البحوث والمقالات

(٧٣٠) مقولة (عجَّل الله فرجه الشريف) والشعور بالانتماء

مقولة (عجَّل الله فرجه الشريف) والشعور بالانتماء

الشيخ حميد عبد الجليل الوائلي

قال تعالى: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى﴾ (طه: 124).
- وجود التراث في كل أمة يعبر عن أصالتها، والأُمم الحية تسعى دائماً لضبط مخرجات تراثها وتنقيته اعتماداً على الضرورات والمبادئ.
- المصادر المعرفية للبشرية مختلفة باختلاف التراث، ومن بين أهم مصادر المعرفة لدى البشر جميعاً المفاهيم الدينية وجزء وافر منها المفاهيم المرتبطة بعالم الغيب.
- من خصوصيات الدين الإسلامي أنه يختزن في منظومته المعرفية قسطاً وافراً من المفاهيم الغيبية، ويتعاطى معها ضمن آليات محددة ودقيقة، أنشأت مبتنيات فكرية لا يمكن إسدال الستار عليها أو التغافل عنها جراء تصريح من شخص أو جرَّة قلم من آخر.
- وكذلك من أروع ما يتمتع به النظام المعرفي الإسلامي تعامله الليّن في الحوار، قال تعالى: ﴿فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً﴾ (طه: 44)، وقال تعالى: ﴿فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾ (آل عمران: 159).
ونَظَرُهُ للآخر بمنظار التكافؤ في الحوار، قال تعالى: ﴿وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدى أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾ (سبأ: 24)، فيلحظ نفسه في باب الحوار - مع جزمه بأنه الحق - مكافئاً للآخر.
- إلّا أننا نجد في العادة أن نقّاد الدين لا يقدمون البديل وأن ما يقومون به هو صرف إيجاد التشكيك ومحاولة رفع حالة الشعور بالانتماء لدى الأفراد، دون أن يعنيهم إيجاد البديل، مع أن طلب الدين والشعور بالانتماء من الحاجات الفطرية للإنسان، والخروج منه دون وضع بديل لائق مجازفة خطيرة لا ينبغي بالإنسان العاقل الإقدام عليها.
- التمسك الحقيقي بـ(الدين - الفكر - الوطن - الأسرة - الأولاد) - وجدانياً وفكرياً - من المشاعر الثابتة، وكلما كان الانتماء واقعياً، تقدمت الصلة مع الأشياء التي ننتمي إليها، وتولدت أواصر مع من نشاركهم هذا الانتماء، فالشعور بالانتماء للوطن كلما قوي صارت مشاركته مع من يتمتعون بهذا الشعور بروابط أقوى، وصار بالإمكان تبادل الأفكار والأعمال معهم بشكل أكبر.
- يعبر الانتماء عن الجذور التي ترتبط بها مع الفكرة، ومع الأسرة، ومع الأولاد، ومع الدين، فعلاقة الطفل بأمه من أوائل مشاعر الانتماء التي تتولد عند الإنسان وتُعبر عن حاجة فطرية تبدأ معه ولا تنتهي، فهو انتماء ليس لنا الحق في اختيار أفراده أو تبديلهم أو إنكارهم، علقة لا يمكن لنا التنصل منها مهما وجدت أسباب التعالي عليها أو الشعور بالنقص معها.
- الحاجة للانتماء - وكما يقرها علماء النفس - حاجة فطرية إنسانية، وهي كثيرة ومتعددة من قبيل الحاجات التي ينظر إليها الإنسان باهتمام ورعاية كحاجات غريزية، من الطعام والهواء والماء وما إلى ذلك.
ومن قبيل الحاجات التي تعبر عن الاستقرار والأمان، وتتجلى عندما يفقد الإنسان الأمان أو الصحة أو ما شاكلها.
ومن قبيل الحاجات التي يشعر معها بالقيمة والاعتبار الاجتماعي أو الفردي، كالشعور بالثقة والانتماء لأسرة أو عرق أو مال أو مرتبة علمية.
ومن قبيل الحاجات التي تؤمن المشاعر في الانتماء في دوائر أوسع مما مرَّ كالانتماء الثقافي أو الفكري أو الديني.
كما ويشير جملة من علماء النفس في هذا المجال إلى أن الانتماء هو شعور، واهتمام، فلا يكفي مجرد الشعور دون أن يكون هناك اهتمام، وفي حالات الانتماء المتبادل لابد أن يكون الاهتمام من الطرف الآخر حاضراً لكي تتجلى حالة الانتماء.
فقدان الانتماء الثابت لدى الإنسان أو محاولة محوه يؤدي إلى آثار سلبية كبيرة حتّى على المستوى الصحي، فقد يُصاب الإنسان بحالات الانعزال ثم ظهور حالات الاكتئاب والقلق وغيرها، ويعبر بعض العلماء النفسانيين عن حالة فقدان الانتماء بحالة الاغتراب (وهو ما قاله عالم الاجتماع الأمريكي ميلفين سيمان)، ومن أنواع الاغتراب العديدة - التي أشار إليها - هي حالة الاغتراب بالسعي خلاف إرادته ومصلحته، وحالة الشعور باللامعنى أو اللاجدوى واللامعيار، فضلاً عن شعور العزلة والانفصام الذاتي، كما ويرى الدكتور في علم النفس أحمد زين الدين بو عامر: أن الخلل في شعور الانتماء يوجِدُ حالة السخط ورفض الواقع، ويبعث حالة انقلاب المفاهيم، فيحسب ما هو سوي لا سوي وهو نوع من الجنون.
ولو أجرينا مراجعة سريعة لقاموس المفاهيم التي تصدر من الآخر بهدف تنظيم المنظومة الدينية أو ضبط إيقاع المتدينين، نجد أن معظمها عبارة عن منظومة تشكيك ليس إلّا، بهدف نزع روح الانتماء لدى المتدينين بشكل عام، وفي القضية المهدوية بشكل خاص، لما لهذا الشعور الديني الخاص من تأثير ملموس على بناء القيم والمسؤولية، من خلال إيجاد حالة الانتماء والأمل عبر مفهوم الإيمان والانتظار.
إبعاد المؤمنين عن المفاهيم المهدوية، وفصل الناس عن الثقافة فيها، هدف يسعى له الآخر كلما أتيحت له الفرصة، من خلال رفض الموجود من عقيدة أو فكر مهدوي، بإيجاد سلوكيات خاوية فكرياً وبعيدة عن الجادة والاستقامة عملياً.
إيجاد أفراد ومفاهيم بديلة فكرة قديمة جداً، لم تنجح في إخماد وهج الحق في النفوس، فقد ورد عن الإمام الصادق ݠ: «إن علياً ݠ لم يكن يدين الله بدين إلّا خالف عليه الأُمة إلى غيره إرادة لإبطال أمره وكانوا يسألون أمير المؤمنين ݠ عن الشيء الذي لا يعلمونه، فإذا أفتاهم بشيء جعلوا له ضداً من عند أنفسهم ليلبسوا على الناس»، ومما ورد في هذا الصدد ما قاله أبو حنيفة: (خالفت جعفراً في كل ما يقول أو يفعل، لكني لا أدري هل يغمض عينيه في السجود أو يفتحهما).
- ومن جميل ما ورد عن أهل البيت ݜ في هذا الصدد ما روي عن الإمام موسى بن جعفر ݠ، قال: «إذا فقد الخامس من ولد السابع فالله الله في أديانكم، لا يزيلكم عنها أحد، يا بني إنه لابد لصاحب هذا الأمر من غيبة حتى يرجع عن هذا الأمر من كان يقول به، إنما هو محنة من الله  امتحن بها خلقه، لو علم آباؤكم وأجدادكم ديناً أصح من هذا لاتبعوه».
وهذا النص غاية في الروعة والدقة في رفض البديل ما لم يكن حسب المعايير الدقيقة وبديلاً حقيقياً، وأنّى له ذلك.
وليس في هذا القول تناف مع قوله تعالى: ﴿إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُهْتَدُونَ - مُقْتَدُونَ﴾ (الزخرف: 22 و23).
فإن التمسك بما عليه الآباء والأجداد مما وصلوا إليه من فكر وعقيدة بالجد والاجتهاد حريٌّ بأن يؤخذ منه ويتمسك به، بخلاف ما عند الآباء والأجداد من غير ذلك، أي أن الآية تقصد الجمود على الانحراف الذي كان لدى الأسلاف، لا الثبات على المبادئ الحقة التي آمنوا بها.
- القراءة الواعية للدين - بمعونة ما عليه الآباء والأجداد - ليست من التقليد الممقوت، فالعقلاء يأخذون بكلام الخبراء في مجمل قضاياهم المصيرية.
ولنا أن نسأل المشككين عن البديل في ما يطرح من تشكيك في مسألة:
(النبوة - الإمامة - الغيبة - المرجعية).
ما هو البديل الذي يمثل الحالة المثلى والأفضل مما نترك، ويؤمِّن في ذات الوقت حالة الانتماء والتي لابد من إشباعها؟
إن الحديث المتقدم عن أهل البيت ݜ يؤمِّن الإشباع الحقيقي للانتماء، ويقطع الطريق على المشككين إذ يقول لهم بعد الاستماع لكم:
ثم ماذا؟

البحوث والمقالات : ٢٠٢١/٠٥/٢١ : ٤.٥ K : ٠
: الشيخ حميد عبد الجليل الوائلي
التعليقات:
لا توجد تعليقات.