البحوث والمقالات

(٧٢٦) الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) بين ولادة الاعتقاد واعتقاد الولادة

الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) بين ولادة الاعتقاد واعتقاد الولادة

علي محمد ناصر

مقدمة:
﴿قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ﴾ (إبراهيم: 10).
إنّ من لديه أبسط آليةِ تفكير سليمة يُدرك تماماً أن هذا العالم الذي وُجِدْنا فيه إنّما هو مخلوق لخالق حكيم عليم قادر، إذ إن الأثر لابد أن يدل على المؤثر، وإنّ الحكمة في النظم تأخذ بألبابنا وتسوقها إلى الاعتقاد بالحكيم القادر، ولابد للعاقل اللبيب أن يدرك إنعام المنعم حسب وسعه، وإذا ما أنعم الكريم المعطي فقواعد العقل وقوانينه تقضي بشكر هذا المنعم، ولكن كيف للإنسان أن يشكر من أنعم عليه بنعمة الخلق والوجود بالشكل الذي يرتضيه هذا المنعم؟ لهذا كان لابد من صلة وَصْل بين الإنسان وخالقه؛ لابد من وجود إنسان يبلّغ أحكامَ الله الخالقِ وأوامرَه للبشر، ولابد أن يكون أولُ إنسانٍ حينئذٍ نبياً، فهو فاتحة السلسلة المحتاجة للارتباط بالخالق، فإن لم تكن هذه الفاتحة مرتبطة بالله تعالى فيلزم جهل الإنسان المفكر العاقل بأوامره سبحانه.
ولما كان الإنسان الأول قد أخذ العلم من العليم الخالق، ﴿وَعَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا...﴾ (البقرة: 31)، فإن أصل الثقافة الإنسانية واحد، وهذا يؤكده وجود أفكار مشتركة بين الثقافات المتنوعة والمتباعدة جغرافياً وفكرياً، فإنّا نجد أفكاراً في دين يُظنُّ أنه وضعي تتفق مع أفكار في دين سماوي آخر، وإنّ من هذه الأفكار التي يمكن رصد وجودها بقوة هي فكرة الخلاص التي شغلت الفكر البشري قديماً وحديثاً، فإن الباحث في أنثروبولوجيا(1) العقائد القديمة سيجد صوراً متشابهة لشخصية المنقذ المخلص المأمول فهو المَعِينُ الإنساني الذي نهلت منه المجتمعات الإنسانية ملامحَ الأملِ في تراثها العقدي الذي نظروا من خلاله لقضايا صراع الخير والشر، النور والظلمة، الحق والباطل.. وهذا ما تجسده لنا العديد من النصوص عند مجمل الفرق، سواء الإسلامية أو الديانات اليهودية والمسيحية وحتّى الوضعية.
وهناك من يفهم ذلك الاشتراك والتشابه والتواطؤ على أصل هذه الفكرة يفهمه كنوع من حالة وقاية نفسية فطرية ناتجة من اشتراك البشر في حالة الضعف تجاه مظاهر القوة المتسلطة عليهم، فإن كل جماعة بشرية قد تعرضت لظروف قاسية مما أورثها ضعفاً نفسياً عاماً، والأخير أدى إلى ابتكار وانشاء فكرة المخلص والتطلع ليوم الخلاص وهذا لا يخلو من وجه، ولكن لازمه أن كل منظومة بشرية عندما تتخطى تلك الظروف القاسية، عليها أن تلغي هذه الفكرة من تراثها ووجدانها، وهذا ما لم نره في الأمم السابقة، فقد كان الفراعنة أصحاب حضارة عظيمة ومقتدرة يتطلعون إلى مخلص منتظر وكذا المسيحية واليهودية، حينما اقتدروا ما انفكوا عن انتظار المخلص، ومازالوا له من المنتظرين رغم امتلاكهم أسباب القوة بأنواعها.
فكان بحثنا في المخلص العالمي، الذي اصطلح الدين الإسلامي على تسميته بالمهدي.
وعلى هذا كان البحث على فصول ثلاثة:
الأول: المظاهر العالمية لفكرة المخلص.
والثاني: المهدي (عجَّل الله فرجه) في الإسلام.
والثالث: تحت عنوان ولادة المهدي (عجَّل الله فرجه).
لنقف على الولادة الأولى للاعتقاد بالمهدوية في الفكر الإسلامي، ثمّ لِنصل إلى مشروعية اعتقاد الولادة بالمهدي أهو وُلد أم لم يولد بعد؟، ومن هنا كان البحث الماثل بين يديك سيدي القارئ تحت عنوان (المهدي (عجَّل الله فرجه) بين ولادة الاعتقاد واعتقاد الولادة) آملين من الله تعالى التوفيق والسداد.
الفصل الأول: المظاهر العالمية لفكرة المخلص:
أولاً: المُخَلِّص في الديانات القديمة:
إن فكرة المخلص تحقق وجوداً ملحوظاً في الأديان على اختلافها وتنوعها، إذ نجد الفكرة حاضرةً في الديانة الزرادشتية من خلال ما ورد في الألفية الزرادشتية من أنه يُنتظر ظهور ثلاثة منقذين من نسل زرادشت يملؤون الدنيا خيراً وعدلاً وهم هوشيدور، هوشيدورماه، سوشيانس(2). وكذا نرى وجوداً للفكرة في الديانة الهندوسية (ديانة الهند القديمة) من خلال الاعتقاد بـ(كلكي) عاشر تجليات (فشنو) رب الحفظ في الديانة الهندوسية(3)، كما نجد أثرها في الديانة البوذية من خلال تعبير (بوذيساتاوا) الذي يعبر عن بوذا المنتظر(4)، وهناك الكثير مما يمكن ذكره عن (المخلص) في الديانات القديمة والتي قد لا تُصنف اليوم على أنها سماوية، ولكن في الحقيقة قد يتبين للباحث المدقق أن أصل هذه الأديان سماوي، إلّا أنها حُرِّفت لتقادم الأزمان عليها، ولعلّ هذا ما نفهمه من حديث أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) عندما سُئل عن المجوس أكان لهم نبي؟ فقال: «نعم أما بلغك كتاب رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إلى أهل مكة أن أسلموا وإلّا نابذتكم بحرب، فكتبوا إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أن خُذ منّا الجزية ودعنا على عبادة الأوثان، فكتب إليهم النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم): أني لست آخذ الجزية إلّا من أهل الكتاب، فكتبوا إليه - يريدون بذلك تكذيبه -: زعمت أنك لا تأخذ الجزية إلّا من أهل الكتاب ثم أخذت الجزية من مجوس هجر، فكتب إليهم النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم): أن المجوس كان لهم نبي فقتلوه وكتاب أحرقوه، أتاهم نبيهم بكتابهم في اثني عشر ألف جلد ثور»(5). وحديث أخذ النبي للجزية من مجوس هجر معروف في كتب المسلمين(6). وهذا يدعم ما ادعيناه من وحدة أصل الثقافة البشرية، وأنها ذات منبع ديني واحد.
ثانياً: المخلص في الأديان السماوية غير الإسلام:
1 - المخلص في الديانة اليهودية:
أمّا ما نطالعه من وجود فكرة المخلص في الأديان السماوية السابقة لدين الإسلام فهو أجلى ظهوراً، وهو مما عرفت به الديانتان اليهودية والنصرانية، ففي الديانة اليهودية نجد أن اليهود ينتظرون المسيح أو المشيح أو المسيحا كما يسمونه، وهم ينتظرونه كقائدٍ إلهي يعيد لهم عظمة شعب الله، هذا بالرغم من أن بعض علمائهم يرى أن مفهوم المسيح المنتظر لم يظهر إلّا في فترة متأخرة من تاريخ اليهودية وأن هذا المفهوم لم يرد في التوراة ولكن الباحث المدقق يجد نصوصاً توراتية تؤكد التبشير بمنتظر يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، وهذا ما نجده في سفر أشعيا: (ويفرخ برعم من جذع يسى (أبو داود)(7)، وينبت غصن من جذوره، ويستقر عليه روح الرب، روح الحكمة والفطنة، روح المشورة والقوة، روح معرفة الرب ومخافته، وتكون سعادته في مخافة الرب، فلا يقضي بحسب نظر عينيه ولا يحكم بحسب سمع أذنيه، بل يقضي بالعدل للمساكين، ويحكم بالإنصاف لبائسي الأرض، ويضرب الأرض بقضيب فمه، ويميت المنافق بنفخة شفتيه ويكون البِرُّ منطقة متنيه والأمانة منطقة حقويه. فيسكن الذئبُ مع الحمل، ويربضُ النمر مع الجدي... لا يسوؤون ولا يفسدون في كل جبل قدسي لأن الأرض امتلأت بمعرفة الله كما تغطي المياه البحر)(8).
إن ما يعرضه هذا النص التوراتي من توصيف لحال البشرية عند ظهور المصلح المنتظر، وما ينشره من صنوف العدل في جميع أنحاء الأرض، وما يحققه من مكاسب عظيمة للإنسانية، لم يوجد حتّى الآن في جميع فترات تاريخها، إذاً فإن هذا الزمان لم يتحقق بعد، وهم في حال انتظار له حتّى الآن، ولا بد أن يكونوا كذلك.
2 - المخلص في الديانة المسيحية:
أمّا في الديانة المسيحية فإن المسيحيين يعتبرون أن المخلص قد أتى متمثلاً بالمسيح عيسى (عليه السلام) لكنه (عليه السلام) لا ينطبق عليه الكثير من الأوصاف التي وردت في الإنجيل، ولم يقم بكل ما هو مناط به. من هنا فإنهم يقولون: إنه سيعود ليقوم بما لم يقم به، فالإنجيل الذي معناه (الخبر الطيب أو بشرى الخلاص)(9)، قد بَشَّر بزمانٍ يعم فيه حكم الله تعالى الأرضَ؛ ففي إنجيل لوقا قال لأحدهم: (... وأمّا أنت فامضِ وبشّر بملكوت الله)(10).
وقال: (يجب أن تُعلن البشارة قبل ذلك إلى جميع الأمم)(11)، وقد وردت هذه العبارة بلفظ (إلى الشعوب)، أو ( إلى العالم كله) في غير موقع من الإنجيل، أي إنها بشارة عالمية.
وهنا علينا أن نعرف ما المقصود بملكوت الله تعالى لنخلص - بعد ملاحظة النصوص - إلى القول: إن (الملكوت) هو (الحكم) و(ملكوت الله تعالى) هو (حكم الله تعالى)، والدليل على ذلك ما ورد في إنجيل متى: (ليأتِ ملكوتك ليكن ما تشاء في الأرض كما في السماء)(12) أي أن يُطبّق حكم الله (عزَّ وجلَّ) في الأرض من قبل البشرية كما يطبق في السماء من قبل الملائكة، وهذا هو هدف الأنبياء والرسل (عليهم السلام) في هداية البشر إلى أحكام الله تعالى.
وقد سئل المسيح عن موعد حدوث ملكوت الله تعالى فأجاب: (لا يأتي ملكوت الله على وجه يُراقب)(13)، أي يأتي فجأة، ولكن متى؟ قال (عليه السلام): (والذي يثبت إلى النهاية فذاك الذي يخلص، وستعلن بشارة الملكوت هذه في المعمور كله شهادة لدى الوثنيين أجمعين وحينئذٍ تأتي النهاية)(14)، تقول الرهبانية اليسوعية: أي (نهاية) التدبير الإلهي الحاضر وإقامة ملكوت الله على وجه نهائي(15)، وهذا ما لم يحصل حتّى الآن، إذن يُرتَقَبَ حصولُه، ولا يبعد أن توحي كلمة (النهاية) وتعبير (لا يأتي...على وجه يراقب) بمدلول آخر الزمان، وهذا ما يظهر جلياً في سؤال تلاميذه له: (قل لنا متى تكون هذه الأمور وما علامة مجيئك(16) ونهاية العالم)(17).
إن انتشار الملكوت سيكون عالمياً: (سوف يأتي الناس من المشرق والمغرب ومن الشمال والجنوب فيجلسون على المائدة في ملكوت الله)(18).
إن ما تعرضه نصوص الإنجيل لا ينطبق بتفاصيله على عيسى (عليه السلام) الذي يحسمُ أيَّ نزاع في البين بقوله: (أنا لا أطلب مجدي فهناك من يطلبه ويحكم)(19)، كما قال: (إن ملكوت الله سينزع منكم ويعطى لأمّة تثمر ثمره)(20)، فهناك من هو معني بالمجيء بملكوت الله تعالى ونشره في الأرض وهو من يعبر عنه بـ(ابن الإنسان).
أمّا مصطلح (ابن الإنسان)، فإن المتتبّع لموارد هذا المصطلح في الإنجيل يجد أنه يستحيل انطباقُه على النبي عيسى (عليه السلام) بكل تفاصيله، ويتضح له أن المراد به شخص آخر هو الذي يطلب المجد ويحكم. ومن أدلة ذلك قوله (عليه السلام) لتلاميذه قبل ارتفاعه للسماء: (الحق أقول لكم: من الحاضرين ههنا من لا يذوقون الموت حتّى يشاهدوا ابن الإنسان آتياً في ملكوته)(21).
احتارت الرهبانية اليسوعية في هذا النص فقالت: (يَفترِضُ هذا الكلامُ أن بعض معاصري يسوع لن يموتوا قبل ظهور ابن الإنسان في مجده... ومن الصعب تحديد زمن ذلك الظهور بدقة)(22).
ويتحدث عن الظهور السريع والمفاجئ لابن الإنسان (المخلّص) قائلاً: (وكما أن البرق يخرج من المشرق ويلمع حتّى المغرب، فكذلك يكون مجيء ابن الإنسان)(23).
الفصل الثاني: المهدي في الإسلام:
أولاً: المهدي لغةً واصطلاحاً:
المهدي لغةً:
اسم مفعول من هُدِيَ إذا دُل على الطريق الموصل إلى المطلوب. والهُدى هو الرشاد. قال في الصحاح: الهدى: الرشاد والدلالة - يؤنث ويذكر - يقال: هداه الله للدين هدى...وهديته الطريق، والبيت هداية أي عرّفته(24). وفي لسان العرب: الهدى: ضد الضلال وهو الرشاد... المهدي: الذي قد هداه الله إلى الحق. قد استعمل في الأسماء حتّى صار كالأسماء الغالبة(25).
لم تستعمل كلمة (المهدي) في القرآن الكريم وإن كانت المادة قد وردت في مواضع كثيرة ﴿وَمَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ المُهْتَدِ﴾ (الإسراء: 97) ﴿وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ﴾ (الرعد: 7).
المهدي اصطلاحاً: هو لقبٌ. وإذا أُطلق انصرف إلى مُصلِح كبير، وقعت البشارة به، كما في قول النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «المهدي منا أهل البيت... يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً»(26).
ثانياً: المهدي في الفكر الإسلامي:
إن أساس ومنبع الفكر الإسلامي هو كتاب الله تعالى الذي أُنزل على نبيه محمد بن عبد الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، قال الله تعالى: ﴿مَا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ﴾ (الأنعام: 38)، وقال تعالى: ﴿... وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ﴾ (النحل: 89)، وفي الوقت نفسه يقول سبحانه وتعالى: ﴿... وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ (النحل: 44)، فالقرآن الكريم بَيِّنٌ بتبيين النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) له، فإذا ما أردنا فهم كتاب الله تعالى فلابد أن نرجع إلى حديث رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
أ - المهدي في القرآن الكريم:
لعل جل الآيات التي يمكن حملها على الدلالة المهدوية، إنما هي آيات تدل بباطنها على الفكرة دون ظاهرها الذي يتعلق بظروفها وأسباب نزولها، وقد قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «أُنزل القرآن على سبعة أحرف، لكل حرف منه ظهر وبطن»(27)، والبطن والتأويل: عبارة عن المفهوم العام المنتزع عن الآية، بعد إلغاء الخصوصيّات المكتنفة، لتصبح الآية صالحة للانطباق على موارد مشابهة لمورد النزول، على مرّ الأيّام. الأمر الذي ضمن للقرآن الكريم بقاءه وشموله.
إن المطالع لكتاب الله تعالى ليجد آياتٍ كريمات، تشير إلى هذه الفكرة، وعليها كان تفسير أئمة تفسير كتاب الله تعالى مستندين إلى الفهم العميق لمداليل الآيات، في ضوء ما لديهم وما عرفوه من حديث النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ومن هذه الآيات:
الآية الأولى: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ المُشْرِكُونَ﴾ (التوبة: 33).
فسر الرازي هذه الآية وناقش الأقوال فيها وخلاصة ما ذكره قوله: (... ظهور هذا الدين بالحجة مقرر معلوم، فالواجب حمله على الظهور بالغلبة، فإن قيل: ظاهر قوله: ﴿لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ﴾ يقتضي كونه غالباً لكل الأديان، وليس الأمر كذلك، فإن الإسلام لم يصر غالباً لسائر الأديان في أرض الهند والصين والروم، وسائر أراضي الكفرة... وقد أجابوا عنه من وجوه.... وفي الجواب نقول: رُويَ عن أبي هريرة أنه قال: هذا وعد من الله بأنه تعالى يجعل الإسلام عالياً على جميع الأديان. وتمام هذا إنما يحصل عند خروج عيسى، وقال السدي: ذلك عند خروج المهدي، لا يبقى أحد إلّا دخل في الإسلام أو أدى الخراج)(28).
يتضح أن الرازي كان ملتفتاً أشد الالتفات إلى أن مصداق هذه الآية لم يتحقق بعد، إذ لم يظهر الإسلام على الدين كله لا من حيث كثرة الأتباع ولا من حيث الغلبة. صحيح أن الإسلام ظاهر على الدين كله من حيث الحجة، لكن الوعد الإلهي يشمل الإظهار مطلقاً، وهذا ما لم يحدث حتّى الآن، وبما أن وعد الله تعالى حق، وأنه لا يخلف الميعاد، فلابد أن يأتي زمن تتولى القيادة الإسلامية المدعومة بالتوفيق الإلهي إظهارَ الإسلام على الدين كله.
وكذا ذكر القرطبي في تفسيره: (قال السدي: ذاك عند خروج المهدي، لا يبقى أحد إلّا دخل في الإسلام أو أدّى الجزية. وقيل: المهدي هو عيسى فقط وهو غير صحيح لأن الأخبار الصحاح قد تواترت على أن المهدي من عترة رسول الله [(صلّى الله عليه وآله وسلّم)]، فلا يجوز حمله على عيسى. والحديث الذي ورد في أنه (لا مهدي إلّا عيسى) غير صحيح. قال البيهقي في كتاب البعث والنشور: لأن راويه محمد بن خالد الجندي وهو مجهول، يروي عن أبان بن أبي عياش - وهو متروك - عن الحسن عن النبي [(صلّى الله عليه وآله وسلّم)]، وهو منقطع. والأحاديث التي قبلَه في التنصيص على خروج المهدي، وفيها بيان كون المهدي من عترة رسول الله [(صلّى الله عليه وآله وسلّم)] أصح إسناداً)(29) انتهى نص القرطبي.
الآية الثانية: ﴿وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ (النور: 55).
وعد الله تعالى منجز لا خلف فيه، ووعد الله تعالى في هذه الآية؛ استخلاف المؤمنين في الأرض وفق ظروف لا يستطيع أحد أن يدعي أنها تحققت، فقد فسر الآلوسي التمكين بقوله: (وأصل التمكين جعل الشيء مكاناً لآخر، والتعبير عن ذلك به للدلالة على كمال ثبات الدين ورصانة أحكامه وسلامته عن التغيير والتبديل لابتنائه على تشبيهه بالأرض في الثبات والقرار مع ما فيه من مراعاة المناسبة بينه وبين الاستخلاف في الأرض انتهى)(30).
فهل ثبتت وتمكنت أحكام الدين في الأمة كثبوت الأرض حتّى الآن؟ هذا مع ملاحظة قوله تعالى: ﴿يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً﴾ (النور: 55) فإن الأوفق بالسّياق أن يكون حالاً من ضمير ﴿وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ﴾ أي وليبدلن خوفهم أمناً في حال ﴿يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً﴾ (النور: 55). والالتفات في الكلام من الغيبة إلى التكلم، وتأكيد ﴿يَعْبُدُونَنِي﴾ بقوله سبحانه: ﴿لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً﴾ ووقوع النكرة - شيئاً - في سياق النفي الدال على نفي الشرك على الإطلاق كل ذلك يقضي بأن المراد (عبادتهم لله عبادة خالصة لا يداخلها شرك جلي أو خفي)(31). فالحق أن الآية إن أعطيت حق معناها لم تنطبق إلّا على المجتمع الموعود الذي سينعقد بظهور المهدي (عجَّل الله فرجه).
الآية الثالثة: ﴿وَإنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذا صِراطٌ مُستَقيم﴾. قال مقاتل بن سليمان ومن تبعه من المفسرين إن هذه الآية نزلت في المهدي(32).
ب - المهدي (عجَّل الله فرجه) في حديث النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم):
انطلقت حركة التدوين عند أهل السنة مع بداية القرن الثاني، ولعلها كانت انطلاقة خجولة، ثم تعززت بحلول منتصف القرن الثاني، وإن الأحاديث النبوية في المهدي (عجَّل الله فرجه) مذكورة في أقدم وأهم المجاميع الحديثية، ولعل الكتاب الأقدم الذي يستوقفنا في هذا المجال هو (المصنف) لعبد الرزاق بن همام بن نافع الحميري (ت211 هـ) وقد عقد في مصنفه باباً باسم (باب المهدي) وذكر فيه أحد عشر حديثاً، وقد اخترنا منها حديثاً عن أبي سعيد الخدري قال: (ذكر رسول الله [(صلّى الله عليه وآله وسلّم)] بلاءً يصيب هذه الأمة، حتّى لا يجد الرجل ملجأً يلجأُ إليه من الظلم، فيبعث الله رجلاً من عترتي من أهل بيتي، فيملأ به الأرض قسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً، يرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض، لا تدع السماء من قطرها شيئاً إلّا صبَّته مدراراً، ولا تدع الأرض من مائها شيئاً إلّا أخرجته، حتّى تتمنى الأحياءُ الأمواتَ، يعيش في ذلك سبع سنين، أو ثمان، أو تسع سنين)(33).
ثم يأتي بعد هذا المصنف (كتاب الفتن) لنعيم بن حماد بن معاوية بن الحارث الخزاعي المروزي (ت 228 هـ)، والمرزوي روى عنه البخاري مقروناً وروى له الباقون سوى النسائي بواسطة، وقال الخطيب يُقال: إنه أول من جمع المسند وكان فقيهاً من أعلم الناس بالفرائض متصلباً في السنة(34)، إلّا أنه قد ضعّفه البعض، وبالجملة فإن ما ذكره يصلح للاعتبار ولو عند مدرسة الصحابة، وسنذكر حديثاً أورده في اسم المهدي: حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرٍّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، عَنِ النَّبِيِّ [(صلّى الله عليه وآله وسلّم)] قَالَ: «المَهْدِيُّ يُوَاطِئُ اسْمُهُ اسْمِي، وَاسْمُ أَبِيهِ اسْمَ أَبِي»(35).
وعَنْ عَلِيٍّ (رضي الله عنه) عَنِ النَّبِيِّ [(صلّى الله عليه وآله وسلّم)] قَالَ: «هُوَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي»(36).
هذا من حيث أقدمية تدوين الأحاديث النبوية في المهدي (عجَّل الله فرجه)، وهو لا يعني مطلقاً أن هذه الأحاديث لم تكن موجودة قبل تلك الفترة وإنما سبب تأخّرِ وجودِها الكتبي هو عينُه سبب تأخّر حركةِ التدوين التي لم تتبلور إلّا في تلك الفترة.
أمّا من حيث أهمية واعتبار هذه الأحاديث فإنها قد وردت في أشهر الكتب الحديثية وأكثرها وثاقة إنْ في مدرسة الصحابة أو في مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) وهي مما يعتمد عليها المسلمون في أخذ عقائدهم وأفكارهم، ومن هذه الكتب المعتبرة والتي أوردت الأحاديث المهدوية مصرّحة بلفظ (المهدي)، كتاب المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري، الذي أورد عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال: «يخرج في آخر أمتي المهدى يسقيه الله الغيث وتخرج الأرض نباتها ويعطي المال صحاحاً، وتكثر الماشية وتعظم الأمة، يعيش سبعاً أو ثمانياً يعنى حججاً». هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه(37). أي البخاري ومسلم لم يخرجاه بالرغم من كونه صحيحاً على مبانيهما.
وكذا فإن إمام الحديث مسلم النيسابوري المتميز بأسلوبه الدقيق والمتناسق الذي جعل بعضَ أهل العلم يفضلونه على البخاري(38)، كان قد أخرج أحاديث عن المهدي (عجَّل الله فرجه) ولكنها حذفت في النسخ الحديثة، ومما يثبت هذا نقولات كل من ابن حجر الهيتمي المكي (ت 974 هـ) صاحب الصواعق، والمتقي الهندي (ت 975 هـ) صاحب كنز العمال، إذ يذكر ابن حجر بعد إيراده خبر دعاء النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، لعلي وفاطمة (عليهما السلام) بأن يعيذ الله تعالى ذريتهما من الشيطان، ما نصه: (وقد ظهرت بركة دعائه في نسلهما فكان منه من مضى ومن يأتي، ولو لم يكن في الآتين إلّا الإمام المهدي لكفى... ومن ذلك ما أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة والبيهقي وآخرون «المهدي من عترتي من ولد فاطمة»)(39). إذاً فالحديث كان موجوداً في صحيح مسلم زمنَ ابن حجر، ولكن لا نرى له وجوداً اليوم.
إن ما يعزز هذه النتيجة ما نقله المتقي الهندي في كنز العمال وهذا نصه الحرفي: «المهدي من عترتي من ولد فاطمة» (د، م عن أم سلمة)(40)، والميم هنا تعني (صحيح مسلم)، وهذا أسلوب المتقي الهندي الذي أوضحه في مقدمة كتابه(41).
إذاً عالمان كبيران من علماء مدرسة الصحابة معاصران لبعضهما البعض ينقلان هذا الحديث عن مسلم، بينما لا نجد هذا الحديث الآن في الطبعات الحديثة، وهذا من آثار الخيانة العلمية.
نعود إلى ابن حجر في صواعقه، لنقف على من أخرج أحاديث المهدي من أساطين الحديث بالصيغ المختلفة، حيث ذكر:
(وأخرج أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه «لو لم يبق من الدهر إلّا يوم لبعث الله فيه رجلاً من عترتي» وفي رواية «رجلاً من أهل بيتي يملؤها عدلاً كما ملئت جوراً...»، «لا تذهب الدنيا ولا تنقضي حتّى يملك رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي...» وفي أخرى لأبي داود والترمذي: «لو لم يبق من الدنيا إلّا يوم واحد لطوَّل الله ذلك اليوم حتّى يبعث الله فيه رجلاً من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً...» وأحمد وغيرُه «المهدي منّا أهل البيت يصلحه الله في ليلة». والطبراني «المهدي منا يختم الدين بنا كما فتح بنا». والحاكم في صحيحه «يحل بأمتي في آخر الزمان بلاء شديد من سلطانهم لم يسمع بلاء أشد منه حتّى لا يجد الرجل ملجأ فيبعث الله رجلاً من عترتي أهل بيتي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً...»)(42).
وبهذا نكون قد أثبتنا أصالة فكرة الاعتقاد بالإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) - حسب تعبير ابن حجر آنفاً - من خلال الاستناد إلى أقدم المصنفات الحديثية الإسلامية من جهة، وأوثقها وأشهرها من جهة أخرى.
ثالثاً: المهدي المنتظر (عجَّل الله فرجه) عند مدرستَي الأمة:
تخرجت الأمة الإسلامية من مدرستين أساسيتين نكاد نقول لا ثالث لهما:
المدرسة الأولى: هي مدرسة دولة الخلافة، أو مدرسة الصحابة واصطلح عليها بـ(السنة).
والمدرسة الثانية: هي مدرسة أهل بيت النبوة (عليهم السلام)، واصطلح عليها بـ(الشيعة).
وكلا المدرستين تعتقد بعقيدة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، ولكنهما يختلفان في بعض التفاصيل، وإنّ أنسب الطرق للتعرف على رأي كل مدرسة في هذه القضية هو مطالعة أقوال علمائها لنقف عند جوانب الاختلاف والاتفاق بينهما.
أ - عقيدة مدرسة الصحابة في المهدي (عجَّل الله فرجه):
تظهر أصالة العقيدة المهدوية عند مدرسة الخلفاء من خلال كثرة ما جاء في مصادرهم وأُصولهم الحديثيّة من أحاديث عن النبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في المهدي (عجَّل الله فرجه)، وما جاء في فتاوى علمائهم وآرائهم، وهذا لا غرابة فيه، وإن كان يعبر عن شيء فإنما يعبر عن أصالة هذه العقيدة كعقيدة إسلامية راسخة، نعم هناك من أنكر المهدوية من علماء مدرسة الخلفاء لكنهم قلة، لعل أولهم ابن خلدون وتبعه بعض المحدَثين، وما نريد بيانه هي عقيدة عموم أهل السنة والجماعة في المهدي، من خلال أقوال أساطين العلم في مدرسة الصحابة، وقد جاءت الأقوال في المهدي (عجَّل الله فرجه) على ثلاثة أوجه:
الأول: رأي جمهور مدرسة الخلفاء الذي يرى: (أن المهدي (عجَّل الله فرجه) أحد الخلفاء العادلين المسلمين سيولد إذا شاء الله تعالى ويجري عليه كل ما تقتضيه الطبيعة البشرية حسب سنة الله تعالى في الكون. وسيتولى الحكم إذا شاء الله تعالى فيحكم بالعدل ويتتبع خطوات الرسول [(صلّى الله عليه وآله وسلّم)] فتظهر له آثاره من الرخاء والطمأنينة، وإن خير تعبير لعقيدة أهل السنة والجماعة في هذا الباب هو كلام الحافظ أبو الحسن محمد بن الحسين الآبري السجزي (ت 363 هـ) الذي قال في كتابه مناقب الشافعي: وقد تواترت الأخبار واستفاضت عن رسول الله [(صلّى الله عليه وآله وسلّم)] بذكر المهدي (عجَّل الله فرجه) وأنه من أهل بيته وأنه يملك سبع سنين وأنه يملأ الأرض عدلاً وأن عيسى (عليه السلام) يخرج فيساعده على قتل الدجال وأنه يؤم هذه الأمة ويصلي عيسى خلفه...)(43).
وقد نقل كلامه هذا عدد من الأئمة والعلماء وارتضوه، ومنهم: الإمام القرطبي (ت 671 هـ) في كتابه (التذكرة بأحوال الموتى وأحوال الآخرة)، والإمام ابن قيم الجوزية (ت751هـ)، في كتابه (المنار المنيف)، والحافظ ابن حجر (ت852هـ) في (فتح الباري بشرح صحيح البخاري)، وفي (تهذيب التهذيب) أيضاً، السيوطي (ت 911هـ)، في آخر كتابه (العرف الوردي في أخبار المهدي)(44).
وكذا البيهقي (ت 458 هـ‍) صحح أحاديث المهدي قائلاً: (والأحاديث في التنصيص على خروج المهدي أصح البتة إسناداً، وفيها بيان كونه من عترة النبي [(صلّى الله عليه وآله وسلّم)])(45).
وقد قال الشيخ محمد السفاريني(46) (ت 1188هـ) مؤكداّ تواتر أحاديث المهدي إلى حدٍ يُدخل هذا الأمر في البعد الإيماني والعقائدي عند أهل السنة والجماعة حيث قال: (والصواب الذي عليه أهل الحق أن المهدي (عجَّل الله فرجه) غير عيسى (عليه السلام) وأنه يخرج قبل نزول عيسى (عليه السلام) وقد كثرت بخروجه الروايات حتّى بلغت حد التواتر المعنوي وشاع ذلك بين علماء السنة حتّى عد من معتقداتهم. وقد روي عن مَن ذُكر من الصحابة وغير مَن ذُكر عنهم ݢ بروايات متعددة وعن التابعين من بعدهم ما يفيد مجموعُه العلم القطعي. فالإيمان بخروج المهدي واجب كما هو مقرر عند أهل العلم، ومدون في عقائد أهل السنة والجماعة)(47).
ومنهم الإمام أبو عبد الله القرطبي (ت761هـ‍)، فقد قال: (والأحاديث عن النبي [(صلّى الله عليه وآله وسلّم)] في التنصيص على خروج المهدي من عترته من ولد فاطمة ثابتة)(48).
حتّى ابن تيمية الحراني (ت 728هـ‍)، قال في كتابه منهاج السنة: (إن الأحاديث التي يحتج بها على خروج المهدي أحاديث صحيحة رواها أبو داود والترمذي وأحمد وغيرهم من حديث ابن مسعود وغير... لو لم يبق من الدنيا إلّا يوم لطوّل الله ذلك اليوم حتّى يبعث فيه رجلاً من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً)(49).
ومنهم الإمام ابن قيم الجوزية (ت 751هـ‍) حيث قال: (والأمم الثلاث تنتظر منتظراً يخرج في آخر الزمان... وينتظرون خروج المهدي من أهل بيت النبوة يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً)(50).
ومنهم الإمام الحافظ عماد الدين ابن كثير (ت744هـ) الذي يصرح باعتقاد أهل السنة بالمهدي المبشر به، إلّا أنه يظهر البينونة بين هذا الاعتقاد واعتقاد الرافضة (شيعة أهل البيت (عليهم السلام)) حسب تعبيره، حيث قال في تفسيره لقول الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً﴾ (المائدة: 12) بعد ذكر الحديث الوارد في الصحيحين (لا يزال أمر الناس ماضياً ما وليهم اثنا عشر رجلاً... كلهم من قريش)(51): (ومعنى هذا الحديث البشارة بوجود اثني عشر خليفة صالحاً يقيم الحق... على نسق وهم الخلفاء الأربعة أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي ... ومنهم عمر بن عبد العزيز بلا شك... والظاهر أن منهم المهدي المبشر به في الأحاديث الواردة بذكره... وليس هذا بالمنتظر الذي تتوهم الرافضة وجودَه ثم ظهوره في سرداب سامرا فإن ذلك ليس له حقيقة)(52).
ومن العلماء المعاصرين مفتي عام المملكة العربية السعودية الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، حيث قال في تعليقه على محاضرة الشيخ عبد المحسن العباد: (فأمْرُ المهدي أمرٌ معلومٌ والأحاديثُ فيه مستفيضةٌ بل متواترةٌ متعاضدة وقد حكى غيرُ واحدٍ من أهلِ العلم تواترَها... وهي متواترةٌ تواتراً معنوياً لكثرة طرقها واختلاف مخارجها وصحابتها ورواتها وألفاظها، فهي بحق تدل على أن هذا الشخص الموعود به أمرُه ثابت وخروجه حق)(53).
وقال الشيخ محمد ناصر الدين الألباني: (الأحاديث في ذلك [في خروج المهدي] كثيرة جداً، وأشهرها حديث عبد الله بن مسعود مرفوعاً... وقد أخطأ ابن خلدون خطأً واضحاً حيث ضعّف أحاديث المهدي كلها... والحق أن الأحاديث الواردة في المهدي فيها الصحيح والحسن وفيها الضعيف والموضوع)(54).
الثاني: رأي بعض العلماء الكبار الذي يعتقد بالمهدي ويعتمد كل الأقوال السابقة لأساطين العلم، لكنه يصرح باعتقاد ولادته، وأنّه ابن الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)، وهم بهذا يتفقون مع ما تعتقده مدرسة أهل البيت (عليهم السلام)، وسيأتي ذكر هذا مع شواهده في محله خلال البحث.
الثالث: الرأي الثالث منكر أو موهّن للعقيدة المهدوية: أمثال ابن خلدون، وتبعه بعض المعاصرين أمثال الشيخ محمد رشيد رضا صاحب تفسير المنار، والشيخ محمد الطاهر بن عاشور الذي يقول: (إن واجبات الدين ثلاثة أنواع اعتقادات وأعمال وآداب وإن التصديق بظهور المهدي في آخر الزمان لا ينزوي تحت تلك الأنواع؛ إذ ليس هو من الأمور التي يجب اعتقادها في ضمن العقيدة الإسلامية، فسواء على المسلم أن يعتقد ظهور المهدي أو يعتقد عدم ظهوره، وليس العلم بذلك من قبيل العلم الواجب طلبه... وتبين أنه ليس مما يتعين على المسلمين العلم به واعتقاده)(55).
وسنختم هذا البيان بكلام جامع لعقيدة أهل السنة في المهدي المنتظر الموعود، كان قد صدر عن المجمع الفقهي في رابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة: (المهدي (عليه السلام) هو محمد بن عبد الله الحسني، العلوي، الفاطمي، المهدي، الموعود، المنتظر، موعد خروجه في آخر الزمان، وهو من علامات الساعة الكبرى يخرج من المغرب ويبايع له في الحجاز في مكة المكرمة، بين الركن والمقام، بين باب الكعبة المشرفة والحجر الأسود الملتزم. ويظهر عند فساد الزمان وانتشار الكفر وظلم الناس، ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، يحكم العالم كله وتخضع له الرقاب بالإقناع تارة وبالحرب تارة أخرى وسيملك الأرض سبع سنين وينزل عيسى (عليه السلام) من بعده، فيقتل الدجال، أو ينزل معه فيساعده على قتله بباب لد بأرض فلسطين. وهو آخر الخلفاء الراشدين الاثني عشر الذين أخبر النبي [(صلّى الله عليه وآله وسلّم)] عنهم في الصحاح... وأن الاعتقاد بخروج المهدي واجب لأنه من عقائد أهل السنة والجماعة، ولا ينكره إلّا جاهل بالسنة ومبتدع في العقيدة)(56).
ب - عقيدة مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) في المهدي (عليه السلام):
إن الاعتقاد بإمامة الأئمة الاثني عشر (عليهم السلام)، والاعتقاد بأن المهدي الموعود (عجَّل الله فرجه) هو الإمام الثاني عشر، من أصول مدرسة أهل البيت (عليهم السلام)، وإن المطالع ليجد توافقاً بين الشيعة والسنة على كل ما ورد بشأنه تقريباً من الأحاديث الشريفة، والبشارة به، وحركة ظهوره، وتجديد الإسلام على يده وشموله العالم، حتّى أنك تجد أحاديثه واحدة أو متقاربة في مصادر الفريقين، إلّا أن الشيعة تعتقد أن الإيمان بأن الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) حيٌّ غائب جزء من المذهب، وبدونه لا يكون المسلم شيعياً اثني عشرياً، وتشخّص الإمامَ المهدي الموعود المنتظر فيقولون إنه هو الإمام محمد بن الحسن العسكري (عليهما السلام). وهذا ما عبر عنه الشيخ جعفر السبحاني جلياً في بيانه لعقيدة الشيعة الإمامية في المهدي (عليه السلام) حيث قال: الإمام الثاني عشر: المهدي بن الحسن المنتظر (عليه السلام) هو أبو القاسم محمد بن الحسن العسكري الحجة، الخلف الصالح، وُلِدَ (عليه السلام) بسر من رأى ليلة النصف من شعبان، سنة خمس وخمسين ومائتين، وله من العمر عند وفاة أبيه خمس سنين، آتاه الله الحكم صبياً كما حدث ليحيى... وجعله إماماً وهو طفل، كما جعل المسيح نبياً وهو رضيع... اتفق المسلمون على ظهور المهدي في آخر الزمان لإزالة الجهل والظلم، والجور، ونشر أعلام العدل، وإعلاء كلمة الحق، وإظهار الدين كله ولو كره المشركون، فهو بإذن الله ينجي العالم من ذل العبودية لغير الله، ويلغي الأخلاق والعادات الذميمة... ويقطع أواصر التعصبات القومية والعنصرية، ويمحي أسباب العداء والبغضاء التي صارت سبباً لاختلاف الأمة وافتراق الكلمة، ويحقق الله سبحانه بظهوره وعده الذي وعد به المؤمنين بقوله: ﴿وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ﴾ (نور: 55)، وقوله سبحانه: ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ﴾ (القصص: 5).
وهناك حديث أخرجه كل من السنة والشيعة، قال النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «نحن وُلد عبد المطلب سادة أهل الجنة، أنا وحمزة وعلي والحسن والحسين والمهدي»(57).
وعن الإمام الجواد (عليه السلام): «إن القائم منّا هو المهدي الذي يجب أن ينتظر في غيبته، ويطاع في ظهوره، وهو الثالث من ولدي، والذي بعث محمداً (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بالنبوة وخصّنا بالإمامة، إنه لو لم يبق من الدنيا إلّا يوم واحد لطوّل الله ذلك اليوم، حتّى يخرج فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، وإن الله تبارك وتعالى يصلح أمره في ليلة، كما أصلح أمر كليمه موسى (عليه السلام) إذ ذهب ليقتبس لأهله ناراً، فرجع وهو رسول نبي»(58).
الفصل الثالث: ولادة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه):
إنّ الشيعة الإمامية تعتقد بولادة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) كما صار معلوماً، وأنه ابن الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) وقد ولد عام (255هـ)، إلّا أن جُلَّ مدرسة الصحابة لا تقول بذلك، بل وتنكر على الشيعة اعتقادَهم، وسنتعرض لموضوع ولادة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) بعد أن ثبّتنا رسوخ أصل العقيدة المهدوية إسلامياً، وغدا النقاش في التفاصيل.
إنَّ ولادة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) على أقوال متعددة فقيل إنه: (ولد للنصف من شعبان، وهو المشهور بين الإمامية، وروى الصدوق... أنه (عجَّل الله فرجه) ولد يوم الجمعة لثمان خلون من شعبان سنة ست وخمسين ومائتين، ورُويَ أنه (عجَّل الله فرجه) ولد ليلة الجمعة غرة شهر رمضان من سنة أربع وخمسين ومائتين، وروي بأسانيد عن حكيمة ݣ أنها قالت: سنة ست وخمسين، وروى الشيخ الطوسي عنها سنة خمس وخمسين... وقيل: ولد (عجَّل الله فرجه) في الثالث والعشرين من رمضان سنة ثمان وخمسين ومائتين، وقال ابن خلكان في تاريخه: كانت ولادته يوم الجمعة بمنتصف شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين...، وقيل: ولد في الثالث من شعبان سنة ست وخمسين وهو الأصح)(59)، هذا ما قدّمه العلامة المجلسي من استقراء للآراء، والأخير ما يراه بظنه أنه الأصح، أمّا ما عليه مشهور الإمامية اليوم هو القول بولادته (عجَّل الله فرجه) ليلة النصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين، وهنا عدة مباحث:
المبحث الأول: ما يستند إليه المنكرون والرد عليهم:
إن منكري ولادة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) يستندون على ادعاءات عدة سيتم مناقشة أهمها على الإطلاق والتي إن حسمت فلا مجال لشبهات أُخر ليست من وزنها:
أولاً: عرض الشبهة:
إن الروايات في مولد الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) ضعيفة وفق المنهج السَّندي، وإنّ ما يزيد ضعف هذه الروايات ضعفاً هو اختلافها في كثير من التفاصيل، كتاريخ مولده الذي تم بيانه باختلافاته آنفاً، وكذا اسم أمه، وغيرها من مكتنفات قصة المولد.
ثانياً: ما استندت عليه الشبهة:
لقد تم الاحتجاج بالدراسة الوافية التي أجراها العلامة المجلسي للروايات الواحدة والثلاثين التي أوردها العلامة الكليني في الجزء الأول من كتاب أصول الكافي باب مولد الصاحب(60)، وقد صحح تسع روايات من أصل واحدة وثلاثين رواية(61)، أمّا على ما قرره الشيخ محمد آصف محسني(62) في كتابه مشرعة بحار الأنوار، فإن الرواية الخامسة، والثالثة والثلاثين فقط هما المعتبرتان لديه(63) من أصل الروايات السبعة والثلاثين اللاتي أوردها العلامة المجلسي في البحار(64)، ولكن اعتبار الخامسة ليس مطلقاً؛ فهي معتبرة إن ثبت أن كثرة ترحّم الصدوق على ابن عصام على الوثاقة وإلّا فابن عاصم أيضاً مجهول، ومما يزيد الأمر صعوبة أن السيد الخوئي في معجم رجال الحديث لا يعتبر كثرة الترحم تفيد الوثاقة(65)، وأمّا الرواية الثالثة والثلاثون فهي معتبرة إن كان الخشّاب هو الحسن بن موسى ولكن فيه تردداً لأنه من الطبقة السابعة وينقل عن السادسة وهو مجهول فالرواية أيضاً ضعيفة.
إن تسعةَ أحاديثَ لا توجب القطع، إذن كيف يمكن اعتماد هذه الروايات وبهذا العدد في مجال العقيدة؟
ثالثاً: تفنيد الشبهة:
إن هذا الإشكالَ قوي من الحيثية التي عُرض من خلالها، ولكنَّ نقطةَ قوته هي ذاتُها نقطة ضعفه؛ وضعفُه ينشأ من ضيق أفق الطرح الذي كان عاملَ قوتِه نفسَه، فطرحُ الأمر بهذه الطريقة هو اجتزاءٌ ضيق ومحدود لصورة أوسع وميدان أرحب، وهذا يتضح من خلال نقاط عدة:
الأولى: إن الأحاديث الواردة في شأن الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) ليست مختزلة ومنحصرة في باب مولد الصاحب في كتاب الكافي، وإنما هناك جوانب أخرى، حريٌ بنا أن نشير إليها لتكتمل الصورة، فالمحقّق الشيخ الصافي الگلپايگاني أحصى في كتابه (منتخب الأثر) الروايات الواردة في إثبات هذه القضية وحقانيتها، فخرجت نتائج تحقيقاته بالمئات من الروايات(66) تحت عناوين متنوعة مرويةً عن النبي المصطفى (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأهل بيته الواردة في كتب الشيعة والسنة.
الثانية: إنّ الروايات الواردة عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) في هذا الشأن حُجّيتُها معتبرة لثبوت حجيتهم (عليهم السلام) من خلال عصمتهم وإمامتهم التي تثبت عن طريق الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، وإذا ما تَحصّلَ هذا في محله، يكون كلامهم في الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) حجة بلا دور (أي ليس من باب توقف الشيء على نفسه)، لاختلاف الموقوف عن الموقوف عليه.
وإن لم تثبت حجيتهم عند البعض لعدم ثبوت عصمتهم، فإنَّ رواياتهم معتبرة من خلال أنّهم رواة ثقات عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فتكون حجّية قولهم على حدّ حجّية قول أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) الذين قَبِلَ منهم المسلمون نقولاتهم.
الثالثة: إن لم يُقبل هذا ولا ذاك مما تقدم في قبول روايتهم - وهذا ما يُستبعد من مسلم - فإننا أمام هذا العدد الجم من الروايات لا يمكننا إلّا التسليم بتواترها الإجمالي أو المعنوي الذي ترتضيه مدرسة المنهج السندي، وتجعله في رتبةٍ مقدمةٍ على صحة السند، وهذا ما يتم تبنيه من قبل أقطاب مدرسة المنهج السندي في مدرسة أهل البيت (عليهم السلام)؛ أمثال السيد الخوئي الذي يمكن فهم هذا المعنى من قوله: (ومن السنة طائفة كثيرة من الأخبار وهي وإن كانت ضعيفة السند إلّا أنها متضافرة بل متواترة إجمالاً فيعتمد عليها)(67)، ويقول في موضع آخر: (وهي كما مرّ، أخبار كثيرة، بل يمكن دعوى تواترها - إجمالاً - فهي على تقدير تواترها قطعية ومما لا إشكال فيه)(68).
وهذا ما يقول به كبار علماء مدرسة الخلفاء أيضاً أمثال الشيخ ابن باز، وقد تقدم قوله: (فأمر المهدي أمر معلوم والأحاديث فيه مستفيضة بل متواترة متعاضدة، وهي متواترة تواتراً معنوياً لكثرة طرقها واختلاف مخارجها وصحابتها ورواتها وألفاظها)(69)، وهذا ما يراه العلامة السفاريني في التواتر المعنوي وأنه يورث القطع؛ حيث قال: (وقد كثرت بخروجه الروايات حتّى بلغت حد التواتر المعنوي، وقد روي عن من ذكر من الصحابة... بروايات متعددة وعن التابعين من بعدهم ما يفيد مجموعه العلم القطعي)(70).
لقد غدا واضحاً ما لهذه الروايات على كثرتها من اعتبار ينقلها من حيز البحث السندي إلى حيز التواتر المعنوي الذي يفيد علماً قطعياً لا يُحتاج معه إلى دراسة سندية، والنكتة هي، أنّ الخبر المتواتر يفيد العلم، لكثرة المخبرين، وبعدما أفاد العلم لا معنى لاشتراط الوثاقة والعدالة، إذ المفروض أنّ العلم حصل، وليس بعد العلم شيء يُقصد، فلا معنى إذن لاشتراط الوثاقة والعدالة في باب الخبر المتواتر، وهذه قضيّة بديهيّة وواضحة في سوق العلم.
وعليه فليس من الحق وليس من الصواب أن نأتي إلى الروايات الدالة على ولادة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) أو أي قضية ترتبط به (عجَّل الله فرجه) ونقول: إن هذه الرواية ضعيفة السند، الرواة مجاهيل، ونطرح القضية. هذا ليس بصحيح، نعم هذا صحيح لو فرض أنّ الرواية كانت واحدة أو اثنتين أو ثلاث أو عشر أمّا بعدما ثبت استقرائياً، كون الروايات الدالة على ولادة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) قد بلغت حدّ التواتر فلا معنى لأن نقول هذه الرواية الأولى ضعيفة السند، والثانية ضعيفة السند لجهالة الراوي والثالثة هكذا، فإن هذه الطريقة وجيهة في الخبر غير المتواتر، أمّا في الخبر المتواتر فلا معنى لها.
الرابعة: أمّا فيما يخص الاختلاف في التفاصيل، فإن الأخبار الكثيرة إذا اتفقت من زاوية على شيء معيّن، واختلفت فيما بينها بتفاصيل عديدة، فالعلم يحصل بذلك الشيء المتفق عليه، وإن اختلفت هذه الأخبار من الجوانب الأخرى في التفاصيل. ولما كانت الروايات في حياة الإمام المهدي ومولده، تتفق على الحياة والولادة وتختلف في تفاصيلَ من قبيل أن أم الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) اسمها نرجس على رواية، واسمها سوسن على رواية ثانية، أو أن واحدة تقول وُلد في هذه الليلة والثانية تقول وُلد في تلك الليلة أو واحدة تقول وُلد في هذه السنة والأخرى تقول في السنة الأخرى، كل هذه الأخبار متفقة في جانب واحد، وهو الإخبار بولادة الإمام (عجَّل الله فرجه). وإن اختلفت فهي مختلفة في تفاصيل وخصوصيات أُخرى، بل يمكن عدها من مؤكدات الولادة، لأنها من قبيل الاختلاف في تحديد صفة شيء موجود، وليس من قبيل الاختلاف في نفي وجود ذلك الشيء، وعليه فإن العلم يحصل والتواتر يثبت من هذه الناحية.
الخامسة: إن هناك طرقاً أُخرى لإثبات حياته (عجَّل الله فرجه) كشهادة مَن رآه، وهم جمّ غفير من الفضلاء، وفيهم الثقات والعلماء، وقد أحصى منهم السيد هاشم البحراني العشرات بل المئات(71) في كتابه القيم (تبصرة الولي فيمن رأى المهدي (عجَّل الله فرجه))، وكذا عوامل أخرى تورث اليقين بوجوده سيتم إيراد شيء منها في الأسطر التالية.
المبحث الثاني: عوامل نشوء اليقين بولادة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه):
العامل الأول:
الأحاديث الكثيرة المسلّمة بين الفريقين الشيعة والسنة، والتي تدلّ على ولادة الإمام (عجَّل الله فرجه)، ولكن من دون أن تَرِدَ في خصوصِ الإمام المهدي وبعنوانه، فهي تدلّ على ولادة الإمام من دون أن تنصبَّ على هذا الاتجاه، ويحسن أن نذكر منها أحاديث عدة:
الحديث الأول: حديث الثِقْلين أو الثَقَلَين، الذي هو حديث متواتر عند المسلمين كافة، فقد قاله النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في مواطن متعدّدة، وإذا ما رأينا اختلافاً في بعض ألفاظه فهو ناشئ من اختلاف المواطن التي قيل فيها هذا الحديث، قال النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «إنّي تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي؛ أحدهما أعظم من الآخر؛ كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي ولن يتفرقا حتّى يردا عليَّ الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما»(72).
نلاحظ: «ولن يتفرقا حتّى يردا عليَّ الحوض»، يعني أن الكتاب مع العترة، في حالة وصل وعدم انفصال أو ابتعاد، من زمان النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إلى أن يردا عليه الحوض.
وهذا يدلّ على أنّ العترة الطاهرة مستمرة مع الكتاب الكريم، وهذا الاستمرار لا يمكن توجيهه إلّا بافتراض أنّ الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) قد ولد ولكنه غائب عن الأعين، إذ لو لم يكن مولوداً وسوف يولد في المستقبل لافترق الكتاب عن العترة الطاهرة، وهذا تكذيب - استغفر الله - للنبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فهو يقول: «ولن يتفرقا حتّى يردا عليَّ الحوض» وهذا لازمه أنّ العترة لها استمرار مع الكتاب إلى أن يردا على النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وهذا لا يمكن توجيهه إلّا أن نقول: إن الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) قد ولد ولكنه غائب، وإلّا يلزم الإخبار على خلاف الواقع.
وهذا حديث واضح الدلالة، يدل على ولادة الإمام (عجَّل الله فرجه)، لكنه لم يرد في الإمام المهدي مباشرة، وإنّما هو منصبٌّ على قضيّة أخرى (وإنّهما لن يتفرقا)، لكن تستفاد منه ولادة الإمام بالدلالة الالتزامية.
الحديث الثاني: حديث الاثني عشر، وهذا أيضاً حديث مسلّمٌ بين الفريقين، يرويه البخاري ومسلم وغيرهما من طرق أهل السنة، كما رواه غير واحد من طرق شيعة أهل البيت (عليهم السلام) كالشيخ الصدوق مثلاً في كمال الدين، والحديث عن جابر بن سمرة يقول: دخلت مع أبي على النبي [(صلّى الله عليه وآله وسلّم)] فسمعته يقول: «إن هذا الأمر لا ينقضي حتّى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة» قال ثم تكلم بكلام خفي عليّ، قال: فقلت لأبي: ما قال؟ قال: «كلهم من قريش» ثم تكلّم بكلام خفي عليّ، فقلت لأبي ما قال؟ قال: «كلّهم من قريش»(73).
وهذا الحديث صحيح بل من مسلَّمات المسلمين، وليس له مصداق معقول ومقبول إلّا الأئمة الاثني عشر (عليهم السلام)، ولا سيما عندما نرى التخبط في آراء علماء مدرسة الخلافة(74) واختلافهم على تفسير هذا الحديث، فمنهم من عدَّهم خمسة ولم يكمل السلسلة لعدم وجود مصاديق أقنعته، كابن كثير، والبعض عدَّهم اثني عشر، كابن تيمة(75) الذي حاول تطبيقه على الخلفاء الراشدين واثنين أو ثلاثة من بني أميّة منهم يزيد بن معاوية صاحب نكبات الإسلام ونكسات الشرف، الذي قتل الحسين بن علي (عليهما السلام)، وأحرق الكعبة، واستباح المدينة، فيا لله وللأهواء، ثم عندما وجد أن العدد لم يكف راح يعدد من خلفاء بني العباس أصحاب السلطان، والهيل والهيلمان، والجواري والغلمان، فإنا لله... إن هذا تطبيق غير مقبول، وكلّ شخص يلاحظ هذا الحديث يجده إخباراً غيبياً من النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عن قضية ليس لها مصداق وجيه ومقبول سوى الأئمة الاثني عشر (عليهم السلام) لحم رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ودمه.
وهذا الحديث بالملازمة يدلّ على ولادة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، إذ لو لم يكن مولوداً الآن، والمفروض أنّ الإمام العسكري توفي، فأين سنجد مصداق الحديث. فلابدّ وأن نفترض أنّ ولادة الإمام (عجَّل الله فرجه) قد تحقّقت، وإلّا فسيكون هذا الحديث ليس له مصداق. فهذا الحديث كسابقه يدل على ولادة الإمام (عجَّل الله فرجه) بالدلالة الالتزامية.
العامل الثاني:
رؤية بعض الشيعة للإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، كما حدّثت به مجموعة من الروايات. إذ ينقل الشيخ الكليني عن محمد بن عبد الله ومحمد بن يحيى جميعاً عن عبد الله بن جعفر الحميري - وهذا السند في غاية الصحة والوثاقة - يقول: اجتمعتُ أنا والشيخ أبو عمرو (رحمه الله)(76) عند أحمد بن إسحاق(77)،... [إلى أن قال والرواية طويلة] فخرّ أبو عمرو ساجداً وبكى ثم قال: سل حاجتك، فقلت له: أنت رأيت الخلف من بعد أبي محمد؟ فقال: إي والله...)(78) [الرواية طويلة بتصرف].
هذه من حيث الدلالة صريحة، ويتمسّك بها الأصوليّون في مسألة حجيّة خبر الثقة، وقد ذكر السيد الشهيد الصدر في أبحاثه أنّ هذه الرواية لوحدها تفيدنا اليقين، وقد ذكر ذلك لا بمناسبة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، بل بمناسبة حجية خبر الثقة(79) فهذه الرواية لوحدها يمكن أن يحصل منها اليقين، وهي واضحة في الدلالة على أنّه قد رُؤي الإمام (عجَّل الله فرجه).
وهناك رواية تنقل قصة حكيمة بنت الإمام الجواد (عليه السلام)، عندما طلب الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) منها الحضور إلى منزله ليسرها الله تعالى بوليه وحجته على خلقه، وقد تبركت برؤيته(80). وكذا الحديث الذي ينقله الشيخ الطوسي (رحمه الله)، حيث ينقل أنه جاء أربعون رجلاً من وجهاء الشيعة اجتمعوا في دار الإمام العسكري (عليه السلام) ليسألوه عن الحجة من بعده، وفي الأثناء فإذا غلام كأنّه قطعة قمر أشبه الناس بأبي محمد (عليه السلام)، فقال الإمام الحسن العسكري (عليه السلام): «هذا إمامكم من بعدي، وخليفتي عليكم...»(81).
العامل الثالث:
وضوح فكرة ولادة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) بين المسلمين عامة، فالذي يقرأ التاريخ والروايات يفهم أنّ المسلمين من شيعة أهل البيت (عليهم السلام) أو أتباع مدرسة الخلافة منذ الزمان الأول بعيد رحيل رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كانوا يتداولون فكرة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) وأنّه يغيب، وكانت قضية واضحة فيما بينهم، حيث اعتقدها بعض المسلمين في محمد بن الحنفية، وسُمُّوا بالكيسانية نسبة لصاحب الدعوة كيسان بن عبيد الله(82)، وكذا فإن المنصور العباسي ثاني خلفاء بني العباس وقد كان اسمه عبد الله، سمى ابنه محمد، ليصير اسمه محمد بن عبد الله، وليكون مصداق الحديث المشهور عند مدرسة الخلافة، (اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي)، وكان قد لقَّبه بالمهدي، وزرع في ذهنه أنه هو المهدي الوارد في أحاديث النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وفعلاً، هذا الذي حصل وجرى، واعتقد به خلق كثير وكان الخليفة المعروف باسم المهدي العباسي(83)، وجرياً عليه نرى أنّ الناووسية ادَّعت أنّ الإمام الغائب هو الإمام الصادق (عليه السلام)(84)، ولكن بعد وفاة الإمام الصادق (عليه السلام) اتضح بطلان هذه العقيدة، ومن ادَّعى أو ادُّعيت له المهدوية أكثر من أن يُحصى؛ ويُكتفى بذلك.
طبعاً لا مسوغ لاعتبار هذه الدعاوى سبباً في تضعيف فكرة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، بل هي عامل مهم ويعتمد عليه في تعزيزها وتدعيمها، لأنّ هذا يدل على أنّ الفكرة كانت فكرة واضحة في الذهنية الإسلامية، وعلى صعيد الطبقات المتنوعة من المجتمع الإسلامي، بدءاً من بسطاء المسلمين، ودهمائهم، وصولاً إلى الخلفاء وعليّة القوم، من شيعة وسنة.
العامل الرابع:
تصرّفات السلطة الحاكمة آنذاك تجاه الإمامين الهادي والعسكري (عليهما السلام). فرغم التعتيم الإعلامي الذي قام به الأئمة (عليهم السلام) بالنسبة إلى اسم الإمام وولادته (عجَّل الله فرجه)، كان تصرف السلطة ملفتاً حيث إنّ المعتمد العباسي بمجرّد أن وصل إلى سمعه أنّه ولد للإمام مولود أرسل شرطته إلى دار الإمام وأخذوا جميع نساء الإمام واعتقلوهنّ حتّى يلاحظوا الولادة ممّن؟ نعم، البعض ينقل أنّ القضية كلها كانت بإرشاد جعفر عمّ الإمام المهدي، وهذا غير مهمّ، فإن تصرّف السلطة نفسه قرينة واضحة على أنّ مسألة الولادة ثابتة، وإلّا فهذا التصرف لا داعي إليه.
لابد وأن تكون السلطة قد اطلعت من خلال أخبار النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأهل البيت (عليهم السلام) على أنّه سوف يولد شخص من ذرّية الإمام العسكري (عليه السلام) يملأ الأرض قسطاً وعدلاً وتزول على يده المباركة السلطات الظالمة.
العامل الخامس:
إن كلمات المؤرّخين وأصحاب التاريخ والنسب من غير الشيعة واضحة في ولادة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، وهذا ما نريد بسط الحديث فيه خلال الأسطر الآتية:
أولاً: في من يقول بولادة المهدي (عجَّل الله فرجه) من علماء المسلمين ومؤرخيهم:
العلاّمة الشعراني (ت973هـ)(85) في كتابه القيّم (اليواقيت والجواهر) حيث قال: (فهناك يترقّب خروج المهدي (عليه السلام) وهو من أولاد الإمام الحسن العسكري، ومولده (عليه السلام) ليلة النصف من شعبان سنة خمسة وخمسين ومائتين، وهو باق إلى أن يجتمع بعيسى بن مريم (عليه السلام))(86).
1 - الشيخ محي الدين ابن عربي (ت638)(87): ينقل العلامة الشعراني أن الشيخ ابن عربي كان قد قال في الباب السادس والستين وثلاثمائة من (الفتوحات المكية): (واعلموا أنّه لابدّ من خروج المهدي (عليه السلام)، لكن لا يخرج حتّى تمتلئ الأرض جوراً وظلماً، فيملأها قسطاً وعدلاً، ولو لم يكن من الدنيا إلّا يوم واحد، طوّل الله تعالى ذلك اليوم، حتّى يلي ذلك الخليفة، وهو من عترة رسول الله [(صلّى الله عليه وآله وسلّم)] من ولد فاطمة ݣ جدّه الحسين بن علي بن أبي طالب، ووالده الحسن العسكري، ابن الإمام علي النقي بالنون، ابن الإمام محمّد التقي بالتاء، ابن الإمام علي الرضا، ابن الإمام موسى الكاظم، ابن الإمام جعفر الصادق، ابن الإمام محمّد الباقر، ابن الإمام زين العابدين علي، ابن الإمام الحسين، ابن الإمام علي بن أبي طالب (رضي الله عنه)، اسمه اسم رسول الله [(صلّى الله عليه وآله وسلّم)]، يبايعه المسلمون بين الركن والمقام...)(88).
كانت هذه عبارة صاحب الفتوحات المكيّة، كما ينقلها أحد أعلام القرن العاشر الهجري وهو العلامة الشعراني، عبارةٌ لا نراها في الطبعات الحالية للفتوحات، وللأسف، إنها الأيادي غير الأمينة مرةً أخرى تعبث بالحقيقة. وما يمكن أن يقرأه الباحث اليوم هو هذه العبارة من الفتوحات: (اعلم أيّدنا الله، أنّ لله خليفة يخرج وقد امتلأت الأرض ظلماً وجوراً، فيملأها قسطاً وعدلاً، لو لم يبق من الدنيا إلّا يوم واحد، طوّل الله ذلك اليوم حتّى يلي هذا الخليفة من عترة رسول الله [(صلّى الله عليه وآله وسلّم)]، من ولد فاطمة، يواطئ اسمه اسم رسول الله [(صلّى الله عليه وآله وسلّم)]، جدّه الحسين بن علي بن أبي طالب، يبايع بين الركن والمقام...)(89).
2 - علي بن الحسين المسعودي (ت346هـ):
يقول: (في سنة ستين ومائتين قبض أبو محمد الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (رضي الله عنه)، في خلافة المعتمد، وهو ابن تسع وعشرين سنة، وهو أبو المهدي المنتظر)(90).
3 - شمس الدين بن خلكان (ت681هـ):
أبو القاسم محمد بن الحسن العسكري بن علي الهادي بن محمد الجواد، ثاني عشر الأئمة الاثني عشر، على اعتماد الإمامية، المعروف بالحجة وهو الذي تزعم الشيعة أنه المنتظر والقائم والمهديّ... كانت ولادته يوم الجمعة منتصف شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين، ولمّا توفّي أبوه كان عمره خمس سنين، واسم أمه (خمط) وقيل(نرجس)(91).
4 - ابن حجر الهيتمي المكي الشافعي الفقيه (ت973هـ)(92):
يقول: (...رجع الحسن [العسكري] إلى داره وأقام عزيزاً مكرماً وصلات الخليفة تصل إليه كل وقت إلى أن مات بـ(سر من رأى) ودفن عند أبيه وعمه وعمره ثمانية وعشرون سنة ويقال إنه سُمّ أيضاً ولم يخلِّف غير ولده أبي القاسم محمد الحجة وعمره عند وفاة أبيه خمس سنين لكن آتاه الله فيها الحكمة ويسمى القائم المنتظر، قيل لأنه ستر بالمدينة وغاب فلم يعرف أين ذهب)(93).
5 - الشيخ عبد الله الشَّبراوي الشافعي (1171هـ):
قال الشيخ الشبراوي: (الحادي عشر من الأئمة الحسن الخالص، ويلقب بالعسكري، ولد بالمدينة... وتُوفي (عليه السلام) يوم الجمعة... سنة (260) هـ...، ويكفيه شرفاً أن الإمام المهدي المنتظر من أولاده).
وُلِدَ الإمامُ محمد (الحجة) ابن الإمام الحسن الخالص، بـ(سُّر مَن رأى)، ليلة النصف من شعبان، سنة (255 هـ) قبل وفاة أبيه بخمس سنين، وكان أبوه قد أخفاه حين ولد وستر أمره لصعوبة الوقت وخوفه من الخلفاء العباسيين فإنهم كانوا في ذلك الوقت يتطلّبون الهاشميين، ويقصدونهم بالحبس والقتل، ويرون إعدامهم، وذلك لقتلهم من يعدم سلطنة الظالمين، وهو الإمام المهدي (عليه السلام) كما عرفوا ذلك من الأحاديث التي وصلت إليهم من الرسول الأكرم [(صلّى الله عليه وآله وسلّم)](94).
6 - الشيخ سليمان القندوزي الحنفي (ت1294هـ):
المُحقَّق عند الثقات أن ولادة القائم (عليه السلام) كانت ليلة الخامس عشر من شعبان، سنة خمس وخمسين ومائتين في بلدة سامراء(95).
7 - كمال الدين محمد بن طلحة بن محمد القرشي الشافعي (ت652هـ):
من نسابة القرن السابع الهجري وقد أثنى عليه من ترجم له مثل اليافعي في مرآة الجنان في حوادث سنة (650 هـ)، قال - بعد سرد اسمه ونسبه -: (المهدي الحجة، الخلف الصالح المنتظر، فأمّا مولده فبسر من رأى، وأمّا نسبه فأبوه الحسن الخالص)(96) ثم أورد عدّة أخبار واردة في المهدي من طريق أبي داود، والترمذي ومسلم، والبخاري وغيرهم، ثم ذكر بعض الاعتراضات بالنسبة إلى أحواله (عجَّل الله فرجه) من حيث الغيبة وطول العمر وغير ذلك، وأجاب عنها جميعاً، فقال: (إن رسول الله [(صلّى الله عليه وآله وسلّم)] لمّا وصف المهدي (عليه السلام) بصفات متعددة من ذكر اسمه ونسبه ومرجعه إلى فاطمة ݝ وإلى عبد المطلب، وأنه أجلى الجبهة أقنى الأنف، وعدد الأوصاف الكثيرة... ثم وجدنا تلك الصفات المجعولة علامة ودلالة مجتمعة في أبي القاسم محمد الخلف الصالح دون غيره)(97)، وإجمالاً فهو يتكلم عن ولادة المهدي ابن الحسن العسكري (عليه السلام) كلاماً شديد الأهمية، تنبغي مطالعته في كتابه هذا.
ثانياً: في من يقول بولادة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) من علماء الأنساب:
يتضح للمستقرئ أن علماء الأنساب ابتداءً من زمن الغيبة الصغرى، قالوا بوجودِ ولدٍ للإمام للعسكري (عليه السلام) وهو المهدي المنتظر (عجَّل الله فرجه)، وهذا ما سيتضح جليّاً في العرض الآتي لأقوالهم:
1 - النسابة سهل بن عبد الله بن داود بن سليمان البخاري الذي عاصر الغيبة الصغرى: (ولد علي بن محمّد التقي (عليه السلام) الحسنَ بن علي العسكري... وولد علي بن محمّد التقي (عليه السلام) جعفر، وهو الذي تسمّيه الإماميّة (جعفر الكذّاب)، وإنّما تسمّيه الإماميّة بذلك لادِّعائه ميراث أخيه الحسن (عليه السلام) دون ابنه القائم الحجّة لا طعناً في نسبه)(98).
2 - النسابة علي بن محمد العمري من أعلام القرن الخامس الهجري:
(ومات أبو محمّد (عليه السلام) ووَلَدُه من نرجس معلومٌ، عند خاصّة أصحابه وثقات أهله، وسنذكر حال ولادته والأخبار التي سمعناها بذلك، وامتحن المؤمنون بل كافّة الناس بغيبته، وشره جعفر بن علي إلى مال أخيه وحاله، فدفع أن يكون له ولد، وأعانه بعض الفراعنة على قبض جواري أخيه)(99).
3 - النسابة الفخر الرازي الشافعي - نسّابة القرن الخامس - (ت 606هـ):
(أولاد الإمام العسكري (عليه السلام): أمّا الحسن بن العسكري الإمام (عليه السلام) فله ابنان وبنتان. أمّا الابنان، فأحدهما: صاحب الزمان (عجَّل الله فرجه)، والثاني موسى درج في حياة أبيه. وأمّا البنتان، فاطمة درجت في حياة أبيها، وأم موسى درجت أيضاً)(100).
4 - النسّابة جمال الدين أحمد المعروف بابن عِنَبة (ت828 هـ‍):
(أمّا علي الهادي فيلقّب العسكري... وأعقب من رجلين، هما: الإمام أبو محمّد الحسن العسكري (عليه السلام)، وكان من الزهد والعلم على أمر عظيم، وهو والد الإمام محمّد المهدي)(101).
وبهذا تخرج مسألة الإيمان بولادة الإمام المهدي المنتظر (عجَّل الله فرجه)، وأنّه حيٌّ يُرزق، عن دائرة اتهام الشيعة باختلاقها وإقحامها في الفكر الإسلامي.
ثالثاً: حساب الاحتمال:
لقد اتضح لنا مدى كثرة الأخبار الواردة في شأن الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، وشأن ولادته وحياته، إنها كثرةٌ أخرجت تلك الأخبار من حيز البحث السندي إلى ميدان التواتر المعنوي، وذلك بشهادة أهل الصناعة والفن في هذا المجال. ومن هنا فنحن إمّا أن نسلّم بكثرة هذه الأخبار وتواترها ووضوح دلالتها على الغيبة، ومعه فلا يمكن لأحد أن يجتهد في مقابلها، لأنّه اجتهاد في مقابل النص، وإمّا لا نسلّم بالتواتر، ولكن بضميمة عوامل نشوء اليقين الخمسة بولادة المهدي والتي كنا قد ذكرناها، مشفوعةً بآراء علماءَ كبارٍ لهم وزنهم في مدرسة الصحابة، وما ذكره النسابة من ثبوت بنوّة المهدي للحسن العسكري (عليه السلام)، بضميمة كل ما ذُكر إلى هذه الأخبار الكثيرة، فلا يمكن الخروج عن أحد أمرين:
* إمّا التواتر، على تقدير التسليم بكثرة الأخبار وتواترها.
* أو اليقين، من خلال ضم القرائن على طريقة حساب الاحتمال.
الورقة الأخيرة:
من خلال هذا البحث الذي تقدّمَ عرضُه ثَبتَ أن المهدوية لا ينبغي أن تبقى تُهمة تلوكها ألسنة الجهلة ليقذفوا بها أتباع أهل البيت (عليهم السلام) بغياً وجهلاً، رامين إياهم بالبدعة والخرف، إنها - كما اتضح - عقيدة إسلامية راسخة عند عامة المسلمين، سنة وشيعة، بل اتضح أنها عقيدة إنسانية أو بالأحرى ثقافة إنسانية عامة، وهذا إذا ما جمعناه مع ما بشّر به النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) الذي لا ينطق عن الهوى، حيث بشَّر برجل من أهل بيته يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، إذا ما جمعناه مع تلك الثقافة الإنسانية العامة فإن الصورة تغدو جلية واضحة، يُلحظ فيها انسجامٌ لا يخفى رونقه.
إن إخبار النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كان عن حاكم عالمي يصلح الأرض ويحكمها بدين عالمي معد للبشرية جمعاء مصداقاً لقوله: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ﴾ (سبأ: 28)، اقتضى أن يكون للبشرية ثقافة واحدة في هذا الشأن، صدرت عن خالق واحد مدبر ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً﴾ (البقرة: 30)، لكي يكون الناس في ترقب لحدث سيحصل وإذا ما حصل فلن يكون بذلك غريباً عن مرتكزاتهم الفكرية وخلفياتهم الثقافية، إنه المهدي الذي جمع اسمه بين الهدى والمهد، وقُدِّر له أن يحكم الأرض التي جعلها الله للناس مهداً، وسلك لهم فيها سبلاً ولعلهم يهتدون، فالسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حياً.

الهوامش:

(1) كلمة (الأنثروبولوجيا) تتكون من مقطعيْن من الكلمة الإغريقية Anthropo وتعني الإنسان، وLogy وتعني العلم، وبهذا يكون مصطلح الأنثروبولوجييا هو: علم الإنسان أو دراسة الإنسان وهي تدرس أصول المجتمعات والثقافات الإنسانية وتاريخها.
(2) حسين توفيقي/دروس في تاريخ الأديان/ترجمة أنور الرصافي/ط3 - س ط 1388هـ/مطبعة أميران/الناشر جامعة المصطفى العالمية/قم - إيران/ص97.
(3) حسين توفيقي/دروس في تاريخ الأديان/ص60.
(4) ول ديورانت/قصة الحضارة/ ترجمة: زكي نجيب محمود/ط الخامسة/مطابع الدجوى - عابدين - القاهرة/التراث الشرقي/مجلد 2/ ج3 - ص68.
(5) الكليني/محمد بن يعقوب (ت 329)/ الكافي/ تحقيق: تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري / ط: الخامسة / سنة الطبع: 1363 ش / المطبعة: حيدري/ الناشر: دار الكتب الإسلامية - طهران ج3 - ص468.
(6) البخاري، محمد بن إسماعيل /صحيح البخاري / لا، ط/س ط 1981م /دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع/طبعة بالأوفست عن طبعة دار الطباعة العامرة باستانبول /ج4 - ص62؛ الترمذي، محمد بن عيسى/سنن الترمذي/ تحقيق وتصحيح: عبد الوهاب عبد اللطيف /ط الثانية/ دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت - لبنان ج3 - ص73.
(7) مجمع الكنائس الشرقية/قاموس الكتاب المقدس / الطبعة: السادسة/ سنة الطبع: 1981 / الناشر: مكتبة المشغل - بيروت. ص1065/ يسى (أبو داود).
(8) الكنيسة/الكتاب المقدس/ص1005.
(9) مجمع الكنائس الشرقية/قاموس الكتاب المقدس/25.
(10) الكنيسة/الكتاب المقدس/ لوقا، 9/59/ص226.
(11) مجمع الكنائس الشرقية/ الكتاب المقدس/166.
(12) الكنيسة/الكتاب المقدس/ متى، ص10، 6/10.
(13) مجمع الكنائس الشرقية/ الكتاب المقدس/ لوقا، 17/2/252.
(14) مجمع الكنائس الشرقية/ الكتاب المقدس/ متى، 24/13 - 14/103.
(15) مجمع الكنائس الشرقية/ الكتاب المقدس/في التعليقات هامش/ص103.
(16) أتى في التعليق على هذه الكلمة (تدل الكلمة اليونانية على مجيء ابن الإنسان في نهاية العالم).
(17) مجمع الكنائس الشرقية/ الكتاب المقدس/ ص102.
(18) مجمع الكنائس الشرقية/ الكتاب المقدس/ لوقا، 13 - 29 ص/242.
(19) مجمع الكنائس الشرقية/ الكتاب المقدس/ يوحنا، 8/50/ص317.
(20) مجمع الكنائس الشرقية/ الكتاب المقدس/متى 44/ص96.
(21) مجمع الكنائس الشرقية/ الكتاب المقدس/ متى، 16/13/ص84.
(22) مجمع الكنائس الشرقية/ الكتاب المقدس/تعليق على هامش ص84.
(23) مجمع الكنائس الشرقية/ الكتاب المقدس/ ص104.
(24) الصحاح للجوهري مادة (هدي).
(25) وهو رأي ابن الأثير في النهاية لسان العرب.
(26) المستدرك/الحاكم النيسابوري/ج4 - ص55.
(27) أبو يعلى الموصلي/ مسند أبي يعلى/ج9 - ص278/صحيح ابن حبان/ج1 - ص276/وغيرها متفقة في المعنى ككنز العمال والمعجم الكبير والأوسط للطبراني والجامع الصغير لجلال الدين السيوطي.
(28) فخر الدين الرازي/تفسير الرازي/ج16 - ص40.
(29) القرطبي / الجامع لأحكام القرآن/ج8 - ص122.
(30) الآلوسي/ت الآلوسي/ج18 - ص203.
(31) الطباطبائي/تفسير الميزان/ج16 - ص153.
(32) ابن حجر/الصواعق المحرقة/ص162.
(33) عبد الرزاق الصنعاني/المصنف/ج11 - ص372.
(34) عبد العليم عبد العظيم البستوي/ المهدي المنتظر (عليه السلام) في ضوء الأحاديث والآثار الصحيحة/ص120/ ط الأولى/ت ط 1420 م/1999هـ/ المكتبة المكية - مكة المكرمة - السعودية / دار ابن حزم للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت - لبنان.
(35) نعيم بن حماد المروزي/ الفتن/ص227.
(36) نعيم بن حماد المروزي/ الفتن/ص229.
(37) الحاكم النيسابوري/ المستدرك على الصحيحين/ج4 - ص558.
(38) ذكر الذهبي في كتابه سير أعلام النبلاء في سياق ترجمته لمسلم/ج12 - ص566/قول الحافظ ابن مندة: (سمعت أبا علي النيسابوري الحافظ يقول: ما تحت أديم السماء كتاب أصح من كتاب مسلم...) وقد قال ابن كثير في (البداية والنهاية) /ج11 - ص40/ في ترجمة مسلم: صاحب (الصحيح).... وأنه يسوق الأحاديث بتمامها في موضع واحد، ولا يقطعها كتقطيع البخاري لها في الأبواب... وقال ابن حجر في (تهذيب التهذيب) ج10 - ص114/: حصل لمسلم في كتابه حظ عظيم مفرط لم يحصل لأحد مثله، بحيث إن بعض الناس كان يفضله على (صحيح) محمد بن إسماعيل (أي البخاري)، وذلك لما اختص به من جمع الطرق، وجودة السياق والمحافظة على أداء الألفاظ كما هي من غير تقطيع ولا رواية بمعنى.
(39) أحمد بن حجر الهيتمي المكي/ الصواعق المحرقة في الرد على أهل البدع والزندقة/ص163.
(40) المتقي الهندي/ كنز العمال/ج14 - ص264.
(41) ورد في مقدمة كتاب كنز العمال ما نصه (وهذه رموزه (خ) للبخاري (م) لمسلم (ق) لهما (د) لأبي داود (ت))... المتقي الهندي/ كنز العمال/ج1 - ص6.
(42) أحمد بن حجر الهيتمي المكي/ الصواعق المحرقة في الرد على أهل البدع والزندقة/ص163.
(43) البستوي/ المهدي المنتظر (عليه السلام) في ضوء الأحاديث والآثار الصحيحة/ص61.
(44) البستوي/ المهدي المنتظر (عليه السلام) في ضوء الأحاديث والآثار الصحيحة/ص40 - 41.
(45) ابن حجر/ تهذيب التهذيب/ج9 - ص126.
(46) شمس الدين أبو العون محمد بن أحمد بن سالم السفاريني 1114 - 1188 ه‍، عالم بالحديث والأصول والأدب، له عدة مؤلفات منها الدرر المصنوعات في الأحاديث الموضوعات، ولوائح الأنوار البهية وسواطع الاسرار الأثرية المعنية في عقد أهل الفرقة المرضية الاعلام (6 / 240).
(47) عبد العليم عبد العظيم البستوي/ المهدي المنتظر (عليه السلام) في ضوء الأحاديث والآثار الصحيحة/ص44.
(48) البستوي/ المهدي المنتظر (عليه السلام) في ضوء الأحاديث والآثار الصحيحة/ص50.
(49) ابن تيمية/ منهاج السنة/ج4 - ص95.
(50) ابن قيم الجوزية/إغاثة اللهفان/ج2 - ص338.
(51) مسلم النيسابوري/صحيح مسلم/ج6 - ص3/ وتراه في معناه دون دقيق لفظه في /البخاري/صحيح البخاري/ج8 - ص127.
(52) ابن كثير/تفسير القرآن العظيم/ج2 - ص34.
(53) عبد العليم عبد العظيم البستوي/ المهدي المنتظر (عليه السلام) في ضوء الأحاديث والآثار الصحيحة/ص59 نقلاً عن مجلة الجامعة الإسلامية عدد ذي القعدة 1389هـ/ص162.
(54) عبد العليم عبد العظيم البستوي/ المهدي المنتظر (عليه السلام) في ضوء الأحاديث والآثار الصحيحة/ص59.
(55) ابن عاشور/محمد الطاهر/تحقيقات وأنظار في القرآن والسنة /ص49 - 50.
(56) أسعد وحيد القاسم /حقيقة الشيعة الاثني عشرية/ص136 - 137.
(57) الطوسي/ الغيبة/ص184/ابن حجر/ الصواعق المحرقة/ص187.
(58) الشيخ الصدوق/ كمال الدين وتمام النعمة/ص377.
(59) المجلسي/ مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم)/ج6 - ص170 - 171.
(60) الكليني/الكافي/ج1 - ص514.
(61) المجلسي/ مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم)/ ج6 - /بسط دراسته على الأحاديث من صفحة 170- 201 قال: الحديث الأول: ضعيف على المشهور. الحديث الثاني: مجهول. الحديث الثالث: كالسابق. الحديث: الرابع صحيح الحديث الخامس مجهول. الحديث السادس: كالسابق. الحديث السابع: كالسابق. الحديث الثامن: صحيح. الحديث التاسع: مجهول. الحديث العاشر: كالسابق. الحديث الحادي عشر: ضعيف. الحديث الثاني عشر: مجهول. الحديث الثالث عشر: كالسابق. الحديث الرابع عشر: كالسابق. الحديث الخامس عشر: حسن كالصحيح، الحديث السادس عشر: مجهول. الحديث السابع عشر: كالسابق. الحديث الثامن عشر: كالسابق. الحديث التاسع عشر: كالسابق. الحديث العشرون: صحيح. الحديث الحادي والعشرون: مجهول. الحديث الثاني والعشرون: كالسابق. الحديث الرابع والعشرون: صحيح. الحديث الخامس والعشرون: كالصحيح. الحديث السادس والعشرون: صحيح. الحديث السابع والعشرون: مجهول. الحديث الثامن والعشرون: كالسابق الحديث التاسع والعشرون: صحيح. الحديث الثلاثون: مجهول. الحديث الحادي والثلاثون: صحيح.
(62) آية الله الشيخ محمد آصف محسني عالم شيعي اثنا عشري من أفغانستان ولد في قندهار سنة (1935م)، درس في النجف الأشرف وقم، متخصص في علم الرجال. مؤلفه (مشرعة بحار الأنوار) هو أكثر مؤلفاته شهرة وإثارة للجدل إذ اتخذ من موسوعة بحار الأنوار مادة للبحث السندي الحديثي وضعف الكثير من الأحاديث الواردة فيها.
(63) محسني/مشرعة بحار الأنوار/ ج2 - ص208.
(64) المجلسي/ بحار الأنوار/ج51 - من صفحة 2- 28 ينقل 37 رواية وضمنها يورد 3 روايات فتكون إجمالاً 40 رواية في باب (ولادته وأحوال أمه (صلوات الله عليه)) أي (المهدي (عليه السلام)).
(65) جاء في كتاب معجم رجال الحديث للسيد الخوئي ج1 - ص74: (الترحم... دعاء مطلوب ومستحب في حق كل مؤمن... وقد ترحم الصادق (عليه السلام) لكل من زار الحسين (عليه السلام)، بل إنه (سلام الله عليه)، قد ترحم لأشخاص معروفين بالفسق... فكيف يكون ترحم الشيخ الصدوق أو محمد بن يعقوب وأمثالهما كاشفاً عن حسن المُتَرحَمِ عليه؟ وهذا النجاشي قد ترحم على ابن البهلول، بعد ما ذكر أنه رأى شيوخه يضعفونه وأنه لأجل ذلك لم يرو عنه شيئاً وتجنبه.
(66) كمال الحيدري/في ظلال العقيدة والأخلاق/ص224 - 225 نص على هذه الدراسة: 1 الروايات التي تبشّر بظهوره (عجَّل الله فرجه): 657 رواية./2 - روايات أنّه يملأ الأرض عدلاً وقسطاً: 123 رواية./3 - الروايات التي تثبّت أنّ المهدي المنتظر من أهل البيت (عليهم السلام): 389 رواية./4 - الروايات التي تبيّن أنّه من ولد أمير المؤمنين (عليه السلام): 214 رواية./5 - الروايات التي تثبّت أنّه من ولد فاطمة الزهراء (عليها السلام): 192 رواية./6 - الروايات التي تقول إنّه من ولد الإمام الحسين (عليه السلام): 185 رواية./7 - الروايات التي تقول إنّه التاسع من ولد الإمام الحسين (عليه السلام): 148 رواية./8 - الروايات التي تقول إنّه من ولد على بن الحسين (عليهما السلام): 185 رواية./9 - الروايات التي تقول إنّه من ولد محمّد الباقر (عليه السلام): 103 رواية./10 - الروايات التي تقول إنّه من ولد الصادق (عليه السلام): 103رواية./11 - الروايات التي تقول إنّه السادس من ولد الصادق (عليه السلام): 99 رواية./12 - الروايات التي تقول إنّه من ولد موسى بن جعفر (عليهما السلام): 101 رواية./13 - الروايات التي تقول إنّه الخامس من ولد موسى بن جعفر (عليهما السلام): 98 رواية./14 الروايات التي تقول إنّه الرابع من ولد على بن موسى الرضا (عليه السلام): 95 رواية./15 الروايات التي تقول إنّه الثالث من ولد محمّد بن على التقى (عليه السلام): 90 رواية./16 الروايات التي تقول إنّه من ولد على الهادي (عليه السلام): 90 رواية./17 الروايات التي تقول إنّه ابن أبى محمّد الحسن العسكري (عليه السلام): 146 رواية./18 الروايات التي تقول إنّه الثاني عشر من الأئمّة وخاتمهم: 136 رواية./19 في ولادته (عليه السلام) وبعض حالات أُمّه: 214 رواية./20 في أنّ له غيبتين: 10 روايات./21 في أنّ له غيبة طويلة: 91 رواية.
(67) الخوئي/ كتاب الصلاة/ج4 - ص258.
(68) المصدر نفسه/ج1 - ص262.
(69) عبد العليم عبد العظيم البستوي/ المهدي المنتظر (عليه السلام) في ضوء الأحاديث والآثار الصحيحة/ص59 نقلاً عن مجلة الجامعة الإسلامية عدد ذي القعدة 1389هـ/ص162.
(70) المصدر نفسه/ص44.
(71) ذكر السيد ثامر العميدي في كتابه القيّم (دفاع عن الكافي)ج1 - ص548-561 أسماء وشؤون من رأى الإمام المهدي (عليه السلام) مشيراً إلى موارد الروايات التي ذكرت رؤيته للإمام من الكتب الحديثية المتعددة نذكر من هذه الأسماء: (إبراهيم بن إدريس أبو أحمد/ إبراهيم بن عبدة النيسابوري/إبراهيم بن محمد بن أحمد الأنصاري/إبراهيم بن مهزيار أبو إسحاق الأهوازي من وكلاء الإمام الحجة (عليه السلام) /أحمد بن إسحاق بن سعد الأشعري/أحمد بن إسحاق الوكيل: كمال الدين/ أحمد بن الحسين بن عبد/أحمد بن عبد الله الهاشمي/أحمد بن عبد الله مع رشيق صاحب المادراي الاتي، ورجل ثالث معهم، بعثهم المعتضد العباسي من بغداد إلى سامرا لتجسس خبر الإمام المهدي والظفر به وقتله (عليه السلام)، وقد شاهدوه يصلي في منزله وأنجاه الله تعالى من كيدهم وشرهم، وقد تاب رشيق إلى الله تعالى مما قدم عليه، وحدث هو بنفسه عن ذلك/ أحمد بن هلال أبو جعفر العبرتائي، ومعه الحسن بن أيوب، وغيره إلى تمام أربعين رجلاً، كما سيأتي: الغيبة للطوسي/أبو الأديان خادم الإمام العسكري/ أربعون رجلاً ضمهم مجلس الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) منهم: أحمد بن هلال المتقدم وغيره مما سنذكره في محله/ أربعون رجلاً، منهم: معاوية بن حكيم، ومحمد بن أيوب بن نوح، ومحمد بن عثمان العمري، أراهم إياه الإمام العسكري (عليه السلام) في منزله: كمال الدين: 435/اسماعيل بن الحسن الهرقلي أبو محمد/إسماعيل بن علي النوبختي: الغيبة للطوسي: 164/ نسيم الخادمة، خادمة أبي محمد الحسن بن علي العسكري (عليه السلام)، ومعها مارية، حضرت ساعة الولادة المباركة، ورأت بأم عينها المولود وهو يسقط من بطن أمه، وقد شهدت بذلك مع مارية، زيادة على شهادة عمة أبيه حكيمة، والعجوز التي ساعدتها في عملية الولادة، فهذه شهادة أربع نساء) وغيرهم الكثير الكثير.
(72) الترمذي/سنن الترمذي/ج5 - ص329؛ الحاكم/المستدرك على الصحيحين/ج3 - ص109.
(73) مسلم/صحيح مسلم/ج6 - ص3/ البخاري/صحيح البخاري/ج8 - ص127.
(74) جاء في كتاب منهاج السنة لابن تيمية ج8 - ص243: (وقد تأول ابن هبيرة الحديث على أن المراد: إن قوانين المملكة باثني عشر مثل الوزير والقاضي ونحو ذلك. وهذا ليس بشيء. بل الحديث على ظاهره لا يحتاج إلى تكلف. وآخرون قالوا فيه مقالة ضعيفة، كأبي الفرج ابن الجوزي وغيره. ومنهم من قال: لا أفهم معناه، كأبي بكر ابن العربي).
(75) جاء في الكتاب نفسه: ج8/ص238: (وفي لفظ: لا يزال الإسلام عزيزاً إلى اثني عشر خليفة كلهم من قريش. وهكذا كان، فكان الخلفاء: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، ثم تولى من اجتمع الناس عليه وصار له عز ومنعة: معاوية، وابنه يزيد، ثم عبد الملك وأولاده الأربعة، وبينهم عمر بن عبد العزيز).
(76) عمرو بن عثمان بن سعيد العمري السمّان.
(77) أحمد بن إسحاق القمي الأشعري المعروف بالوثاقة.
(78) الكليني/ الكافي ج1 - ص330.
(79) جاء في كتاب مباحث الأصول/تقرير بحث السيد محمد باقر الصدر لسيد كاظم الحائري/ج2 - ص502/: (الأخبار الدالَّة على حجيّة خبر الثّقة، وهي معدودة جداً، وتكون من ناحية الكميّة قاصرة عن التواتر، ولكن النقص الكمّي الموجود في أخبار الباب يجبر بالكمال الكيفي الثابت فيها، ويحصل للإنسان من مجموعها الجزم، أو الاطمئنان - على الأقلّ - بحجيّة خبر الثقة.... فمن الروايات الدالَّة على المقصود: ما هو عمدة أحاديث الباب في تحصيل الجزم والاطمئنان، وهو ما رواه الكليني (رحمه الله) في الكافي عن محمّد بن عبد الله، ومحمّد بن يحيى جميعاً، عن عبد الله بن جعفر الحميري، قال: اجتمعت أنا والشيخ أبو عمرو... الحديث).
(80) الطوسي/الغيبة/ص235 - 236.
(81) الصدوق/الأمالي/ص635.
(82) عبد القاهر بن طاهر بن محمد البغدادي/ الفَرق بين الفِرق/ص47.
(83) ابن كثير/البداية والنهاية/ج10 - ص162.
(84) عبد القاهر بن طاهر بن محمد البغدادي/ الفَرق بين الفِرق: ص67.
(85) أبو المواهب عبد الوهاب بن أحمد بن علي الأنصاري، المشهور بالشعراني، فقيه ومحدث مصري صوفي شافعي يسميه الصوفية القطب الرباني (898هـ - 973هـ).
(86) اليواقيت والجواهر في بيان عقائد الأكابر/ الشعراني، عبد الوهاب بن أحمد: ج2 - ص178.
(87) محي الدين محمد بن علي بن محمد بن عربي الحاتمي الطائي الأندلسي، أحد أشهر المتصوفين، لقبه أتباعه وغيرهم من الصوفيين (بالشيخ الأكبر) ولذا تُنسب إليه الطريقة الأكبرية الصوفية. ولد في مرسية في الأندلس في شهر رمضان عام (558هـ( الموافق (1164م) وتوفي في دمشق عام (638هـ) الموافق (1240م) ودفن في سفح جبل قاسيون.
(88) اليواقيت والجواهر في بيان عقائد الأكابر/ الشعراني، عبد الوهاب بن أحمد/ج2 - ص178.
(89) ابن عربي/الفتوحات المكية/ج3 - ص327.
(90) المسعودي/مروج الذهب/ج4 - ص112.
(91) ابن خلكان /وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان/ج4 - ص176.
(92) ابن حجر الهيتمي الأنصاري المكي الشافعي الفقيه (909هـ - 973هـ)، وبالمناسبة ينبغي التفريق بينه وبين ابن حجر العسقلاني الكناني المحدث المشهور، (773 هـ - 852 هـ) شارح صحيح البخاري.
(93) ابن حجر/ الصواعق المحرقة/ص208.
(94) نجم الدين العسكري / المهدي الموعود المنتظر /ص200 - 201/نقلاً عن كتابه (الإتحاف بحب الأشراف) طباعة مصر صفحة 178.
(95) القندوزي الحنفي/ينابيع المودة/ج3 - ص306.
(96) محمد بن طلحة الشافعي/ طالب السؤول في مناقب آل الرسول/ص480.
(97) محمد بن طلحة الشافعي/ طالب السؤول في مناقب آل الرسول/ص484.
(98) البخاري - أبي النصر/ سر السلسلة العلوية/ص40.
(99) علي بن محمد العلوي العمري/ المجدي في أنساب الطالبين/ص130.
(100) فخر الدين الرازي/ الشجرة المباركة في أنساب الطالبية/ص78 - 79.
(101) أحمد بن علي الحسيني (ابن عنبة)/ عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب/ص199.

البحوث والمقالات : ٢٠٢١/٠٥/٢١ : ٤.٦ K : ٠
: علي محمد ناصر
التعليقات:
لا توجد تعليقات.