون احتمال الصدق في خبره أكبر مما لو أخبر بقضية موافقة لمتبناه. وعلى هذا فقد يحصل التواتر بإخبار عشرة وقد لا يحصل بإخبار عشرين.
وكيف كان، فلا مجال لتوهم كون تراكم الاحتمال أجنبياً عما اتخذ من مسلك في حصول التواتر. ولا فرق حينئذٍ بين أن تكون الدلالة مطابقية أو التزامية لأن الدليل الذي يكشف عن مدلوله المطابقي بدرجة ما يكشف بنفس الدرجة عن المدلول الالتزامي بمقتضى الملازمة. وهذا لا علاقة له أيضاً بمبحث حجية الأمارات في المداليل الالتزامية ثبوتاً وعدماً كما تقدم.
وبعد هذا أترى مناسباً للإنصاف أن يشكك منتحل بهذا المذهب في حصول التواتر على ولادته (عجّل الله فرجه) ولو على بعض المباني؟ ما لكم كيف تحكمون؟
ثبَّتنا الله بالقول الثابت في الدنيا والآخرة إنه خير ناصر ومعين.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
الهوامش:
(1) الغيبة، النعماني: ص158، ب10، ح18.
(2) الكافي: ج1 ب29 ح3.
(3) تكرر في الروايات النهي عن تسميته (عجّل الله فرجه) وقد نقل صاحب البحار في باب النهي عن التسمية ثلاث عشرة رواية. وفي الأولى يسأل أبو خالد الكابلي الباقر (عليه السلام) بقوله: «أريد أن تسميه لي حتى أعرفه باسمه فقال: سألتني والله يا أبا خالد عن سؤال مجهد. ولقد سألتني عن أمر ما كنت محدثاً به أحداً ولو كنت محدثاً به أحداً لحدثتك، ولقد سألتني عن أمر لو أن بني فاطمة عرفوه حرصوا على أن يقطعوه بضعة بضعة» (غيبة النعماني: ص288).
ويكفي شاهداً على صحة ذلك ما تحدثت به الروايات عن كيد عمه جعفر وهو أقرب الناس إليه وأولاهم به.
وفي الرواية السابعة عن الكافي عن علي بن محمد عن أبي عبد الله الصالحي (وهو أبو عبد الله بن الصالح) قال: سألني أصحابنا بعد مضي أبي محمد (عليه السلام) أن أسأل عن الاسم والمكان فخرج الجواب: إن دللتهم عن الاسم أذاعوه وإن عرفوا المكان دلوا عليه. (الكافي: ج1، ص333).
ونقل في الكافي رواية الريان بن الصلت في ذلك وهي موثقة. ورواية ابن رئاب وهي صحيحة السند نفس المصدر والصفحة.
(4) كمال الدين: ج2، ص346.
(5) كمال الدين: ج2، ص371، ب35، ح5.
(6) غيبة النعماني: ص168.
(7) كمال الدين: ج2، ص368، باب ما روي عن الكاظم (عليه السلام): ح6.
(8) كمال الدين: ج2، ص377، باب ما روي عن أبي جعفر الثاني (عليه السلام)، ح2.
(9) كمال الدين: ج1، ص325، ما أخبر به الباقر (عليه السلام): ح2.
(10) بحار الأنوار: ج22، ص141.
(11) بحار الأنوار: ج51، ص12.
(12) ج2، ص432.
(13) ج2، ص432.
(14) ج2، ص432.
(15) ج2، ص432.
(16) ج2، ص433.
(17) كمال الدين: ج2، 433.
(18) كمال الدين: ج2، ص234.
(19) غيبة الطوسي: ص229.
(20) كمال الدين: ج2، ص474.
(21) ج2، ص431.
(22) كمال الدين: ج2، ص441.
(23) الحميري هو عبد الله بن جعفر بن الحسين بن مالك بن جامع الحميري أبو العباس القمي. قال العلامة فيه شيخ القميين ووجههم ثقة من أصحاب أبي محمد العسكري (عليه السلام). وقال النجاشي: إنه شيخ القميين ووجههم. وقال الشيخ كان وكيلاً للكاظم والرضا (عليهما السلام) عظيم المنزلة لديهما وروى الكشي له مدحاً جليلاً. (خاتمة الوسائل).
(24) كمال الدين: ج2، ص482.
(25) معجم رجال الحديث: ج14.
(26) بحار الأنوار: ج52، ص23-24.
(27) غيبة الطوسي: ص251، رقم 222.
(28) كمال الدين وتمام النعمة: ص43، باب من شاهد القائم (عليه السلام) ورآه.
(29) بحار الأنوار: ج52، ص32-37.
(30) الخرائج والجرائح: ج2، ص697.
(31) رجال الكشي: 261، ح648.
(32) أصول الكافي: ج1، ص517.
(33) غيبة الطوسي: ص284، رقم 244.
(34) غيبة الطوسي: ص307، رقم 258.
(35) كمال الدين: ج2، ص489.
(36) الكافي: ج1 ص337 ب183 ح1.
(37) الكافي: ح1 ص338 ب183 ح3.
(38) معجم رجال الحديث: ج3، ص345.
(39) رجال النجاشي: في النسخة الحجرية ص79.
(40) كمال الدين: 178؛ عيون أخبار الرضا (عليه السلام): 24 و25.
(41) كمال الدين: ج2، ص334، ح4.
(42) كمال الدين: ج2، ص338.
(43) كمال الدين: ج2، ص342.
(44) كمال الدين: ج2، ص345.
(45) علل الشرائع: ص244، ب179، ح4.
(46) كفاية الأثر: ص279.
(47) كمال الدين: ج2، ص648.
(48) ج2، ص524، باب ما جاء في التعمير، ح4.
(49) الكافي: ج1، ص178.
(50) نفس المصدر والصفحة.
(51) الكافي: ج1، ص180-181.
(52) الكافي: ج1، ص183-184.
(53) باب معرفة الإمام (عليه السلام) والرد إليه.
(54) الكافي: ج1، ص185.
(55) الكافي: ج1، ص183.
(56) الكافي: ج1، ص180.
(57) كمال الدين: ج1، ص342.
(58) الكافي: ج1، ص384-385.
(59) الكافي: ج1، ص385.
(60) الكافي: ج1، ص385.
(61) مختصر بصائر الدرجات: 13.
(62) بحار الأنوار: ج27، ص289.
(63) بحار الأنوار: ج27، ص290.
(64) الخرائج والجرائح: ص195.
(65) بحار الأنوار: ج47، ص248.
(66) كمال الدين وتمام النعمة: ج1، ص99.
(67) عيون أخبار الرضا (عليه السلام): ج1، ص105.
(68) بحار الأنوار: ج49، ص293-294.
(69) الكافي: ج1، ص221-222.
(70) نفس المصدر: ص222.
(71) نفس المصدر والصفحة.
(72) معجم رجال الحديث: ج9، ص278.
(73) نقل ذلك في خاتمة الوسائل أحوال الرجال.
(74) نفس المصدر والصفحة.